رجال الإليزيه... الرئاسة حين تتجسس على الدولة

يختارون الشخصيات المهمة التي تحيط بالرئيس ويمثلون همزة الوصل بين الأجهزة المخابراتية

الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي
الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي
TT

رجال الإليزيه... الرئاسة حين تتجسس على الدولة

الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي
الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي

يكشف هذا الكتاب «جواسيس الإليزيه... الرئيس وأجهزة المخابرات»، الصادر منذ أيام عن دار النشر الفرنسية «تالندييه»، لمؤلفيه فلورن فاليدو وألكسندر بابمونويل، التطور الملموس الذي شهدته أجهزة المخابرات مؤخراً في العالم، خصوصاً في ضوء تصاعد وتيرة العمليات الإرهابية، وزيادة نطاق الأزمات الدولية، الأمر الذي أنيطت معه أدوار استثنائية لأجهزة المخابرات، ودفعها إلى الوجود في قلب الحدث.
وهذا ما دفع الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي لأن يؤمن فاعلية الأجهزة الاستخباراتية حتى في قلب قصر الإليزيه، حيث استحدث منصب «منسق وطني للمخابرات»، ليكون مسؤولاً عن تقديم النصح والمشورة لرئيس الجمهورية، ويمثل أيضاً همزة الوصل بين الأجهزة المخابراتية المختلفة، إضافة إلى العمل على حسن التنسيق بين الأجهزة الاستخباراتية، والتأكد من حسن وصول كل المعلومات المهمة لرئيس الجمهورية.
الدبلوماسي المخضرم بيرنارد باجوليه هو أول من تقلد هذا المنصب المهم، رغم أنه لا يتمتع بخلفية استخباراتية، لكنه كان سفيراً رفيع المستوى يتمتع بخبرة واسعة النطاق في منطقة الشرق الأوسط التي تمثل انشغالاً كبيراً للقادة الفرنسيين، تلاه بيير دوبسكويه. وهذا المنصب يتيح أيضاً اختيار، أو الموافقة في الأقل، على الشخصيات المهمة التي تحيط بالرئيس، والتي ترسم السياسة العامة للدولة.
ويتميز الكتاب بطبيعة وأسلوب خاصين في الموضوعات التي تناولها، مبيناً مدى أهميتها وحساسيتها، يعزز ذلك خبرة مؤلفيه الواسعة؛ فلورن فاليدو هو أستاذ العلوم السياسية، ومدير واحدة من أكبر الشركات الفرنسية العاملة في مجال الخدمات الرقمية والأمن، إضافة إلى المناصب الكثيرة التي شغلها في المخابرات ومكافحة الجريمة، والمؤلف الشريك ألكسندر بابمونويل هو أيضاً أستاذ العلوم السياسية، ومدير الأمن والدفاع في إحدى الشركات الأمنية الحديثة العاملة في مجال الأمن السيبراني، كما تولى عدداً من المناصب في مجال الدفاع.
ويكتسب الكتاب أهمية خاصة لأنه ينفرد للمرة الأولى بكشف النقاب، ليس فقط عن طبيعة عمل وظيفة «المنسق الوطني للمخابرات»، وهي الوظيفة المهمة الحساسة، ولكنه يذهب لما هو أبعد من ذلك، معتمداً على معلومات واردة على لسان من سبق أن شغلوا هذه المناصب. وهكذا، يكشف النقاب عن سبل وآلية اتخاذ القرار على أرفع المستويات، وكذلك مسؤولية كل فرد سبق أن تبوء هذا المنصب الرفيع، مع إلقاء الضوء على التوترات والعراقيل التي اصطدموا بها خلال اتخاذ القرارات الصعبة، وبالتالي فنحن أمام كتاب يلقي الضوء على العالم السري لأجهزة المخابرات، ودورها في صنع القرار الفرنسي.
الاستئثار بالسلطة
استهل المؤلفان كتابهما هذا بالتأكيد على أنه إذا كان الدستور الفرنسي يقلص من سلطات رئيس الجمهورية، فإن الواقع مغاير لذلك تماماً، إذ تركز الرئاسة الفرنسية، خصوصاً منذ وصول ساركوزي لسدة الحكم، على أن تكون السلطات المهمة في يدها، واستحداث مناصب مهمة حساسة تعزز ذلك، مثل وظيفة «المنسق الوطني للمخابرات»، وهي الوظيفة التي استحدثها ساركوزي في 2007 بمجرد وصولة للإليزيه، لاستشارته في المجال الاستراتيجي، ومتابعة تنفيذ تعليماته داخل الجهات الإدارية المختلفة، أي أن الرئاسة أضحت تراقب أجهزة الدولة، بل وصل الأمر إلى ضلوع «المنسق الوطني للمخابرات» في إعداد خطة وطنية لتوجيه المخابرات، أي أننا أمام خريطة طريق إجبارية، تمتد لتصل كذلك إلى إملاء بعض القرارات والتوجهات السياسية والاستراتيجية بتوجيه الرئيس نحوها، بما في ذلك ما يتعلق بالأزمات الدولية.
ويذكر المؤلفان أنه في مواجهة حالة المركزية الشديدة هذه، فقد سيطرت على كبار رجال الدولة حالة من الذعر والقلق، ومن ثم تراجع لديهم معدل الثقة، الأمر الذي ترتب عليه تراجع دور كثير من الأجهزة السيادية في البلد، ومنها بالطبع المخابرات التي فشلت إلى حد كبير، في ظل هذا المناخ، في إيجاد تفاعلات حقيقية داخل أروقة الإليزيه أو مجلس الوزراء، الأمر الذي ترتب عليه تصاعد نفوذ حاشية الرئيس وجواسيس الإليزيه التي تطيح بكل من لا يسير في ركابها، حتى في أصعب الظروف. فشهد البلد فضيحة تجسس «سنودن» و«روسيا جيت»، هذا بالإضافة إلى تصاعد وتيرة الهجمات السيبرانية، أي أننا أصبحنا نحيا في عالم بعيد تماماً عن العقل والرشد، مع زيادة حالة عدم الثقة التي سيطرت على الجميع، على خلفية زيادة صلاحيات بعض الوظائف المستحدثة، مع رغبة ساركوزي في وضع الإليزيه في بؤرة السياسة الفرنسية، على حساب باقي أجهزة الدولة المختصة.
ويرى المؤلفان أنه بتعيين ألان زابيلون في 2013 منسقاً وطنياً للاستخبارات، اتسع نطاق هذه الوظيفة ليتخذ بعداً آخر، حيث امتد إلى ما يسمى «المخابرات الاقتصادية»، أي دخول الاقتصاد في المخابرات، في إطار خطته الرامية لتطوير عمل هذا جهاز، الأمر الذي أثار المزيد من الاحتقان في الأوساط السياسية، على خلفية تغول الوظائف المستحدثة على هياكل الدولة المختلفة.

