اللاعبون الأساسيون في السياسة الإسرائيلية في ضوء انتخابات الكنيست الـ22

لا حكومة في المدى القريب

اللاعبون الأساسيون في السياسة الإسرائيلية في ضوء انتخابات الكنيست الـ22
TT

اللاعبون الأساسيون في السياسة الإسرائيلية في ضوء انتخابات الكنيست الـ22

اللاعبون الأساسيون في السياسة الإسرائيلية في ضوء انتخابات الكنيست الـ22

المهمة الأولى في إسرائيل الآن، بعد انتخاب الكنيست الـ22 هي تكليف أحد زعيمي الكتلتين الأكبر؛ بيني غانتس، أو بنيامين نتنياهو، تشكيل الحكومة المقبلة. غير أن المسألة المعقدة حقاً هي أن هناك عدة لاعبين في الساحة الحزبية يؤثرون على رئيس الدولة، رؤوبين ريفلين، في اتخاذه القرار، بينهم أفيغدور ليبرمان، وأيمن عودة، ومجموعة لاعبين يتحركون في الخفاء سيحسم أحدهم اللعبة.
مَن هو هذا اللاعب المرشح لحسم النتيجة؟ ما أوصافه وحساباته؟ وهل سيفلح... أم أن نتنياهو سيتمكن من حرق كل الأوراق عبر إشعاله حرباً ما تؤدي إلى تأجيل كل شيء، بما في ذلك تأجيل محاكمته بتهمة الفساد؟
ينشغل متابعو السياسة الإسرائيلية منذ ظهور نتائج انتخابات الكنيست (البرلمان) الـ22. في هوية وشكل الحكومة المقبلة، وبحق. فالسياسة الإسرائيلية باتت تؤثر على حيّز أوسع بكثير من شؤون الدولة العبرية الصغيرة. وصارت ذا تأثير على الشرق الأوسط وحتى بعض جوانب السياسة الدولية.
لكن هذه الحكومة لن تقوم في القريب، لأن نتائج الانتخابات أسفرت عن وضع شائك يحمل سمات الأزمة. ورئيس الدولة، رؤوبين ريفلين، صاحب صلاحية تعيين رئيس حكومة مكلف، حائر أكثر من الجميع. فلديه مرشحان لهذا المنصب، هما: خصمه اللدود رئيس الحكومة الحالي وزعيم «الليكود» بنيامين نتنياهو، ورئيس حزب الجنرالات «كحول لفان» (أزرق - أبيض)، بيني غانتس.
مشكلة ريفلين الأولى أن نتنياهو وجه له صفعة مجلجلة، ويمكن القول إنها مهينة، في الانتخابات قبل الأخيرة التي أجريت في 9 أبريل (نيسان) الماضي. ففي حينه، كلف ريفلين نتنياهو تشكيل الحكومة، لكنه فشل في مهمته. ومن ثم، كان عليه أن يعيد كتاب التكليف لرئيس الدولة كي يلقي بالمهمة على عاتق نائب غيره في «الكنيست». لكن نتنياهو التفّ على ريفلين، ولجأ إلى خدعة سياسية كانت بمثابة ضربة لمكانة وهيبة رئيس الدولة. إذ مرّر قانوناً معجّلاً في الكنيست حل بموجبه البرلمان نفسه، ما جرّ البلاد إلى انتخابات أخرى، وهو الأمر الذي لم يحدث من قبل في تاريخ السياسة الإسرائيلية.
وهكذا، فالقضية الآن هي: هل سيعيد ريفلين هذه التجربة... ويكلف نتنياهو مرة أخرى؟
حسب القانون، على ريفلين إجراء مشاورات مع قادة الأحزاب ليستمع منهم إلى توصياتهم بشأن هوية رئيس الحكومة المقبل، حسب وجهات نظرهم. فإذا كان هناك 61 توصية على أحد النواب سيكون رئيس الدولة ملزَماً بتكليفه لتشكيل الحكومة. ولكن، إذا لم يكن هناك 61 توصية، فإن القانون يتيح له أن يعين نائباً آخر يعتقد أنه قادر على تنفيذ هذه المهمة. وهنا يعطيه القانون مساحة واسعة لتحديد رئيس الحكومة المكلف. بناءً عليه، فإن كل الأنظار متجهة حالياً نحو ريفلين. ويخشى نتنياهو أن يصدر القرار بهذا الشأن بدافع من رغبة الانتقام منه، علماً بأنه كان قد اتهم ريفلين قبل شهرين بأنه يتآمر عليه مع أحد نواب «الليكود»، جدعون ساعر، الذي يحاول الإطاحة بنتنياهو من رئاسة «الليكود».
ريفلين، من جهته، قرر البدء في المشاورات مع قادة الكتل البرلمانية سريعاً، مع أن لديه مشكلة كبرى. فنتائج الانتخابات لم تعطِ صورة واضحة وقاطعة، واللاعبون في الحلبة السياسية الإسرائيلية اليوم لا يساعدونه على اتخاذ القرار الصحيح. ولكن من هم اللاعبون الأبرز:

