في أحد أفضل مشاهد «دم أول» يطلق نائب الشريف السادي (جاك ستاريت) الرصاص على رامبو (سلفستر ستالون)، بينما تحلق الطائرة المروحية به. لا يصيب هدفه فيعمد إلى المحاولة من جديد. رامبو معلق فوق جدار صخري شاهق ولا يستطيع الحراك منه إلا برمي نفسه إلى الوادي وهذا ما يقوم به. يواصل نائب الشريف إطلاق النار عليه بغية قتله. يقذف رامبو الطائرة بحجر فيصيبها (رغم بعد المسافة) ما ينتج عنه اهتزازها وسقوط نائب الشريف منها وهو يصرخ طوال المسافة بين الطائرة والأرض.
هذا كان في «دم أول» (1982) أما في «دم أخير» فإن أشياء أخرى تقع لكن ليس منها ما هو مثير على نحو جذري، بل الاستمرار لما كان مثيراً خلال 37 سنة من أول أفلام شخصية رامبو.
نشأة رامبو تمّت على صفحات كتاب بعنوان «دم أول» (First Blood) وضعه ديفيد مورَل وكانت أول رواية يقوم بنشرها. بعدها كتب ونشر نحو 22 رواية لكن «دم أول» بقيت أبرز كتاباته وأنجحها، والمنتج اللبناني المنسحب من الحياة السينمائية منذ أكثر من عقدين ماريو قصّار قام بتحويل تلك الرواية الأولى لفيلم قام بإخراجه الكندي تد كوتشيف.
بعد هذا الفيلم الذي أصاب نجاحاً كبيراً تم تحقيق «رامبو: دم أول 2» (جورج بان كوزماتونس، 1985) ثم «رامبو 3» (بيتر ماكدونالد، 1988)، ثم - وبعد غياب عشر سنوات على الفيلم الثالث قام سلفستر ستالون نفسه بإخراج الجزء الرابع. هذا الجزء الخامس من إخراج أدريان غرونبيرغ.
أحداث هذا الفيلم الخامس تقع في المكسيك والولايات المتحدة. نتعرف على ستالون المعتزل وهو يربي ويبيع الجياد وتشعر به يحنو إلى زمن مضى. يعيش الآن في مزرعته مع عائلة صغيرة. هناك ماريا (أدريانا بارازا) وحفيدتها غبريال (إيفيت مونريل) وهذه الأخيرة تقرر السفر إلى المكسيك لكي تبحث عن أبيها الذي غابت أخباره. ليس لدى الفيلم فسحة من الوقت لكي تبدأ بحثها فما أن تصل حتى تخطفها عصابة تتاجر بالنساء. حال معرفة ستالون بما حصل ينتقل إلى المكسيك لكنه يتلقى الضرب أول وصوله من العصابة ذاتها ما يؤدي به إلى المستشفى المحلي. جراحه لم تندمل تماماً بعد، لكن هذا لا يهم. سيواجه العصابة منفرداً وسينقذ غبريال ويعود إلى منزله. ليكتشف أن العصابة تلاحقه بغية الانتقام منه وها هي تهاجمه بكل ما لديها من شرور.
رامبو بمهارته القديمة يطفو خصوصاً أنه كان جهز نفسه لكل الاحتمالات حتى من قبل أن يبدأ الفيلم فبنى ممرات تحت أرضية استدرج إليها أفراد العصابة وأخذ ينكل بهم. هذا حرقه وهذا استأصل قلبه والذي رحمه بينهم قتله بالطعن أو بالنبال.
أفلام رامبو، في مجملها، ذات خط سياسي وهذا متوفر هنا بأنحف رسم ممكن. «دم أول» قبل 37 سنة، دار حول هذا المقاتل العائد من فيتنام ليتساءل أي ذنب جناه لكي يستقبله المواطنون كما لو كان مشرداً. بعد أن كال لبوليس المؤسسة وحرسها الوطني ثم للبلدة التي واجهته بالرفض، يصرخ قبل استسلامه بأن السياسيين هم الذين فشلوا في القتال وخسروا الحرب وليس الجنود الذين ضحوا بحياتهم في سبيل المبادئ التي دفعت بأميركا لشن الحرب.
