الصحافة العسكرية... تعريف بـ«الانتصارات» وتجنيد للشباب

صحيفة أميركية مستمرة في النشر منذ 1861

خضعت معظم الصحف والمجلات العسكرية إلى إشراف عسكري للتأكد من عدم نشر معلومات حساسة أو سرية قد تضر بالمصالح الوطنية
خضعت معظم الصحف والمجلات العسكرية إلى إشراف عسكري للتأكد من عدم نشر معلومات حساسة أو سرية قد تضر بالمصالح الوطنية
TT

الصحافة العسكرية... تعريف بـ«الانتصارات» وتجنيد للشباب

خضعت معظم الصحف والمجلات العسكرية إلى إشراف عسكري للتأكد من عدم نشر معلومات حساسة أو سرية قد تضر بالمصالح الوطنية
خضعت معظم الصحف والمجلات العسكرية إلى إشراف عسكري للتأكد من عدم نشر معلومات حساسة أو سرية قد تضر بالمصالح الوطنية

ربما كان الإعلام العسكري هو أقدم أنواع الاتصال الجماهيري منذ أن سجل المصريون القدماء على جدران المعابد أنباء انتصاراتهم العسكرية التي تضمنت إنجازات خيالية من التغلب على الأعداء وتوسيع رقعة البلاد الجغرافية. وكذلك اعتمد الأشوريون على تسجيل معاركهم على ألواح طينية. واعتمد العرب القدماء على الشعر لتسجيل غزواتهم وانتصاراتهم.
وفي العصر الحديث تحوّل الإعلام العسكري إلى وسائل عصرية للتواصل بين الجنود والتعريف بالإنجازات وتجنيد الشباب. وتوجد حول العالم عشرات المنافذ الإعلامية العسكرية من صحف وراديو وتلفزيون وأدوات تواصل إلكترونية ومواقع تواصل اجتماعي.
من النماذج الأطول عمراً في تاريخ الصحافة العسكرية العالمية صحيفة «ستارز آند سترايبس» (Stars and Stripes) العسكرية الأميركية التي بدأت منذ أيام الحرب الأهلية الأميركية، وبالتحديد يوم 9 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1861، وتستمرّ حتى الآن. ورغم أن وزارة الدفاع الأميركية تشرف على الصحيفة التي تتوجه أساساً إلى الجنود الأميركيين من العاصمة واشنطن، فإن مقالاتها مستقلة. ويضمن الكونغرس الأميركي استقلالها.
وبالإضافة إلى موقعها على الإنترنت، تنشر صحيفة «ستارز آند سترايبس» أربع طبعات ورقية يومياً توزع على القوات الأميركية العاملة في الخارج بين أوروبا والشرق الأوسط واليابان وكوريا الجنوبية، وهي أيضا متاحة للتنزيل في نسخة إلكترونية.
ونشأت الصحيفة في ولاية إيلينويز أثناء الحرب الأهلية الأميركية، وبالتحديد من مدينة بلومفيلد التي يقع فيها الآن متحف ومكتبة الصحيفة. وأثناء الحرب العالمية الأولى، عاودت القوات الأميركية الموجودة في فرنسا نشر الصحيفة مرة أخرى بالاسم نفسه، وذلك بين عامي 1918 و1919، وتكون جهاز تحريرها من الضباط والجنود الذين انطلق بعضهم إلى عالم الصحافة بعد نهاية الحرب، واعتمدت الصحيفة على التحقيقات الميدانية وأخبار الجنود واستعانت بالرسومات بدلاً من الصور، وهو نموذج اعتمدته فيما بعد صحيفة «وول ستريت جورنال».
وانطلق من «ستارز آند سترايبس» رئيس تحريرها هارولد روس الذي أسس بعد ذلك مجلة «نيويوركر». كما اشتهر رسامو الصحيفة في مجالات الرسوم المتحركة والتصميم ونشر الكتب. وخلال فترة الحرب الأولى كانت «ستارز آند سترايبس» تصدر أسبوعياً في ثماني صفحات. ووصلت في ذروتها إلى توزيع نحو 526 ألف نسخة أسبوعياً.
وتطور الأمر بالصحيفة خلال فترة الحرب العالمية الثانية بنشر عشرات الطبعات التي كانت تُوزَّع على مسارح العمليات العسكرية للجنود الأميركيين. وبذل جهاز التحرير جهوداً مضنية لكي تصل الطبعات إلى الجنود في الخطوط الأمامية يومياً بآخر الأخبار وتطور المعارك. كما تم توزيع سلسة من 53 كتاباً عن قصص الجنود أثناء المعارك. وحصل رسام الكاريكاتير في الصحيفة على وسام تقدير وجائزة بوليتزر للتفوق الصحافي بعد نهاية الحرب. وكان أشهر غلاف للصحيفة في يوم الثاني من مايو (أيار) عام 1945 حيث نشر خبر موت الزعيم الألماني النازي هتلر.
وبعد الحرب عاد أعضاء هيئة التحرير إلى أميركا، واشتهر بعضهم في مجالات مختلفة، وكان من بينهم مؤلف كتاب «دستة أشرار»، الذي تحوَّل إلى فيلم سينمائي في عام 1967.
وما زالت «ستارز آند سترايبس» تصدر طبعاتها للجنود الأميركيين حول العالم حتى الآن، ولكن في صيغة مستقلة عن أوامر وزارة الدفاع. كما تصدر المطبوعة نسخة أسبوعية للنشر داخل الولايات المتحدة. وتصدر «ستارز آند سترايبس» في 32 صفحة يومياً في حجم «تابلويد» وعلى موقعها الإلكتروني. وتستخدم الصحيفة محررين مدنيين وجنوداً متقاعدين موجودين في مواقع متعددة حول العالم.
ويصل حجم التوزيع اليومي للصحيفة حالياً نحو مليون نسخة مع ضعف هذا العدد من الزوار لموقعها على الإنترنت، معظمهم من داخل الولايات المتحدة.
ورغم توزيعها الهائل ودخلها الإعلاني واشتراكات القراء، فإن «ستارز آند سترايبس» تتلقى أيضاً دعماً سنوياً من وزارة الدفاع الأميركية.
وهي تنفرد بين الصحف العسكرية في العالم في أنها تعمل على مبدأ حرية التعبير المكفولة دستورياً في أميركا. وتعمل جميع المنافذ الإعلامية العسكرية الأميركية الأخرى بأوامر مباشرة من وزارة الدفاع، ومنها قناة أخبار وزارة الدفاع وراديو القوات المسلحة الأميركية وخدمات التلفزيون العسكري.
وتعمل «ستارز آند سترايبس» حالياً على حفظ أرشيف أعدادها التي صدرت خلال الحرب العالمية الثانية في صورة رقمية.

