السعودية.. عين على حصتها السوقية وأخرى على «الكونتانغو»

سياستها الإنتاجية لا تستهدف الأسعار بل تلبية الطلب من زبائنها

السعودية.. عين على حصتها السوقية وأخرى على «الكونتانغو»
TT

السعودية.. عين على حصتها السوقية وأخرى على «الكونتانغو»

السعودية.. عين على حصتها السوقية وأخرى على «الكونتانغو»

إذا كنت منتجا للنفط فماذا يمكن أن تفعل عندما يزيد المعروض في السوق ويتباطأ الطلب وتهبط أسعاره، في الوقت الذي يتنافس فيه الجميع حولك ويبيعون نفطهم بتخفيضات كبيرة؟ هل تقلص إنتاجك وتحمي الأسعار، أم تبيع بتخفيض وتحافظ على حصتك السوقية إذا لم تستطع زيادتها؟
هذه الأسئلة تدور في خلد كل مسوقي النفط في دول الأوبك، وبصورة أكبر لدى مسوقي النفط السعودي، إذ إن السوق كلها تترقب ماذا ستفعله أكبر دولة مصدرة للنفط الخام في العالم وسط عودة أسعار مزيج خام برنت القياسي إلى نفس وضعية الكونتانغو التي شهدتها عام 2009، عندما انهار الطلب نتيجة للأزمة المالية العالمية وكان هناك ما لا يقل عن 100 مليون برميل نفط مخزنة في البحر.
ومع زوال التوترات حان الآن للسعودية أن تتخذ قرارا أكثر وضوحا. وبما أنها لا تستطيع حماية الأسعار وإنهاء الكونتانغو وحماية حصتها السوقية في الوقت نفسه، فإن السوق تنتظر بشغف لمعرفة الخطوة القادمة. ولن يكون القرار سهلا فأي ضياع للحصة السوقية من أي منتج اليوم صعب تعويضه بسبب المنافسة الشرسة من المنتجين الذين يبيعون النفط بتخفيض في الوقت الذي يزيدون فيه إنتاجهم بحسب آراء لمحللين في «إنيرجي اسبكتس» وبنك «بي إن بي باريبا» وشركة «جي بي سي إنيرجي».
وإلى الآن، يبدو أن السعودية تركز بصورة أساسية على التماشي مع الطلب، حيث لا توجد لديها نية لخفض الإنتاج، إذ يقول مصدر مطلع في حديثه إلى «الشرق الأوسط» إن كل شيء يعتمد على حجم الطلب من زبائن المملكة، لكن الإنتاج لباقي العام سيبقى على الأرجح على نفس مستوياته الحالية والتي تتراوح بين 9.6 و9.7 مليون برميل يوميا. ويضيف المصدر الذي رفض الكشف عن هويته «سياسة الإنتاج للسعودية لا تستهدف الأسعار بل تستهدف في الأساس تلبية الطلب من زبائنها. إذا ارتفع الطلب سيرتفع الإنتاج وإذا انخفض سينخفض الإنتاج».
وأنتجت المملكة نحو 9.6 مليون برميل يوميا من النفط في الشهر الماضي، لكنها باعت نحو 60 ألف برميل يوميا من مخزوناتها بحسب المصدر، ليصبح إجمالي ما زودت به الأسواق خلال الشهر نحو 9.66 مليون برميل. ومن المحتمل أن يظل الإنتاج في سبتمبر (أيلول) الحالي عند نفس المعدل.
ويرى العديد من المحللين أن الطلب على النفط السعودي هذا الصيف انخفض مقارنة بمستوياته الصيف الماضي، وتدعم ذلك أرقام الواردات لبعض الأسواق الرئيسة مثل الصين والولايات المتحدة، والتي اطلعت عليها «الشرق الأوسط». ومع ذلك فإن الإنتاج لن يهبط كثيرا مع بدء التشغيل التجريبي في مصفاة ياسرف في ينبع ووصول مصفاة ساتورب إلى كامل طاقتها التكريرية في أغسطس (آب)، وعودة الإنتاج تدريجيا من حقل الخفجي الذي هبط الإنتاج فيه بصورة كبيرة قبل أشهر بسبب أعمال صيانة شاملة لكل الحقل، بحسب آراء بعض المصادر في السوق الذين تحدثوا إلى «الشرق الأوسط». وإذا ما كان هناك زيادة عن الحاجة فستذهب لملء المخزونات.
وزادت المطالبات بأن تخفض السعودية إنتاجها، لأن السوق ترى أن التخمة في المعروض حاليا هي بسبب الإنتاج المرتفع من دول أوبك. ويقول فريق أبحاث السلع في مصرف «بنك أوف أميركا» في تقرير نشر يوم 18 سبتمبر إن السبب في نشوء الكونتانغو الحالي لخام برنت يكمن في أن السعودية سمحت للأسواق بزيادة تخزين النفط في الأشهر الأخيرة من خلال إبقاء إنتاجها عاليا، لكن المصرف عاد ليقول إنه لولا قيام السعودية بذلك لارتفعت الأسعار إلى مستويات 150 دولارا للبرميل في ظل التوترات الجيوسياسية في العراق وليبيا.

