كرينبول: «الأونروا» باقية لدعم الفلسطينيين... ومدارسنا لا يستخدمها «إرهابيون»

أشاد في حوار مع بزيادة الدعم من الاتحاد الأوروبي والسعودية والإمارات بعد وقف التمويل الأميركي

بيار كرينبول (رويترز)
بيار كرينبول (رويترز)
TT

كرينبول: «الأونروا» باقية لدعم الفلسطينيين... ومدارسنا لا يستخدمها «إرهابيون»

بيار كرينبول (رويترز)
بيار كرينبول (رويترز)

رفض المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم في الشرق الأدنى (الأونروا)، بيار كرينبول، في حديث مع «الشرق الأوسط» في نيويورك، ما سماه «ادعاءات وإشاعات» تهدف إلى إنهاء خدمات هذه المنظمة الدولية، وتستهدفه شخصياً، داعياً إلى انتظار نتائج التحقيقات الجارية. وإذ أشار إلى «تحديات وضغوط»، بدأت بوقف الولايات المتحدة حصتها من التمويل، أشاد بالمساهمات التي تقدمها 43 دولة، وفي مقدمها الاتحاد الأوروبي والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت والمملكة المتحدة والسويد واليابان والنرويج، لجمع 1.2 مليار دولار أميركي، بغية مواصلة الخدمات الكثيرة، ومنها تعليم 530 ألفاً من الطلاب الفلسطينيين. وكذلك رفض الاتهامات الإسرائيلية بأن مدارس «الأونروا» يستخدمها الإرهابيون، واصفاً ذلك بأنه «مجرد ادعاء لا أساس له على الإطلاق». ودعا إلى التساؤل عن الوجهة التي يمكن أن يتخذها عشرات الآلاف من الطلاب إذا جرى وقف هذه النشاطات الحيوية في غزة والضفة الغربية وأماكن اللجوء الأخرى.
ويأتي هذا الحوار مع المفوض العام للأونروا بعد حملة ادعاءات إسرائيلية بدأت قبل أشهر، تشمل تورط إدارة الوكالة في سوء السلوك الجنسي، والمحسوبية، والانتقام، والتمييز، وغيرها من الانتهاكات لتحقيق مكاسب شخصية.
وهنا نص الحوار:

> تعاني الأونروا وضعاً صعباً للغاية، وظهرت في الآونة الأخيرة اتهامات كثيرة، وثمة دول بدأت تقول إنها لن تدعم الأونروا... ما الذي يحصل؟
- هناك 3 دول أعلنت أنها ستجمد مؤقتاً مساهماتها في انتظار نتائج التحقيق. وخلال الفترة ذاتها، كانت لدينا 24 جهة مانحة. لذلك أعتقد أن على الجميع أن يضعوا الأمور في نصابها (...) بالطبع، الجميع، وأنا بينهم، يريد أن يرى النتائج. ولن نصدر أي أحكام أو تعليقات بناء على إشاعات أو ادعاءات - وبعضها إشاعات حقاً. أرفض من دون تحفظ الادعاءات الموجهة ضدي مباشرة، لأن عملية التحقيق جارية. وقد تعاونت منذ البداية مع هذه العملية. كنت في جامعة الدول العربية أخيراً، حيث التقيت وزراء الخارجية ونواب وزراء الخارجية، وسط كثير من الاهتمام والتركيز على الأونروا. التقينا خلال الجمعية العامة (للأمم المتحدة) ممثلي مجموعة واسعة من البلدان. والجميع يركزون على تقديم الخدمات التي نقوم بها. وكما تعلمون، فإن أحد أفضل المؤشرات على ذلك هو أننا فتحنا السنة الدراسية لـ530 ألفاً من الفتيان والفتيات الفلسطينيين في الوقت المحدد هذا الصيف. أصبح ذلك في السنوات الأخيرة موضوعاً كبيراً للغاية، لأن ذلك يمثل دوماً تحدياً من الناحية المالية. هل سيكون لدينا ما يكفي من المال لفتح المدارس في الوقت المحدد؟ هذا في الواقع مصدر قلق كبير. وكنت شخصياً في غزة والقدس الشرقية والضفة الغربية، وفي الأردن ولبنان وسوريا، في الأسابيع الماضية للقيام بهذا الافتتاح المدرسي، وأعتقد أن هذه أقوى إشارة يمكن أن نقدمها لتركيزنا على المواضيع التشغيلية.
