باتت الانتخابات في أفغانستان من أكثر المشاهد فوضوية منذ أول انتخابات رئاسية شهدتها البلاد عام 2004. وقد أثبتت كل تجربة منها أنها أكثر فساداً من سابقتها؛ مما يثير التساؤل بشأن طموحات الديمقراطية على النمط الغربي، وهل يمكن تحقيقها في بلد أنهكته الحرب.
تتجه أفغانستان مجدداً نحو ما قد يكون تصويتاً رئاسياً عنيفاً ومثيراً للجدل اليوم (السبت). فقد وعدت «طالبان» بإذكاء نار العنف واسع النطاق لتعطيل الانتخابات، حيث تسعى مختلف الفصائل السياسية إلى خوض معركة طويلة، في حين يعبر الناخبون عن ازدرائهم للساسة وللعملية الانتخابية برمتها.
قالت فرخندا أحمدي (25 عاماً)، طالبة جامعية بالعاصمة الأفغانية كابل: «لن أغامر بحياتي من أجل انتخابات مزورة. لا يوجد مرشحون جيدون، علينا أن نختار بين السيئ والأسوأ».
تأخرت الانتخابات مرتين ولم يكن من المتوقع أن تجرى الانتخابات على الإطلاق بعد أن نحّتها جانباً محادثات السلام بين الولايات المتحدة وحركة «طالبان». لكن عندما ألغى الرئيس ترمب المحادثات في 7 سبتمبر (أيلول)، سارع المرشحون فجأة بالقيام بحملات لإجراء انتخابات على الرغم من طبيعتها المتسارعة والمخاوف الأمنية التي من المتوقع أن تبقي معظم الأفغان بعيداً عن صناديق الاقتراع.
حذرت بعض الشخصيات العامة الأفغانية - بما في ذلك الرئيس السابق حميد كرزاي وغيرهم من منتقدي الرئيس الحالي، أشرف غني - منذ أشهر من أن الانتخابات قد تزعزع الاستقرار وألا توحدهم. فهم يتهمون غني الذي يترشح لولاية ثانية مدتها خمس سنوات بالمضي قدماً في تصويت سيخلق حكومة غير شرعية بسبب التزوير والمخالفات.
وقد أعرب المسؤولون الغربيون أيضاً عن قلقهم بشأن شرعية الانتخابات، لكنهم في العلن دعموا إصرار الحكومة على أن التصويت المصحوب بحل أفضل هو أفضل من لا شيء. ويشير المسؤولون الأفغان إلى أن الانتخابات نجحت حتى الآن في نقل السلطة دون انقلابات أو عنف كبير بين الفصائل، وبالتالي فهي أفضل من البدائل المتاحة.
لا يوجد خلاف كبير على أن الانتخابات الأفغانية باتت أكثر عرضة للخطر على مر السنين. فبعد نشوة الانتخابات الأولى عام 2004، انخفض إقبال الناخبين في كل انتخابات منذ ذلك الحين - من 84 في المائة عام 2004 إلى 39 في المائة عامي 2009 و2014 ثم 35 في المائة عام 2018، وفق المراقبين الدوليين. وقال المسؤولون، إن تلك التقديرات جاءت بسبب شراء وحشد الأصوات على نطاق واسع. ورغم وجود مراقبين دوليين غير رسميين، فإنه من غير المتوقع أن تعلن أي هيئة دولية رسمياً ما إذا كانت الانتخابات حرة ونزيهة.
كان المسؤولون قبل أيام قليلة من التصويت يوظفون ويدربون نحو 200 ألف من موظفي الانتخابات، وجرى إغلاق مئات مواقع الاقتراع لدواعٍ أمنية. وقد عبّر الكثير من الرجال الأفغان عن غضبهم من الاشتراطات الجديدة التي تطالب النساء بإزالة أغطية الرأس والوجه لمقارنتها بالصور في بطاقات الهوية قبل التصويت.