بنيامين نتنياهو (الليكود)
بنيامين نتنياهو، رغم نكسته بالأمس، يظل أخطر اللاعبين في الحلبة؛ فنتائج الانتخابات دلت بوضوح على انخفاض قوته الحزبية والشعبية بصورة كبيرة، إذ دخل الانتخابات وهو يرأس كتلة برلمانية تضم 39 نائباً («الليكود» بـ35 مقعداً، وحزب «كلنا» برئاسة وزير المالية موشيه كحلون بـ4 مقاعد)، ومعه حزب جديد يدعى «موريشت» بقيادة موشيه فغلين، الذي أقنعه نتنياهو بأن ينسحب من المعركة ويدعو الناس إلى التصويت لـ«الليكود» مقابل قطع وعد له بأن يعينه وزيراً. وعليه، إذا قدّرنا قوته بمقعدين اثنين، يكون نتنياهو خاض المعركة بـ41 مقعداً. ولكن النتائج دلت على أنه حصل على 31 مقعداً فقط، أي أنه خسر 10 مقاعد.
جاءت خسارة نتنياهو لعدة أسباب:
أولاً، هو الذي تسبب بإعادة الانتخابات والجمهور يعاقب عادة من يجره إلى انتخابات زائدة، كلفتها تقارب مليار دولار أميركي.
وثانياً، خسر نتنياهو أصوات الإثيوبيين، فقبل ثلاثة شهور قتلت الشرطة شاباً إثيوبياً لأسباب تافهة، وأثار هذا الحادث غضباً شديداً على الشرطة والحكومة.
وثالثاً، خسر نتنياهو أصوات سكان البلدات اليهودية المحيطة بقطاع غزة، لأن هؤلاء يشعرون بأن نتنياهو فشل بوقف صواريخ «حماس». وهم يتهمونه بأنه يجري مفاوضات للتفاهم مع «حماس»، ويسمح لقطر بتمويلها بقيمة 30 مليون دولار تدخل إلى القطاع في كل شهر، ومع هذا، الصواريخ لم تتوقف.
ورابعاً، بدأت وسائل الإعلام تنشر مقاطع من بروتوكولات التحقيق مع نتنياهو وبقية المتهمين والشهود في ملفات الفساد الموجهة ضده، وفيها تفاصيل مذهلة عن مستوى الفساد ورخصه. وعلى سبيل المثال، كشفوا كيف اتصلت زوجته سارة، ذات مرة، من القدس، بجارها الثري في بلدة قيساريا الساحلية، وطلبت منه أن يرسل لها صابونة حلاقة في يوم السبت. فتساءل: «أنت تريدينني أن أرسل إليك صابون حلاقة من قيساريا إلى القدس اليوم (السبت)؟ ألا يوجد عندكم صابون حلاقة حقّاً؟ فأجابته: هل تريد أن يخرج رئيس الحكومة من البيت من دون صابون حلاقة؟»، فأرسل إليها الصابون بسيارة أجرة خاصة. وتوجد مثل هذه القصص وأكثر.
وخامساً، الجمهور بدأ يمقت نتنياهو ويشعر بضرورة تغييره.
رغم كل هذا، نتنياهو لا يستسلم. فهو يعرف بأنه في حال خسارة منصبه في رئاسة الحكومة سيجلس في قفص الاتهام بسبب ملفات الفساد الثلاثة المفتوحة ضده. وهو لذا يسابق الزمن. ففي الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، سيعقد المستشار القضائي للحكومة جلسة استماع له، ليقرّر بعدها توجيه أو عدم توجيه لائحة اتهام ضده. والمقرّبون من الملفات يؤكدون أن المستشار أبيحاي منلبليت، كان يتمنى أن يستطيع منح حبل النجاة لنتنياهو، فهو الذي شغل منصب سكرتير حكومته. ونتنياهو هو الذي عيّنه مستشاراً قضائياً. لكن الملفّات قوية، وفيها أدلة راسخة، لدرجة أنه لا يستطيع الامتناع عن توجيه لائحة اتهام ضده.
بالمختصر إذن، فإن نتنياهو يريد أن يبقى رئيس حكومة بأي ثمن، لأنه في رئاسة الحكومة يستطيع إدارة المحكمة من مركز قوة. لكنه في حال تعيينه وزيراً في حكومة برئاسة غانتس، مثلاً، سيكون عليه الاستقالة من الوزارة في حال توجيه لائحة اتهام ضده. وعندما نقول: «بأي ثمن»، نقصد ذلك. فمن شأن نتنياهو أن يسعى لإشعال حرب إذا استطاع، كما كشف عشية الانتخابات، إذ سبق أن حاول شنّ حرب على قطاع غزة لكن قادة الجيش رفضوا، والمستشار القضائي أبلغه بأن هذا غير قانوني. في الوقت الحاضر يحاول نتنياهو الاكتفاء بالألاعيب السياسية؛ إذ خرج إلى الجمهور بعد الانتخابات، يخطب وكأنه حقق النصر. وجمع رؤساء الأحزاب اليمينية والدينية، واتفق معهم على التوجه إلى مفاوضات الائتلاف ككتلة واحدة، مؤلفة من 55 نائباً (الليكود: 31 وحزب اليهود الشرقيين المتدينين «شاس»: 9 مقاعد، وحزب اليهود المتدينين الغربيين «يهدوت هتوراة»: 8 مقاعد، وحزب «يمينا» المتطرف: 7 مقاعد). ووقعوا على وثيقة أعدها لهم يتعهدون فيها بألا يدخلوا أي ائتلاف حكومي إلا جماعة معه.
وبعد هذا توجه إلى غانتس يقترح عليه اللقاء معه للتحدّث حول إمكانية تشكيل «حكومة وحدة وطنية» معه.

