تصاعد حدة المواجهة بين روسيا وخصومها حول سوق الغاز الأوروبية

موسكو: لا يمكن لواشنطن أو وراسو وقف مشروع «سيل الشمال - 2»

جانب من أعمال مد خط أنابيب «سيل الشمال2» في قاع بحر البلطيق (رويترز)
جانب من أعمال مد خط أنابيب «سيل الشمال2» في قاع بحر البلطيق (رويترز)
TT

تصاعد حدة المواجهة بين روسيا وخصومها حول سوق الغاز الأوروبية

جانب من أعمال مد خط أنابيب «سيل الشمال2» في قاع بحر البلطيق (رويترز)
جانب من أعمال مد خط أنابيب «سيل الشمال2» في قاع بحر البلطيق (رويترز)

تتصاعد حدة المواجهة على «جبهات» سوق الغاز الأوروبية بين روسيا والدول الرافضة لمشروعاتها في هذا المجال، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبولندا. إذ أكد الرئيسان الأميركي والبولندي مجددا على ضرورة وقف مد شبكة «سيل الشمال - 2» الروسية نحو أوروبا، وحذرا من أن هذا المشروع «مصدر تهديد لأمن أوروبا في مجال الطاقة». وجاء الرد الروسي سريعا، وأكدت موسكو أنه لن يكون بوسع «لا واشنطن ولا وارسو» وقف هذا المشروع.
وتعمل الولايات المتحدة بالتعاون مع بولندا وأوكرانيا على الحد من اعتماد أوروبا المتزايد على الغاز الروسي، واتفقت الدول الثلاث في وقت سابق على خطوات في هذا المجال، بينها مد شبكة «أنبوب البلطيق» للحصول على الغاز من النرويج عوضا عن روسيا. وكان لافتا أن أعلنت الدنمارك أخيراً منحها الموافقة على مد تلك الشبكة عبر قعر البلطيق، في وقت لم تحسم فيه أمرها بشأن منح موافقة على مد أنابيب «سيل الشمال - 2».
وخلال محادثاتهما على هامش أعمال الجمعية العمومية في نيويورك، ركز الرئيسان الأميركي دونالد ترمب والبولندي أنجي دودا على مشروع شبكة أنابيب الغاز الروسية «سيل الشمال - 2»، ووصفاها بأنها «مصدر تهديد لأمن الطاقة في أوروبا»، وبحثا سبل عرقلة مد تلك الشبكة، وفق ما ذكرت وكالة «بلومبيرغ». وفي بيان رسمي صدر في أعقاب المحادثات، قال البيت الأبيض إن «الرئيسين أقرا بأن سيل الشمال - 2 يشكل تهديداً لأمن الطاقة الأوروبي، وبحثا ما هي الصيغة الأفضل لوقف المشروع»، واتفقا على إيجاد تدابير مشتركة في هذا الإطار. وفي وقت سابق قال غوردون سوندلاند، سفير الولايات المتحدة لدى الاتحاد الأوروبي، إن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو حث القادة الأوروبيين الجدد على رفض مد هذه الشبكة. وتولي روسيا أهمية خاصة لمشروع «سيل الشمال - 2»، الذي يربطها مباشرة مع ألمانيا، عبر قعر البلطيق، دون المرور عبر دول الترانزيت التقليدية، مثل بيلاروسيا وأوكرانيا.
وفي أول رد فعل من موسكو على تصريحات ترمب ودودا، عبر السيناتور فلاديمير جاباروف، رئيس لجنة المجلس الفيدرالي للشؤون الدولية، عن قناعته بأنه «لن تتمكن الولايات المتحدة ولا بولندا من وقف مد سيل الشمال - 2»، ولم يستبعد في الوقت ذاته أنهما «ستعملان على عرقلته»، لافتاً إلى أن «أوروبا الغربية على الأرجح لن تقبل بهذا الأمر»، سيما وأن ألمانيا مهتمة بالمشروع. وبالمقابل وصف بولندا بأنها «دولة تابعة» للولايات المتحدة «تكرر ما يقوله الأخ الأكبر».