> هل أنت قلق شخصياً حيال هذه الادعاءات؟ وماذا ستفعل فيما يتعلق بالضغط المتزايد على الأونروا وعليك شخصياً؟
- دعنا نفصل بين أمرين. من الطبيعي للغاية أن تواجه أي منظمة تهتم بمواضيع كالتي نهتم بها، ومن وقت إلى آخر، شكاوى هناك آليات للتعامل معها. والتحقيق الذي يجري حالياً مستقل ضمن منظومة الأمم المتحدة. نحن نتعاون، ونأخذه على محمل الجد، لكننا لن نسند الحكم إلى إشاعات وادعاءات؛ سننتظر النتائج. هذا ما طلبته من الدول الأعضاء أيضاً: دعونا ننتظر، ولا تحكموا بناء على ما يعرض الآن على الملأ؛ هذا هو الإجراء العادي. الآن، ومن ناحية أخرى، يجب أن أقول إن الأونروا واجهت جولات غير مسبوقة من التحديات والضغوط خلال العام ونصف العام الماضي. بدأت بقرار الولايات المتحدة خفض 300 مليون دولار من تمويلها للأونروا، وجرى خفض 60 مليون دولار أخرى هذا العام. لذلك فقدنا كامل مبلغ 360 مليون دولار اعتادت الولايات المتحدة تقديمه حتى عام 2017. وفي عام 2018، نجحنا في تعبئة التمويل من 43 دولة مختلفة، ومن مؤسسات، وكانت هناك زيادة في المساهمات؛ هذا غير مسبوق. يمكنك الذهاب إلى أي جامعة أو مركز أبحاث، لن تجد مثالاً آخر في التاريخ لحملة أطلقتها منظمة إنسانية ونجحت في سد فجوة كهذه. ولهذا السبب أقول إنه يتعين علينا دائماً أن ننظر إلى جانبي القصة. نعم، هناك تحد أساسي بسبب قرار الولايات المتحدة، ولكن هناك قدراً غير عادي من التضامن والاهتمام باللاجئين الفلسطينيين، بأعمال الأونروا، في العام الماضي. وهذا مستمر، عندما أتينا هذا العام إلى مجلس الأمن، وفي لحظات أخرى، حيث قدمت إحاطة، بجانب المنسق الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف، ورأينا ذلك النوع من التحديات السياسية التي تواجهها الأونروا (مثل التشكيك) بوجود لاجئين فلسطينيين (...) أو إعطاء تعريفات خاطئة؛ كان علينا أن نجيب عن كل حالة على حدة.
> هل تربط بين المزاعم المتعلقة بالفساد وسوء السلوك والضغوط المتصاعدة؟ وهل تنكر الادعاءات؟
- لا، لا. بادئ ذي بدء، عليّ أن أصر حق الإصرار على ذلك، إنها مزاعم، ادعاءات وإشاعات. لن يكون هناك أمر آخر قبل انتهاء التحقيق وظهور النتائج، وأعتقد أنه ينبغي التركيز على احترام الإجراءات القانونية. نحن لا نعمل بناء على ادعاءات.
