بيرو... أحد أغنى بلدان العالم طبيعياً وحضارياً

بيرو... أحد أغنى بلدان العالم طبيعياً وحضارياً
TT

بيرو... أحد أغنى بلدان العالم طبيعياً وحضارياً

بيرو... أحد أغنى بلدان العالم طبيعياً وحضارياً

تعد بيرو - ثالث كبرى دول أميركا الجنوبية من حيث المساحة بعد البرازيل والأرجنتين - من أغنى بلدان العالم بالتنوّع البيولوجي والثروات المعدنية. وهي كانت مهداً لعدد من أعرق الحضارات في التاريخ تزامنت مع الحضارات المصرية والصينية والهندية القديمة، وكذلك مع حضارة بلاد ما بين النهرين. ولعل آخر وأشهر تلك الحضارات حضارة إمبراطورية «الإينكا» التي سادت في القسم الغربي إبان حقبة الاستعمار الإسباني. وفي فترة ما تحولّت بيرو إلى مركز رئيسي لاستخراج الذهب الذي كان أهم مصادر الثروة التي راكمتها الإمبراطورية الإسبانية حتى منتصف القرن 19. وكانت عاصمتها ليما عاصمة «إسبانيا الجديدة» أو الوجود الإسباني في القارة الأميركية الجنوبية، وذلك قبل أن تنال بيرو استقلالها إثر معارك دامية استمرت 3 عقود، وانتهت بمعركة آياكوتشو في حرب الهادئ الشهيرة.

ديمقراطية وانقلابات عسكرية
بعد الاستقلال تعاقبت على بيرو حكومات ديمقراطية كانت تتخللها انقلابات عسكرية باستمرار، إلى أن استقرّ في الحكم نظام ديكتاتوري من عام 1968 إلى عام 1980 (عبر انقلابين؛ الأول يساري والثاني يميني). وبعدهما عادت الديمقراطية التمثيلية التي واجهت صراعات دامية ضد حركات مسلّحة لعل أشهرها منظمة «الدرب المضيء» اليسارية وحركة «توباك آمارو» التي اتخذت اسمها تيمّناً بأحد أبطال النضال ضد الاستعمار الإسباني.
خلال عقد التسعينات من القرن الماضي، قام في بيرو نظام اقتصادي ليبرالي ما زالت قواعده راسخة إلى اليوم، وشهدت بفضله نمواً اقتصادياً مهماً وتراجعاً ملحوظاً في مستويات الفقر، ما جعل منها إحدى الدول الناشئة الأسرع نمواً في أميركا اللاتينية. ولكن، في ثمانينات القرن الماضي، شهدت بيرو أزمة اقتصادية حادة مع الحكومة الأولى للرئيس اليساري آلان غارسيّا الذي انتهى عهده باضطرابات واحتجاجات شعبية واسعة، ونشاط غير مسبوق للحركات المسلحة التي نفذّت عمليات إرهابية دامية في العاصمة وبعض المدن الكبرى.
بعدها، في عام 1990 شهدت بيرو انتخابات رئاسية حامية بين الروائي اليميني المعروف وحائز جائزة نوبل للآداب ماريو فارغاس يوسا والسياسي الشعبوي ألبرتو فوجيموري، المتحدّر من أصول يابانية، انتهت بفوز الأخير الذي سرعان ما واجه معارضة شديدة من القوى اليسارية في البرلمان.
حكم فوجيموري بيرو 3 ولايات متتالية اتسمت باضطرابات سياسية واجتماعية شديدة، وتخللها قمع للحريات بدعم من القوات المسلحة التي تحوّلت مع الوقت إلى الدعامة الأساسية لنظامه. وتفشّى الفساد السياسي والمالي الذي كان السبب في سقوطه قبل نهاية ولايته الثالثة بعد انكشاف فضيحة رشوة نواب من المعارضة لتأييد الحكومة.
في عام 2001 انتخب آليخاندرو توليدو، مرشح اليمين، رئيساً للجمهورية بفارق ضئيل عن الرئيس الأسبق آلان غارسيّا، الذي عاد إلى المشهد السياسي بخطاب معتدل بعد ولايته الأولى التي تميـّزت بشعبويّة يسارية أوشكت أن تنتهي بانقلاب عسكري في مرحلتها الأخيرة.
إلا أن توليدو لم يتمتع بشعبية واسعة بسبب فضائح الفساد المالي الكثيرة التي ظهرت على عهده الذي شهد، رغم ذلك، نمواً اقتصادياً كبيراً، خصوصاً في العاصمة والمناطق الصناعية الكبرى. وقد ألقي القبض على توليدو (المتحدر من شعب الكيتشوا الأصلي في بيرو، ويحمل درجة الدكتوراه من جامعة ستانفورد الأميركية الشهيرة) في ولاية كاليفورنيا، حيث ينتظر البت في طلب الاسترداد الصادر بحقه من حكومة بيرو بتهمة اختلاس الأموال العامة.
في عام 2006، أعيد انتخاب غارسيّا ضد المرشّح العسكري أويانتا أومالا (يسار الوسط). لكن أومالا عاد ليفوز في انتخابات عام 2011 على منافسته كيكو فوجيموري ابنة ألبرتو فوجيموري الذي كان يقضي عقوبة بالسجن لمدة 25 سنة بعد إدانته بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. ثم في عام 2016 فاز الاقتصادي بيدرو بابلو كوزينسكي على كيكو فوجيموري، قبل أن يضطر بعد سنتين إلى الاستقالة إثر انكشاف ضلوعه في فضائح الفساد وأودع السجن لفترة 18 شهراً، وخلفه نائبه الرئيس الحالي مارتين فيزكارّا، الذي يواجه معارضة شديدة من البرلمان الذي يسيطر عليه تيّار فوجيموري.

معلومات سريعة
> تقع بيرو في غرب قارة أميركا الجنوبية، تحدها من الشمال كل من الإكوادور وكولومبيا، ومن الشرق البرازيل وبوليفيا، ومن الجنوب تشيلي، بينما تطل غرباً على المحبط الهادي.
تبلغ مساحة بيرو التي تتقاسم أرضها السهول الساحلية وجبال الأنديز الشاهقة وغابات الأمازون، أقل بقليل من مليون و290 ألف كلم مربع.
يربو عدد سكان بيرو على 33 مليون نسمة، وهي بالتالي رابع أكبر دول أميركا الجنوبية من حيث التعداد السكاني خلف البرازيل وكولومبيا والأرجنتين. وبين هؤلاء نسبة عالية من الأميركيين الأصليين، لا سيما شعب الكيتشوا، بجانب الأوروبيين من أيام الاستعمار الإسباني، والمولدين والخلاسيين، ثم هناك نسبة لا بأس بها المهاجرين الآسيويين - وبالذات من الصينيين واليابانيين - الذين جاءوا في موجات هجرة لاحقة.
عاصمة بيرو مدينة ليما، الواقعة في وسط غربي البلاد، والمطلة مع مينائها كاياو على المحيط الهادي. ويقرب عدد سكان ليما - كاياو من 9.8 ملايين نسمة. وتحتل مدينة آريكيبا، في جنوب البلاد، المرتبة الثانية بنحو مليون نسمة، تليها مدينة تروخييو على الساحل الشمال. أما إحدى أشهر مدن بيرو وأعرقها فهي مدينة كوزكو، بجنوب البلاد، وهي العاصمة الشهيرة لحضارة الإينكا، وثامن كبرى مدن بيرو.



يسرائيل كاتس... «البلدوزر» المدني المولج بمهمة استعادة «محتجزي» غزة

كاتس
كاتس
TT

يسرائيل كاتس... «البلدوزر» المدني المولج بمهمة استعادة «محتجزي» غزة

كاتس
كاتس

راهن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على قدرة وزير دفاعه الجديد يسرائيل كاتس، الذي يصفه بـ«البلدوزر»، في تحقيق ما يراه «انتصاراً حاسماً» في غزة، واستعادة المحتجزين في قطاع غزة، منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وذلك بعد أشهر من صراع نتنياهو الشخصي مع الوزير السابق يوآف غالانت، انتهى إلى إقالة الأخير. ما يلفت اهتمام المراقبين أن كاتس، الذي هو الحليف الأقرب لنتنياهو في معسكر «الصقور» الليكودي، لا يتمتع برصيد خبرة عسكرية سابقة، ولكن عليه أن يكمل حرباً مستمرة ضد حركة «حماس»، للرد على هجومها في 7 أكتوبر، الذي تسبب في مقتل 1206 أشخاص وأسر 251 شخصاً، لا يزال 97 منهم محتجزين في غزة، ويقول الجيش إن 34 منهم ماتوا.

لم يشغل يسرائيل كاتس أي منصب قيادي كبير في الجيش الإسرائيلي، بعكس سلفه يوآف غالانت، الذي كان جنرالاً قبل أن يصبح وزيراً للدفاع في 2022. إلا أن بنيامين نتنياهو أظهر ثقة في خبرته الواسعة وقيادته، قائلاً إنه «مجهز جيداً لقيادة الجهود الدفاعية خلال هذه الفترة الحرجة»، وفق ما نقلته صحيفة «يديعوت أحرونوت».