صحف عسكرية أخرى
هناك كثير من الصحف العسكرية حول العالم؛ بعضها في دول تعتبرها من الأسرار العسكرية ولا تنشر أخباراً عنها خارج نطاق جيوشها.
وفي بريطانيا تصدر مجلة «سولجر» الشهرية، وهي خاصة بالجيش البريطاني. وهي تنشر أخبار الجيش بنكهة دعائية تهدف بها إلى تجنيد المزيد من الشباب للتطوع للخدمة العسكرية، غير الإجبارية في بريطانيا.
وتشرح المجلة هيكلية الجيش البريطاني من القيادة العامة والقواعد الخارجية والقيادة المحلية. وتستخدم المجلة شعار «الجيش يحتاجك» وتوفر كثيراً من خيارات التقدم للخدمة والمواقع المناسبة لكثير من المهارات. ويطرح الجيش للشباب خيار الخدمة حول العالم في دول مثل كندا وكينيا وقبرص وبيليز وجزر جنوب الأطلنطي وألمانيا وجبل طارق والعراق وبروناي وأوكرانيا وأفغانستان.
وهناك نمط آخر من المطبوعات العسكرية التجارية مثل «جينس ديفينس ويكلي» الأسبوعية التي تختص بنشر الموضوعات العسكرية الموثوقة. ويعود اسم المجلة إلى ناشر إنجليزي اسمه جون إف تي جين الذي نشر في عام 1898 بحثاً عن حصر جميع سفن العالم العسكرية.
وتأسست المجلة الأسبوعية في عام 1984 بدلاً من المطبوعة السابقة التي كان اسمها «جينس ديفنس ريفيو» الشهرية.
واشتهرت «جينس ديفنس ويكلي» في عام 1984 بعد نشرها صوراً التقطها قمر صناعي أميركي لقاعدة بحرية سوفياتية في البحر الأسود أثناء بناء حاملة طائرات سوفياتية جديدة من طراز «كييف». وكانت الصور مسرّبة من ضابط مخابرات أميركي اسمه صامويل موريسون، وتم القبض عليه ومحاكمته لتسريب معلومات سرية.
وتصدر «جينس ديفنس ويكلي» من مقاطعة ساري في إنجلترا، ويصل توزيعها إلى نحو 28 ألف نسخة. وهي توفر تفاصيل فنية للأخبار العسكرية العالمية من مصادرها الخاصة. وفي الوقت الذي أعلنت فيه صحف العالم عن إسقاط إيران لطائرة استطلاع أميركية بلا طيار، أشار تقرير «جينس» عن الخبر إلى تفاصيل فنية متعددة منها أن الطائرة كانت من نوع «آر كيو 4 إيه غلوبال هوك» وأنها كانت تطير على ارتفاع 70 كيلومتراً.
أما الصاروخ الذي أسقطها فهو من نوع «سام» الذي تطلق عليه إيران اسم «خورداد 3». وأضافت المجلة أنه لا توجد قواعد صواريخ ثابتة في المنطقة التي انطلق منها «خورداد 3» مما يؤكد الاعتقاد بأنه أُطلِق من منصة متحركة.
وعلى الصعيد العربي كان ظهور أول صحيفة عسكرية في مصر أثناء حملة محمد علي باشا على الشام في عام 1833، بينما نشأت بقية الصحف العسكرية العربية في بدايات القرن العشرين ومنها «مناظر الحرب» في عام 1912 من الجزائر، و«الحرب والسلم» وأصدرها اللبناني نسيب عويضة عام 1914، و«الدفاع العربي» وأصدرها محمد المحيسن في عام 1921.
وخضعت معظم الصحف والمجلات العسكرية العربية إلى إشراف عسكري للتأكد من عدم نشر معلومات حساسة أو سرية قد تضر بالمصالح الوطنية. وفي معظم الأحوال اقتصر التوزيع على الكوادر العسكرية، ولم تخرج إلى مجال التوزيع العام.
وبعد ذلك، صدرت «المجلة العسكرية» من العراق عام 1924، و«الجيش العربي» من الأردن عام 1940، التي تغير اسمها إلى «الوثبة» عام 1951، ثم إلى «وثبة الجيش»، وأخيراً إلى «المجلة العسكرية» في عام 1955. وكانت تصدر كل شهرين.
وصدرت في سوريا عام 1946 مجلة «جيش الشعب» من وزارة الدفاع التي كانت تُوزَّع على الضباط والجنود ولكنها اجتذبت أيضا آلاف القراء المدنيين لنشرها موضوعات علمية وأدبية وطبية واقتصادية. وبلغ توزيع المجلة في أوج انتشارها ما يزيد على 85 ألف نسخة.
وفي السعودية ظهرت مجلة كلية الملك عبد العزيز الحربية في عام 1955، ومن الكويت نشرت مجلة «حماة الوطن» عام 1960، ثم «درع الوطن» في دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971، وبعد ذلك نشرت مجلة «جند عمان» في سلطنة عمان عام 1974، و«البيرق» في البحرين بالعام نفسه.

