واشنطن قلقة من عملية تركية وشيكة شرق الفرات

مصادر تتحدث عن تراجع الدعم الأميركي للأكراد

TT

واشنطن قلقة من عملية تركية وشيكة شرق الفرات

عندما حضرت إلهام أحمد، الرئيسة المشتركة للهيئة التنفيذية لـ«مجلس سوريا الديمقراطية» إلى واشنطن الأسبوع الماضي، كانت تأمل ببرنامج حافل مع مسؤولي الإدارة الأميركية، وتحقيق اختراق دبلوماسي، على غرار لقائها الجانبي مع الرئيس دونالد ترمب في زيارة سابقة لها. غير أن العاصمة الأميركية كانت شبه فارغة عملياً من دبلوماسييها، الذين كانوا في نيويورك.
وحاولت التقاء عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، على رأسهم السيناتور لينسي غراهام؛ لكن جهودها لم تنجح. ثم توجهت أحمد إلى نيويورك في محاولة لمقابلة أي من المسؤولين الأميركيين أو حتى من الغربيين، لطرح عدد من الملفات التي ترغب في الحصول على إجابات حولها، بدءاً بالموقف من تشكيل اللجنة الدستورية إلى مستقبل المنطقة الآمنة مع تركيا، وإعادة إعمار المناطق التي تسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية»، ومصير عناصر «داعش»؛ لكن لم تتكلل جهودها بالنجاح أيضاً.
ثمة أحاديث في واشنطن بوجود متغيرات. البعض يصفها بالتباينات، بينما آخرون يصفونها باختلافات في أوساط الإدارة الأميركية، تجاه الموقف من أكراد شمال سوريا ومستقبل العلاقة معهم، في ظل التطورات الأخيرة التي شهدها ملف أزمتها.
إعلان واشنطن موافقتها على تشكيل اللجنة الدستورية الذي رعى إصدارها الموفد الدولي الخاص غير بيدرسون، شكل تحولاً؛ خصوصاً أن واشنطن تجاوزت بسهولة استبعاد تمثيل أكراد شمال شرقي سوريا فيها، واعتراضاتهم على منطق تشكيلها.
يقول مصدر معارض مطلع على زيارة أحمد، لـ«الشرق الأوسط»، إن هذا الموقف قرع جرس إنذار عند الأكراد، في ظل معلومات إضافية تتحدث عن اختلافات بين المسؤولين في وزارتي الخارجية والدفاع المعنيين بالملف السوري حول الموقف من الأكراد.
لكن المتحدثة باسم الخارجية الأميركية آرون تيستا، قالت لـ«الشرق الأوسط»: «إنه في حين لا يزال هناك كثير من العمل الذي يتعين القيام به، فإن الاتفاق بين الأطراف السورية لتشكيل لجنة دستورية ترعاه الأمم المتحدة في جنيف، هو خطوة مشجعة نحو التوصل إلى حل سياسي للصراع السوري، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254». وأضافت آرون: «لا يوجد حل عسكري لهذا الصراع. يجب أن يقبل نظام الأسد إرادة الشعب السوري في العيش في سلام، وحماية حقوق جميع الفئات».
يقول المصدر المطلع، إنه على الرغم من الاجتماع الذي عقدته إلهام أحمد مع السفير جيمس جيفري، الاثنين الماضي، لم تنجح في الحصول على رد إيجابي حول اقتراح يدعو إلى تشكيل محكمة دولية لمحاكمة مقاتلي «داعش» على الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد، بسبب حساسية هذه المسألة لدى واشنطن، وما ترتبه من تداعيات سياسية وقانونية، قد تشكل مؤشراً إلى إعطاء صبغة شرعية على المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، وتعزز ميول بعضهم للانفصال، وإقامة «كانتون» مستقل لهم، كما هو حاصل في شمال العراق.
ويقول المصدر إن زيارة أحمد ترافقت مع مساعي مكثفة من قبل «مجلس سوريا الديمقراطية» لرفع العقوبات عن شمال سوريا، والسماح للشركات الأميركية والغربية والدولية عموماً، بالقدوم والاستثمار، والعمل لإعادة إعمار المنطقة، وتشغيل حقول النفط فيها بطريقة شرعية.
