«التقدم والاشتراكية» يقرر الانسحاب من حكومة سعد الدين العثماني

ارتفاع وتيرة المشاورات بشأن تشكيل الوزارة الجديدة قبل افتتاح البرلمان

TT

«التقدم والاشتراكية» يقرر الانسحاب من حكومة سعد الدين العثماني

قرّر حزب التقدم والاشتراكية المغربي (الشيوعي سابقاً) الانسحاب من الحكومة الحالية، التي يقودها حزب العدالة والتنمية، ذو المرجعية الإسلامية، بإجماع أعضاء مكتبه السياسي، المجتمع أول من أمس في الرباط، واضعاً بذلك رئيس الحكومة سعد الدين العثماني أمام واقع يتطلب التعجيل بإجراء التعديل الحكومي، الذي ظل يترقبه الشارع المغربي، منذ أن وجّه العاهل المغربي الملك محمد السادس بإجرائه في خطابه بمناسبة عيد الجلوس في يوليو (تموز) الماضي.
ويكتسي انسحاب «التقدم والاشتراكية» من الحكومة أهمية خاصة، بالنظر إلى الحقائب الوزارية التي يتولاها، وهي وزارة الصحة، ووزارة إعداد التراب الوطني والإسكان والتعمير وسياسة المدينة. ويأتي هذا الانسحاب في سياق تزايد الانتقاد لبطء التعديل الحكومي المرتقب، وما يتسبب فيه من انتظارية وركود.
وكان الملك محمد السادس قد دعا في خطاب عيد الجلوس إلى الإسراع في إجراء تعديل حكومي بهدف تطعيم الحكومة بالكفاءات وزيادة نجاعتها، وحدّد لرئيس الحكومة الدخول الاجتماعي والسياسي في شهر سبتمبر (أيلول) أجلاً لتقديم اقتراحاته بهذا الخصوص.
وعلل حزب «التقدم والاشتراكية» انسحابه من الحكومة بعدم انسجام أحزاب الغالبية المشكلة لها، وهيمنة الصراعات والنزاعات السلبية على سلوك أعضائها، إضافة إلى ما أسماه «غياب النفس السياسي» في المشاورات التي يجريها رئيس الحكومة بهدف إجراء التعديل الحكومي، والتي قال حزب التقدم والاشتراكية في بيانه إنها تتمحور حول اقتسام الحصص في المقاعد الوزارية بدل البرامج والتوجهات السياسية.
ووجّه البيان الصادر عن اجتماع المكتب السياسي لحزب «التقدم والاشتراكية» انتقادات لاذعة لأداء الغالبية الحكومية الحالية، مشيراً إلى أنها «وضعت نفسها رهينة منطق تدبير حكومي مفتقد لأي نفس سياسي حقيقي يمكن من قيادة المرحلة، والتعاطي الفعال مع الملفات والقضايا المطروحة، وخيم على العلاقات بين مكوناتها الصراع والتجاذب والسلبي وممارسات سياسوية مرفوضة؛ حيث تم إعطاء الأولوية للتسابق الانتخابوي في أفق سنة 2021. وهدر الزمن السياسي الراهن مع ما ينتج عن ذلك من تذمر وإحباط لدى فئات واسعة من جماهير شعبنا».
وأضاف البيان أن «هذه الوضعية وما يميزها من أجواء وعلاقات بين فرقاء داخل الأغلبية السياسية، التي من المفروض أنها تتأسس على برنامج حكومي متوافق عليه، ومؤطرة بميثاق أخلاقي، وتعمل بشكل متضامن، هي التي عمقت حالة الحيرة والقلق والانتظارية، التي انتشرت وتنتشر في أوساط مختلفة من المجتمع، وهو ما سبق لحزب التقدم والاشتراكية أن نبه إلى خطورته على مستقبل البلاد والمشروع الإصلاحي الذي تنشده».