نماذج من أخبار أحدث طبعات «ستارز آند سترايبس»
> هذه مختارات من أخبار نُشِرت في الأعداد الأخيرة من صحيفة «ستارز آند سترايبس» العسكرية الأميركية. وهي تتوجه إلى قراء عسكريين أميركيين حول العالم في طبعتها الورقية، وإلى مليوني قارئ داخل أميركا منهم نسبة كبيرة من المدنيين:
> الخبر الرئيسي كان عن توجه فرقاطة أميركية اسمها «بوكسر» إلى منطقة الخليج، لكي تنضم إلى الأسطول الخامس هناك، وهي تحمل عدداً غير معلَن من بحارة المارينز المتخصصين في الهجمات البرمائية، وذلك مع تصاعد التوتر مع إيران.
> إيران تعلن أن طريق الدبلوماسية قد «أُغلِق تماماً» بعد إعلان عقوبات أميركية جديدة موجهة إلى المرشد علي خامنئي.
> منح الجندي الأميركي ديفيد بيلافيا «ميدالية الشرف» عن أعمال بطولية قام بها في عام 2004 بالعراق، وهو أول أميركي على قيد الحياة وسادس جندي يحصل على هذه الميدالية.
> إصابة 18 جندياً في معسكر «فورت براغ» الأميركي بضربة شمس، ودخولهم إلى المستشفى بعد تدريبات قاسية في أجواء حارة.
• نقل 300 طفل محتجَز في معسكر اعتقال للمهاجرين غير الشرعيين يقع في تكساس بعد اكتشاف أنهم يعيشون في ظروف صعبة بلا إمدادات كافية من الطعام والمياه وأدوات النظافة.



إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي
TT

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي

يرى البعض في فرنسا أن موسم رحيل «العصافير الزرقاء» يلوح في الأفق بقوة، وذلك بعدما أعلنت مجموعة كبيرة من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية انسحابها من منصّة التواصل الاجتماعي «إكس» (تويتر سابقاً).

الظاهرة بدأت تدريجياً بسبب ما وصف بـ«الأجواء السامة» التي اتسّمت بها المنصّة. إذ نقلت صحيفة «كابيتال» الفرنسية أن منصة «إكس» فقدت منذ وصول مالكها الحالي إيلون ماسك أكثر من مليون مشترك، إلا أن الوتيرة أخذت تتسارع في الآونة الأخيرة بعد النشاط الفعّال الذي لعبه ماسك في الحملة الانتخابية الأميركية، ومنها تحويله المنصّة إلى أداة دعاية قوية للمرشح الجمهوري والرئيس العائد دونالد ترمب، وكذلك إلى منبر لترويج أفكار اليمين المتطرف، ناهيك من تفاقم إشكالية «الأخبار الزائفة» أو «المضللة» (الفايك نيوز).

نقاش إعلامي محتدم

ومهما يكن من أمر، فإن السؤال الذي صار مطروحاً بإلحاح على وسائل الإعلام: هل نبقى في منصّة «إكس»... أم ننسحب منها؟ حقاً، النقاش محتدم اليوم في فرنسا لدرجة أنه تحّول إلى معضلة حقيقية بالنسبة للمؤسسات الإعلامية، التي انقسمت فيها الآراء بين مؤيد ومعارض.

للتذكير بعض وسائل الإعلام الغربية خارج فرنسا كانت قد حسمت أمرها باكراً بالانسحاب، وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية الأولى التي رحلت عن المنصّة تاركة وراءها ما يناهز الـ11 مليون متابع، تلتها صحيفة «فون غوارديا» الإسبانية، ثم السويدية «داكنز نيهتر».

أما في فرنسا فكانت أولى وسائل الإعلام المنسحبة أسبوعية «ويست فرنس»، وهي صحيفة جهوية تصدر في غرب البلاد، لكنها تتمتع بشعبية كبيرة، إذ تُعد من أكثر الصحف الفرنسية قراءة بأكثر من 630 ألف نسخة تباع يومياً ونحو 5 ملايين زيارة على موقعها عام 2023. ولقد برّر نيكولا ستارك، المدير العام لـ«ويست فرنس»، موقف الصحيفة بـ«غياب التنظيم والمراقبة»، موضحاً «ما عاد صوتنا مسموعاً وسط فوضى كبيرة، وكأننا نقاوم تسونامي من الأخبار الزائفة... تحوّلت (إكس) إلى فضاء لا يحترم القانون بسبب غياب المشرفين». ثم تابع أن هذا القرار لم يكن صعباً على الأسبوعية الفرنسية على أساس أن منصّة التواصل الاجتماعي هي مصدر لأقل من واحد في المائة من الزيارات التي تستهدف موقعها على الشبكة.

بصمات ماسك غيّرت «إكس» (تويتر سابقاً)

«سلبيات» كثيرة بينها بصمات إيلون ماسك

من جهتها، قررت مجموعة «سود ويست» - التي تضم 4 منشورات تصدر في جنوب فرنسا هي «سود ويست»، و«لاروبوبليك دي بيريني»، و«شارانت ليبر» و«دوردون ليبر» - هي الأخرى الانسحاب من منصّة «إكس»، ملخصّة الدوافع في بيان وزع على وسائل الإعلام، جاء فيه أن «غياب الإشراف والمراقبة، وتحديد عدد المنشورات التابعة لحسابات وسائل الإعلام، وإبدال سياسة التوثيق القديمة بواسطة أخرى مدفوعة الثمن، كانت العوامل وراء هذا القرار».

أيضاً الموقع الإخباري المهتم بشؤون البيئة «فير» - أي «أخضر» - انسحب بدوره من «إكس»، تاركاً وراءه عشرين ألف متابع لدوافع وصفها بـ«الأخلاقية»، قائلا إن مضامين المنصّة تتعارض مع قيمه التحريرية. وشرحت جولييت كيف، مديرة الموقع الإخباري، أنه لن يكون لهذا القرار تأثير كبير بما أن الحضور الأهم الذي يسجّله الموقع ليس في «إكس»، وإنما في منصّة «إنستغرام»، حيث لديه فيها أكثر من 200 ألف متابع. ولكن قبل كل هؤلاء، كان قرار انسحاب برنامج «لوكوتيديان» الإخباري الناجح احتجاجاً على التغييرات التي أحدثها إيلون ماسك منذ امتلاكه «إكس» قد أطلق ردود فعل كثيرة وقويّة، لا سيما أن حساب البرنامج كان يجمع أكثر من 900 ألف متابع.

سالومي ساكي

... الفريق المتريّث

في المقابل، وسائل إعلام فرنسية أخرى فضّلت التريّث قبل اتخاذ قرار الانسحاب، وفي خطوة أولى اختارت فتح باب النقاش لدراسة الموضوع بكل حيثياته. وبالفعل، عقدت صحيفة «ليبيراسيون»، ذات التوجّه اليساري، جلسة «تشاور» جمعت الإدارة بالصحافيين والعمال يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للبحث في مسألة «البقاء مع منصّة (إكس) أو الانسحاب منها؟». وفي هذا الإطار، قال دون ألفون، مدير الصحيفة، في موضوع نشر بصحيفة «لوموند»، ما يلي: «نحن ما زلنا في مرحلة التشاور والنقاش، لكننا حدّدنا لأنفسنا تاريخ 20 يناير (كانون الثاني) (وهو اليوم الذي يصادف تنصيب دونالد ترمب رئيساً للمرة الثانية) لاتخاذ قرار نهائي».

الوضع ذاته ينطبق على الأسبوعية «لاكروا» التي أعلنت في بيان أن الإدارة والصحافيين بصّدد التشاور بشأن الانسحاب أو البقاء، وكذلك «لوموند» التي ذكرت أنها «تدرس» الموضوع، مع الإشارة إلى أن صحافييها كانوا قد احتفظوا بحضور أدنى في المنصّة على الرغم من عدد كبير من المتابعين يصل إلى 11 مليوناً.

من جانب آخر، إذا كان القرار صعب الاتخاذ بالنسبة لوسائل الإعلام لاعتبارات إعلانية واقتصادية، فإن بعض الصحافيين بنوا المسألة من دون أي انتظار، فقد قررت سالومي ساكي، الصحافية المعروفة بتوجهاتها اليسارية والتي تعمل في موقع «بلاست» الإخباري، إغلاق حسابها على «إكس»، ونشرت آخر تغريدة لها يوم 19 نوفمبر الماضي. وفي التغريدة دعت ساكي متابعيها - يصل عددهم إلى أكثر من 200 ألف - إلى اللّحاق بها في منصّة أخرى هي «بلو سكاي»، من دون أن تنسى القول إنها انسحبت من «إكس» بسبب إيلون ماسك وتسييره «الكارثي» للمنّصة.

