نجح مصرف لبنان المركزي في تقليص العجز القياسي لميزان المدفوعات إلى نحو 4.4 مليار دولار، كحصيلة مجمعة حتى نهاية الشهر الثامن من العام الحالي، بعد تحقيق فائض يناهز المليار دولار في شهرين متتاليين ساهم في الحد من سرعة تدهور المؤشر الرئيسي لقياس قدرة البلاد على تغطية عجز الميزان التجاري الذي يناهز 17 مليار دولار سنويا، وعلى جذب الرساميل والودائع الخارجية.
وفيما تترقب الأسواق المالية داخليا وخارجيا صدور التكليف الرسمي من قبل وزارة المال لأربعة مصارف دولية ومحلية بإدارة وتسويق إصدار سندات دين دولية بنحو ملياري دولار، كما تترقب نتائج جولات خارجية بدأها رئيس الحكومة سعد الحريري في فرنسا الأسبوع الماضي ويستكملها في الإمارات، تحذر مؤسسات مالية دولية من زيادة اعتماد الحكومة على سحب احتياطات النقد الأجنبي لمصرف لبنان بغية تلبية آجال استحقاق السندات بالعملات الأجنبية، كون التمادي في هذا السلوك «ينطوي على خطر زعزعة استقرار قدرة المصرف المركزي للحفاظ على استقرار الليرة وضمان الاستقرار المالي على المدى الطويل، في ظل اتجاهات ميزان المدفوعات الحالية».
ويمثل انضمام الودائع المصرفية إلى حزمة انكماش النمو وتحوله إلى الجانب السلبي، عائقا إضافيا ضمن مجموعة الصعوبات التي تعقد عملية تمويل الحاجات التمويلية للحكومة بالعملات الصعبة. فنمو الودائع بين 4 و5 في المائة سنويا كان عاملا حاسما في تلبية المصارف للجزء الأكبر من إصدارات الـ«يوروبوندز». لكن هذا النمو أصبح سلبيا أخيرا وبنحو 1 في المائة على أساس سنوي، مما زاد من تقويض مصدر التمويل الرئيسي للديون الحكومية.
بالموازاة، يسعى البنك المركزي إلى تدعيم سياسة الاستقرار النقدي والحفاظ على سعر صرف الليرة رغم موجات الطلب والمضاربات على الدولار في الأسابيع الأخيرة. ويواصل تحفيز المصارف اللبنانيّة على نقل جزء من أصولها بالعملة الأجنبيّة من البنوك الأجنبيّة إلى المصرف المركزي، وذلك من خلال سلسلة من الهندسات الماليّة التي بدأها منتصف العام 2016 بهدف دعم احتياطاته بالعملة الأجنبيّة.
ويمكن تصنيف التبدل الإيجابي المستجد في ميزان المدفوعات بـ«النظري» والمؤقت، رغم نتيجته الرقمية الإيجابية. فهو نتج عن عمليات هندسة مالية متجددة وذات كلفة مرتفعة تصل إلى 14 في المائة، بحيث مكنت المصارف من عرض فوائد عالية تصل إلى 10 في المائة مقترنة بحوافز بالليرة ترفع المردود إلى نحو 13 في المائة سنويا على ودائع الدولار الوافدة من الخارج حصرا. كما قامت بتحويل أجزاء جديدة من ودائعها الاحتياطية في بعض المصارف العالمية.
وقد أفضت هذه العمليات الخاصة بالمصارف إلى تحقيق توازن نسبي في ميزان المدفوعات مع الشهر السابع من العام، ليسجل فائضا ضئيلا بمقدار 72 مليون دولار. بينما تكفلت عملية واحدة بتحقيق فائض جديد خلال شهر أغسطس (آب) بمقدار 921 مليون دولار، والتي نتجت عن توظيف وديعة خارجية لدى البنك المركزي بقيمة 1.4 مليار دولار، بفائدة سنوية تصل إلى 11.5 في المائة، فضلا عن مصاريف عمولات بلغت نحو 150 مليون دولار.
وبحسب معلومات مصرفية توفرت لـ«الشرق الأوسط»، فإن مراحل إنجاز العملية ما زالت طي الكتمان الشديد لدى الأطراف المحلية والخارجية المعنية. لكن يتردد في «صالونات» المصرفيين أنها تمت فعليا كعملية تمويل من مصرف دولي كبير، عبر تقديم ضمانات كافية ربما تشمل رهن سندات دين دولية من محفظة أحد المصارف المحلية الكبرى بما يماثل نحو 40 في المائة من القيمة الأصلية، أو ما بين 55 إلى 60 في المائة من القيمة السوقية.