بيني غانتس (أزرق - أبيض)
بيني غانتس، اللاعب الأول، من حيث عدد الأصوات، والثاني من حيث الأهمية، إذ حصل على 33 مقعداً، أي بخسارة مقعدين عن الانتخابات الأخيرة. وتُعتبر هذه النتيجة بمثابة نجاح كبير نسبياً لحزبه، الذي أصبح منافساً جدياً على السلطة في غضون ثمانية شهور من تأسيسه. وتفوّق على نتنياهو رغم أنه أدار معركة انتخابية باردة، بلا إثارة وبلا حماس.
أهمية غانتس تكمن فيما يمثله ويعبر عنه من مصالح؛ فهو جنرال في الجيش شغل منصب رئيس الأركان حتى عام 2015. ومعه أربعة رؤساء أركان سابقون، بينهم وزير دفاع سابق. ومعه ضباط كبار سابقون في الاستخبارات والشرطة.
إنه ببساطة يمثل مصالح «المؤسسة الأمنية» الإسرائيلية بكل صنوفها. وعندما فُرزت نتائج التصويت بين الجنود، تبين أن غانتس حظي بعدد أصوات أكبر بكثير من نتنياهو. ووفقاً لحسابات مهنية، فلو كان الإسرائيليون يسلمون الانتخابات للجيش لكانوا انتخبوا غانتس بلا منازع، إذ حصل على 38 في المائة من الأصوات مقابل 31 في المائة لنتنياهو.
غانتس رفض دعوة نتنياهو، ورد عليه بالقول إنه هو الفائز في الانتخابات. وفي محادثات سرّية غير مباشرة بينهما قال غانتس إنه وعد الجمهور بحكومة وحدة مع «الليكود» لكن من دون نتنياهو، ولكن إذا كان يصرّ على الاستمرار في الحياة السياسية فإنه (أي غانتس) مستعد لقبوله وزيراً في منصب كبير، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية مثلاً. لكن غانتس يعرف أن نتنياهو لن يوافق على هذا العرض؛ فهو يريد فقط منصب رئيس حكومة، لذا بدأ يجس النبض لدى بقية الكتل.
مع غانتس يوجد الآن 44 نائباً مضموناً، هم 33 من حزبه، و6 من حزب العمل - جيشر بقيادة عمير بيرتس، و5 من حزب «ميرتس» المتحالف مع إيهود باراك. وهو يحاول التفاهم مع أفيغدور ليبرمان، الذي حصل على 8 مقاعد، فيصبح له 54 نائباً. ولكي يتغلب على نتنياهو، يحتاج غانتس إلى تأييد النواب العرب في «القائمة المشتركة». وهنا توجد معضلة مزدوجة: فأولاً، ليبرمان يرفض أن يوصي على غانتس عند رئيس الدولة إذا كان العرب سيوصون عليه أيضاً. وثانياً، في «القائمة المشتركة» نفسها يوجد خلاف محتدم حول الموضوع، فرئيس القائمة، أيمن عودة، يؤيّد التوصية على غانتس في حال التوصل معه إلى اتفاق يتعهَّد فيه بأن يستأنف المفاوضات السلمية مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ويتعهَّد بإلغاء قانون القومية، ويلتزم بتحقيق المساواة للعرب. ولكن هناك قسماً غير قليل يرفض أي تفاهم مع أي حزب صهيوني على أي شيء.

