«صراع الثروات» في قلب حملات الرئاسة الأميركية

أظهرت أحدث المؤشرات الأميركية ضعفاً في الاستهلاك الذي يعد حجر الزاوية في معدل النمو الاقتصادي (رويترز)
أظهرت أحدث المؤشرات الأميركية ضعفاً في الاستهلاك الذي يعد حجر الزاوية في معدل النمو الاقتصادي (رويترز)
TT

«صراع الثروات» في قلب حملات الرئاسة الأميركية

أظهرت أحدث المؤشرات الأميركية ضعفاً في الاستهلاك الذي يعد حجر الزاوية في معدل النمو الاقتصادي (رويترز)
أظهرت أحدث المؤشرات الأميركية ضعفاً في الاستهلاك الذي يعد حجر الزاوية في معدل النمو الاقتصادي (رويترز)

مع توالي صدور المؤشرات الاقتصادية الأميركية بشكل دوري، بعضها شهري وبعضها الآخر فصلي أو سنوي، تتوالى القراءات الراغبة في معرفة حقيقة تأثير الحروب التجارية التي تشنها إدارة الرئيس دونالد ترمب، خصوصاً الحرب مع الصين، مع تركيز خاص على إمكان الحصول على ما يؤكد أو ينفي أن الاقتصاد الأميركي متجه إلى ركود بفعل ذلك.
آخر المؤشرات، من حيث الظهور، كان مؤشر الاستهلاك الذي صدر الأسبوع الماضي، وتبين معه أن هناك «ضعفاً» واضحاً يعتري هذا الجانب الذي يعد حجر الزاوية في معدل النمو الاقتصادي، إذ إن الزيادة في الإنفاق الاستهلاكي في شهر أغسطس (آب) الماضي كانت شبه مستقرة، بزيادة طفيفة لا تتجاوز 0.1 في المائة، وذلك في مقابل مقاومة تشهدها زيادة مداخيل الأسر والأفراد، بتسجيل ارتفاع بنسبة 0.4 في المائة. أما معدل التضخم فيبقى معتدلاً عند 1.4 في المائة، أي بعيداً عن المستهدف من الاحتياطي الفيدرالي، وهو 2 في المائة. وينتظر الاقتصاديون صدور بيانات سوق العمل لاستشعار دينامية ما تؤكد عدم الاتجاه ناحية الركود، علماً بأن التباطؤ يمكن قراءته في معدل النمو الذي بلغ 2 في المائة فقط في الفصل الثاني على أساس سنوي.
وهذا المعدل يفتح النقاش حالياً بين المتنافسين على انتخابات الرئاسة الأميركية حول من الذي استفاد من النمو الذي لا يتوانى الرئيس ترمب عن التذكير به بين الحين والآخر، إذ يؤكد معارضو الرئيس أن الإفادة لم تكن شاملة، بل تركزت المكاسب لدى فئة دون أخرى، وهذا - برأيهم - فاقم حالة اللاعدالة في توزيع الثروة.
وأكدت دراسة حديثة صدرت عن «أوكسفورد إيكونوميكس» أن اتساع فجوة اللامساواة، وتشديد شروط الائتمان في وجه شرائح معينة، وشح التمويل العقاري السكني... عوامل أسهمت في إبطاء نمو الاستهلاك والإنفاق الأسري، مما أثر في النمو السنوي بنسبة 0.3 في المائة سلباً.
وفي المقابل، ينفي اقتصاديون آخرون مقولة استئثار فئة دون أخرى بمنافع النمو الاقتصادي الذي تحقق في السنوات الماضية، ويشيرون في هذا الصدد إلى هبوط معدل البطالة إلى أحد أدنى مستوياته التاريخية.
وأوضحت دراسة صادرة عن مكتب «سانسوس» للإحصاءات أنه، وللعام الخامس على التوالي، هبطت نسبة الأسر التي تعيش تحت خط الفقر، لتبلغ حالياً 13 في المائة فقط من إجمالي الأسر، بعدما كانت قد وصلت إلى 15.5 في المائة غداة الأزمة المالية في 2008-2009. ويضيف المكتب أن معدل الدخل الوسطي للأسر يواصل ارتفاعه، بعدما سجل العام الماضي 62 ألف دولار، بزيادة نسبتها 0.8 في المائة. لكن قراءة تلك الإحصاءات تستدرك، لتؤكد أن أميركا احتاجت إلى 10 سنوات حتى تستطيع محو بعض آثار تراجع المداخيل التي تأثرت بالأزمة. ولا ينفي مكتب «سانسوس» أن العام الماضي شهد تفاوتاً في نمو المداخيل بين فئات وأخرى. ويرجح اقتصاديون أن تكون الإصلاحات الضريبية التي أجراها الرئيس ترمب قد أفادت الفئات والشرائح الميسورة أكثر من غيرها، وأنها أتت في مصلحة الشركات الكبيرة التي راكم مساهموها ثروات أكبر، استناداً إلى مؤشر معتمد اسمه «جيني»، يقيس دورياً اتساع فارق الثروات والمداخيل بين الأكثر غنى ويزدادون ثراء، وبين الأقل غنى ويزدادون فقراً.