كانت الانتخابات الرئاسية الأخيرة في أفغانستان عام 2014 مشوبة بالفساد والشجار والغش، حتى تدخل وزير الخارجية الأميركي آنذاك جون كيري للتوسط في زواج سياسي متوتر بين المرشحين الرئيسيين، السيد غني والرئيس التنفيذي عبد الله عبد الله - المرشحين الرئيسيين في ذلك التصويت. وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وصلت الانتخابات البرلمانية إلى حالة من الفوضى شهدت معارك وعويلا ورشى سياسية.
أعلن مجلس يضم أكثر من عشرة مرشحين - بمن فيهم غني وعبد الله - أن لجنة الانتخابات غير قادرة على إجراء انتخابات نزيهة. وقال المرشحون، مشيرين إلى «الحشود الأمنية الكبيرة»، إنه ربما لن يكون هناك عدد كافٍ من الناخبين اليوم لإجراء «انتخابات مقبولة». (في إشارة إلى مدى فوضى السياسة الأفغانية، بعد أن انسحب الكثير من هؤلاء المرشحين لصالح غني).
وتعتبر العملية الانتخابية نفسها معقدة للغاية، حيث لا يجري ربط النتائج الأولية حتى 17 أكتوبر على الأقل والنتائج النهائية حتى 7 نوفمبر (تشرين الثاني) على الأقل. ويمنح ذلك المرشحين وقتاً طويلاً لنشر نتائجهم المبالغ فيها عبر تطبيقات الجوال الشهيرة، مما يشكل تحدياً لمسؤولي الانتخابات لإثبات خطأهم.
وقال محمد نادر معمر، المحلل السياسي في كابل «أعتقد أن الانتخابات ستعمّها الفوضى»، حيث يشعر هو وكثيرون غيره بالقلق من أن التصويت قد يؤدي إلى اضطرابات أهلية.
وأكد محمد عمر داودزاي، رئيس الحملة الانتخابية لغني، في مؤتمر صحافي عقد نهاية الحملة الانتخابية الأربعاء، أن حملة الرئيس قد التزمت بالقواعد الانتخابية. أضاف داودزاي، أن لجنة الانتخابات قد عاقبت كلاً من غني وعبد الله لاستخدامهما الموارد الحكومية ووجود مسؤولين حكوميين في تجمعاتهما. وقال: «كانت هناك غرامات، وقد تم الوفاء بها».
اللافت، أن المحلل السياسي جميل كرزاي، ابن العم الثاني لأول رئيس منتخب لأفغانستان، سجل ما يقرب من 12000 من 23000 مراقب انتخابات معينين من قبل الأحزاب لمراقبة مواقع الاقتراع، ذلك رغم أنه لم يترشح للرئاسة ولا يوجد مرشح في حزبه الذي يضم 3000 عضو. ويقول إنه لا يخطط حتى للتصويت اليوم. لكن السيد كرزاي يخطط لنشر مراقبين له - يقول إنهم متطوعون غير مدفوعي الأجر – لفضح ما يعتبره انتخابات فاسدة، ويمكن التلاعب بها بسهولة.
وسيحاول المراقبون الوصول إلى الكثير من مراكز الاقتراع التي يبلغ عددها نحو 5000 مركز أمس لكشف الاحتيال والخداع، وكذلك الرشى.
بموجب القانون، يجوز لهؤلاء المراقبين - بل جميع المواطنين - رفع شكاوى رسمية إلى المفوضية المستقلة للشكاوى الانتخابية في البلاد والمطالبة بإعادة فرز الأصوات.
اختتم جميل كرزاي من داخل مكتبه المكتظ بأعضاء حزبه المعتدل في أفغانستان قائلاً، إن «النظام معطل، بل فاسد. لا توجد نية لإجراء انتخابات نزيهة».
- خدمة : «نيويورك تايمز»