«ميشن سيفيتشي»... قلب بيرو النابض بأطباقها في نيويورك

من المأكولات البحرية السريعة إلى سلسلة لأهم المطاعم

مائدة غنية بالأطباق التقليدية
مائدة غنية بالأطباق التقليدية
TT

«ميشن سيفيتشي»... قلب بيرو النابض بأطباقها في نيويورك

مائدة غنية بالأطباق التقليدية
مائدة غنية بالأطباق التقليدية

قبل أربعة أعوام، شرع الشيف الشاب الفنزويلي الأصل خوسيه لويس شافيز في الانتقال من الهوس بالمأكولات البحرية السريعة وصحون السلاطة الجاهزة إلى سلسلة من مطاعم السيفيتشي البيروفي ذات السمعة الطيبة. وبدأ الشيف البيروفي الشاب العمل بعارضة تحمل اسم «ميشن سيفيتشي»، يقدم عليها فنونه من الطهي داخل صالة الطعام في «غانزفروت ماركت»، وأصبح هناك مكان آخر له في «كانال ستريت ماركت»، ثم محل آخر من المنتظر أن يُفتتح في وقت لاحق من العام الحالي في نورواك بولاية كونيتكيت الأميركية. وهو متخصص في إعداد الأسماك الطازجة الممتزجة بمختلف الحمضيات الليمونية، مع البطاطا الحلوة، في وجود حبات ذرة لذيذة بوجهيها الناعم والمقرمش، متى شئت أن تطلب.
ويعكس أسلوبه في الطهي الوصفات البيروفية الأصيلة، غير أن السيد خوسيه شافيز تلقى إلهامه في الاستعانة بصحن من البلاستيك الشفاف في طهي السيفيتشي البيروفي المستقر فوق قاعدة من السلاطة الطازجة، والأرز، ويسهل الحصول على بعض من نبات الكينوا، لقاء دولار واحد فقط. وتلحق المكونات المضافة بوجبة الغداء هناك روحاً ورحيقاً لم يعتد عليه سكان مدينة نيويورك بعد.
والأمر المثير للدهشة بشأن أطباق السلاطة في مطاعم «ميشن سيفيتشي» أنها لا تختلف في قليل أو كثير عن الطعام البيروفي الأصلي، إذ يؤتى بالأسماك الطازجة والنيئة والباردة لتُقطع بدقة فائقة إلى أجزاء مستوية الأشكال، ثم يُضاف إليها كوكتيل التتبيلة السائلة المسمى «ليشي دي تيغري»، وهو من كلاسيكيات التوابل لدى خوسيه شافيز، والمكون من الليمون وفلفل الروكوتو الوبري التشيلي، رغم أنك قد تفضل لو أن الشيف قد تحفظ قليلاً في إضافة فلفل الروكوتو إلى الخليط.
ويمكنك الحصول على دَفْعة عالية من التوابل ذات العيار الثقيل، وذلك من خلال فلفل «آجي أماريللو» الحار للغاية، وهو من ضمن أسلحة السيبيتشي البيروفي الخاصة، مع طبق يتألف من مزيج من قطع الأخطبوط، مع الروبيان والسمك المفلطح المغلف بالكامل بالكريمة الغنية، مع إضافة تتبيلة «ليشي دي تيغري» الليمونية الذهبية الراقية. ويُضاف بيوريه البطاطا الحلوة أو بيوريه الأفوكاتو إلى المزيج البيروفي الكلاسيكي. ويضاف البيوريه في صورة زهرات مستديرة يزدان بها الطبق اللذيذ، كمثل ما تزدان كعكات الزفاف بالإضافات الرائعة.
ولا يتميز المطعم الجديد «ميشن سيفيتشي ريستورانت أند بار» بالمساحة الرحبة أو الديكورات الفخمة، غير أنه يعد قصراً منيفاً بالمقارنة بالصورة الأولى للمطعم الذي بدأ منه الشيف شافيز رحلته في عالم الطهي. ويتسع المطعم الحالي لاستقبال 65 فرداً من الضيوف أو نحوهم أسفل تمثال جداري منحوت لسمكة عظيمة الحجم تتوهج بوهج الأضواء المسلطة عليها، فضلاً عن لافتة من النيون الوردي تقرأ «بصمة حليب النمر»، وهي في الراجح إشارة إلى الاعتقاد بأن تناول بقايا تتبيلة «ليشي دي تيغري» الليمونية بعد الانتهاء من الوجبة اللذيذة قد يكون له تأثيره الخاص لدى البعض!
وتعكس قائمة المطعم في الآونة الراهنة صورة أوضح وأكثر اكتمالاً لمأكولات ومشروبات المطبخ البيروفي، إذ إنها تمتد إلى الأطعمة الجديدة، ومنها الأسياخ المشوية المعروفة هناك باسم «أنتيكوشوس». ويعمل الشيف شافيز على إعداد أسياخ «أنتيكوشوس» الأكثر شيوعاً وشهرة في البلاد بنفسه، وهي من قلوب البقر المشوية المضمخة بصلصة الروكوتو الكريمية، ثم يقدمها مع رقائق البطاطا المقلية بلونها الذهبي البراق، إضافة إلى حبات ذرة الشوكولو. ويعد ثلاثي فلفل الروكوتو مع البطاطا الذهبية وحبات الشوكولو من المأكولات البيروفية الأصلية التي يمكنها الصمود في وجه صوص شيميشوري الذي يعتني بإعداده الشيف خوسيه شافيز، ضمن قائمة أسياخ «أنتيكوشوس» المفضلة لديه، مع السكالوب المشوي، بمضافات الجرجير ونكهة الليمون اللاذعة، مع رشة لطيفة من جبن البارميزان المخفوق.
ويملك الشيف شافيز موهبة إضافة كثير من النكهات المختلفة دفعة واحدة، مع الحفاظ على توازن الطبق المقدم عنده. ويتضح ذلك جلياً من إعداد سيخ قلب البقر مع شرائح الأخطبوط. ويُقدم الطبق بمكوناته الأساسية فحسب، مع شرائح الأخطبوط اللولبية الملتفة حول قرص مخروطي من البطاطا المهروسة. غير أن البطاطا، المتبلة بخلائط الليمون والفلفل الأصفر، تتوج بصوص الزيتون البيروفي الأسود الذي يمنحها لون اللافندر الداكن الأخاذ، ثم تُضمخ شرائح الأخطبوط بمزيج من الكمون والأوريغانو ومعجون الفلفل الأسود الحار، ثم يُسفع على النار، ويُزين الطبق ببضعة تجعيدات من أوراق البطاطا البيروفية أرجوانية اللون.
- خدمة «نيويورك تايمز»



