غورباتشوف يحذّر برلين في ذكرى وحدة ألمانيا من عواقب تدهور العلاقة مع موسكو

استغل ميخائيل غورباشوف، آخر زعيم سوفياتي، احتفال برلين بمرور 30 عاماً على الوحدة الألمانية ليوجّه إليها تحذيراً من عواقب السماح بتدهور العلاقة مع روسيا. وفي كتابه الذي صدر في ألمانيا 10 أيام من احتفال البلاد بالوحدة يوم 3 أكتوبر (تشرين الأول)، يذكّر غورباتشوف الألمان بـ«التضحيات التي لا يمكن تخيلها والتي قدمها الشعب الروسي لتحرير أوروبا، بمن فيهم الألمان، من نظام هتلر». في «ما هو على المحك الآن»، يقول غورباتشوف بأن دعم الشعب الروسي للوحدة الألمانية كان «حاسماً» في تحقيق ذلك، وإنه «من دون ذلك الدعم لما كنت أنا نفسي أو أي سياسي آخر قَبِل برغبة الألمان في الوحدة».
وفي عام 1990 وافق الاتحاد السوفياتي بزعامة غورباتشوف على السماح لألمانيا الغربية بإعادة ضم ألمانيا الشرقية (جمهورية ألمانيا الديمقراطية) إليها والحصول على الوحدة بعد تفككها عقب الحرب العالمية الثانية وتقسيمها.
ويسرد الزعيم السوفياتي البالغ من العمر 88 عاماً، تاريخ العلاقات مع ألمانيا وكيف تطورت بشكل إيجابي بعد سقوط هتلر إلى أن بدأت بالتدهور عام 2014 «بعد أن انضمت ألمانيا إلى الجوقة الغربية» إثر النزاع مع أوكرانيا وضم موسكو القرم إلى أراضيها.
وينتقد غورباتشوف قرار ألمانيا دعم الاتحاد الأوروبي في العقوبات التي فرضها على روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية، ويكتب: «هل يريد الألمان فعلاً معاقبة روسيا؟ فكِّروا بهذه الكلمات. فالشعب الروسي قدم تضحيات لا يمكن تخيلها لتحرير أوروبا... وأظهر الروس تعاطفاً مع الألمان قبل 30 عاماً في توقهم للعيش في دول موحدة». ويضيف أن الحل اليوم ليس بفرض العقوبات بل بالجلوس على طاولة واحدة وحل الخلافات. ويذكّر بأن الخلافات قبل 30 عاماً كانت «أصعب بكثير وأخطر»، ومع ذلك تم حلها بالحوار. وينتقد غورباتشوف كذلك الصحافيين الألمان الذي يقول إنهم تحولوا «إلى أشبه بالمدعي العام عند الحديث عن روسيا... يرفضون كتابة كلمات تعاطف وحتى يرفضون فهم الروس».
ويتناول غورباتشوف في كتابه العلاقة مع الولايات المتحدة كذلك، ويوجه انتقادات لاذعة إلى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، خصوصاً لتخليه عن معاهدة الصواريخ النووية متوسط المدى التي كان قد وقّعها غورباشتوف نفسه عام 1988 مع الرئيس الأميركي آنذاك رونالد ريغان. وانسحبت واشنطن رسمياً من المعاهدة في فبراير (شباط) من العام الحالي بعد اتهامها موسكو بعدم الالتزام بها. وتبع ذلك إعلان من روسيا بتعليق العمل بالاتفاقية كذلك.
ويحذّر غورباتشوف من أن نتيجة تعليق العمل بهذه الاتفاقية التي يحمّل واشنطن وحدها مسؤوليتها، ستكون «زعزعة الاستقرار وسباق تسلح جديد». ومن بين الانتقادات الأخرى التي يوجهها إلى إدارة ترمب، «اعتمادها المتزايد على القوة العسكرية» لتحقيق أهداف سياسية، «تحييد الأمم المتحدة ومجلس الأمن». ويصف الاستعدادات العسكرية الأميركية الحالية بأنها «أشبه بالتحضيرات التي تسبق حرباً حقيقية». ويكتب: «الوضع في العالم يصبح فوضوياً وخارج عن السيطرة بشكل متزايد، وهذا يشكّل خطراً على كل الدول بما فيها الولايات المتحدة... لأنه ورغم كل التغيرات التي يشهدها العالم، لا يجب التخلي عن الاتفاقيات التي أسست للأمن العالمي بعد الحرب الباردة».
ويرى غورباتشوف أن الولايات المتحدة ومنذ سقوط الاتحاد السوفياتي، اعتمدت «استراتيجية الهيمنة بشكل أحادي لتخدم مصالحها الخاصة. وهي تكمل بهذه الاستراتيجية في عدة مناطق بالعالم، من العراق والبلقان وأفغانستان وليبيا وسوريا ومؤخراً حتى فنزويلا». ويتناول الزعيم السوفياتي كذلك انسحاب ترمب من الاتفاق النووي مع إيران الذي يعدّه خطأً، ويطري في المقابل على المحاولات الأوروبية إلى جانب روسيا والصين، لإنقاذ الاتفاق. ويقول إن هذه الجهود التي تقابل انسحاب واشنطن من الاتفاق مع إيران «تدفع إلى الاعتقاد بأن الخطوة المدمرة التي اتخذتها الإدارة الأميركية لن تؤدي إلى كارثة في منطقة مشتعلة أصلاً». ويقول إن إدارة ترمب تجد نفسها تكراراً ومراراً «معزولة» داخل المؤسسات الدولية.
وبتحليله للوضع المتوتر في الشرق الأوسط، يرى أن الأزمة الفلسطينية هي سبب كل الأزمات التي تلت من ضمنها ثورات «الربيع العربي» والهجرة إلى أوروبا. ويقول: «إذا استمررنا بقبول الوضع كما هو عليه في الشرق الأوسط فنحن نخاطر بالمزيد من النزاعات وعدم الاستقرار ما يغذّي الإرهاب ويدفع بأزمة هجرة جديدة نحو أوروبا».
ويرى أن «التدخلات الخارجية في العراق وليبيا وسوريا» جعلت من حظوظ السلام أبعد. ولكنه رغم حديثه عن تدخلات خارجية في سوريا فهو لا يأتي على ذكر التورط الروسي هناك ويبدو أنه يلمح فقط لوجود القوات الأميركية في معرض انتقاده لواشنطن.
ومن بين النصائح التي يقدمها «عدم التعاطي مع العالم الإسلامي بروح من التعالي بل يجب محاولة فهم تعقيداته وتناقضاته». ويتحدث عن النهضة الإسلامية «التي أسهمت بخدمة البشرية حتى يومنا هذا» وكيف أسهمت بوصول الثورة الصناعية إلى أوروبا والتي غيّرت العالم. ويضيف: «ولكننا نعلم جيداً إلى أي مدى كانت هذه العملية صعبة ومؤلمة. وحشية الاستعمار والرأسمالية والعسكرة أدت إلى إغراق أوروبا بحربين عالميتين وإلى العبودية في ولايات أميركا الجنوبية... كل هذا كانت له عواقب على العالم أجمع حتى اليوم». ويرى غورباتشوف أن الإصرار على الإسلاموفوبيا في السياسة خطأ كبير ويعني الدخول في «صراع مع مئات ملايين» المسلمين في العالم. ويدعو لمحاربة الإرهاب ليس فقط عسكرياً بل آيديولوجياً وسياسياً.