> متى تتوقع النتائج؟
- هذا ليس دوري، نحن لا نتدخل في التحقيق. نأمل في أن يحصل ذلك في أقرب وقت ممكن، ولكن هذا ليس ما نركز عليه، نحن نركز على التعاون مع التحقيق. وبعد الانتهاء من ذلك، سننظر في النتائج وسنتصرف. ولكن في هذه الأثناء، لدينا مهمة كبيرة للغاية. الجزء الأكبر هو أنه عندما تمشي في مدارسنا، هناك 530 ألفاً من الأولاد والبنات الذين يحتاجون إلى التعليم المستمر، والجميع يعلمون أنه لا يوجد بديل عن الأونروا. إلى أين سيذهبون... بلا الأونروا؟
> لماذا لا تقول إن الحكومة الأميركية مستعدة للعمل على معاودة الدفع إلى المحتاجين في كل مكان، ولكن ثنائياً مع الدول في كل من غزة والضفة الغربية، وفي لبنان والأردن؟
- أنا دائماً أميز في حياتي بين ما يقوله الناس وأولئك الذين يقومون بالأفعال. الأونروا تعمل منذ عام 1950، وتخرّج من مدارسنا مليونان ونصف المليون تلميذ وتلميذة. هذا حقيقي، هذه ليست كلمات أو نيات، هذا هو واقع العمل لحماية كرامة اللاجئين وسلامتهم على الأرض. هناك سؤال واحد فقط لا بد من طرحه، ولا يستطيع أحد الإجابة عنه حالياً: هناك 280 ألف صبي وبنت في مدارسنا في غزة. إذا لم تفتح هذه المدارس غداً، إلى أين سيذهب هؤلاء الأطفال؟ لأسباب تتعلق بالكرامة الإنسانية وبالاستقرار الإقليمي، من الضروري للغاية أن تظل مدارس الأونروا مفتوحة. ونحن فخورون بأننا نفتحها في الوقت المحدد. عندما نتحدث عن الطلاب الذين يذهبون إلى مدارسنا، لا يتعلق الأمر بالأونروا، وإنما بمستقبل المنطقة. العاهل الأردني قال إن هناك 120 ألفاً من الصبية والفتيات في مدارس المملكة الأردنية الهاشمية لا يستطيعون تحصيل التعليم (من دون الأونروا)؛ إنها مسألة استقرار وأمن وطنيين.
> من دون الأونروا سيلتحقون بمنظمات إرهابية أو متطرفة؟
- إذا لم نتمكن أنت وأنا من الذهاب إلى المدرسة، فهل سنجلس هنا؟ السؤال ليس هل نحن نميز في حقوق اللاجئين الفلسطينيين - لا نسمح لهم بالذهاب إلى المدرسة؟ من سيعطيهم التعليم؟ في الوقت الذي يشعر فيه الفاعلون السياسيون بأن الوقت حان لمزيد من الاستقطاب، حيث يتحدثون عن ضم الأراضي، وعن التغييرات في المصطلحات السياسية، نحن نركز على هؤلاء الفتيان والفتيات. ونحن بالطبع نتعامل مع الضغوط السياسية (...) لكننا لا ننخدع في التركيز على الأشخاص الذين نخدمهم. افتتحت السنة الدراسية في القدس الشرقية. وعندما تخرج من مدرستنا في سلوان، تجد أمامك القدس القديمة مع كل المواقع التاريخية، بما فيها المسجد الأقصى. هذا هو وجود الأونروا الآن في القدس الشرقية، وفي قلب واقع المدينة القديمة. نحن نحمي المعايير التي تعد مهمة للغاية للمجتمع الدولي، والحفاظ على حل الدولتين. نحن فخورون بأننا على الخطوط الأمامية.
> يبدو أنك واثق من أن غالبية الدول في الأمم المتحدة ستصوت لصالح تجديد تفويض الأونروا، عندما يحين موعد ذلك.
- أن أكون واثقاً لا يعني أني أعطي حكماً مسبقاً؛ هذه مسألة تخص الدول الأعضاء. تهتم الدول دائماً بأن تدار أي منظمة إنسانية بشكل جيد، وبطريقة مسؤولة (...) عندما تنظر الدول الأعضاء إلى جوهر المسألة: لماذا أنشئت الأونروا؟ هل تغيرت الظروف التي أدت إلى إنشاء الأونروا؟ لا. هل لا تزال حاجات المجتمع موجودة؟ نعم. هل هناك طرق أخرى لتغطية تلك الحاجات اليوم؟ لا، ليس بطريقة تتسم بالكفاءة والمهنية. نحن فخورون لأن لدينا 30 ألف موظف، 98 في المائة منهم لاجئون فلسطينيون: معلمون، وأطباء، وعمال صرف صحي. جميع خبرائنا في مجال التعليم والخبراء النفسيين وموظفي الإغاثة والخدمات الاجتماعية من الفلسطينيين أنفسهم. نحن ندفع ثمناً باهظاً. كنت في سوريا قبل فترة وجيزة، حيث خسرنا 18 موظفاً منذ بداية الحرب، ولدينا 25 مفقوداً. خسرنا 11 زميلاً في حرب غزة عام 2014. أحياناً يقول الناس: أوه، منظمات الأمم المتحدة بيروقراطية كبيرة. هؤلاء الموظفون الذين فقدوا أرواحهم في الخطوط الأمامية (...) يفعلون ذلك نيابة عن المجتمع الدولي، بتكليف من الجمعية العامة. نحن لسنا منظمة ذاتية الإنشاء (...) نحن نعبر عن الإرادة الجماعية للمجتمع الدولي.
> من هم أكبر المانحين الآن للأونروا؟
- بعد قرار الولايات المتحدة وقف التمويل، صار الاتحاد الأوروبي المانح الأكبر. لدينا مانحون كبار مثل ألمانيا والمملكة العربية السعودية. لدينا أيضاً المملكة المتحدة والسويد. وفي الخليج، لدينا المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر والكويت من أفضل 10 دول. ونحن ممتنون للغاية لليابان والنرويج.
> هل تكفي هذه الدول لتغطية الحاجات؟ ما الأرقام؟
- لدينا ميزانية قدرها 1.2 مليار دولار أميركي لجميع نشاطاتنا الحالية، لكن إذا اتبعنا مقاربة قائمة على الحاجات، وحتى لو نظرنا إلى ما نتوقعه في استراتيجيتنا المتوسطة الأجل، يجب أن يكون المبلغ بحدود 1.5 مليار دولار.
> هل تشعر بالقلق من أنك قد تحتاج إلى وقف بعض الخدمات بسبب نقص الأموال؟
- لحسن الحظ، تمكنا هذا العام من الحفاظ على الخدمات التي خططنا لتنفيذها. وفي العام الماضي، على الرغم من أننا نجحنا في سد النقص الذي واجهناه بعد خفض التمويل الأميركي، كانت هناك حصرية في التمويل الأميركي لبعض النشاطات. ففي قطاع غزة مثلاً، كان علينا اتخاذ قرار بحماية توزيع الأغذية لمليون شخص، أو الحفاظ على الدعم النفسي والاجتماعي. قللنا الدعم النفسي والاجتماعي، وهو ما يؤسفني للغاية لأنه مطلوب بشدة. لكنني فخور بالعمل الذي أنجزته الوكالة بأكملها العام الماضي، لأن ما كان على المحك هو خدماتنا لـ5.4 مليون شخص؛ ثمن الفشل الفادح في حل الصراع.
> أريد توضيحاً: لماذا لا يمكننا وضع الخدمات التي تقوم بها الأونروا تحت جهاز آخر تابع للأمم المتحدة؟ هذه واحدة من القضايا التي يثيرها الإسرائيليون والأميركيون.
- ما يتحدثون عنه أحياناً هو الإشارة إلى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بوصفها الجهة الفاعلة. هاتان وكالتان لهما ولايتان منفصلتان ومحددتان بدقة. إذا عدت إلى التاريخ، لماذا أنشئت الأونروا؟ لأن الدول الأعضاء في أواخر الأربعينات من القرن الماضي كانت مقتنعة بضرورة وجود استجابة محددة لحالة اللاجئين الفلسطينيين بعد قيام دولة إسرائيل. ولكنهم أيضاً كانوا يعتقدون أنه سيكون هناك حل سياسي سريع، ويمكن بعد ذلك حل المشكلة والتخلص تدريجياً من الأونروا، على أن تعتني مفوضية شؤون اللاجئين باللاجئين في كل أنحاء العالم. لكن هذا لم يحصل. ولا بد من القول إن الأمر مرهق بعض الشيء، وبأمانة شديدة، أن نسمع تعليقات متكررة أن الأونروا تساهم بطريقة أو بأخرى في إدامة أوضاع اللاجئين، علماً بأن سبب ذلك هو الفشل الفادح للأطراف السياسية الفاعلة في حل الصراع.
> ما الذي أوجد مشكلة اللاجئين؟
- الفشل الفادح للجهات الفاعلة السياسية في حل النزاع بين إسرائيل وفلسطين. كنا قريبين من أمر ما في عملية أوسلو. كانت هناك رؤية لمرحلة تسلم فيها الأونروا منشآتها وبعض موظفيها إلى السلطة الفلسطينية الناشئة، في الطريق إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة. لأن هذا لم يحصل سياسياً، نحن لا نزال هنا، وسنبقى هنا حتى يجري التوصل إلى حل عادل ودائم.
> نسمع كثيراً من الجانب الإسرائيلي أن تلك المدارس التي تديرها الأونروا يستخدمها الإرهابيون. وحتى في مرحلة ما، كانت هناك أسلحة قربها أو تحتها!