لكن أنصار سياسات ترمب يردون بأن هذه الظاهرة ليست حكراً على الولايات المتحدة. ففي مقارنة بين الدول الأكثر غنى وتقدماً في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، يتبين أن هناك 5 دول ترتفع فيها معدلات اللامساواة في المداخيل والثروات أكثر من الولايات المتحدة، وبين تلك الدول المكسيك وجنوب أفريقيا. ويضيف مناصرو الرئيس من الاقتصاديين أن قضية اللامساواة ليست حديثة، بل ترقى إلى سنوات ولاية الرئيس الراحل رونالد ريغان. لكن ذلك لا يقنع المعارضين الذين يشددون على أن سنوات النمو الأخيرة لم تفلح في ردم أي جزء، مهما كان صغيراً، من تلك الفجوة. وللاستدلال على ذلك، يذكرون دراسة موثقة لمكتب «أوكسفورد إيكونوميكس» تؤكد أن 40 في المائة من أصحاب المداخيل والرواتب العالية يستأثرون بنسبة 74 في المائة من الدخل العام، وهذا أعلى بمعدل نقطة مئوية مقارنة بعام 2009، و3 نقاط مقارنة بعام 1989.
وتشير الدراسة إلى أنه منذ عام 2009، استحوذت نسبة 40 في المائة من أصحاب المداخيل العالية على 84 في المائة من المداخيل والثروات الإضافية التي تحققت في 10 سنوات، مع الإشارة أيضاً إلى تفاوت متعاظم في الممتلكات. أما إحصاءات الاحتياطي الفيدرالي، فتؤكد أن نسبة الواحد في المائة من الأسر الأكثر دخلاً وثراءً، التي تلجأ أكثر من غيرها إلى الادخار والاستثمار، تستحوذ على 31 في المائة من الثروات الأميركية، وذلك مقابل 28 في المائة قبل 10 سنوات، و23 في المائة قبل 30 سنة.
والنقاش الانتخابي المحتدم حالياً حول اللامساواة أظهر في إحصاءات متداولة أن الفوارق اتسعت كثيراً العام الماضي، لا سيما في الولايات الأكثر غنى، مثل كاليفورنيا وتكساس وفرجينيا، والحالة عينها سجلت في مناطق ريفية، مثل أركنساس وكنساس ونبراسكا، كما يؤكد مكتب «سانسوس». هذه الأرقام وغيرها بدأت تلقي بثقلها في الحملات الانتخابية التي أطلقت مبكراً، على بعد 13 شهراً من استحقاق نوفمبر (تشرين الثاني) 2020. فالمرشحة الديمقراطية إليزابيت وارن، الصاعدة في استطلاعات الرأي، تركز حملتها على إعادة هيكلة الطبقة الوسطى وتعزيزها، وتقترح ضرائب إضافية على أصحاب الثروات التي تبدأ من 50 مليون دولار وما فوق، بينما منافسها بين الديمقراطيين الأكثر يسارية بيرني ساندرز يتحدث علناً عن ضرورة العمل على إجراءات تؤدي في نهاية المطاف إلى غياب طبقة أصحاب المليارات، بعد إعادة توزيع الثروة باتجاه إنصاف الطبقات الأقل دخلاً.
وفي هذا الجانب، يرد مناصرو ترمب بتهكم لاذع يتهم الديمقراطيين بمحاولة نسف النموذج الأميركي القائم على رأسمالية تسعى كل دول العالم لتقليدها، بينما يسعى الديمقراطيون إلى «اشتراكية» تخلى عنها أعتى من اعتنقوها عبر التاريخ!
إلا أن الديمقراطيين لا يتراجعون أمام ذلك التهكم، بل يتناولون بقوة حالياً حججاً وردت في كتاب صدر هذه السنة تحت عنوان «شعب، سلطة، منافع»، للكاتب الباحث الشهير الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد جوزيف ستيغليز، الداعي إلى «رأسمالية تقدمية» تحارب الاحتكارات، وترفع قدرات ونفوذ أصحاب الرواتب.
ويسأل الكاتب: «هل أن نسبة الواحد في المائة من السكان المالكة لعشرين في المائة من إجمالي ثروات الولايات المتحدة تشكل خطراً على الديمقراطية أم هي مفيدة لتلك الديمقراطية؟»، ويطرح إشكالية الشركات العملاقة التي لا تعبأ بشعارات المساواة، بل جل همها زيادة ثروات مساهميها الذين، وبفعل قدراتهم المالية الهائلة، يمارسون شتى صنوف الضغط على السلطات السياسية عندما يريدون، خصوصاً عند نقاش تشريعات معينة تتصل بأعمالهم ونفوذهم. ويشرح الكاتب كيف أن نظريات «الأسواق» والعرض والطلب والتنافسية المفتوحة، التي انتصرت على مفهوم الدولة وتدخلها في الاقتصاد، هي في نهاية المطاف آلة عملاقة خطرة زادت فجوات اللامساواة ودمرت البيئة.



