«المستقبل» يحاور باسيل «من موقع الاختلاف»

بهدف «تغليب التفاهمات» رغم غياب «الكيمياء السياسية» بينهما

الحريري وباسيل خلال مشاركتهما في القمة العربية العام الماضي (دالاتي ونهرا)
الحريري وباسيل خلال مشاركتهما في القمة العربية العام الماضي (دالاتي ونهرا)
TT

«المستقبل» يحاور باسيل «من موقع الاختلاف»

الحريري وباسيل خلال مشاركتهما في القمة العربية العام الماضي (دالاتي ونهرا)
الحريري وباسيل خلال مشاركتهما في القمة العربية العام الماضي (دالاتي ونهرا)

يستعد «تيار المستقبل» لاستضافة رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، الأربعاء المقبل، في حوار مفتوح يأتي في سياق برنامج حواري يشمل أبرز المكونات السياسية المشاركة في الحكومة، لتأكيد «ضرورة الانفتاح والتواصل ولو من موقع الاختلاف».
ويشمل الحوار عدداً من القضايا المتعلقة بالعمل الحكومي «بغية تغليب التفاهمات على التباينات في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها البلد وتتطلب من الجميع الابتعاد عن المهاترات التي يترتب عليها إقحام البلد في دوامة الاشتباكات السياسية في وقت هو في أمسّ الحاجة إلى رفع منسوب الإنتاج لمنع انزلاقه إلى الانهيار»، حسب مصادر.
لكنّ اختيار «المستقبل» للوزير باسيل ليكون الأول على لائحة الحوارات المفتوحة التي يستضيفها لا يلقى الارتياح المطلوب لدى معظم كوادره ومحازبيه، ليس لأن «الكيمياء السياسية» لا تزال مفقودة بين الطرفين فحسب، وإنما لوجود «نقزة» تتفاعل من حين لآخر وتبلغ ذروتها من خلال تبادل الرسائل عبر مواقع التواصل الاجتماعي كلما اشتدّ الخلاف بينهما.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر مواكبة للتحضيرات التي يقوم بها «المستقبل» بالتنسيق مع «الوطني الحر» لاستضافة باسيل أن المعترضين على استضافته لا يعترضون من حيث المبدأ على الحوار وضرورة الانفتاح والتواصل، وإنما على اختياره كأول محاور، باعتبار أنه «كان من الأجدى التريث في اختياره إفساحاً في المجال أمام تحضير الأجواء التي لا تزال ملبّدة». ويرى هؤلاء أن هناك ضرورة لتأخير استضافة باسيل وأن تُعطى الأولوية لممثلين عن المكوّنات الأخرى المشاركة في الحكومة.
وتؤكد هذه المصادر أن «تحضير الأجواء وصولاً إلى تعبيد الطريق لتكون سالكة أمام استضافة باسيل يستدعي إطلاق الضوء الأخضر للبدء في حوار داخلي على مستوى كوادر ومحازبي (المستقبل) للوقوف على الأسباب الكامنة وراء عدم استعدادهم من الوجهة السياسية لأن يبلعوا استضافته، خصوصاً أن أكثر من نائب ينتمي إلى تكتل لبنان القوي برئاسة وزير الخارجية ممن يصنّفون على خانة الصقور في التكتل لم يتوقفوا عن شن حملاتهم على (المستقبل)، وكان آخرهم النائب زياد الأسود، فهل يتفرّد الأخير في مواصلة حملاته من دون الرجوع إلى قيادته إلا إذا كان من الفريق الذي يفتح على حسابه بلا رادع؟».
وتقول المصادر إن السواد الأعظم من المنتمين إلى «المستقبل»، إضافة إلى شارعه، يُبدون امتعاضهم من التوقيت الذي اعتُمد وكان وراء إدراج باسيل على رأس لائحة المدعوين للتحاور معهم. وتساءلت: «هل المطلوب إعطاء صك براءة لمن أعاق تشكيل الحكومة ويعيق حالياً استكمال إصدار التعيينات الإدارية وتزعُّم الفريق الوزاري الذي عطّل انعقاد جلسات مجلس الوزراء واشترط إحالة حادثة قبرشمون إلى المجلس العدلي بذريعة أنه كان شخصياً هو المستهدف قبل أن يعود ويتراجع عن اتهامه هذا؟»، و«كيف يمكن ضبط إيقاع الحوار مع باسيل وعدم إصرار بعض المدعوين للمشاركة فيه على طرح أسئلة نارية يمكن أن تؤثر سلباً على مجريات الحوار؟». ورأت أن «هناك ضرورة لأن يسبق هذا الحوار حوار آخر بين قيادة (المستقبل) وجمهوره يقود إلى المصارحة بلا كفوف».
وفي هذا السياق، ترى المصادر المواكبة أن الحوار «لا يشترط على فريق دون الآخر أن يبادر إلى تقديم تنازلات أو أن يتعهد المستضيف بأن يكون معلباً بوضع رقابة مسبقة على الأسئلة التي يُفترض أن يوجهها الحضور إلى المحاور، وإنما إصرار الأخير على خطابه السياسي وتقديم نفسه على أن تياره هو المنقذ الوحيد للبلد دون الآخرين وأن هناك مؤامرة داخلية وخارجية تقف وراء استفحال أزمة التداول بالدولار، لا يعيق إطلاق الحوار فحسب وإنما بات يشكّل عائقاً أمام تفعيل العمل الحكومي».
وأكدت أن رئيس الحكومة سعد الحريري «يتجنّب على الدوام إقحام البلد في أزمة تلو الأخرى وهو الحريص على التفاهم مع رئيس الجمهورية ميشال عون، والتفاعل الإيجابي مع المجلس النيابي برئاسة الرئيس نبيه بري، لأنه ليس هناك من لديه القدرة على تسديد فاتورة التكلفة المالية والسياسية من جراء جره إلى اشتباك سياسي يصعب السيطرة عليه». غير أن المصادر تساءلت: «هل ستكون الطريق آمنة وسالكة سياسياً أمام محاورة باسيل، ما لم يبدّل الأخير في خطابه السياسي، وأيضاً في أسلوبه في مخاطبة الآخرين وفي إصراره على احتكار الحصة المسيحية في التعيينات بالتوازي مع قيام (المستقبل) بجهد فوق العادة يؤدي إلى تنعيم موجة الاعتراض على استضافته؟».
وعليه، فإن الجرأة التي أظهرها «المستقبل» في استضافته لباسيل «لا تكفي لأن قراره بأن يلاقيه في منتصف الطريق يستدعي منه ملاقاته في المنتصف الآخر ليكون الحوار مثمراً، هذا إذا لم يدفع تسارع الأحداث إلى التريث في إطلاق الحوار، خصوصاً في حال أن الباب بقي مفتوحاً على مصراعيه في تبادل الاتهامات، بدلاً من التعامل مع التدبير الذي سيصدره اليوم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، على أنه خريطة طريق لتأمين استيراد الدواء والقمح والمشتقات النفطية في أجواء طبيعية».
ويبقى السؤال عن: كيف سيتعاطى باسيل مع الحوار وبأي روحية، وهل يتمكن من إقناع محاوريه بأنهم يتحاورون مع باسيل «آخر» غير الذي كانوا ينظرون إليه باعتباره لن يتغير؟



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.