في الفيلم الثاني ينتقل بحربه ضد المؤسسة إلى فيتنام ذاتها بعدما أسندت إليه مهمة إنقاذ مسجونين أميركيين في قبضة «فيتناميين شماليين وروس ساديين». بعد إنجازه المهمّة بنجاح يعود إلى القيادة العسكرية التي انتدبته بعدما حاول أحد ضباطها التملص من تنفيذ وعده بإخراج رامبو ومن أطلق سراحهم من فيتنام.
تثبيت موقع
في الفيلم الثالث رأيناه ينتقل إلى أفغانستان القابعة آنذاك تحت الاحتلال الروسي لتحريرها. ولو صدقنا ما شاهدناه فإن هزيمة الروس في أفغانستان لم تكن لتتم لولاه. أما في الفيلم الرابع فيقدمه لنا حياً يرزق في الريف التايلاندي يصطاد الثعابين ويعتاش من وراء بيعها للقرويين. هذا الهدوء ينتهي عندما يتقدّم إليه فريق من المبشّرين طالبين منه مساعدتهم على الوصول إلى قرية في بورما للتواصل مع أتباعهم. يرفض بادئ الأمر ثم يقبل والمهمّة تتحوّل، بعد قليل، إلى معركة بينه وبين الجيش البورمي الذي يقتل الأهالي بلا عذر يُذكر.
ديمومة رامبو لم تكن لتتم لولا العقل التجاري الجيد الذي يتمتع به ستالون. على الرغم من سنوات عمره (73 عاماً) فإنه المنشط الوحيد لمهنته التي كادت أن تنطوي بضع مرّات لولا إصراره على أن يبقى حاضراً من جيل لآخر.
سلسلة رامبو ليست سوى الوسيلة، لكنها ليست الوسيلة الوحيدة فهناك الخط الملازم لها المتمثل بسلسلة «روكي» التي تحتوي، منذ انطلاقتها الأولى سنة 1976 وإلى اليوم على ثماني حلقات، ست حلقات منها تحت اسم روكي واثنتان تحت اسم «غريد» انتقل فيهما ستالون من دور البطولة إلى دور المساند.
وهو ابتدع قبل سنوات قليلة سلسلة أخرى أنتج منها ثلاثة أجزاء هي «المستهلَكون» (The Expendables) التي جمعت ثلة من ممثلي أفلام الضرب والعضلات في السبعينات والثمانينات أمثال تشاك نوريس ووسلي سنايبس ودولف لندغرن لجانب بعض الجدد زمنيا ومنهم جاسون ستاثام ومل غيبسون وأنطونيو بانديراس.
لجانب كل هؤلاء ضم منافسه السابق أرنولد شوارتزنيغر، الذي كانت أسهمه التجارية هبطت على نحو ملحوظ منذ مطلع القرن الحالي. ولعل ما يلفت في كل ذلك أن عودة رامبو تسبق عودة «ذا ترميناتور» من جديد (بطولة شوارتزنيغر) من ثمانينات القرن الماضي إلى العروض بفارق شهر واحد تقريباً.
رامبو سعى لتطويق نفسه بمسلسل رابع متوفر تحت عنوان «خطة هروب» (Escape Plan) الذي تقع أحداثه فوق باخرة ضخمة تم تحويلها إلى سجن دائم يسكن منتصف المحيط ما يجعل الهروب منها عمل مستحيل.
مشكلة «دم أخير» (الذي قد لا يكون الأخير فعلاً) هي أن اللذين قاما بكتابته (ستالون وماثيو سيرولينيك) خفّضا سقف الطموحات ووضعا سيناريو لا يصلح لكي ينهي السلسلة بهالة كبيرة. الفيلم الذي يعبر شاشات السينما في كل مكان هذه الأيام سوف لن يمر ببطء ليشهد القدر الكافي من النجاح، بل سيسارع الخطأ كما لو أنه لم يكن.
إخراج أدريان غرونبيرغ اعتيادي وهو الذي كان قدّم أفضل من هذه النتيجة في فيلم من بطولة مل غيبسون عنوانه «اقبض على الأميركي» (Get the Gringo) سنة 2012.