«التواصل الاجتماعي» على طاولة صناع القرار في الأردن

«التواصل الاجتماعي» على طاولة صناع القرار في الأردن
TT

«التواصل الاجتماعي» على طاولة صناع القرار في الأردن

«التواصل الاجتماعي» على طاولة صناع القرار في الأردن

تواجه وسائل الإعلام التقليدي تحديات أمام انتشار منصات التواصل الاجتماعي عبر الفضاء الإلكتروني، التي بدَتْ ملجأ كثيرين في تداول المعلومات والأخبار والمظلمات والتعليق عليها، من غير شرط التحقُّق من صدقيتها.
ويواجه الإعلام التقليدي الأردني عبر مؤسساته المختلفة تحديات الانتشار والقبول والاستمرارية، أمام اعتماد كثيرين من جمهور الرأي العام على ما يجري تداوله من معلومات على منصات التواصل الاجتماعي، التي حظيت بانتشار واسع، وسرعة في كسب تأييد جمهور المتفاعلين، في وقت أضحت تلك المنصات دالة صناع القرار داخل أوساط مؤسسات رسمية.
في هذا السياق، لم ينجح الإعلام التقليدي الممثل في الصحف السياسية الرسمية والمستقلة والتلفزيونات المحلية والإذاعات، وحتى الإعلام البديل المتمثل بالمواقع الإلكترونية الإخبارية، في ملاحقة سباق المعلومات والأخبار، مع فضاء التواصل الاجتماعي الذي عمم مفهوم مهنة الصحافة، مجسراً فكرة «المواطن الصحافي» بديلاً عن الصحافي المستقل أو المُقيد بخطوط التحرير للمؤسسات العاملة.
وعليه، يؤكد الخبير الإعلامي ورئيس لجنة الحريات الصحافية في نقابة الصحافيين الأردنيين يحيى شقير لـ«الشرق الأوسط» أن «التظلُّم أمام منصات التواصل الاجتماعي في البلاد أصبح أكثر جدوى وسرعة من التظلم أمام القضاء»، في إشارة منه لتجاوز وسائل الإعلام التقليدية التي أصبحت «من الماضي»، على حد وصفه. ويوضح شقير أن بثّ مظلمات المواطنين على فضاءات التواصل الاجتماعي قدّم حماية اجتماعية وحصانة لموظفين عموميين من قرارات تعسفية لمسؤولين أردنيين، في حين يبادر المتفاعلون إلى مؤازرة القضايا الاجتماعية والتأثير بالمزاج العام.
وضرب شقير أمثلة على تفاعل المواطنين مع قضايا تتعلق بتعسُّف وزراء مع موظفيهم، بعد أن تم نشر فيديوهات وصور لهم، بيَّنت جانباً من الانتهاكات، مضيفاً أن وزير الصحة مثلاً ألغى نقل موظف بعد نشر الأخير مظلمته، فيما أقال العاهل الأردني الملك عبد الله أحد المستشارين بعد أن نقل موقع «فيسبوك» شكوى لمواطن ادعى أنه تعرّض للضرب من قبل المستشار في الديوان الملكي، وتمت مؤخراً محاسبة موظف مسؤول في وزارة البلديات بعد انتشار فيديو يوثق إساءته لعامل وطن، حيث أضحت منابر التواصل الاجتماعي سلطة «تجاوزت السلطة الرابعة في التأثير»، كما يقول شقير.
لكن التحدي الأبرز في هذا السياق، كما يرى مراقبون، عندما وجدت الحكومات الأردنية نفسها وسط حصار الشائعات المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، ووسط تراجع ملحوظ في مدى الثقة الشعبية بمنصات الإعلام الرسمي التقليدية منها والجديدة.
وزيرة الإعلام الأردنية جمانة غنيمات قالت في حوار سابق مع «الشرق الأوسط» إن الحكومة تعي خطورة انتشار الشائعات على الوعي العام، وخطورة تركها دون «تصحيح أو توضيح»، وبادرت بملاحقة مصادر الشائعات ونفيها عبر منصة «حقك تعرف» التي وظَّفتها على موقعي «فيسبوك» و«تويتر»، للتعامل اللحظي مع أي إشاعة تنتشر، وتطويقها بالمعلومات الموثوقة من مصدرها الرسمي.
في ذلك، يؤكد شقير على أن منصات التواصل الاجتماعي حلَّت مكان وزارة الإعلام وأدواتها الرسمية من وكالة أنباء وتلفزيون وصحف، وأن عدم مواكبة الإعلام الجديد الذي تمثله مواقع التواصل، ستكون تكلفته عالية على المجتمع، خصوصاً في ظل غياب الأطر المهنية والقانونية في التعامل مع أي تجاوزات متوقعة من البعض.
وتشير التقديرات الرسمية إلى اشتراك نحو 6 ملايين أردني على صفحات موقع «فيسبوك»، في حين ذكرت التقديرات ذاتها تفاعل نحو نصف مليون أردني على موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي، وأمام ذلك ثمة أرقام يصعب حصرها لمشتركي خدمة «واتساب»، التي تُستخدم هي الأخرى لتداول المعلومات والأخبار ضمن مجموعات يشترك بها كثير من المتابعين، والتي عادة ما يلجأ إليها النشطاء في بث معلومات ذات سقف مرتفع، يخشون نشرها على صفحاتهم والوقوع في مصيدة قانون الجرائم الإلكترونية.
أمام ذلك، يؤكد نائب رئيس الوزراء الأسبق ممدوح العبادي لـ«الشرق الأوسط» الأثر الحقيقي لهذه المواقع على صناعة القرار الرسمي، وفي حين يعتبر أن بعض المسؤولين يبالغون في مخاوفهم من هذه الأداة لقياس المزاج العام، أكد أن بعض المسؤولين يتخذون قراراتهم تحت وقع تأثير متابعتهم لتعليقات المواطنين، رافضاً اعتبار أن التواصل الاجتماعي عينة ممثلة لعينة الرأي العام، فمئات التعليقات لا تشكل قراءة دقيقة لمزاج الجمهور.



تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

أثارت نتائج دراسة حديثة تساؤلات عدة بشأن دور التلفزيون في استعادة الثقة بالأخبار، وبينما أكد خبراء وجود تراجع للثقة في الإعلام بشكل عام، فإنهم اختلفوا حول الأسباب.

الدراسة، التي نشرها معهد «نيمان لاب» المتخصص في دراسات الإعلام مطلع الشهر الحالي، أشارت إلى أن «الثقة في الأخبار انخفضت بشكل أكبر في البلدان التي انخفضت فيها متابعة الأخبار التلفزيونية، وكذلك في البلدان التي يتجه فيها مزيد من الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار».

لم تتمكَّن الدراسة، التي حلَّلت بيانات في 46 دولة، من تحديد السبب الرئيس في «تراجع الثقة»... وهل كان العزوف عن التلفزيون تحديداً أم الاتجاه إلى منصات التواصل الاجتماعي؟ إلا أنها ذكرت أن «الرابط بين استخدام وسائل الإعلام والثقة واضح، لكن من الصعب استخدام البيانات لتحديد التغييرات التي تحدث أولاً، وهل يؤدي انخفاض الثقة إلى دفع الناس إلى تغيير طريقة استخدامهم لوسائل الإعلام، أم أن تغيير عادات استخدام ومتابعة وسائل الإعلام يؤدي إلى انخفاض الثقة».

ومن ثم، رجّحت الدراسة أن يكون سبب تراجع الثقة «مزيجاً من الاثنين معاً: العزوف عن التلفزيون، والاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي».

مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، يتفق جزئياً مع نتائج الدراسة، إذ أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التلفزيون أصبح في ذيل مصادر الأخبار؛ بسبب طول عملية إنتاج الأخبار وتدقيقها، مقارنة بسرعة مواقع التواصل الاجتماعي وقدرتها على الوصول إلى شرائح متعددة من المتابعين».

وأضاف أن «عدد المحطات التلفزيونية، مهما ازداد، لا يستطيع منافسة الأعداد الهائلة التي تقوم بصناعة ونشر الأخبار في الفضاء الرقمي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي». إلا أنه شدَّد في الوقت نفسه على أن «الصدقية هي العامل الأساسي الذي يبقي القنوات التلفزيونية على قيد الحياة».

كيالي أعرب عن اعتقاده بأن السبب الرئيس في تراجع الثقة يرجع إلى «زيادة الاعتماد على السوشيال ميديا بشكل أكبر من تراجع متابعة التلفزيون». وقال إن ذلك يرجع لأسباب عدة من بينها «غياب الموثوقية والصدقية عن غالبية الناشرين على السوشيال ميديا الذين يسعون إلى زيادة المتابعين والتفاعل من دون التركيز على التدقيق». وأردف: «كثير من المحطات التلفزيونية أصبحت تأتي بأخبارها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، فتقع بدورها في فخ الصدقية والموثوقية، ناهيك عن صعوبة الوصول إلى التلفزيون وإيجاد الوقت لمشاهدته في الوقت الحالي مقارنة بمواقع التواصل التي باتت في متناول كل إنسان».

وحمَّل كيالي، الهيئات التنظيمية للإعلام مسؤولية استعادة الثقة، قائلاً إن «دور الهيئات هو متابعة ورصد كل الجهات الإعلامية وتنظيمها ضمن قوانين وأطر محددة... وثمة ضرورة لأن تُغيِّر وسائل الإعلام من طريقة عملها وخططها بما يتناسب مع الواقع الحالي».

بالتوازي، أشارت دراسات عدة إلى تراجع الثقة بالإعلام، وقال معهد «رويترز لدراسات الصحافة»، التابع لجامعة أكسفورد البريطانية في أحد تقاريره، إن «معدلات الثقة في الأخبار تراجعت خلال العقود الأخيرة في أجزاء متعددة من العالم». وعلّق خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، من جهته بأن نتائج الدراسة «غير مفاجئة»، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى السؤال «الشائك»، وهو: هل كان عزوف الجمهور عن التلفزيون، السبب في تراجع الصدقية، أم أن تراجع صدقية الإعلام التلفزيوني دفع الجمهور إلى منصات التواصل الاجتماعي؟

البرماوي رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «تخلّي التلفزيون عن كثير من المعايير المهنية ومعاناته من أزمات اقتصادية، دفعا الجمهور للابتعاد عنه؛ بحثاً عن مصادر بديلة، ووجد الجمهور ضالته في منصات التواصل الاجتماعي». وتابع أن «تراجع الثقة في الإعلام أصبح إشكاليةً واضحةً منذ مدة، وإحدى الأزمات التي تواجه الإعلام... لا سيما مع انتشار الأخبار الزائفة والمضلّلة على منصات التواصل الاجتماعي».