وبخصوص سير المشاورات من أجل التعديل الحكومي الذي وجّه به الملك، أشار بيان المكتب السياسي إلى أنه «منذ إطلاق السيد رئيس الحكومة للمشاورات المتعلقة بالتعديل الحكومي، حرص حزب التقدم والاشتراكية، في تفاعل مع توجيهات خطاب العرش، على التأكيد على أولوية المدخل السياسي للتعديل الحكومي، الذي يجب أن يتأسس على مضمون برنامجي إصلاحي طموح، تحمله إرادة سياسية قوية، معبر عنها بوضوح، وحضور ميداني متواصل يحدث التعبئة المرجوة».
وسجل بيان الحزب «بأسف، أنه عوض أن يتم أخذ كل ما سبق بعين الاعتبار، ظلت المشاورات المتصلة بالتعديل الحكومي حبيسة منطق المناصب الوزارية وعددها، والمحاصصة في توزيعها، وغير ذلك من الاعتبارات الأخرى، دون النفاذ إلى جوهر الموضوع».
وخلص البيان إلى أن المكتب السياسي للحزب «وبعد تداول معمق لموضوع التعديل الحكومي من مختلف جوانبه... يعتبر أن الوضع غير السوي للأغلبية الحالية مرشح لمزيد من التفاقم في أفق سنة 2021 كسنة انتخابية، ما سيحول دون أن تتمكن الحكومة من الاضطلاع بالمهام الجسام التي تنتظرها، ولا أن تتجاوب بالقدر اللازم مع التوجيهات الملكية المؤطرة لهذا التعديل».
ووجّه المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، في ختام بيانه، الدعوة لانعقاد اللجنة المركزية للحزب يوم الجمعة المقبل لمناقشة قرار المكتب السياسي والمصادقة عليه.
في غضون ذلك، ارتفعت وتيرة المشاورات الجارية بين رئيس الحكومة والأحزاب التي ستشارك في التحالف الحكومي، بهدف التوصل إلى اتفاق قبل افتتاح البرلمان يوم 11 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي.
وعادت للأذهان حالة التعثر التي عرفها تشكيل الحكومة برئاسة عبد الإله بن كيران، الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، قبل تعويضه العثماني. لكن عبد الله الرامي، الباحث في المركز المغربي للدراسات السوسيولوجية، استبعد تكرار الوضعية نفسها، مشيراً إلى أن حالة ابن كيران كان لها سياق خاص. وأضاف الرامي إلى التعديل الحكومي الحالي طُرح من طرف العاهل المغربي بهدف إعطاء نفس جديد للعمل السياسي، وإخراجه من الروتين والركود الذي يعرفه؛ خصوصاً بعد إعلان الدولة نفسها عن فشل تدبير بعض المشروعات الكبرى، ووجود عدم رضا واسع عن أداء الحكومة، والذي عبّر عنه الملك نفسه في خطاباته الأخيرة.
وبشأن موضوع الكفاءات، أشار الرامي إلى أن الكفاءات التي يمكن أن تأتي بها الأحزاب هي كفاءات سياسية جرى انتقاؤها على أساس معايير حزبية سياسية بحتة. مبرزاً أن «الأحزاب لا يمكن أن تأتي بكفاءات إدارية، لأن معايير الترقي في المواقع الحزبية لا تأخذ الكفاءات التقنية والإدارية بعين الاعتبار، وإنما يحددها الرصيد السياسي والحزبي للفرد».
بدوره، لم يستبعد يوسف بلال، الباحث في العلوم السياسية، إمكانية مشاركة تقنيين (تكنوقراطيين) غير منتمين سياسياً في النسخة الجديدة لحكومة العثماني. وقال إنه «يمكن اللجوء للتقنيين مباشرة عبر توليهم بعض الحقائب، كما يمكن إضفاء الطابع السياسي عليهم عبر منحهم ألواناً حزبية، رغم أنهم لا ينتمون إليها. وهذا الأمر رأيناه في الحكومتين السابقتين».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».