نيجيريا تلجأ إلى الغاز الطبيعي مع ارتفاع أسعار النقل بعد رفع دعم البنزين

مركبة قديمة تنقل الناس في مدينة إبادان بجنوب غربي نيجيريا (أ.ف.ب)
مركبة قديمة تنقل الناس في مدينة إبادان بجنوب غربي نيجيريا (أ.ف.ب)
TT

نيجيريا تلجأ إلى الغاز الطبيعي مع ارتفاع أسعار النقل بعد رفع دعم البنزين

مركبة قديمة تنقل الناس في مدينة إبادان بجنوب غربي نيجيريا (أ.ف.ب)
مركبة قديمة تنقل الناس في مدينة إبادان بجنوب غربي نيجيريا (أ.ف.ب)

ارتفعت تكاليف النقل في نيجيريا بشكل كبير مع ارتفاع سعر البنزين بأكثر من 3 أمثاله، بعدما أنهى الرئيس النيجيري بولا تينوبو، الدعم المالي للوقود في أكثر دول أفريقيا اكتظاظاً بالسكان.

ومنذ تخلت نيجيريا عن دعم الوقود في العام الماضي، أدى ذلك إلى أسوأ أزمة في تكلفة المعيشة في البلاد منذ نحو جيل كامل. وهذا يعني انخفاضاً هائلاً في عدد الركاب، وتأثر العاملون في مجال استدعاء سيارات الأجرة في العاصمة أبوجا.

وكانت الحكومة تزعم أن التخلي عن دعم الوقود سيخفض تكاليف النقل في النهاية بنحو 50 في المائة.

وقدمت السلطات النيجيرية في أغسطس (آب) مبادرة الغاز الطبيعي المضغوط (CNG) للاستفادة من احتياطاتها الضخمة من الغاز - الأكبر في أفريقيا - وإطلاق حافلات تعمل بالغاز الطبيعي المضغوط مع تحويل المركبات التي تعمل بالبنزين أيضاً.