إصلاحات ساركوزي
ويذكر الكاتبان أنه بمجرد وصول ساركوزي لسدة الحكم في 2007، شرع في تنفيذ إصلاحات مهمة في قلب المخابرات العامة، مع تحديث سريع في كثير من الإدارات المختلفة، إذ أمر بتنفيذ مشروع سبق أن عمل عليه خلال حمله حقيبة الداخلية، لكن هذا المشروع قد اصطدم بفيتو الرئيس السابق شيراك. ويقضى هذا المشروع باختزال جزء من مهام الإدارة المركزية للمخابرات العامة مع جزء من مهام عمل إدارة مراقبة الأراضي، بهدف إنشاء الإدارة المركزية للمخابرات الداخلية، الأمر الذي ترتب عليه حدوث تراجع كبير في عمل المخابرات العامة.
ويخلص الكاتبان إلى أن الهدف العام لهذه الإصلاحات يكمن في تأسيس خطة لمكافحة الإرهاب، إلا أنها لم تكن مثمرة بالنسبة لعدد من المراقبين ورجال الشرطة، وكذلك السواد الأعظم من الشعب الفرنسي الذي فكر مجدداً في جميع سياسات ساركوزي، وحاسبه عليها انتخابياً في 2012.
ويقع الكتاب في 336 صفحة من القطع المتوسط.