في المقابل، حرص وزير الدفاع الإسرائيلي المعيّن في تصريحات أولية على إظهار الولاء لأهداف نتنياهو التي لم يعد يثق في إدارة غالانت للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة ولبنان.

وفق هذا التقدير، جاءت أول تصريحات كاتس لتعطي الأولوية لإعادة المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة و«تدمير» حركة «حماس» الفلسطينية، و«حزب الله» اللبناني.

خلفية شخصية

لا تتوفر تفاصيل كثيرة عن نشأة وزير الدفاع الجديد، بيد أن المتداول إعلامياً هو أنه وُلد عام 1955 في مدينة عسقلان الساحلية، بإسرائيل لوالدين من منطقة ماراموريش في رومانيا، هما مئير كاتس ومالكا نيدويتش. وهو حاصل على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من الجامعة العبرية في القدس المحتلة، ثم نال دبلوم الدراسات العليا من الجامعة نفسها.

اجتماعياً، فإن كاتس الذي يقيم في مستوطنة «موشاف كفار أحيم» متزوج ولديه ولدان، ويجيد العمل في الزراعة، وفق موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية.

التحق كاتس بالجيش عام 1973، لكن الملاحظ أن علاقته مع المؤسسة العسكرية توقفت عند عام 1977؛ إذ خدم في صفوف قوات المظلات قبل هذا التاريخ بـ4 سنوات، ثم تطوّع في لواء المظليين وتدرّج في المناصب العسكرية ليصبح ضابط مشاه في عام 1976، قبل أن يترك الخدمة عام 1977.

مع مسيرته السياسية

على الصعيد السياسي، كان تيار الصقور المتشددين هو الاختيار المبكر لكاتس؛ إذ التحق بحزب الليكود اليميني الذي يرأسه نتنياهو، كما أن الصدفة قادته إلى عضوية الكنيست منذ عام 1998 بديلاً لإيهود أولمرت، وبالفعل عمل كاتس في عدد من لجانه، قبل أن يشغل مناصب وزارية عدة خلال العقدين الماضيين، منها وزير الزراعة، والنقل، والمخابرات، والمالية والطاقة.

بدأ مسار كاتس الوزاري مع الوزارات السيادية في عام 2019؛ إذ دشن ولايته الأولى وزيراً للخارجية، وشغل في الوقت نفسه منصب وزير الاستخبارات، كما شغل منصب وزير المالية وأدار السياسة الاقتصادية إبّان جائحة «كوفيد - 19» التي ضربت العالم.

متطرف استيطاني...في وزارة الخارجية

ووفق تسوية سياسية لتداول المناصب، جرى تعيين كاتس وزيراً للطاقة والبنية التحتية في يناير (كانون الثاني) 2023، ليتبادل المنصب مع وزير الخارجية إيلي كوهين، ومن ثم يبدأ كاتس بعد سنة واحدة فترة ولايته الثانية وزيراً للخارجية.

ما يُذكر هنا أن رؤية كاتس المتطرفة حيال «حرب غزة،» - التي لا يستبعد محللون أن تنعكس على أدائه العسكري - تنطلق من القول إن إسرائيل «كانت في ذروة الحرب العالمية الثالثة ضد إيران». وهو يتمسك في الوقت ذاته «بالتأكيد على أولوية إعادة المحتجزين لدى (حماس) في غزة»، وفق تصريحات أطلقها عبر منصة «إكس» في يناير الماضي.

وفي الحقيقة، عُرف كاتس بشخصيته الصدامية منذ وقت مبكّر، حين أُوقف عن رئاسة الاتحاد في الجامعة لمدة سنة في مارس (آذار) 1981، إثر مشاركته في أنشطة عنيفة احتجاجاً على وجود طلاب أراضي 48 بالحرم الجامعي. وفي مارس 2007 لاحقته تهم الاحتيال وخيانة الأمانة، بعدما أقدم على تعيينات في وزارة الزراعة بُنيت على محاباة سياسية وعائلية.

انعكس السلوك العدواني هذا - حسب مراقبين - على نهج كاتس الدبلوماسي مع الفاعلين الدوليين؛ إذ أثار أزمة دبلوماسية بعد وقت قصير من تعيينه لأول مرة وزيراً للخارجية، عندما قال إن البولنديين «يرضعون معاداة السامية».

غوتيريش وبلينكن

وكان مفاجئاً، إعلانه وبصفته وزيراً للخارجية، أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش «شخص غير مرغوب» فيه بسبب امتناع غوتيريش عن التنديد بالهجوم الصاروخي الإيراني في أكتوبر (تشرين الأول).