وجرى تعديل أكثر من 100 ألف مركبة للعمل بالغاز الطبيعي المضغوط أو بالموتور الهجين من الغاز الطبيعي والبنزين، واستثمرت الحكومة ما لا يقل عن 200 مليون دولار في إطار هذه المبادرة، وفقاً لمدير المبادرة مايكل أولوواغبيمي.

وتهدف الحكومة إلى تحويل مليون مركبة من أكثر من 11 مليون مركبة في نيجيريا في السنوات الثلاث المقبلة، لكن المحللين يقولون إن العملية تسير بشكل بطيء، مشيرين إلى ضعف التنفيذ والبنية الأساسية المحدودة.

وعلى الرغم من أن نيجيريا واحدة من أكبر منتجي النفط في أفريقيا، فإنها تعتمد على المنتجات البترولية المكررة المستوردة؛ لأن مصافيها تكافح مع انخفاض الإنتاج إلى أدنى مستوياته منذ عقود بسبب عمليات سرقة النفط الضخمة.

إلى جانب الإصلاحات الأخرى التي قدمها تينوبو بعد توليه السلطة في مايو (أيار) من العام الماضي، كان من المفترض أن يؤدي إلغاء الدعم إلى توفير أموال الحكومة ودعم الاستثمارات الأجنبية المتضائلة. ومع ذلك، فقد أثر ذلك في سعر كل شيء تقريباً، وأجبرت تكاليف النقل المرتفعة الناس على التخلي عن مركباتهم، والسير إلى العمل.

التحول إلى الغاز صعب

وبالإضافة إلى الافتقار إلى شبكة كافية من محطات تحويل الغاز الطبيعي المضغوط وتعبئته، المتاحة في 13 ولاية فقط من ولايات نيجيريا الـ 36، كان نجاح مبادرة الحكومة محدوداً أيضاً بسبب انخفاض الوعي العام بين جموع الشعب، وقد ترك هذا مجالاً للتضليل من جهة والتردد بين السائقين للتحول للغاز من جهة أخرى.

وقد أعرب بعض السائقين عن مخاوفهم من أن تنفجر سياراتهم مع تحويلها إلى الغاز الطبيعي المضغوط - وهي ادعاءات قالت الهيئات التنظيمية إنها غير صحيحة ما لم يتم تركيب المعدات بشكل غير مناسب.

وفي ولاية إيدو الجنوبية، وجدت السلطات أن السيارة التي تعمل بالغاز الطبيعي المضغوط والتي انفجرت تم تصنيعها من قبل بائع غير معتمد.

حتى في أبوجا العاصمة والمركز الاقتصادي في لاغوس، محطات الوقود نادرة وورش التحويل القليلة المتاحة غالباً ما تكون مصطفة بمركبات تجارية تنتظر أياماً للتحول إلى الغاز الطبيعي المضغوط بأسعار مدعومة. وفي الوقت نفسه، تبلغ تكلفة المركبات الخاصة للتحول 20 ضعف الحد الأدنى للأجور الشهرية في نيجيريا البالغ 42 دولاراً.

وهناك تحدٍّ آخر، وهو أن التحدي الذي يواجه مبادرة الغاز الطبيعي المضغوط هو محدودية خط أنابيب الغاز في نيجيريا.

وتدرك الحكومة أنه لا يزال هناك «كثير من عدم اليقين» حول مبادرة الغاز الطبيعي المضغوط، وتعمل على تصحيح المفاهيم الخاطئة، وتوفير البنية الأساسية اللازمة، كما قال توسين كوكر، رئيس الشؤون التجارية في المبادرة، وفق وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية.

وقال كوكر: «الغاز الطبيعي المضغوط هو وقود أنظف، وهو وقود أرخص وأكثر أماناً مقارنةً بالبنزين الذي اعتدناه؛ لذا سيكون لديك مزيد من المال في جيبك وهو أنظف للبيئة».