وفي الاتجاه عينه، قال غيوم إرنر، الإعلامي والمنتج في إذاعة «فرنس كولتو»، بعدما انسحب إنه يفضل «تناول طبق مليء بالعقارب على العودة إلى (إكس)». ثم ذهب أبعد من ذلك ليضيف أنه «لا ينبغي علينا ترك (إكس) فحسب، بل يجب أن نطالب المنصّة بتعويضات بسبب مسؤوليتها في انتشار الأخبار الكاذبة والنظريات التآمرية وتدّني مستوى النقاش البنّاء».

«لوفيغارو»... باقية

هذا، وبين الذين قرّروا الانسحاب وأولئك الذين يفكّرون به جدياً، يوجد رأي ثالث لوسائل الإعلام التي تتذرّع بأنها تريد أن تحافظ على حضورها في المنصّة «لإسماع صوتها» على غرار صحيفة «لوفيغارو» اليمينية. مارك فويي، مدير الصحيفة اليمينية التوجه، صرح بأنها لن تغيّر شيئاً في تعاملها مع «إكس»، فهي ستبقى لتحارب «الأخبار الكاذبة»، وتطالب بتطبيق المراقبة والإشراف بحزم وانتظام.

ولقد تبنّت مواقف مشابهة لـ«لوفيغارو» كل من صحيفة «لي زيكو» الاقتصادية، ويومية «لوباريزيان»، وقناة «تي إف1» و«إم 6»، والقنوات الإخبارية الكبرى مثل «بي إف إم تي في»، و«سي نيوز». وفي حين تتّفق كل المؤسّسات المذكورة على أن المنّصة «أصبحت عبارة عن فضاء سام»، فهي تعترف في الوقت نفسه باستحالة الاستغناء عنها، لأن السؤال الأهم ليس ترك «إكس»، بل أين البديل؟ وهنا أقرّ الصحافي المعروف نيكولا دوموران، خلال حوار على أمواج إذاعة «فرنس إنتير»، بأنه جرّب الاستعاضة عن «إكس» بواسطة «بلو سكاي»، لكنه وجد الأجواء مملة وكان النقاش ضعيفا، الأمر الذي جعله يعود إلى «إكس»، حيث «الأحداث أكثر سخونة» حسب رأيه.

أما الصحافي المخضرم جان ميشال أباتي، فعلى الرغم من انتقاده الشديد للمنصّة وانسحاب برنامج «لوكوتيديان» - الذي يشارك فيه - من «إكس» - فإنه لم يفكر في إغلاق حسابه لكونه الإعلامي الفرنسي الأكثر متابعة؛ إذ يسجل حسابه أكثر من 600 ألف متابع.

في هذه الأثناء، وصفت كارين فوتو، رئيسة موقع «ميديا بارت» الإخباري المستقّل الوضع «بالفخ الذي انغلق على وسائل الإعلام»، حيث «إما البقاء وتعزيز أدوات الدعاية لليمين المتطرّف وإما الانسحاب والتخلّي عن مواجهة النقاش». وللعلم، من الملاحظ أن المنصّة غدت حاجة شبه ماسة لأصحاب القرار والساسة، حيث إن بعضهم يتوجه إليها قبل أن يفكّر في عقد مؤتمر صحافي، وهذا ما حدا بالباحث دومينيك بوليي، من معهد «سيانس بو» للعلوم السياسية، إلى القول في حوار لصحيفة «لوتان» إن منصّة «إكس» بمثابة «الشّر الذي لا بد منه»، إذ تبقى المفضّلة لدى رجال السياسة للإعلان عن القرارات المهمة، وللصحافيين لتداولها والتعليق عليها، مذكّراً بأن الرئيس الأميركي جو بايدن اختار «إكس» للإعلان عن انسحابه من السباق الرئاسي الأخير.