أيمن عودة (القائمة المشتركة)
في الحلبة السياسية ثمة إقرار بأن شخصية أيمن عودة أسهمت إسهاماً كبيراً في نجاح «القائمة المشتركة». ولم يكن ذلك فقط بسبب قربه من الناس ومن جيل الشباب، بل بالأساس بسبب طروحاته السياسية الجديدة والجريئة؛ إذ قال إنه يؤيد الدخول في ائتلاف حكومي مع قوى اليسار والوسط الإسرائيلية، إذا وافقت على شروطه، باستئناف عملية السلام على أساس حل الدولتين مع الرئيس الفلسطيني، وتعهَّدت بإنهاء سياسة التمييز، وإلغاء قانون القومية، وانتهجت سياسة مساواة كاملة للعرب. وكمن يقرأ الخريطة السياسية العربية في إسرائيل، يعرف عودة أن 72 في المائة من الجمهور العربي و80 في المائة من مصوّتي «القائمة المشتركة» يريدون للنواب العرب أن يؤثروا على الحياة السياسية في إسرائيل، وألا يبقوا في موقع المعارضة وسياسة الاحتجاج والرفض.
غانتس أبدى تجاوباً مع عودة بشكل مبدئي، طالباً أولاً أن يوصي عليه كرئيس حكومة مكلّف، وأن يصوت مع مندوب حزب «كحول لفان» لتولي منصب رئيس «الكنيست» في 3 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. وسيكون على عودة أن يقنع رفاقه في «القائمة المشتركة» بذلك، وهذه مهمة تبدو صعبة للغاية، وفيها يواجه عودة معارضة من داخل حزبه (الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة)، وليس فقط في بقية أحزاب «القائمة المشتركة». مع هذا، يحاول عودة إقناعهم بذلك من خلال التحذير بأن عدم التوصية على غانتس يعني أن يحظى نتنياهو بهذا التكليف، والتخلف عن دعم مرشح «كحول لفان» لرئاسة «الكنيست» يعني أن يتولاها ممثل نتنياهو، يولي أدلشتاين.

أفيغدور ليبرمان (إسرائيل بيتنا)
منذ بداية المعركة الانتخابية الأخيرة، وضع أفيغدور ليبرمان خطة لأن يكون «بيضة القبان» في الحلبة السياسية؛ فهو يصرّ على تشكيل «حكومة وحدة وطنية» بين «الليكود» و«كحول لفان»، يكون هو فيها الإشبين. وهو يرفض سعي نتنياهو إلى ضم الأحزاب الدينية لهذه الحكومة، وفي المقابل، يرفض رغبة غانتس في ضم العرب.
بفضل هذا الموقف، حظي ليبرمان بثمانية مقاعد، بعدما كانت كتلته من 5 نواب فقط في انتخابات أبريل. ولكن ليبرمان يُعتبر أحد أكثر السياسيين مَنهجية. ولقد سهّل المهمة على غانتس عندما قال إنه سيمنع إجراء انتخابات ثالثة هذه السنة، أي أنه في النهاية سيسهم في وضع حلول للعقبات. ولهذا يحاول غانتس إقناعه حالياً بأن التعاون مع «القائمة المشتركة» سيكون مؤقتاً. ويقول له: «نحصل على تأييد العرب فقط للتوصية أمام الرئيس فهم ليسوا معنيين بالدخول إلى الائتلاف. وهكذا، فنقيم حكومة من دونهم، وندخل إليها (حزب الليكود) من دون نتنياهو لاحقاً. فنتنياهو سيسقط عن الحلبة بمجرد تكليفي بتشكيل الحكومة، لأن المستشار القضائي للحكومة سيوجه له لوائح الاتهام».
وهكذا يبني غانتس كثيراً على تعاون ليبرمان، لكن هذا لا يفصح بعد عن قراره النهائي. وفي هذه الأثناء يجري محاولات لسحب نواب من «الليكود» لصالحه، من أولئك المتذمرين بصمت من نتنياهو.

من أين يمكن أن يأتي الحل ؟
> هناك إجماع في الوسط السياسي الإسرائيلي على أنه لن تقوم حكومة في هذه المرة إلا إذا تراجع أحد اللاعبين الكبار عن تصريحاته الانتخابية، وأعلن أنه «بسبب حالة الطوارئ التي وصلنا إليها، وبسبب القناعة بأن التوجه لانتخابات ثالثة أمر خاطئ بشكل فاحش لا يجوز تكراره... قرّر تغيير موقفه».
مَن سيكون هذا اللاعب؟ حتماً، نتنياهو لن يكون، لأن تراجعه يعني دخوله السجن. لكن هناك من ينصحه علناً بأن يبرم صفقة شاملة: الاتفاق مع النيابة على إلغاء الاتهامات ضده مقابل اعتزاله السياسة. مثل هذا الأمر حصل في إسرائيل ذات مرة، إذ جرى إقناع رئيس الدولة عيزر فليتسمان بالتخلي عن منصبه مقابل إغلاق ملفات فساد ضده. ومن ثم، نزل عن كرسيه باحترام.
غانتس كان قد أعلن أنه لن يخدم في حكومة واحدة مع نتنياهو، وبالتأكيد، ليس تحت رئاسة نتنياهو. وعن هذا يصعب التراجع. لكنه في حال قبول «الليكود» برئاسة نتنياهو في حكومته ومنحه وزارة مهمة، يمكن أن يكون هذا الإجراء مؤقتاً إلى حين يتقرر مصير لوائح الاتهام. وعندها يستقيل نتنياهو وتصبح كتلة «الليكود» صالحة أكثر للتحالف. ولذا، فإن ليبرمان يبدو أقرب الشخصيات السياسية إلى التراجع، ولعب دور المسؤول الذي يضع مصلحة البلاد فوق مصلحته الشخصية. وبما أنه تعهَّد بأنه لا يسمح بإعادة الانتخابات، فهو من أجل الإيفاء بالوعد يمكن أن يتراجع عن أحد، أو بعض، مطالبه.
طبعاً، هناك آخرون يمكنهم أن يتراجعوا عن مواقفهم من الأحزاب الأخرى، مثلاً:
- أرييه درعي، رئيس حزب «شاس». فمع أن درعي التزم لنتنياهو، فإنه في حال تكليف غانتس، والتوصل إلى قناعة بأن نتنياهو لن يستطيع تشكيل حكومة، قد يغير موقفه وينضم إلى غانتس. وللعلم، كان قد صرح بعيد الانتخابات بأن «اليهود يدخلون الآن إلى شهر التسامح ويزيلون خلافاتهم ويتآخون من جديد». وربما تكون هذه إشارة إلى التسامح مع خصومه، وبالذات، يائير لبيد، من حزب غانتس، وأفيغدور ليبرمان.
- أييلت شكيد (وزيرة العدل السابقة) ونفتالي بنيت، من حزب «يمينا». هذان السياسيان المتطرفان سارعا إلى الانفصال عن حزب «يمينا» والعودة إلى حزبهما السابق (البيت اليهودي)، ولهما اليوم 3 من نواب حزب «يمينا». ومن غير المستبعد أن يتقدّما خطوة أخرى إلى اليسار وينضما إلى غانتس، خصوصاً أنهما على خلاف شديد مع نتنياهو.
- عمير بيرتس، رئيس حزب العمل. بيرتس في اليسار اليوم، وكان من القلائل في هذه الانتخابات الذين تحدثوا عن عملية السلام، ودعا غانتس إلى إدخال العرب في الائتلاف الحكومي معه، لكنه في الوقت نفسه يرى أن لديه مسؤولية كبرى لإنقاذ حزبه من الاندثار. فـ«حزب العمل»، هو الذي قاد الحركة الصهيونية منذ تأسيسها قبل 120 سنة، وأسس إسرائيل وقادها بلا منازع من 1948 وحتى 1977، وعدة سنوات بعدها. ويرى كثيرون فيه أنه لن تقوم قائمة لهذا الحزب إلا إذا انعطف يميناً واسترد مؤيديه.
- أعضاء في حزب غانتس، يسعى نتنياهو لسحبهم من صفوف حزبهم، وضمهم إلى «الليكود» مقابل مغريات كثيرة.
كل هذه احتمالات واردة، سبق أن شهدت الحلبة السياسية الإسرائيلية مثيلاً لها في التاريخ. فإذا لم يكن هناك تغير جماعي لدى أحد الأحزاب أو أكثر، سيكون تغير وخيانات فردية تؤدي إلى تغيير في القوى. ولكن التغيير الذي يمكن أن يحدث ولا أحد يصمد فيه، هو أن يقنع نتنياهو الجيش بشن حرب، وعندها يتأجل كل شيء، بما في ذلك محاكمة نتنياهو.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».