وأيضاً، في الشهر عينه، صدرت أوامر كاتس القاطعة لمسؤولين في وزارة الخارجية «ببدء إجراءات قانونية ضد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعدما حظرت باريس مشاركة الشركات الإسرائيلية في معرض تجاري بحري عسكري».

لكن البارز في «مشوار» وزير الدفاع الجديد مع حقيبة الخارجية، هو أنه لم يكن ضمن الشخصيات البارزة في المباحثات الإسرائيلية - الأميركية خلال 11 زيارة أجراها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023؛ إذ لم يعقد بلينكن سوى اجتماعات قليلة مع كاتس.

ومن ناحية ثانية، يلاحظ محللون مشاريع سياسية مثيرة للجدل والغضب العربي تبناها كاتس؛ إذ إنه صاحِب «خطة» زيادة عدد المستوطنين في مرتفعات الجولان بشكل كبير، التي قدّمها للكنيست في يناير 2004. وكذلك كان كاتس قد لوّح بالاستقالة من الحكومة احتجاجاً على خطة رئيس الوزراء السابق آرييل شارون للانسحاب من قطاع غزة من طرف واحد في مارس 2004.

لا لافتات عربية

من بين المواقف الأخرى لوزير الدفاع الجديد التي رصدتها تقارير إعلامية عربية، هي قرار تغيير لافتات الطرق الموجودة بحيث تكون جميع الأسماء التي تظهر عليها بالعبرية، خلال فترة عمله وزيراً للمواصلات في حكومة نتنياهو عام 2009، وبعدها بـ7 سنوات حثّ على «استخدام عمليات التصفية المدنية المستهدفة أو الاغتيالات» ضد قادة الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل «حركة بي دي إس».

وبالتوازي، لا يخفي مراقبون فلسطينيون وعرب مخاوفهم من إحياء مشروع قديم جديد سبق أن طرحه كاتس لبناء «جزيرة صناعية»، وأعاد الحديث عنه بعد توليه حقيبة الخارجية في يناير الماضي. وتعود التفاصيل الأولى لهذا المشروع إلى عام 2011. ووفق مقطع فيديو نشره كاتس عندما طرح الفكرة آنذاك، فإن الجزيرة يفترض أن تقام على بعد 4.5 كيلومتر قبالة سواحل قطاع غزة، وستكون بطول 4 كيلومترات وعرض كيلومترين، وبمساحة تصل إلى 5400 دونم (الدونم 1000 متر مربع). وهي ستضم، حسب المخطط الإسرائيلي، ميناءً للسفر ونقل البضائع، ومخازن، ومحطة تحلية مياه، ومحطات للكهرباء والغاز، ومراكز لوجيستية.

فيما يخص الإجراءات الأمنية، يوضح الفيديو أن إسرائيل ستبقى مسيطرة على محيط الجزيرة، وعلى إجراءات الأمن والتفتيش في موانئها، بينما ستتولى قوة شرطة دولية مسؤولية الأمن على الجزيرة وعلى نقطة تفتيش ستقام على الجسر الذي سيربط قطاع غزة بالجزيرة، بالإضافة إلى إنشاء جسر متحرك يمكن تفكيكه بحيث يقطع التواصل بين الجزيرة وقطاع غزة.

 

 

لا يخفي مراقبون فلسطينيون مخاوفهم من إحياء مشروع قديم سبق أن طرحه كاتس لبناء «جزيرة صناعية» قبالة ساحل غزة

تهجير غزة... وغيرها

الخطير أن هذا المقترح حظي آنذاك بتأييد نتنياهو ودعم قادة في أجهزة الأمن الإسرائيلية؛ ما يطرح تساؤلات متابعين حول سيناريوهات التمهيد لهذا المشروع مع وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد بالمضي قدماً فيما يوصف بـ«مخطط تهجير الفلسطينيين»، لكن إلى البحر هذه المرة.

وإلى جانب رفضه وقف الحرب على غزة، يُعرف يسرائيل كاتس بتأييده لتوسيع السيطرة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية، ودعمه القوي للاستيطان، ورفضه حل الدولتين. فهو يفضّل إنشاء كيان فلسطيني مستقل يرتبط مدنياً وسياسياً بالأردن، ويدعو إلى ربط قطاع غزة بمصر، ويبدو كاتس أكثر تشدداً من نتنياهو في بعض المواقف، مثل رفض إخلاء المستوطنات، الذي «سيؤدي إلى تحوّل المستوطنين لاجئين»، وفق صحيفة «إسرائيل هيوم».