على وقع الأنغام التراثية والشعبية الفلسطينية التي تتغنى بالأرض والمزارعين، افتُتح صباح أمس، مهرجان العنب السنوي الثامن في محافظة الخليل الواقعة جنوب القدس... عشرات الأصناف من العنب الفلسطيني تزينت بها أرض المهرجان الذي أمّه آلاف المواطنين من مناطق مختلفة بحضور شخصياتٍ رسمية.
حيرة شديدة يعيشها الزائر لدى توجّهه إلى مكان المهرجان، فالتركيز يأخذه تارة لمشاهد قطوف العنب المتدلية البرّاقة بألوانها الزاهية، وتارة أخرى لعشرات الأصناف من المنتجات العنبية التي صنعت بأيادٍ فلسطينية، فيما يشدّه في حينٍ منفصل للنسوة اللواتي يجهزّن أوراق «الدّوالي» بطريقة جذابة تُوحي بمدى إتقانهن في أصول صنع هذه الأكلة الشعبية المشهورة عالمياً.
ثلاثة أيام هي الفترة التي يستمر فيها عقد فعاليات المهرجان الذي يُنظم كما كلّ عام من قِبَل بلدية بلدة «حلحول» الواقعة شمال مدينة الخليل، ويشارك فيه عشرات المزارعين العاملين في مختلف محافظات الضفة الغربية، إلى جانب العديد من أصحاب المواهب والمشاريع الريادية التي تنتج أشغالاً تراثية تحمل أبعاداً وطنية.
وفي كلمته، قال رئيس بلدية بلدة حلحول حجازي مرعب: إنّ «المهرجان يُعقد بصورة دورية، في الفترة ما بين 10 إلى 25 سبتمبر (أيلول)، لأنّ ذلك هو وقت الذروة في إنتاج أصناف العنب»، مبيّناً أنّ لجاناً تحضيرية تعقد مجموعة من اللقاءات تسبق افتتاح المهرجان بأشهر، لأجل تجهيز المستلزمات، وتحديد المشاركين، وللتأكّيد على ضرورة إبراز كلّ ما يتعلق بالمزارع الفلسطيني خلاله.
بدوره، يوضح المزارع الفلسطيني رائد ياسين لـ«الشرق الأوسط» أنّه كغيره من أبناء المهنة يواجه بصورة شبه يومية، مجموعة من التحديات التي تقف حائلاً أمام استمرار عمله في الأرض، ذاكراً أنّ أهمها يتمثل بالاحتلال الذي نهب آلاف الدونمات الزراعية لغرض بناء المستوطنات، وكذلك عمل على إغراق السوق الفلسطينية ببضائع منافسة بأسعارٍ أقل. ويضيف: «يعاني المزارع أيضاً من غياب الاستراتيجية الوطنية الداعمة له ولصموده»، مشيراً إلى أنّه رغم ذلك فإنّ الأخير دائماً ما ينجح في التغلب على تلك المعوقات، ومهرجان اليوم الزاخر بعشرات المنتوجات الزراعية ذات الجودة العالية والمواصفات العالمية هو دليلٌ على ذلك.
ومن بين المشكلات الخاصّة بالمهرجان، خضوعه للتقلبات السياسية والتطورات الأمنية الفلسطينية، فأصل إقامته يعود لسنة 1973. وكان التجار هم المنفذون له وقتها، وتوقف حينها لأسباب متعددة، وعاد افتتاحه مرّة ثانية في فترة تسعينات القرن الماضي وتوقف كذلك، وفي عام 2010. أعادت بلدية حلحول التابعة لمحافظة الخليل إحياءه وظلّ مستمراً حتى هذا اليوم بجهودٍ مبذولة من قِبَل تحضيرية تتشكل من 18 مؤسسة محلية.
مازن الكرمي (28 عاماً) شاب فلسطيني من مدينة طولكرم، كان ضمن الحاضرين للمهرجان، يلفت لـ«الشرق الأوسط» أنّه يحرص في كلّ عام على الوصول إلى المهرجان رغم وجود الحواجز الإسرائيلية التي تقطع الطّرق بين محافظات الضّفة الغربية، منوهاً بأنّه يعيش شعور الفخر بهذا المستوى الراقي من الإنتاج الزراعي الذي يظهر فيه التطور والحداثة سنة بعد سنة.
وتتنشر في فلسطين أصناف متعددة من العنب منها الأبيض الذي يضم الأنواع التالية: «الدابوقي، والزيني، والبيروتي، والحمداني والجندلي، والفحيصي، والمراوي»، وصنف آخر هو الأسود وأشهر أنواعه هي: «البيتوني والحلواني، والدراويشي والشامي»، كما أنّ ثماره تستخدم في صنع المربى، والدبس، والزبيب والخبيصة، والملبن وهناك أشخاص يستخدمونها لصناعة النبيذ، كما أنّ أوراق شجرة العنب تعدّ مصدراً لإعداد وجبة «الدوالي» الشّعبية.
ولا يقتصر العنب الفلسطيني على كونه فاكهة شهية من فواكه الصيف. هذا ما يظهر من خلال تداخل اسمه بعدد من الأمثال الشعبية، فيقال على سبيل المثال للشخص الذي يرغب في الوصول لهدفٍ ما: «بدك العنب ولا تقاتل الناطور»، وهناك مثَل آخر يُقال للشّخص الذي يخدع أصحابه بمأكل أو مشرب: «أكل العنب وأعطانا الحصرم»، والحصرم هو اسم يُطلق على حبات العنب غير الناضجة.
يشار إلى أنّ الأراضي الفلسطينية تنتج سنوياً نحو 60 ألف طن من العنب وتعتبر فصيلته التي تتنوع بين «البذري واللابذري» هي الأفضل في المنطقة من ناحية الجودة، وتتصدر مدينة الخليل قائمة المدن الأكثر إنتاجاً بشكلٍ سنوي، ويليها بيت لحم وطوباس وجنين.
مهرجان العنب الفلسطيني السنوي فرصة للبوح بالجمال والوجع
يشارك فيه مزارعون من مختلف المحافظات
مهرجان العنب الفلسطيني السنوي فرصة للبوح بالجمال والوجع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة