عشرة أخطاء تاريخية في مسلسل «الجاسوس» إيلي كوهين

قدم معلومات «متخيلة» عن دور حافظ الأسد وأمين الحافظ وميشيل عفلق

البناء الذي سكن فيه ايلي كوهين في حي ابو رمانة في دمشق (الشرق الاوسط)
البناء الذي سكن فيه ايلي كوهين في حي ابو رمانة في دمشق (الشرق الاوسط)
TT

عشرة أخطاء تاريخية في مسلسل «الجاسوس» إيلي كوهين

البناء الذي سكن فيه ايلي كوهين في حي ابو رمانة في دمشق (الشرق الاوسط)
البناء الذي سكن فيه ايلي كوهين في حي ابو رمانة في دمشق (الشرق الاوسط)

بعيداً من سعي مسلسل «الجاسوس» الذي تعرضه شبكة «نيتفلكس» عن الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين المعروف باسم «كامل ثابت أمين»، إلى تكريس الصورة البطولية لـجهاز الاستخبارات الإسرائيلي (موساد) مقابل صورة نمطية مليئة بالخيانة والفساد والتآمر عن الطبقة السياسية السورية، فإن الحلقات الست للمسلسل تضمنت الكثير من الأخطاء التاريخية والسياسية... وإهانات اجتماعية.
صحيح أن «نيتفلكس» أشارت إلى أن «الجاسوس» ليس وثيقة تاريخية بل استند إلى الكتاب الفرنسي «الجاسوس الذي جاء من إسرائيل» وأخرجه الإسرائيلي جدعون راف من بطولة الممثل الساخر ساشا بارون كوهين الذي اشتهر بسلسلة «بورات»، لكنه تحول إلى «وثيقة تاريخية» عن تجربة كوهين من وجهة نظر إسرائيلية، مقابل غياب الرواية السورية باستثناء بعض المقالات والكتب ومقابلات كان بينها واحدة مع القاضي صلاح الضللي الذي حكم على كوهين بالإعدام في 1965. وبحسب مؤرخين وكتاب سوريين، يمكن الحديث عن عشرة أخطاء تاريخية في «الجاسوس»، هي:
الأول، الرئيس أمين الحافظ: أظهر المسلسل علاقة خاصة بين كوهين والحافظ تعود إلى فترة عمل الأخير ملحقاً عسكرياً في السفارة السورية في بوينس آيرس في الأرجنتين. لكن الحافظ نفسه نفى ذلك في مقابلة تلفزيونية في عام 2001. إذ أنه لم يصل إلى هناك حتى عام 1962. أي بعد سفر كوهين إلى دمشق وأضاف أنه تعرف على كوهين بعد اعتقاله بداية 1965. رواية الصداقة ظهرت في صحف مصرية لانتقاد أمين الحافظ في مشاحنات سياسية. لكنها نقلت في دمشق وتل أبيب لإظهار أهمية كوهين عشية إعدامه، بحسب خبير سوري.
تم عرض لقاءات علنية بينهما في الأرجنتين ثم في دمشق. لكن ليست هناك وثيقة أو صورة تدل على اجتماعات علنية بين كوهين والحافظ الذي كان ذهب إلى العراق ثم عاد بوساطة إلى دمشق قبل أن يتوفى قبل بضع سنوات.
الثاني، حافظ الأسد وأمين الحافظ: حافظ الأسد لم يكن فريقاً كما ظهر في صورته في مكتب الموساد. كان ضابطاً في مصر ثم تحول إلى منصب مدني بعد الانفصال عن مصر.
لم يتسلم أمين الحافظ السلطة بعد 8 مارس (آذار) 1963. بل عُيّن وزيراً للداخلية في حكومة صلاح الدين البيطار. أما رئاسة مجلس قيادة الثورة، فقد ذهبت للفريق لؤي الأتاسي حتى صيف ذلك العام. وبعدها تسلم الحافظ رئاسة المجلس الرئاسي، وليس رئاسة الجمهورية. والحافظ لم يكن موجوداً في دمشق في 8 مارس ولا علاقة له بالمطلق بالسيطرة على مبنى الأركان العامة في دمشق، كما جاء في «الجاسوس».
الثالث، ميشيل عفلق: لم يجتمع كوهين بعفلق، ولم يعطِه قوائم بشخصيات مثل رئيس الحكومة خالد العظم لدعوتها إلى سهرة في 8 مارس. في تلك الليلة، كان خالد العظم موجوداً في منزل الطبيب مدني الخيمي وليس في دار كوهين الذي لم يزره قط في حياته. إضافة إلى أنه لا علم لعفلق بتحركات الجيش في انقلاب 8 مارس، بحسب الخبراء.
الرابع، اللواء عبد الكريم زهر الدين: رئيس الأركان في عهد الانفصال، لم يدخل منزل كوهين. من دخل المنزل هو ابن أخيه، الضابط الاحتياط معذي زهر الدين. كان صديقاً لكوهين، لكنه سُرح من الجيش يوم 8 مارس وتولى منصب في وزارة هامشية. كان يجتمع مع كوهين، إما في دار الأخير أو في مقهى الكمال وسط دمشق، وقد تم اعتقاله والحكم عليه بالسجن خمس سنوات عام 1965.
الخامس، الضابط معذي زهر الدين والجبهة: أخذ الضابط معذي كوهين إلى خطوط الجبهة السورية في عام 1962، وقيل أنه حصل على معلومات عسكرية كان لها تأثير في نكسة 5 يونيو (حزيران) 1967. ولكن الفارق بين زيارة الجبهة وهزيمة الحرب هو خمس سنوات، مما طرح سؤالاً عن أهمية «المعلومات القيمة» التي حصل عليها كوهين نهاية عام 1962 ...في نكسة عام 1967.
يذكر أن جميع ضباط الجبهة نقلوا أو سرحوا، وتغيرت كل الحيثيات العسكرية مراراً، بعد 8 مارس 1963 ولاحقاً بعد حركة 23 فبراير (شباط) 1966. وقال خبير غربي أمس: «مهمة كوهين لم تكن لنقل معلومات عن الجبهة، بل لملاحقة الضباط النازيين المقيمين في دمشق ومتابعة أوضاع يهود دمشق».
السادس، نائب وزير الدفاع: أشار المسلسل إلى أن كوهين رشح لمنصب «نائب وزير دفاع» في الحكومة. أولاً، هذا المنصب لم يكن موجوداً في حينها وقد استحدث بعد عام 1970. ثانياً، لأن هذا المنصب هو حكر على العسكر ولا يمكن لمدني أن يتسلمه.
السابع، اللواء أحمد السويداني. أصبح لاحقاً رئيساً لأركان الجيش السوري. لكن لم يكن مديراً لأمن أمين الحافظ في الأرجنتين، وقصة دخول كوهين إلى مكتب الحافظ وتصويره لمستندات سرية خيالية وبوليسية. وأفاد خبير: «السويداني شكك في كوهين من اليوم الأول، وكان له دور محوري في اعتقاله والكشف عن هويته مطلع عام 1965».
الثامن، الإعدام: ظهر الدمشقي ماجد شيخ الأرض يرفع القبعة لكوهين، حزناً واحتراماً، لحظة إعدامه في ساحة المرجة عام 1965. ويقول مؤرخ: «شيخ الأرض، كما هو معروف جيداً وكما ظهر في العمل، كان أحد ضحايا إيلي كوهين، تعرف عليه على متن باخرة متجهة من أوروبا إلى بيروت عام 1962».
كان كوهين تقرب من شيخ الأرض ودخل معه سوريا عبر لبنان بصفته مستثمراً مغترباً يدعى «كامل أمين ثابت». وخدع شيخ الأرض بهذا الرجل، وقام بمساعدة كوهين على استئجار شقة مفروشة بشارع أبو رمانة بدمشق، تعود ملكيتها لرجل يدعى هيثم قطب، وهو موظف في بنك سوريا المركزي، بحسب معلومات تاريخية. وأضاف الخبير: «العلاقة بين كوهين وشيخ الأرض توقفت عند هذا الحد: أولاً، لأن الأخير كان لا يملك أي معلومات تفيد الجاسوس، كونه بعيداً عن عالم السياسة، وتحديداً بعد 8 مارس عام 1963. ثانياً، تحدث أمام كوهين عن إعجابه بهتلر، مما خلق فتوراً فورياً بينهما منذ عام 1962».
شيخ الأرض لم يحضر الإعدام ولم يرفع قبعته احتراماً للجاسوس، لأنه كان معتقلاً في سجن قلعة دمشق يومها، ومحكوم بالسجن المؤبد. نقل لاحقاً إلى سجن تدمر، وتوفي داخل زنزانته بعد سنوات وقيل إنه انتحر.
كما أن زوجة أمين الحافظ، لم ترتعش حزناً على كوهين يوم إعدامه لأنها لم تكن موجودة في ساحة الإعدام أصلاً، لا هي ولا أمين الحافظ ولا ماجد شيخ الأرض. يضاف إلى ذلك، تلك الصورة المبتذلة التي قدمها المسلسل عن علاقة جنسية بين زوجة الحافظ وكوهين في السفارة السورية في الأرجنتين، أمام أعين زوجها ورضاه.
التاسع، اختراق المجتمع وسهرات المجون: أظهر العمل أن كوهين اخترق المجتمع السوري وصادق شخصيات نافذة. بحسب محاضر التحقيق، التي أذيعت وكان بحضور المحامي الفرنسي جاك مرسييه، فإن أصدقاء كوهين من رجالات الصف الثاني والثالث فقط، لأنه تحاشى شخصيات الصف الأول، خوفاً من فضح هويته.
أحدهم كان الصحافي جورج سيف، الذي أعطاه بطاقة صحافية وعرفه على مساعد ملاح جوي في مطار دمشق يدعى إيلي ألماظ. حكم سيف بعشر سنوات أشغال شاقة، وحكم ألماظ بالسجن ستة أشهر. أما بقية الأصدقاء، فمنهم موظف في وزارة الشؤون البلدية، وآخر موظف في وزارة السياحة، والثالث ابن صحافي، كان يريد أن يزوج كوهين، أو «كامل أمين ثابت»، من شقيقة زوجته، بحسب مؤرخين. واقتربت فتيات من كوهين بهدف الزواج لا أكثر، كونه طرح نفسه على أنه مغترب ثري وأعزب. وجميعهن تمت تبرئتهن أمام المحكمة المخصصة.
كان اللواء صلاح الضللي رئيس المحكمة قال لي في حديث صحافي في 22 مارس 2004. إن كوهين لم يكن سوى «جاسوس عادي». وأضاف: «كان مدفوناً بعد إعدامه في كهف على طريق الديماس لكن بعد فترة أخذت الرفات ودفنت في مكان آخر غير معروف» وأن أغلب من يعرف أين دفن «تسرح من الجيش أو ذهب أو ترك منصبه».
العاشر، حي أبو رمانة والسفارات: أظهر المسلسل «حي أبو رمانة» الدمشقي كأنه ميدان طلعت حرب في القاهرة. كما أشار إلى أن ضابطاً روسياً ساهم في الكشف عنه، لكن هناك أربع روايات عن الكشف عن الجاسوس: ضابط روسي، السفارة الهندية في دمشق التي سجلت ترددات لرسائل مشفرة، الاستخبارات المصرية، اللواء سويداني.



«جمعة رجب»... مناسبة حوثية لفرض الإتاوات وابتزاز التجار

مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)
مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)
TT

«جمعة رجب»... مناسبة حوثية لفرض الإتاوات وابتزاز التجار

مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)
مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)

استهلت الجماعة الحوثية السنة الميلادية الجديدة بإطلاق حملات جباية استهدفت التجار وأصحاب ورؤوس الأموال في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، بغية إجبارهم على دفع الأموال لتمويل احتفالات الجماعة بما تسميه «جمعة رجب».

وتزعم الجماعة الحوثية أن دخول اليمنيين في الإسلام يصادف أول جمعة من شهر رجب الهجري، ويستغلون المناسبة لربطها بضرورة الولاء لزعيمهم عبد الملك الحوثي تحت ادعاء أن نسبه يمتد إلى علي بن أبي طالب الذي أدخل اليمنيين في الإسلام قبل أكثر من 14 قرناً هجرياً. وفق زعمهم.

وذكرت مصادر مطلعة في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن مشرفين حوثيين برفقة عربات ومسلحين يتبعون عدة مكاتب تنفيذية تابعة للجماعة، نفذوا حملات واسعة ضد متاجر ومؤسسات تجارية في عدة مديريات في المدينة، وأجبروا ملاكها على دفع جبايات، بينما أغلقوا عدداً من المتاجر التي رفض ملاكها التبرع.

وأكدت المصادر أن الانقلابيين شرعوا في توسيع أنشطتهم الاستهدافية في تحصيل الإتاوات أكثر مما كان عليه قبل أشهر ماضية، حيث لم تستثنِ الجماعة حتى صغار التجار والباعة المتجولين والسكان الأشد فقراً.