الشبحُ في الآلة

سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"
سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"
TT

الشبحُ في الآلة

سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"
سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية. الموضوعات التأصيلية الأكثر إشغالاً للتفكير البشري منذ العصر الإغريقي ثلاثة: أصل الكون، أصل الحياة، أصل الوعي.

الوعي بين هذه الموضوعات الثلاثة ظلّ اللغز الأكثر إثارة ورهبة واستجلاباً للأسطرة والمقاربات غير العلمية، وربما تكون عبارة «الشبح في الآلة The Ghost in the Machine» التي شاعت منذ أيام الفلسفة الديكارتية تمثيلاً للوعي تتفق مع ثنائية العقل-الجسد The Mind-Body Duality. بمقتضى هذه الثنائية الديكارتية يكون الوعي كينونة غير مادية (الشبح) وقد استوطن في كينونة مادية (الآلة أو الجسد البشري).

فضلاً عن الأهمية الفلسفية لدراسة الوعي فقد صارت المقاربات العلمية في هذه الدراسة تتعاظم يوماً بعد آخر بسبب ارتباطها العضوي مع موضوعات عظيمة الأهمية في مقدّمتها مباحث الذكاء الاصطناعي بكلّ تفريعاته (الذكاء الاصطناعي العام، تعلّم الآلة، الشبكات العصبية...)، بعبارة أخرى: صار الوعي موضوعاً يقع في صميم الجهد البحثي الذي تتأسّس عليه القيمة الجيوستراتيجية للدولة المعاصرة. أمرٌ آخر تتوجّب الإشارة إليه: الوعي بطبيعته جهد بحثي عابر للتخصصات؛ لذا فهو يتناغم مع طبيعة المباحث العلمية المميزة لعصرنا.

لكن، بعيداً عن الأسباب البحثية والاستراتيجية، لماذا يتوجّبُ على كلٍّ منّا أن يهتمّ بأمر الوعي على مستوى شخصي بمقدار قد يزيد أو ينقص بين الأفراد؟ أوّلاً يتوجّبُ علينا الانخراط في هذا المسعى لأنّ الوعي بصورة جوهرية هو الشيء الأساسي الذي يعرفه كلٌّ منّا بشأن العالَم، أو هو بوّابته إلى العالم، وأعني بهذه البوّابة: التجارب الحسية Sensory Experiences، ومن الطبيعي أنّ كلاً منّا يتوق لأن يفهم -بكيفية علمية منسّقة ومنضبطة وليس بتفكّرات شخصية متناثرة- لماذا يعدّ الوعي البوّابة الأساسية لتجاربنا في العالم. يحبّ كلّ منّا هذا المسعى ولا يرغب في جعله اختصاصاً حصرياً للفلاسفة وعلماء الأعصاب ومطوّري الذكاء الاصطناعي بكلّ متفرّعاته. ثانياً: دراسة الوعي في غاية الأهمية أيضاً في جوانب الغاية Purpose والمعنى Meaning في حياتنا البشرية. ليس في قوانين الفيزياء ما يشيرُ إلى المعنى، وليس مِنْ معادلة لحساب المعنى في تلك المعادلات. لا أظنّ -وسيتشارك معي كثيرون كما أحسب- أنّ الاكتفاء بالتطلّع في كوننا يمنحنا معنى لحياتنا هو ما يحقّقُ فعلاً هذا الأمر؛ لأننا نحن من يخلعُ المعنى على كوننا. يحصل هذا الأمر لأننا نمتلك الوعي الذي يتيحُ لنا اختبار الأشياء والتعامل معها. لدينا هنالك بعيداً في تخوم الكون البعيدة مجرّات كثيرة العدد وجميلة بما يفوق التصوّر. لماذا هي جميلة؟ لأنّنا واعون بها. هي صارت جميلة لأننا نمتلك وعياً يخبرنا أنها جميلة. أعيد القول ثانية: الوعي هو ما يخلعُ معنى وغاية على الحياة.