ويضيف أن التباين بين وزارتي الدفاع والخارجية، يبرز عبر ما ينسب إلى جيفري من انحيازه أكثر إلى الموقف التركي، لاعتبارات كثيرة، بعضها يعود إلى علاقته الخاصة مع حكومة تركيا؛ خصوصاً أنه كان سفير واشنطن في أنقرة، وعلى دراية بالاعتبارات التركية ومصالحها في الإقليم.
لكن المتحدثة باسم الخارجية نفت أن يكون هناك تغيير في العلاقة مع «قوات سوريا الديمقراطية»، وقالت: «لا تزال (قسد) شريكاً مهماً في الجهود التي نقوم بها لإنهاء تنظيم (داعش)، وسوف نستمر في العمل معها لتطهير المناطق المحررة، وتدريب وتقديم المساعدة الفنية، ودعم برامج تثبيت الاستقرار».
يضيف المصدر المطلع أن السفير جيفري يرغب في بناء تحالفات مع العشائر العربية في شمال شرقي سوريا، بعيداً عن الأكراد، ضمن مقاربة جديدة لضمان عدم التمدد الإيراني في المنطقة، بعدما أعلنت بغداد ودمشق عن إعادة فتح معبر القائم الحدودي بين البلدين، وهو ما عدّ اختراقاً إيرانياً في تلك المنطقة.
وبينما لم تشر المتحدثة باسم الخارجية إلى أن جيفري يستبعد الأكراد، قالت: «كنا واضحين للغاية، في أن النظام الإيراني يجب أن يسحب جميع القوات الخاضعة لقيادته في جميع أنحاء سوريا، لاستعادة السلام والاستقرار. ستواصل الولايات المتحدة الضغط دبلوماسياً واقتصادياً على نظام الأسد والنظام الإيراني وحلفائهما، من أجل تحقيق هذا الهدف».
في المقابل، يتمسك القادة العسكريون الأميركيون بالعلاقة مع الأكراد الذين أثبتوا أنهم مقاتلون أوفياء وأشداء، في معارك استعادة السيطرة على المناطق التي كان يحتلها تنظيم «داعش»، وأقاموا معهم علاقات تنسيق عسكرية وميدانية وثيقة. وفي الخلاف المندلع مع تركيا حول مستقبل الشريط الحدودي مع سوريا، الذي تصر أنقرة على تسميته «المنطقة الآمنة»، ينحاز «البنتاغون» إلى الأكراد، مفضلين تسميتها «الآلية الأمنية».
ورغم أنهم يسعون إلى تطوير التنسيق مع تركيا للحد من «مخاوفها المشروعة»، عبر إطلاق الدوريات المشتركة مع القوات التركية؛ فإنهم لم ينجحوا حتى الساعة في وقف التهديدات التركية باجتياح تلك المنطقة؛ خصوصاً أن أحد القادة العسكريين الأميركيين، حذر قبل يومين بأن العملية التركية قد تكون وشيكة وفي أي لحظة من الآن!
ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مصدر أميركي أن هناك أدلة جدية على استعدادات تركية لتنفيذ هجوم على مناطق الأكراد. وفي حال تنفيذه، فإنه سينهي عملياً الحرب ضد «داعش»؛ لأن القوات الأميركية ستكون مجبرة على الانسحاب تفادياً للصدام مع الأتراك.
يقول المصدر المطلع، إن الخارجية الأميركية أكثر انحيازاً لموقف الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي لا يزال متمسكاً بسحب القوات الأميركية من سوريا، وتسليم إدارة المناطق التي تنتشر فيها إلى تحالف إقليمي تلعب تركيا دوراً رئيسياً فيه، مع دور للأكراد، شرط عدم تعارضهم مع المخاوف التركية.
ويعتقد المصدر أن التباين السياسي حول موقف واشنطن من الأكراد، يعود في جانب أساسي منه إلى تحفظات الخارجية الأميركية، على العلاقة مع فصيل يحمل آيديولوجية ماركسية، وارتباطه العقائدي والسياسي الوثيق بحزب العمال الكردستاني. وتفضل الخارجية أن توسع علاقتها بالمكونات العشائرية والمحلية في شمال شرقي سوريا، بما يخفف في الوقت نفسه من اعتراضات دمشق؛ خصوصاً أن واشنطن لم تعلن اعتراضها على سيطرة النظام السوري على غرب الفرات.



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.