- العالم الذي نعيش فيه يمكن لأي شخص أن يطرح مجرد ادعاء، لا أساس له على الإطلاق ولا أساس له من الصحة، ثم يقع على عاتقنا نحن الإجابة عن السؤال. لكني سأجيب عليه لأنه مثير للاهتمام. يوجد الآن في قطاع غزة 280 ألفاً من الصبيان والبنات في مدارس الأونروا. تعليمهم لا يعتمد فقط على تعلم اللغات والرياضيات، بل أدخلنا جزءاً خاصاً يركز على حقوق الإنسان وحل الصراع والتسامح؛ هذا فريد من نوعه في المنطقة... لدى الأونروا نظام تعليمي خاص، ولدينا انتخابات كل عام، حين يقوم طلابنا بتنظيم حملات انتخابية لتمثيل زملائهم الطلاب. لدينا في غزة برلمان طلابي مركزي يتكون من 15 صبياً وفتاة. الرئيس الحالي للبرلمان الطلابي المركزي في غزة فتاة صغيرة تبلغ من العمر 15 عاماً. الآن، هذه ليست إحدى الصور التي تتبادر إلى ذهنك عندما تغمض عينيك وتفكر في غزة. نحرص على أن المحافظة على حياد التعليم في مدارسنا، لضمان اتساقها مع قيم الأمم المتحدة ومبادئها.
> لماذا لا تقبلون الاتهام الأميركي بأنكم منفصلون عن الواقع؟ فمساعدة اللاجئين في لبنان أو الأردن أو سوريا أكثر واقعية من مجرد محاولة إبقاء قضية اللاجئين على قيد الحياة. أليس كذلك؟
- أرفض تماماً حقيقة أن عمل الأونروا يبقي النزاع حياً. الوكالة تحافظ على الأمل والأفق. لقد تخرج مليونان ونصف المليون شخص من مدارسنا. التقيت كثيرين منهم ليس فقط في المنطقة، بل أيضاً في مؤتمرات هنا في الولايات المتحدة وأستراليا وسويسرا. في كل مرة ألقي فيها خطاباً في مكان ما، يأتي شخص ما لتقديم نفسه أو نفسها: أنا ابن - بنت مدارس للأونروا... للاجئين الفلسطينيين حقوق، بموجب قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي، فلماذا يجب التخلي عن وعد لم يكسر على مدار الأعوام السبعين الماضية من قضيتهم؟ نعلم أن بعض الأشخاص لا يشعرون بالارتياح لوجود اللاجئين الفلسطينيين. هؤلاء هم الذين يجعلون اللاجئين حالة خاصة، لأنه لو جرى حل هذا الصراع سياسياً، لوجدنا حلولاً لهم.
> هل الأونروا تتعرض لهجوم؟ ولماذا؟
- العالم الذي نعيش فيه في وضعٍ مزرٍ (...) ماذا ورثنا بعد الحرب العالمية الثانية؟ ورثنا ميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقات جنيف، التي تطبق في حالات النزاع المسلح (...) واليوم لدينا اتجاه يعتقد فيه البعض أن هذا لم يعد ذا صلة بعالم اليوم، لذلك هم مستعدون للتخلص من الإرث الذي ورثناه. يريدون أن نعتقد أن هذا سيقودنا إلى عالم أفضل؟ لا. الأونروا تتعرض للهجوم على عدد من الجبهات، ولكن ربما يتعين علينا أن نقبل ذلك، باعتباره ثمن العمل في واحدة من أكثر المناطق استقطاباً في الكوكب.
> لو سنحت لك الفرصة لرؤية الرئيس دونالد ترمب، ماذا تقول له؟
- أود أن أتحدث معه حول التأثير على حياة البشر، وما نفعله من أجل الناس، الأطفال. وأنا متأكد تماماً أنه، مثل أي شخص، لو قابل طالباً من الأونروا، سيبدي إعجابه بنوعية هؤلاء الطلاب.
> أنت ستقنعه برؤية طلاب الأونروا؟
- لم لا؟ سأكون سعيداً للغاية بمقابلة أي شخص مع طلاب الأونروا. أعتقد أنه لا يوجد سفراء أفضل من طلاب الأونروا.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.