تحليل سياسي: الانتخابات الإسرائيلية في صورتها الكبيرة

TT

تحليل سياسي: الانتخابات الإسرائيلية في صورتها الكبيرة

لم تعد الأجواء السابقة على الانتخابات الإسرائيلية في 17 سبتمبر (أيلول) بأي مفاجآت. عاد المتنافسان الكبيران، «الليكود» وحزب «أزرق أبيض» بالبرامج نفسها التي خاضا فيها انتخابات أبريل (نيسان) الماضي، ولم تتغيّر الانقسامات السابقة بين العلمانيين والدينيين، ولا المواقف التي أفضت إلى حل الكنيست والدعوة إلى التوجه مجدداً إلى صناديق الاقتراع.
التغيّرات التي يمكن الحديث عنها تكمن في التفاصيل: ارتفاع نسبة المشاركين إلى 63 في المائة من 61 في انتخابات أبريل. نجاح قوى فلسطينيي الـ48 في تشكيل قائمة موحدة ما أسفر عن حصولها على ثالث كتلة برلمانية بعد الحزبين الرئيسيين. تكرس تقدم «أزرق أبيض» على «الليكود» ولو بمقعدين، ما حمل نيامين نتنياهو على الدعوة إلى حكومة وحدة (يريدها برئاسته). وأخيراً، بروز أفيغدور ليبرمان زعيم «إسرائيل بيتنا» كضابط للتوازنات السياسية و«كتلة حرجة» في تشكيل أي حكومة مقبلة.
غياب مسائل السياسة الخارجية، سواء الصراع مع إيران أو العلاقات مع الفلسطينيين ومستقبل الأراضي المحتلة، عن الحملات الانتخابية غياباً شبه كامل يشير إلى تعمّق النهج الأمني - إذا صح التعبير - في التعامل الإسرائيلي مع هذه القضايا. ذلك أن «الليكود» و«أزرق أبيض» الذي يُعرف بـ«حزب الجنرالات» بسبب تصدر صفوفه الأولى مجموعة من كبار الضباط السابقين في الجيش الإسرائيلي ابتداء من زعيمه بيني غانتس ورئيس الأركان السابق غابي أشكينازي، لا يختلفان كثيراً عن بعضهما في تقديم المعالجة الأمنية والعسكرية للموضوع الإيراني باعتباره خطراً وجودياً، فيما يتشاركان بآراء متشابهة حيال القضية الفلسطينية التي انحسرت من وجهتي نظريهما إلى مسألة عمليات متفرقة واشتباكات دورية مع مقاتلي «حماس» في غزة. وبدهي أن مقاربة كهذه لا تنتج رؤية سياسية للحل، لا على الصعيد الخارجي ولا الداخلي.
أحد أسباب نجاح «أزرق أبيض» في جولتي الانتخابات هذه السنة هو ابتعاده عن الأحزاب الدينية التي باتت تتحكم، عن طريق الابتزاز والإملاء، بسياسات الحكومة بنسبة تفوق حجمها الانتخابي. وهي الأحزاب التي ازدادت حاجة نتنياهو إليها في ظل مخاوفه من أن تقود تحقيقات الفساد إلى إنهاء حياته السياسية. ومعلوم أن قوة الأحزاب الدينية وخصوصاً «شاس» و«يهادوت هاتوراة» تنجم عن تفتت الساحة السياسية والقانون الانتخابي الذي يجعل أي فائز في صناديق الاقتراع يسعى إلى إرضاء المتدينين؛ نظراً إلى الصعوبة الشديدة التي يكتنفها تحقيق نصر كامل يسمح للفائز بتشكيل حكومة من دون اللجوء إلى التحالفات الائتلافية.
بهذا المعنى يصح القول إن العملية الانتخابية الأخيرة كانت فقيرة في المعطيات الجديدة. لكن في المقابل يتعين الانتباه إلى أن كل ما يجري في السياسة الإسرائيلية يُظهر أن الأحزاب الإسرائيلية وقادتها الأبرز باتوا لا يتميزون عن بعضهم سوى في المزايدة على اتباع السياسات الأكثر تطرفاً حيال الفلسطينيين والأشد محافظة في الداخل، إرضاء للقوى الدينية النافذة.
هذا الجانب هو ما يستحق تسليط الأضواء عليه ومراقبته مراقبة دقيقة، حيث يبدو أن التغيّرات العميقة في البنية الاجتماعية السياسية الإسرائيلية هي الأهم في هذه المرحلة التي سُحب من التداول فيها موضوع السلام مع العرب ومع الفلسطينيين.
الصورة الكبيرة التي ربما فاتت مراقبي الانتخابات الإسرائيلية تشير إلى تحول بطيء وتدريجي للمجتمع الإسرائيلي الذي تدفعه طبيعته المتناقضة بين أقصى ارتباط مع الغرب في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وبين أشد القوى تشدداً دينياً وانغلاقاً على الذات، في مسارات غير مألوفة تماماً بالنسبة إلى القارئ الذي لم تغب ربما عنه التراكمات الصغيرة وفرص تحولها إلى أحداث مفاجئة.



رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
TT

رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

حظيت رسائل «طمأنة» جديدة أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال احتفال الأقباط بـ«عيد الميلاد»، وأكد فيها «قوة الدولة وصلابتها»، في مواجهة أوضاع إقليمية متوترة، بتفاعل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال السيسي، خلال مشاركته في احتفال الأقباط بعيد الميلاد مساء الاثنين، إنه «يتابع كل الأمور... القلق ربما يكون مبرراً»، لكنه أشار إلى قلق مشابه في الأعوام الماضية قبل أن «تمر الأمور بسلام».