* الكونتانغو وتخزين النفط

* والكونتانغو هي وضعية تنشأ مع وجود فائض في الأسواق وتباطؤ في الطلب، حيث تصبح فيها أسعار تسليم عقود النفط الآجلة في المستقبل أعلى بكثير من أسعار بيعها الحالية، وهو ما يدفع بالتجار والمتعاملين لتخزين النفط طمعا في بيعه غدا بسعر أعلى. وتعقد السوق أملا كبيرا في أن تنتهي حالة الكونتانغو مع خفض دول أوبك لإنتاجها وفي طليعتها السعودية.
وهبطت أسعار نفط خام برنت مطلع شهر سبتمبر الحالي إلى أقل من 100 دولار للمرة الأولى منذ 17 شهرا بسبب تباطؤ الطلب وزيادة المخزونات وارتفاع الإنتاج من خارج وداخل أوبك بعد زوال أغلب المخاطر الجيوسياسية والتي أسهمت في ارتفاع الأسعار فوق المائة خلال السنوات الثلاث الماضية.
وبرنت هو الخام الذي يتم على أساسه تسعير نصف النفط المباع في العالم. في الوقت ذاته لا يعاني مزيج غرب تكساس في الولايات المتحدة (وهو ثاني أهم خام لتسعير النفط وبيعه بصورة آجلة) من الكونتانغو، بل إن أسعار بيعه الفوري أعلى من سعر بيعه مستقبلا.
والسوق اليوم تسبح في النفط. إذ عاودت ليبيا، وهي أحد أكثر بلدان أوبك اضطرابا، الإنتاج بمعدلات عالية تجاوزت 800 ألف برميل هذا الشهر بعد انقطاع للتصدير وتذبذب للإنتاج دام أكثر من عام. وفي العراق هدأت المخاوف كثيرا من توقف الإمدادات بعد أن تم تشكيل حكومة جديدة واستمرار التصدير من الموانئ النفطية في الجنوب بلا انقطاع. ومن خارج «أوبك»، واصلت الولايات المتحدة زيادة إنتاجها من النفط الصخري ليصل إنتاجها العام من النفط إلى أعلى مستوياته منذ الثمانينات وزيادة وارداتها من النفط الكندي الثقيل، وهو ما أدى في الأخير إلى تقليصها للواردات النفطية من النفط من دول أوبك.
وأجبر وضع الكونتانغو لخام برنت اليوم التجار على تخزين النفط، وبسبب قلة أماكن تخزينه على اليابسة بدأ الجميع في استئجار الناقلات العملاقة (ulcc) أو الضخمة جدا (vlcc) للتخزين في البحر. ويوجد حاليا نحو 45 مليون برميل من النفط العائم المخزن على السفن، بحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية، إلا أن بعض الجهات مثل شركة «إنيرجي اسبكتس» في لندن تقدرها بنحو 50 مليون برميل.
ويبدو أن بعض التجار مجبرون على تخزين النفط لأسباب لا تبدو اقتصادية، إذ إن هامش الربح من تخزين النفط وبيعه مستقبلا بحسب تقديرات وكالة الطاقة يجب أن يكون في حدود دولار واحد للبرميل حتى يغطي تكلفة التخزين للبرميل، لكن الهامش حاليا بحسب حسابات وكالة الطاقة يبلغ 0.8 دولار للبرميل أي أقل من دولار. كما أن قيمة الكونتانغو لخام برنت بدأت في التراجع بين شهر وآخر ولم تعد كبيرة لتدعم تخزين النفط في البحر، كما تقول شركة «جي بي سي» للاستشارات في فيينا.

* الحفاظ على الحصة السوقية

* ووسط كل هذه المستجدات، تترقب السوق ماذا ستفعل السعودية التي تعتبر المايسترو في أوبك الذي ينظم الإنتاج حتى تبقى السوق متوازنة ومستقرة. ويبدو أن السعودية حتى الآن تركز على الحفاظ على حصتها السوقية أكثر من تركيزها على هبوط الأسعار، إذ إن الهبوط لا يزال ضمن الحدود الآمنة للمنتجين والمستهلكين بحسب ما يراه وزير النفط السعودي علي النعيمي، والذي حددها بين 95 و110 دولارات للبرميل في يونيو (حزيران) الماضي قبيل بدء اجتماع الأوبك في فيينا.
والشواهد على تركيز المملكة على حصتها السوقية كثيرة.. وأول وأهم دليل هو أن السعودية لم تخفض كمية الشحنات إلى زبائنها كما فعلت سابقا في عام 2009 عندما أخذت قرارا مع باقي دول أوبك بخفض الإنتاج لرفع الأسعار بعد تحطمها في أواخر عام 2008 ووصولها إلى مستويات الثلاثين دولارا بعد أن كانت تتداول فوق 140 دولارا في صيف ذلك العام.
وأوضح أكثر من زبون في آسيا أن المملكة هذا الشهر ستقوم بتوريد كل الكميات المتعاقد عليها من النفط إليهم، وهذا دليل على أنها لا تنوي خفض الإنتاج. وفي عام 2009 كانت «أرامكو» السعودية تصدر كميات للزبائن أقل من الكميات المتعاقد عليها وصلت في بعض الأحيان إلى 10 في المائة أقل. وكانت أوبك قد نشرت في تقريرها هذا الشهر أن السعودية قد خفضت إنتاجها بنحو 408 آلاف برميل يوميا في شهر أغسطس الماضي من 10.01 مليون برميل يوميا في يوليو (تموز) الماضي، بحسب ما أوضحته المملكة للمنظمة، وهي الخطوة التي ربطها الكثيرون بنيتها خفض الإنتاج للحفاظ على الأسعار. إلا أن هذا لا يبدو أن له أي علاقة بانخفاض الأسعار، فالطلب على النفط السعودي قد بدأ بالانخفاض منذ مايو (أيار) الماضي، ولم يكن بسبب رغبة المملكة في تخفيض الإنتاج، بل كان من جانب الزبائن خاصة من الصين والولايات المتحدة.
والدليل الثاني هو التخفيضات الكبيرة التي قدمتها «أرامكو» السعودية مؤخرا، حيث خفضت الشركة الأسعار التي ستبيع بها النفط الخام إلى زبائنها الذين يرغبون في تحميل بضاعتهم خلال الشهر المقبل، لكنها قدمت لعملائها في آسيا بالذات تخفيضا كبيرا جدا هو الأعلى منذ أربع سنوات، في خطوة يراها بعض المحللين والتجار ضرورية وسط تباطؤ نمو الطلب على النفط ولمواجهة المنافسة الشديدة في المبيعات من باقي دول «أوبك».
وأعلنت «أرامكو» مطلع الشهر الحالي تخفيضا يصل إلى دولارين على البرميل لبعض أنواع النفط الخام المتجه للسوق الآسيوية، وهو رقم أعلى بكثير من التخفيضات التي كان السوق والتجار يتوقعونها، لتعيد «أرامكو» بذلك الأذهان لعام 2010 عندما كانت التخفيضات عالية لمساعدة الزبائن على الخروج من أكبر ركود اقتصادي شهده العالم في 2009 نتيجة لانهيار النظام المالي.
وتقول شركة «إنيرجي اسبكتس» التي تتخذ من لندن مقرا لها، في تقرير مطلع الشهر بعد إعلان «أرامكو» عن التخفيضات، إنه لم يعد هناك مجال للشك بأن السعودية تسعى حاليا للحفاظ على حصتها السوقية خاصة أن العراق وإيران يعطيان تخفيضات كبيرة جدا على نفطهما المتجه لآسيا بهدف زيادة حصتهما هناك.
وتضيف أمريتا سين، وهي كبيرة محللي النفط في «إنيرجي اسبكتس»، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه بالنظر إلى الهبوط في الطلب، فإن الإشارات الأخيرة من السعودية بأنها لن تسمح لحصتها السوقية بالهبوط، ستكون بمثابة «المسمار الأخير في نعش أسعار النفط».
وتستطيع السعودية السماح للأسعار بالهبوط إلى 90 دولارا لحماية حصتها السوقية من دون أن يؤثر ذلك على ميزانيتها، فيما لا تستطيع دول أخرى منافسة لها تحمل هذا الانخفاض مثل إيران والعراق وفنزويلا في أوبك أو حتى روسيا في خارج أوبك. وسيبقى اتجاه أسعار النفط في الفترة المقبلة رهنا بالقرار الذي ستتخذه الرياض.



