تفاقم أزمة الدولار في لبنان يثير مخاوف

TT

تفاقم أزمة الدولار في لبنان يثير مخاوف

اشتدَّت أزمة شُحّ الدولار الأميركي في السوق المحلية اللبنانية. إجراءات تتخذها بعض المصارف، لا سيما المتوسطة والصغيرة منها، بين يوم وآخر، كعدم السماح بسحب التحويلات المرسلة من الخارج إلا بالليرة اللبنانية، وعدم السماح بسحب الدولار من الصراف الآلي، أو وضع سقف لسحب الدولار، بحيث لا يتجاوز الخمسة آلاف في أفضل الأحوال. كل ذلك يصبّ في خانة ممارسة نوع من حجب الدولار، لا سيما على التجار، ما دفع الناس إلى اللجوء إلى محال الصيرفة وشراء الدولار بسعر تخطّى المحظور، بحيث تجاوز أمس 1600 ليرة مقابل الدولار الواحد.
صفارات الإنذار أُطلِقَت من قطاعات عدة، منها إضراب اتحاد نقابات الشركات الموزعة وأصحاب محطات المحروقات، وحثّ كذلك تجمُّع المطاحن المسؤولين على ضرورة تأمين الدولار بسعر صرفه الرسمي، أي 1507 ليرات، ليتمكنوا من شراء القمح الذي انخفض منسوبه بشكل خطير. إضرابات وتحذيرات دفعت مصرف لبنان لإصدار بيان يعلن فيه أنه سينظم مطلع الأسبوع المقبل تمويل استيراد القمح والدواء والبنزين بالدولار.
ويقول أحد كبار التجار لـ«الشرق الأوسط» إن «تدخل مصرف لبنان لتأمين استمرارية تدفق السلع الأساسية من الخارج، وتأمين الاعتمادات الدولارية لاقتصاد حر وتجارة كانت تاريخياً انسيابية وحرة حتى في أصعب الظروف، يطرح علامة استفهام كبرى»، مبدياً تخوفه من «أن تكون قد بدأت عملية تقنين قاسية للاستيراد، وهذا ما كان قد تسرَّب من بعض غرف القرار السياسي في لبنان».
وهذا الإجراء يُتخذ عادة لتخفيض قيمة الواردات، بهدف خفض عجز الميزان التجاري وميزان المدفوعات. ولا يرى فيه التاجر الذي تحدث إلى «الشرق الأوسط» حلّاً، معتبراً أنه «يساهم في تصغير حجم الاقتصاد والناتج الوطني، ويؤدي بالتالي إلى عجز أكبر في موازنة الدولة وإيراداتها، وإلى أزمة ملاءة وطنية تبدأ من أصغر تاجر أو صناعي، وتصل في النهاية إلى أكبرهم، وتنتقل إلى المصارف، وفي النهاية تحرم الدولة من مداخيلها، وعندها يكون السقوط الكبير».
ويعزو الباحث الاقتصادي الدكتور منير راشد الأزمة الحالية إلى «تراكمات عدة بدأت من الركود الذي أصاب الاقتصاد اللبناني، منذ بدء الأزمة السورية، وإغلاق طرق المواصلات، وتقليص السياحة بسبب الوضع الأمني، إضافة إلى وضع مالي محلي سجّل عجزاً كبيراً بسبب تراجع إيرادات الدولة، وتراكم الإنفاق من جوانب عدة». كل هذه العوامل، بحسب راشد، إضافةً إلى ما يشهده المحيط الإقليمي من نزاعات «لها انعكاسات على ميزان المدفوعات اللبناني، المرتبط ارتباطاً وثيقاً بعجز المالية العامة، إذ إنه عندما يزداد الإنفاق يتراجع الاحتياطي من العملة الصعبة». وأضاف أن «النشاط الاقتصادي تراجع في القطاعات الأخرى، وارتفعت تكلفة التمويل وتأزم الوضع بعد رفع سلسلة الرتب والرواتب مع نهاية عام 2017، بحيث ارتفعت بنسبة 20 في المائة، ما رافقه ارتفاع في العجز المالي، ليصل إلى أكثر من 11 في المائة من الناتج المحلي مع نهاية عام 2018».
وأدى ارتفاع العجز والدين العام إلى تراجع تصنيف لبنان السيادي «ما شجَّع بدوره على هروب المزيد من الرساميل إلى الخارج، أضِف إلى ذلك العقوبات الأميركية وما سببته من ضغوطات على القطاع المصرفي اللبناني». وأوضح أن «تراجع مخزون العملة الصعبة في السوق وانخفاض سعر صرف الليرة لدى الصيارفة، أو ما يعرف بالسوق الموازية بسبب زيادة الطلب على الدولار، يؤدي حكماً إلى ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة».
ورأى أنه على صانعي السياسات النقدية «ترك السوق لقوى العرض والطلب، لتحديد سعر صرف الدولار لدى البنوك والصرافين... أما إصلاح المالية العامة، فالأسهل في الوقت الحاضر معالجة أزمة الكهرباء التي تكلف الدولة سنوياً ملياري دولار، ومليار دولار للمستهلك الذي يدفع كلفة الكهرباء بأكثر مما يلزم».
في سياق متصل، قالت مصادر مطلعة على لقاءات مساعد وزير الخزانة الأميركي لشؤون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب مارشال بلينغسلي، إن الأخير نبّه المصارف اللبنانية إلى أن تعمد إلى بيع الدولار للتجار السوريين المدرجين على لائحة العقوبات، لاستخدامه بطرق أو بأخرى للاستيراد، نافياً أن تكون العقوبات الأميركية السبب في هذه الأزمة.
وقال الباحث الاقتصادي الدكتور مكرم رباح إن «أحد أسباب الطلب حالياً قيام بعض التجار بتأمين المحروقات للسوق السورية، وكون هذا القطاع يعتمد على الدولار يجبر هؤلاء على شرائه من السوق السوداء، متسبباً بمفاقمة أزمة الدولار». ورأى أن «الشعب اللبناني يدفع فاتورة جشع التجار، ونظام بشار الأسد الذي يستعمل لبنان للهروب من العقوبات».
واعتبر أن «فقدان الدولار من أجل خدمة السوق السورية، إضافة إلى الأعباء الاقتصادية على المواطن اللبناني، يدفع بلبنان واقتصاده نحو المزيد من العقوبات، ليس فقط على المصارف والأفراد المتورطين، بل على الدولة والاقتصاد بشكل عام، وبذلك زيارة بلينغسلي الأخيرة لا تنفصل عن موضوع أزمة الدولار الذي يشكل خرقاً للعقوبات المفروضة على (حزب الله) والنظام السوري».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.