الانقلابيون سيطروا بالقوة على مبنى الغرفة التجارية في صنعاء (إعلام محلي)

وفي ظل تجاهل الجماعة المستمر لفقر السكان في مناطق سيطرتها، أقرت ما تسمى اللجنة العليا للاحتفالات والمناسبات في اجتماع لها بصنعاء، إطلاق برنامج الفعاليات المصاحب لما يُسمى ذكرى «جمعة رجب»، بالتوازي مع بدء شنّ حملات جباية على التجار والسكان الذين يعانون من ظروف معيشية حرجة.

وهاجم بعض السكان في صنعاء كبار قادة الجماعة لجهة انشغالهم بابتكار مزيد من الفعاليات ذات المنحى الطائفي وتخصيص ميزانية ضخمة لأعمال الدعاية والإعلان، ومكافآت ونفقات لإقامة الندوات وتحركات مشرفيها أثناء حشد الجماهير إليها.

وكانت تقارير محلية اتهمت في وقت سابق قيادات حوثية بارزة في الجماعة يتصدرهم حمود عباد وخالد المداني بجباية مليارات الريالات اليمنية من موارد المؤسسات الحكومية الخاضعة لسلطات الجماعة في صنعاء، لافتة إلى أن معظم المبالغ لم يتم توريدها إلى حسابات بنكية.

تعميم صوري

في حين زعمت وسائل إعلام حوثية أن تعميماً أصدره القيادي في الجماعة حمود عباد المعين أميناً للعاصمة المختطفة، يقضي بمنع إغلاق أي محل أو منشأة تجارية إلا بعد اتخاذ ما سماها «الإجراءات القانونية»، نفى تجار وأصحاب مؤسسات تجارية بصنعاء توقّف عناصر الجماعة عن مداهمة متاجرهم وإغلاقها بعد رفضهم دفع جبايات.

تجمع للمارة في صنعاء أثناء محاولة اعتقال مالك أحد المطاعم (الشرق الأوسط)

وفي مسعى لتلميع صورتها عقب حملات التعسف كانت الجماعة أصدرت تعميماً يُلزِم قادتها في عموم المديريات والمكاتب التنفيذية في صنعاء بعدم إغلاق أي منشأة تجارية إلا بعد اتخاذ «الإجراءات اللازمة».

وحض التعميم الانقلابي كل الجهات على «عمل برامج شهرية» لتنفيذ حملات نزول ميداني لاستهداف المتاجر، مرة واحدة كل شهر عوضاً عن تنفيذ حملات نزول يومية أو أسبوعية.

واعترفت الجماعة الحوثية بوجود شكاوى لتجار وملاك منشآت تجارية من قيام مكاتب تنفيذية في صنعاء بتحصيل مبالغ مالية غير قانونية منهم بالقوة، وبإغلاق مصادر عيشهم دون أي مسوغ قانوني.

توسيع الاستهداف

اشتكى تُجار في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من تصاعد كبير في حملات الاستهداف وفرض الإتاوات ضدهم عقب صدور تلك التعليمات التي يصفونها بـ«غير الإلزامية».

ويتهم عدد من التجار القياديَين حمود عباد وخالد المداني، والأخير هو مشرف الجماعة على المدينة، بتكثيف الأنشطة القمعية بحقهم وصغار الباعة وإرغامهم في كل حملة استهداف على دفع جبايات مالية مقابل السماح لهم بمزاولة أنشطتهم التجارية.

الحوثيون يستهدفون المتاجر والشركات لإجبارها على دفع الأموال (إعلام حوثي)

ويتحدث (أحمد.و)، مالك محل تجاري بصنعاء، عن استهداف متجره بسوق شعبي في حي السنينة بمديرية معين بصنعاء من قِبَل حملة حوثية فرضت عليه دفع مبلغ مالي بالقوة بحجة تمويل مناسبة «جمعة رجب».

وذكر أن عناصر الجماعة توعدته بالإغلاق والاعتقال في حال عدم تفاعله مع مطالبها غير القانونية.

وتحدث أحمد لـ«الشرق الأوسط»، عن إغلاق عدد من المتاجر في الحي الذي يعمل فيه من قِبَل مسلحي الجماعة الذين قال إنهم اعتقلوا بعض ملاك المحلات قبل أن يتم الإفراج عنهم بعد أن رضخوا لدفع الجبايات.