وأكدت روسيا مرارا طيلة السنوات الماضية أن «سيل الشمال - 2» مشروع اقتصادي بالمطلق، ونفت أن يكون مصدر تهديد لأمن أوروبا، إلا أن الولايات المتحدة ترى فيه أداة اقتصادية لتعزيز النفوذ الروسي في القارة الأوروبية، وتحاول في الوقت ذاته أن تطرح غازها المسال بديلا عن الروسي لتلك السوق، عبر بولندا التي تسعى إلى لعب دور مركز رئيسي لتوزيع صادرات الغاز في السوق الأوروبية.
ومع تلك المعارضة الشديدة للمشروع، أعلنت «غاز بروم» الروسية في وقت سابق عن إنجاز الجزء الرئيسي من أعمال مد أنبوبي الشبكة. وقال أليكسي ميللر، مدير «غاز بروم» في تصريحات الأسبوع الفائت، إن الفرصة كبيرة بأن تنتهي هذه الأعمال في الموعد المعلن، أي نهاية العام الجاري، وأكد «إنجاز أكثر من 81 في المائة من أعمال مد أنبوبي الشبكة على طول مسارها»، ولم يبق سوى «الخمس» من الأعمال التي يتعين إنجازها خلال الفترة القادمة، لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أن سرعة التنفيذ تتوقف على قرار السلطات الدنماركية، في إشارة منه إلى موافقة يجب أن تمنحها كوبنهاغن لمد الجزء من أنبوبي الشبكة في المنطقة الاقتصادية الدنماركية الخاصة في البلطيق.
وفي آخر تطور بهذا الصدد، أعلنت وكالة الطاقة الدنماركية يوم الأربعاء الماضي، أنها لا تستطيع تحديد المهلة الزمنية التي يمكن أن تمنح خلالها الموافقة على مد «سيل الشمال - 2» الروسي، عبر المنطقة الاقتصادية الدنماركية في بحر البلطيق، ولم تستبعد أن يتطلب الأمر مشاورات إضافية مع دول الجوار، في إطار المعاهدات الدولية، بغية تقدير التأثير البيئي للشبكة العابرة للحدود.
ولا تعارض الدنمارك بشكل تام مشروع «سيل الشمال - 2»، إلا أنها تجري دراسات لتحديد المسارات الأفضل من الناحية البيئية التي يمكن مد أنبوبي الشبكة عبرها. وطرحت الشركة الروسية 3 مسارات محتملة لمد الشبكة، اعترضت الدنمارك على مسار واحد منها، وتعمل حاليا على اختيار واحد من المسارين الآخرين، وقالت إن «العملية ستنتهي فور الحصول على تقديرات بشأن تأثير (مرور الأنبوب عبر هذا المسار أو ذاك) على البيئة، وفي مجال الأمن».
وانتقدت روسيا موقف الدنمارك، وقال أليكسي غريفاتش، نائب مدير الصندوق الروسي لأمن الطاقة، المتخصص بملفات مشكلات الغاز، إن مبررات سياسية تكمن في خلفية مماطلة الدنمارك في منح موافقة لمشروع «سيل الشمال - 2»، ورأى أن القيادة الدنماركية تنصاع في هذا الشأن لضغوطات خارجية.
جاء إعلان كوبنهاغن عن التطورات الأخيرة بشأن موقفها من «سيل الشمال - 2»، بعد يوم واحد من منحها موافقة رسمية على مد شبكة «أنبوب البلطيق»، (Baltic Pipe)، وقالت إن قرارها بهذا الصدد نهائي ولن تعيد النظر فيه. وتربط هذه الشبكة النرويج، باعتبارها مصدرا أوروبيا للغاز، مع بولندا، عبر الدنمارك. ويُفترض أن يبدأ ضخ الغاز عبرها في عام 2022. أي في العام ذاته الذي ينتهي فيه العمل بموجب الاتفاقية البولندية مع «غاز بروم»، أي بعبارة أخرى ستتوقف عندها صادرات الغاز الروسي إلى بولندا.
ومع أن «أنبوب البلطيق» سيوفر نحو 10 مليارات متر مكعب من الغاز سنويا للمستهلكين الأوروبيين، فإنه لن يتمكن من منافسة «سيل الشمال - 2» الذي تصل قدرته حتى 55 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً. ويبدو أن وارسو تعول على مزيج ما بين قدرات «أنبوب البلطيق»، والغاز الأميركي المسال في هذه المنافسة مع الغاز الروسي.



الصين: رسوم ترمب «التعسفية» لن تحل مشاكل الولايات المتحدة

حاويات في ميناء أوكلاند بولاية كاليفورنيا الأميركية (إ.ب.أ)
حاويات في ميناء أوكلاند بولاية كاليفورنيا الأميركية (إ.ب.أ)
TT

الصين: رسوم ترمب «التعسفية» لن تحل مشاكل الولايات المتحدة

حاويات في ميناء أوكلاند بولاية كاليفورنيا الأميركية (إ.ب.أ)
حاويات في ميناء أوكلاند بولاية كاليفورنيا الأميركية (إ.ب.أ)

هاجمت الصين تعهد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية إضافية على السلع الصينية بسبب تدفقات الفنتانيل، قائلة إن إدارته القادمة تلقي باللوم في أزمة المواد الأفيونية الأميركية على الصين.

وقال ترمب، الذي يتولى منصبه في 20 يناير (كانون الثاني)، يوم الاثنين إنه سيفرض تعريفات جمركية بنسبة 10 في المائة على السلع الصينية حتى تفعل بكين المزيد لوقف تهريب المواد الكيميائية المصنوعة في الصين والتي تستخدم في المخدرات المسببة للإدمان. كما هدد بفرض تعريفات تزيد على 60 في المائة على السلع الصينية أثناء حملته الانتخابية.

وقال هي يادونغ، المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية، في إفادة صحافية دورية، الخميس: «موقف الصين ضد الزيادات الجمركية الأحادية الجانب ثابت... فرض تعريفات جمركية تعسفية على الشركاء التجاريين لن يحل مشاكل أميركا».

وأضاف أن الولايات المتحدة يجب أن تلتزم بقواعد منظمة التجارة العالمية وتعمل مع الصين لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية المستقرة.

وأطلقت تعليقات ترمب شرارة البداية لما يتوقع المحللون أن تكون حرباً تجارية مؤلمة لمدة أربع سنوات، وربما أسوأ بكثير من ولايته الأولى التي شهدت فرض تعريفات جمركية بنسبة 7.5 إلى 25 في المائة واقتلاع سلاسل التوريد العالمية.

وقال هوارد لوتنيك، الذي اختاره ترمب لإدارة وزارة التجارة والإشراف على مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة، في مقابلة بودكاست في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إن «الصين تهاجم أميركا» بالفنتانيل، واقترح أن يفرض ترمب تعريفات جمركية تصل إلى 200 في المائة على الصين.

وحذَّرت الافتتاحيات في وسائل الإعلام الرسمية الصينية هذا الأسبوع من أن الرسوم الجمركية الجديدة قد تجر أكبر اقتصادين في العالم إلى حرب تعريفات مدمرة للطرفين.

وفي مقابل الهجوم على خطط ترمب، أشادت وسائل الإعلام الرسمية الصينية ببعض الشركات الأميركية لـ«التعاون القوي» - وهو تعليق يذكّر بكيفية تغطية الصحافة الصينية للتوترات مع الولايات المتحدة خلال الحرب التجارية السابقة.

وفي ذلك الوقت، كان المسؤولون التنفيذيون للشركات الأميركية والمستثمرون الأجانب يبحثون في وسائل الإعلام الرسمية الصينية عن إشارات حول الشركات الأميركية التي قد يكون التعاون معها في صالح بكين أو ضدها، والتي قد تُعاقب من أي من الطرفين مع تصاعد التوترات.

وسلطت صحيفة «غلوبال تايمز» المملوكة للدولة في وقت متأخر من الأربعاء الضوء على «أبل» و«تسلا» و«ستاربكس» و«إتش بي»، وقالت: «يتعين على الساسة الأميركيين الانتباه واحترام الرغبة الواضحة للشركات الأميركية في التعاون الاقتصادي والتجاري من خلال تصميم بيئات سياسية مناسبة للمؤسسات».

وأشارت صحيفة «تشاينا ديلي» أيضاً إلى أن «مورغان ستانلي» حصلت على موافقة تنظيمية في مارس (آذار) لتوسيع عملياتها في الصين، مشيرة إلى ذلك بوصفه دليلاً على حماس الشركات المالية الأجنبية للاستثمار في الصين.

وقال مسؤول تنفيذي أميركي مقيم في بكين عن الحرب التجارية الأولى: «لم يكن أي من الجانبين جيداً في توصيل السياسة بشكل مباشر؛ لذلك كانت الشركات مشغولة باللغط حولها في وسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية».

شهدت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين خلال فترة ولاية ترمب الأولى تهديد الصين بحظر الشركات الأميركية من الاستيراد والتصدير والاستثمار في الصين من خلال إنشاء «قائمة الكيانات غير الموثوقة».

وفي ذلك الوقت، ذكرت «غلوبال تايمز» أن القائمة ستستهدف شركات أميركية مثل «أبل» و«سيسكو سيستمز» و«كوالكوم»... لكن الصين لم تنفذ تهديدها قط، وحتى الآن لم تشمل القائمة سوى الشركات الأميركية المتورطة في بيع الأسلحة إلى تايوان. وقال بو تشنغ يوان، الشريك في شركة الاستشارات «بلينوم» ومقرّها شنغهاي: «أتوقع ألا تتسرع بكين في استخدام أدوات مثل قائمة الكيانات غير الموثوقة في أعقاب أي إعلان رسمي عن التعريفات الجمركية بمجرد تولي ترمب السلطة؛ نظراً للحالة الضعيفة للاقتصاد الصيني، لكن بكين قد ترد في وقت لاحق إذا شعرت أن صناع السياسات الأميركيين يلحقون الضرر بالمصالح التجارية للصين». وأضاف: «كانت هناك أضرار جانبية في المرة الماضية، وستكون هناك أضرار جانبية هذه المرة أيضاً».

وفي الأسواق، انخفضت أسهم الصين وهونغ كونغ، الخميس، مع تخوف المستثمرين من تصعيد الحرب التجارية مع الولايات المتحدة وفرض حظر آخر على مبيعات الرقائق إلى الصين، في حين يبدو أن حرب الأسعار بين شركات صناعة السيارات في البلاد ستشتد.

وأغلقت معظم القطاعات منخفضة، حيث كان المستثمرون في وضع انتظار وترقب إلى حد كبير لمعرفة مدى وضوح سياسات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب التجارية وعواقبها المحتملة. وتضررت المشاعر بشكل أكبر بعد أن ذكرت «بلومبرغ نيوز» أن إدارة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن قد تعلن عن قيود إضافية على مبيعات معدات أشباه الموصلات ورقائق ذاكرة الذكاء الاصطناعي إلى الصين في أقرب وقت من الأسبوع المقبل.

وأغلق مؤشر «سي إس آي 300» للأسهم القيادية منخفضاً بنسبة 0.88 في المائة، في حين انخفض مؤشر شنغهاي المركب بنسبة 0.43 في المائة. وكانت أسهم السيارات هي الأكثر تراجعاً، حيث انخفضت بأكثر من 2 في المائة، بعد أن ذكرت تقارير إعلامية أن شركة «بي واي دي» وشركات صناعة سيارات أخرى دفعت الموردين إلى خفض الأسعار؛ مما يشير إلى أن حرب أسعار وحشية في أكبر سوق للسيارات في العالم من المقرر أن تتصاعد.

وانخفضت أسهم «بي واي دي» في هونغ كونغ والبر الرئيس بنسبة 2.6 و2.3 في المائة على التوالي، بينما انخفضت أسهم شركة «سايك موتور كورب» بنسبة 2.8 في المائة.

وفي هونغ كونغ، انخفض مؤشر هانغ سنغ بنسبة 1.2 في المائة، ومؤشر «هانغ سنغ تشاينا إنتربرايزز» بنسبة 1.46 في المائة، بينما خسر مؤشر هانغ سنغ للتكنولوجيا 1.52 في المائة.