وأضاف السيسي: «ليس معنى هذا أننا كمصريين لا نأخذ بالأسباب لحماية بلدنا، وأول حماية فيها هي محبتنا لبعضنا، ومخزون المحبة ورصيدها بين المصريين يزيد يوماً بعد يوم وهو أمر يجب وضعه في الاعتبار».

السيسي يحيّي بعض الأقباط لدى وصوله إلى قداس عيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

وللمرة الثانية خلال أقل من شهر، تحدث الرئيس المصري عن «نزاهته المالية» وعدم تورطه في «قتل أحد» منذ توليه المسؤولية، قائلاً إن «يده لم تتلوث بدم أحد، ولم يأخذ أموال أحد»، وتبعاً لذلك «فلا خوف على مصر»، على حد تعبيره.

ومنتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قال السيسي في لقاء مع إعلاميين، إن «يديه لم تتلطخا بالدم كما لم تأخذا مال أحد»، في إطار حديثه عن التغييرات التي تعيشها المنطقة، عقب رحيل نظام بشار الأسد.

واختتم السيسي كلمته بكاتدرائية «ميلاد المسيح» في العاصمة الجديدة، قائلاً إن «مصر دولة كبيرة»، مشيراً إلى أن «الأيام القادمة ستكون أفضل من الماضية».

العبارة الأخيرة، التي كررها الرئيس المصري ثلاثاً، التقطتها سريعاً صفحات التواصل الاجتماعي، وتصدر هاشتاغ (#مصر_دولة_كبيرة_أوي) «التريند» في مصر، كما تصدرت العبارة محركات البحث.

وقال الإعلامي المصري، أحمد موسى، إن مشهد الرئيس في كاتدرائية ميلاد المسيح «يُبكي أعداء الوطن» لكونه دلالة على وحدة المصريين، لافتاً إلى أن عبارة «مصر دولة كبيرة» رسالة إلى عدم مقارنتها بدول أخرى.

وأشار الإعلامي والمدون لؤي الخطيب، إلى أن «التريند رقم 1 في مصر هو عبارة (#مصر_دولة_كبيرة_أوي)»، لافتاً إلى أنها رسالة مهمة موجهة إلى من يتحدثون عن سقوط أو محاولة إسقاط مصر، مبيناً أن هؤلاء يحتاجون إلى التفكير مجدداً بعد حديث الرئيس، مؤكداً أن مصر ليست سهلة بقوة شعبها ووعيه.

برلمانيون مصريون توقفوا أيضاً أمام عبارة السيسي، وعلق عضو مجلس النواب، محمود بدر، عليها عبر منشور بحسابه على «إكس»، موضحاً أن ملخص كلام الرئيس يشير إلى أنه رغم الأوضاع الإقليمية المعقدة، ورغم كل محاولات التهديد، والقلق المبرر والمشروع، فإن مصر دولة كبيرة وتستطيع أن تحافظ علي أمنها القومي وعلى سلامة شعبها.

وثمّن عضو مجلس النواب مصطفى بكري، كلمات السيسي، خاصة التي دعا من خلالها المصريين إلى التكاتف والوحدة، لافتاً عبر حسابه على منصة «إكس»، إلى مشاركته في الاحتفال بعيد الميلاد الجديد بحضور السيسي.

وربط مصريون بين عبارة «مصر دولة كبيرة» وما ردده السيسي قبل سنوات لقادة «الإخوان» عندما أكد لهم أن «الجيش المصري حاجة كبيرة»، لافتين إلى أن كلماته تحمل التحذير نفسه، في ظل ظهور «دعوات إخوانية تحرض على إسقاط مصر

وفي مقابل الكثير من «التدوينات المؤيدة» ظهرت «تدوينات معارضة»، أشارت إلى ما عدته تعبيراً عن «أزمات وقلق» لدى السلطات المصرية إزاء الأوضاع الإقليمية المتأزمة، وهو ما عدّه ناجي الشهابي، رئيس حزب «الجيل» الديمقراطي، قلقاً مشروعاً بسبب ما تشهده المنطقة، مبيناً أن الرئيس «مدرك للقلق الذي يشعر به المصريون».

وأوضح الشهابي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أنه «رغم أن كثيراً من الآراء المعارضة تعود إلى جماعة الإخوان وأنصارها، الذين انتعشت آمالهم بعد سقوط النظام السوري، فإن المصريين يمتلكون الوعي والفهم اللذين يمكنّانهم من التصدي لكل الشرور التي تهدد الوطن، ويستطيعون التغلب على التحديات التي تواجههم، ومن خلفهم يوجد الجيش المصري، الأقوى في المنطقة».

وتصنّف السلطات المصرية «الإخوان» «جماعة إرهابية» منذ عام 2013، حيث يقبع معظم قيادات «الإخوان»، وفي مقدمتهم المرشد العام محمد بديع، داخل السجون المصرية، بعد إدانتهم في قضايا عنف وقتل وقعت بمصر بعد رحيل «الإخوان» عن السلطة في العام نفسه، بينما يوجد آخرون هاربون في الخارج مطلوبون للقضاء المصري.

بينما عدّ العديد من الرواد أن كلمات الرئيس تطمئنهم وهي رسالة في الوقت نفسه إلى «المتآمرين» على مصر.