«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين
TT

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

لقمة خبز قد تأسر القلب، ترفع الحدود وتقرب الشعوب، هكذا يمكن وصف التفاعل الدافئ من المصريين تجاه المطبخ السوداني، الذي بدأ يغازلهم ووجد له مكاناً على سفرتهم.

هذه الأرغفة البيضاء الصغيرة، التي يصف مصريون مذاقها بأنها «أطيب من الكيك»، في إشارة لطيب المذاق، تعد مثالاً يعكس مدى الانسجام الثقافي الذي تجاوز الحدود.

مع تداعيات الحرب التي شهدها السودان، والتي أدت إلى عمليات نزوح كبيرة إلى مصر، لم يتوقف الأمر عند مرحلة سرد الآلام والمآسي، بل تحول سريعاً إلى اندماج السودانيين في سوق الطعام المصري، وخلال أقل من عامين أثبت المطبخ السوداني وجوداً نسبياً في مصر.

بمجرد أن تطأ قدمك شارع فيصل (أحد أشهر شوارع محافظة الجيزة) يمكنك الاستدلال على الوجود السوداني من رائحة التوابل العميقة الصادرة من مطاعم أسسها سودانيون، يستهدفون بها زبوناً مصرياً يتوق إلى مذاق شعبي في وصفات، مثل صينية البطاطس، ويختلف تماماً ليقدم هويته في طبق آخر مثل أسياخ «الأقاشي»، المصنوعة من اللحم الطري الغارق في توابل مثل الزنجبيل والقرفة، مع طبقات البقسماط المقرمش، التي تغازل المصريين.

تقول السودانية، فداء محمود أنور، خريجة إدارة أعمال من جامعة الخرطوم ومؤسسة مطعم «بنت السودان» في حي مدينة نصر، شرق القاهرة، إن المصريين «احتضنوا المطبخ السوداني بسبب وجود أواصر اجتماعية وثقافية بين البلدين».

وأوضحت، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، من داخل مطعمها البسيط: «نقدم أكلات سودانية أصيلة، مثل الفول بزيت السمسم، والفلافل السودانية المصنوعة من الكبكبي (الحمص بلغة المصريين)، والأقاشي، وهو طبق شهير في السودان، إضافةً إلى الفسيخ السوداني والملوخية المفروكة وملاح الروب الأحمر».

وعن الأطباق شديدة الخصوصية، يقدم مطعم الشابة السودانية فداء طبقاً حبشياً، قالت عنه: «هناك أيضاً طبق ذو أصل حبشي أصبح جزءاً من المائدة السودانية يسمى (زغني)، وهو عبارة عن قطع الدجاج المبهرة بالقرفة والثوم والبصل والحبهان، كما يضاف له المذاق الحار بالشطة السودانية، وكذلك مذاق الحادق من خلال رشة السماق، ويقدم مع البيض المسلوق». فضلاً عن طبق الحلو السوداني الشهير «الباسطة»، أو ما يعرف بالبقلاوة في مصر.

وبحسب تجربتها، قالت فداء إن تفضيلات المصريين من المطبخ السوداني تميل إلى بعض الأطباق الأساسية التي ربما لا يختلف عليها السودانيون أيضاً، مثل: الخبز السوداني، والأقاشي، والفلافل، وأطباق الفول بالخلطات السودانية. أما باقي الأطباق، فالإقبال عليها محدود.

طعمية (فلافل) سودانية (الشرق الاوسط)

والبعد الجغرافي بين مصر والسودان انعكس في تقارب ثقافي، ظهر في المذاق المميز للمطبخين. ترى منة جمال، مصرية تعيش في حي السادس من أكتوبر، الذي يضم عدداً من المطاعم السودانية، أن المطبخ السوداني قريب من نظيره المصري، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «الخبز السوداني شبيه ببعض أنواع الخبز في الريف المصري، ربما يختلف في السُمك والحجم فقط ».

وعن الاختلاف بين المطبخين، قالت: «السودانيون يميلون إلى المذاق العميق والحار، بإضافة كميات كبيرة من التوابل، كما أن الفلفل الحار أساسي في عدد كبير من الأطباق السودانية، بينما يميل المصريون إلى إضافة التوابل الأساسية فقط، مثل الملح والفلفل والكمون».

الباسطا حلوى سودانية (الشرق الاوسط)

وبالعودة إلى فداء، فإنها أيضاً كسودانية وقعت في حب المطبخ المصري، وتروي تجربتها بالقول: «أنا من عشاق محشي ورق العنب، والكرنب، والباذنجان بالدقة، أحب تناوله مع الفلافل السودانية. أيضاً معظم السودانيين يحبون المحشي والملوخية المصرية».

الأطباق السودانية لم تعرف طريقها إلى المصريين من خلال المطاعم التجارية فحسب، بينما ساهم في رواجها نساء سودانيات كنّ قبل النزوح ربات منزل، إلا أنهن، مثل كثير من نساء الشرق، يعتبرن الطهي مهارة أساسية. ومع وصولهن إلى مصر وبحثهن عن سبل لكسب العيش، تحول الطهي إلى مهنة تحت شعار «أكل بيتي سوداني».

التقت «الشرق الأوسط» بفاطمة (اسم مستعار)، التي نزحت بعد الحرب وجاءت إلى القاهرة بصحبة عدد من الأسر السودانية، وتقيم حالياً في مدينة «الرحاب» التي تعد من المناطق ذات الإيجارات المرتفعة، حيث تشارك السكن مع 4 أسر سودانية أخرى. منذ عام، بدأت فاطمة بتقديم خدمات «الأكل البيتي» من منزلها بمساعدة بعض السيدات المقيمات معها.

تقول «فاطمة»: «جاءت الفكرة عندما لاحظت انتشار مشروعات الأكل البيتي في مصر، خاصة في الأحياء الراقية. فأنشأت حساباً على (فيسبوك)، بدأت من خلاله تقديم خدمات الأكل السوداني». وأردفت: «المصريون يحبون المطبخ السوداني، خاصة تلك الوصفات القريبة من مطبخهم، على شاكلة المحشي، كذلك تحظى أصناف اللحم المبهر بإعجاب كبير».

وأوضحت فاطمة أنها سعت إلى تقديم مزيج من الأكلات السودانية والمصرية، قائلة: «أستهدف زبونات مصريات عاملات يبحثن عن بدائل للطهي المنزلي. لذلك، لم أكتفِ بالوصفات السودانية فقط، بل تعلمت إعداد الأكلات المصرية، وهو أمر لم يكن صعباً على سودانية تربطها بمصر أواصر ثقافية واجتماعية، إذ كانت مصر والسودان في مرحلة ما من التاريخ بلداً واحداً».

تمكنت فاطمة من تقديم تجربة طعام بيتي فريدة، تجمع بين نكهات المطبخين السوداني والمصري، مستقطبةً كثيراً من الأسر المصرية التي تبحث عن طعام منزلي بطابع خاص. ومن خلال تجربتها، كشفت فاطمة عن مدى التداخل الثقافي بين المطبخين، ما يمهد الطريق لمزيد من الاندماج وابتكار وصفات جديدة قد تظهر في المستقبل القريب.