الدراسات الخاصة بالوعي

يُنظرُ في الأوساط الأكاديمية العالمية إلى سوزان بلاكمور Susan Blackmore على أنّها مؤلفة الكتاب المرجعي في دراسة الوعي، وأقصدُ بهذا كتابها الشائع بين دارسي علم النفس والعلوم العصبية والإدراكية وفلسفة العقل والذكاء الاصطناعي، وأشيرُ بهذا إلى كتابها الموسوم «الوعي: مقدّمة Consciousness: An Introduction» الذي صدرت طبعته الرابعة عن دار نشر «راوتليدج Routledge» قبل بضعة شهور. سوزان بلاكمور عالمة نفس وكاتبة حرة ومحاضرة جامعية بريطانية، ألّفت الكثير من المقالات العلمية وأسهمت في تأليف عددٍ من الكتب. تكتب في مجلات وصحف كثيرة، وكثيراً ما تشارك في برامج إذاعية وتلفازية في المملكة المتحدة أو خارجها. قدّمت الكثير من البرامج التلفازية التي نالت شهرة واسعة بما في ذلك برنامجٌ وثائقيٌ حول ذكاء القردة. من بين كتبها الأخرى سيرة ذاتية بعنوان: «بحثاً عن النور» 1996، و«حوارات عن الوعي» 2005.

ما يميّزُ كتاب بلاكمور هو جمعها بين الخبرة الأكاديمية وتقنيات التعامل مع النطاق العام، فهي معروفة باهتمامها بموضوعات التأمّل والامتلاء الروحي والذهني والباراسايكولوجيا، وقد أفردت كتاباً كاملاً للحديث عن تجربة شخصية خاصة بها شهدت فيها ما تُدعى تجربة مغادرة الجسد Out of Body Experience، وقد حكت عن هذه التجربة في سيرتها الذاتية.

الخصيصة الثانية في كتابها هو مشاركة ابنتها لها في تأليف الكتاب، وتلك علاقة نادرة للغاية بين المؤلفين. لن نتغافل بالتأكيد عن النكهة الفلسفية الأنيقة التي طبعت لغة الكتاب (مثل تناول الإرادة الحرّة وعلاقتها بالوعي)، وهذا أمرٌ متوقّعٌ فيمن يكتب عن موضوع الوعي.

ثمّة موضوعان علينا الانتباه إليهما عند دراسة الوعي: هل سنبلغُ يوماً مرحلة الفهم العلمي الكامل للوعي؟ تؤكّد بلاكمور: لا أظنّ ذلك. الفرق بين حيوان حيّ وآخر ميّت ليس محض فرق نوعي يكمنُ في أنّ الحيوان الحيّ (الإنسان على سبيل المثال) يمتلك نوعاً من مصدر للحياة السرية فيه (بكلمة أخرى: الوعي). الحيوانات الحيّة ميكانيزمات فعّالة دينامية دائمة التغيّر؛ في حين أنّ انكساراً أصاب ميكانيزمات الحركة والتغيّر في الحيوانات الميتة.

تكمن صعوبة وتعقيد دراسة الوعي في حتمية اقتران دراسة الشيء مع موضوع الدراسة؛ بمعنى آخر: استخدام الوعي في دراسة الوعي ذاته! يحضرني هنا مثالاً عبارةٌ قالها جون ناش في الفيلم السينمائي الرائع الذي يحكي سيرته الذاتية «عقل جميل». أخبر ناش طبيبه أنّه سيستخدم عقله في علاج اضطرابه الذهاني، فأجابه طبيبه: ولكن كيف تعالجُ نفسك بما هو المتسبّبُ في مرضك؟ لن تستطيع هذا. في السياق ذاته تصف بلاكمور صعوبة دراسة الوعي وتعريفه فتقول:

«يبدو أنه يَلزمنا إما أن نستخدم الوعي لدراسته هو نفسه، وهي فكرة غريبة نوعاً ما، وإما أن نحرِّرَ أنفسَنا من الوعي الذي نودُّ دراستَه. ولا عجب أن الفلاسفة والعلماء قد بذلوا جهوداً مضنيةً على مدى قرنين من الزمان من أجل الوصول إلى مفهوم الوعي، ولا عجب أيضاً أن العلماء رفضوا الفكرةَ برمَّتها لفترات طويلة؛ بل رفضوا أيضاً دراستَها. الانعطافة الإيجابية أنّ «الدراسات الخاصة بالوعي» أخذَتْ في الازدهار بدءاً من القرن الحادي والعشرين. وصل علم النفس وعلم الأحياء وعلم الأعصاب إلى نقطةٍ يمكن عندها مواجَهةُ بعضِ الأسئلة المحيِّرة على غرار: ما الذي يفعله الوعيُ؟ وهل كان لنا أن نتطوَّر من دونه؟ وهل يمكن أن يكون الوعي وَهْماً؟ وما الوعي على أي حال؟».