ومن المرجح وفق مصادر مواكبة تكرار هذه العملية التي فتحت شهية المصارف للحصول على شرائح تمويلية بكلفة الأسواق الأوروبية أو الدولية المنخفضة، وبضمان محافظها من السندات. ومن ثم تعيد توظيفها في شهادات الإيداع بالدولار التي يصدرها البنك المركزي، والاستفادة خصوصا من الاستحصال على تمويل يماثل 125 في المائة من قيمة التوظيف بالليرة بكلفة 2 في المائة فقط. فتزيد بذلك من نسبة السيولة لديها وتوجهها للائتمان أو إعادة الاستثمار لدى البنك المركزي وسندات الخزينة التي تصدرها وزارة المال.
وتركز المؤسسات المالية الدولية على مخاطر ارتفاع الدين العام في لبنان إلى مستويات تقارب 150 في المائة من الناتج المحلي، والعجز الكبير في الميزانين الجاري والمالي، الأمر الذي يتطلّب احتياجات تمويليّة كبيرة في ظل حالة عدم الاستقرار في المنطقة. لكنها تبرز في المقابل، وأحدثها ما ورد بتقرير وكالة «موديز»، «وجود قاعدة ودائع مصرفيّة متينة رغم تراجعها، ومستوى احتياطات عالٍ، يساهمان معاً في دعم الحاجات التمويليّة للحكومة وسِجِلّ يعكس التزام الدولة الكامل بتسديد مستحقّاتها الماليّة رغم الخضّات السياسيّة والاقتصاديّة المختلفة».
وبحسب معطيات سوقية، سيتم توزيع الإصدار الجديد المرتقب على شطرين: الأول لاستحقاق 10 سنوات وبفائدة 11.25 في المائة، والثاني لاستحقاق 15 سنة وبفائدة 12.50 في المائة. لكن نجاح هذا الإصدار مرتبط موضوعيا بمدى تقدم الحكومة في الانتهاء من إعداد مشروع الموازنة العامة للعام المقبل، وإحالته إلى المجلس النيابي ضمن المهلة الدستورية منتصف الشهر الحالي، بحيث يؤمل إقرار القانون وصدوره قبل نهاية السنة أو في مهلة أقصاها نهاية الشهر الأول من العام المقبل.
وتمثل هذه الخطوات تحديات حقيقية أمام السلطتين التنفيذية والتشريعية كونها محكومة زمنيا بمهل وضعتها وكالات التصنيف الدولية، يمتد أقصاها إلى الشهر الثاني من 2020 تحت طائلة الإقدام على خفض التصنيف السيادي مجددا. وهي محكومة أيضا في المضمون لجهة المسار الإصلاحي الذي سيتم اعتماده، وبالأخص في المجالات الأكثر ضغطا على المالية العامة، والمتعلقة بثقل تكلفة القطاع العام البالغة نحو 6.5 مليارات دولار سنويا ويسيطر على نحو 73 في المائة من الإنفاق الأولي للموازنة، وعجز الكهرباء الذي يستنزف أكثر من 1.5 مليار دولار سنويا. إضافة إلى السبل التي سيتم اعتمادها لكبح عمليات التهريب عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية، وتزوير فواتير المستوردات دون القيم الحقيقية، والتهرب الضريبي الواسع.
7:57 دقيقة
لبنان يختبر صعوبات الانضباط المالي و«تحفيز» الودائع الخارجية
https://aawsat.com/home/article/1932941/%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86-%D9%8A%D8%AE%D8%AA%D8%A8%D8%B1-%D8%B5%D8%B9%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%B6%D8%A8%D8%A7%D8%B7-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A-%D9%88%C2%AB%D8%AA%D8%AD%D9%81%D9%8A%D8%B2%C2%BB-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%AF%D8%A7%D8%A6%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC%D9%8A%D8%A9
لبنان يختبر صعوبات الانضباط المالي و«تحفيز» الودائع الخارجية
تقلص «ظرفي» لعجز ميزان المدفوعات قبيل إصدار سندات دولية جديدة
- بيروت: علي زين الدين
- بيروت: علي زين الدين
لبنان يختبر صعوبات الانضباط المالي و«تحفيز» الودائع الخارجية
مواضيع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة