تحدى الناخبون الأفغان خطر هجمات المتشددين والتأخير في بعض اللجان للإدلاء بأصواتهم أمس السبت في انتخابات رئاسية تعد اختبارا مهما لقدرة الحكومة الأفغانية المدعومة من الغرب على حماية الديمقراطية رغم سعي حركة «طالبان» لعرقلة الانتخابات.
وقال عبد المقيم عبد الرحيم زاي المدير العام للعمليات والتخطيط في وزارة الداخلية الأفغانية، كما نقلت عنه «رويترز»: «يبدو أن الخطة الأمنية المتبعة لمنع الهجمات تبلي بلاء حسنا حتى الآن... أحبطنا هجمات للمتشددين». ورغم ذلك فإن ما لا يقل عن 21 مدنيا واثنين من أفراد القوات الأفغانية أصيبوا في أكثر من عشر هجمات صغيرة نفذتها «طالبان» خلال أول خمس ساعات من التصويت، حسب مسؤول كبير بوزارة الداخلية في كابل. أعلن مسؤولون في المفوضية المستقلة للانتخابات أن الاتصالات مقطوعة مع 901 مركز اقتراع من 4942 مركزا في أنحاء البلاد. وقالت حوا علم نورستاني رئيسة المفوضية في العاصمة كابل: «أرسلنا الأدوات إلى 4942 مركزا لكننا تلقينا بعض التقارير التي أفادت بأن 4041 مركزا فقط هي المفتوحة». وقال مسؤول ثان في المفوضية إنه لا يوجد تواصل مع 901 مركز تصويت في أنحاء البلاد. ولم يتضح إن كانت الانتخابات ستجري في تلك المراكز أم أن «طالبان» أجبرتها على الإغلاق.
انتشر عشرات الآلاف من أفراد الأمن في أقاليم البلاد الأربعة والثلاثين في أفغانستان لحماية الناخبين ومراكز التصويت من هجمات «طالبان» التي حثت الأفغان على مقاطعة الانتخابات وهددت بعواقب وخيمة. ويوجد نحو 9.6 مليون ناخب مسجل بين سكان البلاد البالغ عددهم 34 مليون نسمة. ويدلي الناخبون بأصواتهم في نحو 5000 مركز اقتراع يقوم بحمايتها نحو 100 ألف جندي أفغاني بدعم جوي من القوات الأميركية.
وقالت طالبان في بيان إن مقاتليها هاجموا مراكز اقتراع في إقليم لغمان بشرق البلاد فيما ذكر مسؤولون أن أربعة انفجارات استهدفت مدينة جلال آباد في شرق البلاد وأعاقت التصويت في بعض المراكز.
وقالت رويا جهانجير وهي طبيبة مقيمة في العاصمة كابل: «تعريف الجسارة هو أن تستجمع شجاعتك وتدلي بصوتك في أفغانستان». وأضافت أنها وزوجها سيصوتان حتى لو اضطرا للوقوف لساعات في صفوف طويلة. وأضافت: «نأمل بألا يحدث تزوير هذه المرة وإلا فسيشعر الناخبون أنهم تعرضوا للخداع مجددا». وسيلعب الفائز دورا حاسما في مساعي البلاد لإنهاء الحرب مع «طالبان» واستئناف المحادثات بين المسلحين والولايات المتحدة بعدما ألغيت هذا الشهر.
وقال دبلوماسيون غربيون في كابل إن احتمالات استئناف المحادثات تتوقف على حجم العمليات التي تنفذها طالبان لمنع الانتخابات. وقال دبلوماسي يشارك في الإشراف على الانتخابات: «يمكن للمحادثات أن تبدأ فقط إذا التزمت طالبان بضبط النفس وسمحت للناس بالتصويت».
يخوض 15 مرشحا السباق إلى الانتخابات الرئاسية الأفغانية، منهم خبير اقتصادي سابق في البنك الدولي، وطبيب عيون، ورئيس جهاز الاستخبارات، بالإضافة إلى عدد من أمراء الحرب. لكن من المرجح أن ينحصر السباق بين الرئيس المنتهية ولايته أشرف غني ونائبه السابق الرئيس التنفيذي عبد الله عبد الله. وأدلى كل منهما أمس السبت بصوته في مركزين انتخابيين في كابل. وأعرب غني عن شكره للشعب الأفغاني لاختياره الخروج إلى مراكز الاقتراع والتصويت رغم تهديدات حركة «طالبان» بعرقلة الانتخابات. يذكر أن غني وعبد الله يتقاسمان السلطة في حكومة وحدة وطنية تم تشكيلها بوساطة وزير الخارجية الأميركي الأسبق جون كيري بعد انتخابات رئاسية شابتها الفوضى والتلاعب عام 2014، حيث لم يتقبل نتيجتها الرئيس التنفيذي.
أبرز المرشحين
> يصف كثيرون الرئيس أشرف غني بأنه صاحب رؤية وطبع حاد وأكاديمي ومتطلب أكثر من اللازم. لطالما كان خبير الاقتصاد في البنك الدولي ووزير المالية السابق يحلم بإعادة إعمار أفغانستان. كما أن لديه اعتقادا راسخا بأنه أحد الأشخاص القلائل ربما الوحيد القادر على تحمل المسؤولية. وفي ظل عدم وجود استطلاعات ذات مصداقية، يعتبر غني على نطاق واسع المرشح الأوفر حظا رغم عدم إحرازه أي تقدم باهر ضد «طالبان» أو في مكافحة الفساد الحكومي المستشري. ورغم اتخاذه مبادرات متكررة تجاه «طالبان» من أجل السلام، فإن الحركة ترفض ذلك معتبرة إياه «دمية» تسيطر عليها الولايات المتحدة، في حين استبعده الأميركيون من المحادثات التي تم تعليقها مع المسلحين. وفي حال إعادة انتخابه، فسيكون لدى غني التفويض الكامل في أي عملية سلام بقيادة أفغانية في المستقبل مع «طالبان»، إذا وافقت الحركة على مثل هذه المفاوضات. وكان غني تعهد سابقا بمحاربة المسلحين «لأجيال» إذا لزم الأمر، وإذا فشلت المفاوضات مع «طالبان».
ويعود عبد الله عبد الله، وهو طبيب عيون ومقاتل سابق، إلى حلبة التنافس على رئاسة أفغانستان بعد هزيمته مرتين في انتخابات سابقة شابتها اتهامات واسعة النطاق بالتزوير.
كان عبد الله طبيبا للعيون في كابل، ووزيرا في حكومة برهان الدين رباني خلال الحرب الأهلية في أفغانستان بين العامين 1992 و1996 وصنع لنفسه سمعة في الخارج بسبب تحدثه الإنجليزية بطلاقة ونظرا للياقته وأسلوبه. ومجمل خبرته السياسية مستمدة من واقع أنه كان اليد اليمنى لأحمد شاه مسعود، القائد الطاجيكي الشهير الذي قاوم الاحتلال السوفياتي إبان الثمانينات، وحارب نظام «طالبان» بين عامي 1996 - 2001. ويخوض عبد الله معارك لا تنتهي مع غني مثل الاقتتال المرير في الإدارة ومنع المحاولات الكبرى للإصلاحات والتشريعات، بينما يتجنب الاثنان الظهور العلني معا بسبب العداوة العميقة.
وفي حال انتخابه، تعهد عبد الله بمنح الأولوية للسلام بالإضافة إلى وعود غامضة لتحسين الاقتصاد.