تؤكّدُ بلاكمور منذ البدء أنّ ازدهار الجهد البحثي للوعي في القرن الحادي والعشرين لا يعني أنّ الغموض الذي يكتنفه قد اختفى تماماً؛ فالواقع أنه لا يزال متغلغِلاً في هذا الأمر كما كان دائماً. الفرق الآن أننا نعرف عن الدماغ ما يكفينا للاستعداد لمواجَهةِ المشكلة البحثية التالية على نحوٍ مباشِرٍ: كيف يمكن لإطلاق النبضات الكهربائية من ملايين الخلايا العصبية الدماغية أن يُنتج تجربةً واعية ذاتية شخصية؟ إذا أردنا إحرازَ أيِّ تقدُّم فيما يتعلَّق بفهم مسألة الوعي فعلينا التعامُل مع هذا الأمر بجدية تامة. هناك كثير من الأشخاص الذين يدَّعُون أنهم قد وجدوا حلًّاً للغز الوعي؛ فهم يقترحون نظرياتٍ موحِّدةً عظمى، ونظرياتٍ ميكانيكيةً كموميَّة، ونظرياتٍ روحانيةً حول «قوة الوعي»، وغيرها الكثير؛ لكنّ أغلبهم يتجاهلون الفجوةَ العميقة بين العالمين المادي والعقلي.

بعد مقدّمة وتمهيد ابتدائي لموضوع الكتاب (الوعي) اختارت المؤلفّة جعل كتابها موزّعاً في خمسة أقسام، كلّ قسم منها يضمُّ ثلاثة فصول: تناول القسم الأوّل معضلة الوعي تعريفاً ومناظرةً مع مفاهيم أخرى، ثمّ تناولت الوهم الكبير The Grand Illusion في التعامل مع ظاهرة الوعي. في القسم الثاني تناولت موضوع الدماغ بوصفه الحاضنة الطبيعية (مسرح العمليات بلغة المؤلفة) للوعي، وقد أفاضت في شرح العلاقة الوثقى بين دراسة العلوم العصبية وظاهرة الوعي. خصّصت المؤلفة القسم الثالث لتناول موضوع العقل والفعل، وتناولت في القسم الرابع موضوع التطوّر ومنعكساته المهمّة على ظاهرة الوعي، ثمّ تناولت في القسم الخامس الحدود التخمية Borderlands بين الوعي وظواهر أخرى على شاكلة: أشكال الوعي المعدّلة، الواقع والخيال، والأحلام وما بعدها. أما القسم السادس والأخير فتناولت فيه المؤلّفة موضوع «الذات والآخر»؛ فكانت النكهة الفلسفية بيّنة فيه. ألحقت المؤلفة كتابها بسلسلة مصادر مرجعية ضخمة ومتعدّدة امتدّت على عشرات الصفحات من الكتاب.

كتاب بلاكمور هذا قراءة شيّقة رغم رصانته الأكاديمية ومشقّة موضوعه؛ لكنّ من يرغب في قراءة أقلّ تطلباً للجهد والوقت والتفاصيل الصغيرة فيمكنه الرجوع إلى كتاب المؤلفة ذاتها والصادر عن جامعة أوكسفورد بعنوان «الوعي: مقدّمة قصيرة جداً»، وتوجد له ترجمة عربية متاحة بالمجّان على شبكة التواصل العالمية (الإنترنت).

Consciousness: An Introduction

الوعي: مقدمة

المؤلّفتان: Susan Blackmore & Emily Troscianko

سوزان بلاكمور وأميلي تروسيانكو

سنة النشر: 2024

دار النشر: Routledge ) Taylor & Francis Group )

عدد الصفحات: 766 الوعي بصورة جوهرية هو الشيء الأساسي الذي يعرفه كلٌّ منّا بشأن العالَم... أو هو بوّابته إلى العالم