الأمم المتحدة تتوقع نمواً اقتصادياً عالمياً ضعيفاً في 2025

جانب من حي مانهاتن في مدينة نيويورك الأميركية (رويترز)
جانب من حي مانهاتن في مدينة نيويورك الأميركية (رويترز)
TT

الأمم المتحدة تتوقع نمواً اقتصادياً عالمياً ضعيفاً في 2025

جانب من حي مانهاتن في مدينة نيويورك الأميركية (رويترز)
جانب من حي مانهاتن في مدينة نيويورك الأميركية (رويترز)

قالت الأمم المتحدة، في وقت متأخر، يوم الخميس، إن الاقتصاد العالمي قاوم الضربات التي تعرَّض لها بسبب الصراعات والتضخم، العام الماضي، وإنه من المتوقع أن ينمو بنسبة ضعيفة تبلغ 2.8 في المائة في 2025.

وفي تقرير «الوضع الاقتصادي العالمي وآفاقه (2025)»، كتب خبراء اقتصاد الأمم المتحدة أن توقعاتهم الإيجابية كانت مدفوعة بتوقعات النمو القوية، وإن كانت بطيئة للصين والولايات المتحدة، والأداء القوي المتوقع للهند وإندونيسيا. ومن المتوقَّع أن يشهد الاتحاد الأوروبي واليابان والمملكة المتحدة انتعاشاً متواضعاً، كما يقول التقرير.

وقال شانتانو موخيرجي، رئيس فرع مراقبة الاقتصاد العالمي في قسم التحليل الاقتصادي والسياسات في إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة: «نحن في فترة من النمو المستقر والضعيف. قد يبدو هذا أشبه بما كنا نقوله، العام الماضي، ولكن إذا دققنا النظر في الأمور، فستجد أن الأمور تسير على ما يرام».

ويقول التقرير إن الاقتصاد الأميركي تفوق على التوقعات، العام الماضي، بفضل إنفاق المستهلكين والقطاع العام، لكن من المتوقَّع أن يتباطأ النمو من 2.8 في المائة إلى 1.9 في المائة هذا العام.

ويشير التقرير إلى أن الصين تتوقع تباطؤ نموها القوي قليلاً من 4.9 في المائة في عام 2024 إلى 4.8 في المائة في عام 2025، وذلك بسبب انخفاض الاستهلاك وضعف قطاع العقارات الذي فشل في تعويض الاستثمار العام وقوة الصادرات. وهذا يجبر الحكومة على سن سياسات لدعم أسواق العقارات ومكافحة ديون الحكومات المحلية وتعزيز الطلب. ويشير التقرير إلى أن «تقلص عدد سكان الصين وارتفاع التوترات التجارية والتكنولوجية، إذا لم تتم معالجته، قد يقوض آفاق النمو في الأمد المتوسط».

وتوقعت الأمم المتحدة، في يناير (كانون الثاني) الماضي، أن يبلغ النمو الاقتصادي العالمي 2.4 في المائة في عام 2024. وقالت، يوم الخميس، إن المعدل كان من المقدَّر أن يصبح أعلى، عند 2.8 في المائة، ويظل كلا الرقمين أقل من معدل 3 في المائة الذي شهده العالم قبل بدء جائحة «كوفيد - 19»، في عام 2020.

ومن المرتقب أن ينتعش النمو الأوروبي هذا العام تدريجياً، بعد أداء أضعف من المتوقع في عام 2024. ومن المتوقَّع أن تنتعش اليابان من فترات الركود والركود شبه الكامل. ومن المتوقَّع أن تقود الهند توقعات قوية لجنوب آسيا، مع توقع نمو إقليمي بنسبة 5.7 في المائة في عام 2025، و6 في المائة في عام 2026. ويشير التقرير إلى أن توقعات النمو في الهند بنسبة 6.6 في المائة لعام 2025، مدعومة بنمو قوي في الاستهلاك الخاص والاستثمار.

ويقول التقرير: «كان الحدّ من الفقر العالمي على مدى السنوات الثلاثين الماضية مدفوعاً بالأداء الاقتصادي القوي. وكان هذا صحيحاً بشكل خاص في آسيا؛ حيث سمح النمو الاقتصادي السريع والتحول الهيكلي لدول، مثل الصين والهند وإندونيسيا، بتحقيق تخفيف للفقر غير مسبوق من حيث الحجم والنطاق».

وقال لي جون هوا، مدير قسم التحليل الاقتصادي والسياسات في إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية: «لقد تجنَّب الاقتصاد العالمي إلى حد كبير الانكماش واسع النطاق، على الرغم من الصدمات غير المسبوقة في السنوات القليلة الماضية، وأطول فترة من التشديد النقدي في التاريخ». ومع ذلك، حذر من أن «التعافي لا يزال مدفوعاً في المقام الأول بعدد قليل من الاقتصادات الكبيرة».