زيمبابوي وأفريقيا تودّعان موغابي... بطل الاستقلال الذي أصبح طاغية

نجح طوال سنوات حكمه في التسبب بانقسام البلاد

جثمان رئيس زيمبابوي السابق محمولاً الى مثواه الأخير (أ.ب)
جثمان رئيس زيمبابوي السابق محمولاً الى مثواه الأخير (أ.ب)
TT

زيمبابوي وأفريقيا تودّعان موغابي... بطل الاستقلال الذي أصبح طاغية

جثمان رئيس زيمبابوي السابق محمولاً الى مثواه الأخير (أ.ب)
جثمان رئيس زيمبابوي السابق محمولاً الى مثواه الأخير (أ.ب)

ودع الآلاف من مواطني زيمبابوي، وفي مقدمتهم رئيسهم الحالي إيمرسون منانغاغوا، الرئيس الاسبق وبطل الاستقلال روبرت موغابي، إلى مثواه الأخير، وسط حشود ملأت الاستاد الرياضي الوطني في العاصمة هراري، بحضور عدد من الرؤساء الافارقة يتقدمهم رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامابوزا وكينيا أوهورو كينياتا وغينيا الاستوائية تيودورو أوبيانغ نغيما.
وتوفي موغابي في السادس من سبتمبر (أيلول) عن 95 عاماً في مستشفى في سنغافورة كان يزوره باستمرار في السنوات الأخيرة للعلاج.
ويعد موغابي، صاحب الرقم القياسي في مدة الحكم بين الرؤساء الحاليين، إذ أنه بدأ بحكم زيمبابوي منذ أربعين عاماً. وخلال حكمه الذي استمر 37 عاماً على رأس زيمبابوي حتى سقوطه في 2017، تحول روبرت موغابي من بطل للاستقلال وصديق للغرب إلى طاغية تسبب في انهيار اقتصاد بلده.
واضطر موغابي الى الاستقالة قبل سنتين بعد تحرك للجيش وحزبه. وقد غادر السلطة بعد سنوات من القمع في بلد دمّرته أزمة اقتصادية بلا نهاية أغرقت جزءاً من السكان في البؤس. واستقبل الحضور الذين ارتدى بعضهم قمصاناً تحمل صور موغابي، النعش بإطلاق مجموعة من أغاني «حرب التحرير» وهم يرفعون لافتات كُتبت عليها عبارات تشيد «بالأيقونة الثورية» أو «بإرثه في خدمة الأمة».
لكن في شوارع العاصمة كثير من المواطنين الذين لا همّ لهم سوى تأمين حياتهم اليومية بين البطالة والتضخم الكبير جداً ونقص المواد الأساسية. ورأى ستيفن (45 عاماً) الذي كان يتسوق أن «النقص في المواد هو الإرث الوحيد لحكمه. هذا كل ما خلّفه». وأضاف رب العائلة، الذي فضل عدم كشف اسم عائلته: «ليس لديّ أي سبب للذهاب إلى مراسم تشييعه». وأكد كيشاف تيردرا (59 عاماً) العاطل عن العمل لـ«فرانس برس»: «لم يعد لدينا وقود لنذهب إلى الجنازة».
نجح روبرت موغابي طوال سنوات حكمه، في التسبب في انقسام البلاد، حتى مجدداً حول دفنه. ولأيام، عملت أسرته على أن يتم دفنه في قريته في إقليم زفيمبا على بعد نحو مائة كيلومتر عن هراري. وكانت حكومة الرئيس منانغاغوا تريد دفنه في «ميدان الأبطال» الذي يضم أضرحة الشخصيات الكبيرة. وانتهى الخلاف، الجمعة. فـ«الرفيق بوب» كما يلقبه قادة حزبه سيُدفن في نصب هراري الوطني لكن ليس قبل شهر من الآن، الوقت اللازم لبناء ضريح له. وقال الرئيس منانغاغوا: «لن يُدفن إلا بعد الانتهاء من بناء الضريح». وكان الجيش قد دفع في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017 موغابي إلى الرحيل بعد إقالته نائبه منانغاغوا تحت ضغط زوجته غريس موغابي. وبدعم من جزء من الحزب الحاكم، كانت السيدة الأولى السابقة تطمح لخلافة زوجها المسنّ. بعد سنتين، ما زال المحيطون بموغابي يكنّون كراهية للجنرالات وقادة الحزب الحاكم «الاتحاد الوطني الأفريقي لزيمبابوي (زانو)- الجبهة الوطنية» الذين تخلّوا عنه. وكتبت مجلة «ذي زيمبابويان إندبندنت»، أمس (السبت)، ملخصةً المواجهة: «موغابي الذي تعرض للخيانة يواصل من نعشه المعركة ضد منانغاغوا».
وقال شادراك غوتو الأستاذ في جامعة أونيسا بجنوب أفريقيا: «كان قائداً أدت سلطته إلى تركيع زيمبابوي». لكن عندما تولى قيادة روديسيا التي كانت تحكمها الأقلية البيضاء، كان موغابي يثير الإعجاب. فسياسة المصالحة التي اتّبعها باسم حماية وحدة البلاد جعلته محل إشادة خصوصاً في العواصم الأجنبية. وقال حينذاك: «كنتم أعداء الأمس واليوم أنتم أصدقائي». وقد عين شخصيات من البيض في مناصب وزارية مهمة وسمح حتى لزعيمهم إيان سميث بالبقاء في البلاد. وبدا الثائر موغابي الذي يحمل شهادات جامعية، زعيماً نموذجياً. فخلال عشر سنوات حققت البلاد تقدماً كبيراً من بناء مدارس إلى فتح مراكز صحية وتأمين مساكن للأغلبية السوداء. لكن البطل بدأ في وقت مبكر جداً يتصدى لمعارضيه.
في 1982، أرسل موغابي الجيش إلى إقليم ماتابيليلاند (جنوب غرب) المنشق أرض قبائل نديبيلي وحليفه السابق في حرب الاستقلال جوشوا نكومو. وأسفر القمع الوحشي عن سقوط نحو عشرين ألف قتيل. لكن العالم غض النظر. ولم ينتهِ هذا الوضع إلا في الألفية الجديدة مع تجاوزاته ضد المعارضة وعمليات التزوير في الانتخابات والإصلاح الزراعي العنيف الذي قام به.
وبعدما أضعف سياسياً وزعزع استقراره رفاقه السابقون في حرب الاستقلال، قرر موغابي شغلهم بإطلاقهم ضد المزارعين البيض الذين كانوا يملكون الجزء الأكبر من أراضي البلاد. وأصبح مئات الآلاف من السود مالكين لأراضٍ لكن بعد أعمال عنف أجبرت معظم المزارعين البيض البالغ عددهم 4500 على مغادرة البلاد. وقد احتلوا العناوين الرئيسية لوسائل الإعلام الغربية. وسرّعت حملة الإصلاح انهيار الاقتصاد الذي كان متعثراً أساساً. واليوم تعاني زيمبابوي من نقص في السيولة ويعاني 90% من سكانها من البطالة.
وفي خطب طويلة ضد الإمبريالية، حمّل موغابي الغرب مسؤولية كل مشكلات البلاد خصوصا انهيارها المالي، ورفض كل الاتهامات بالاستبداد. وقال في 2013: «إذا قال لك أشخاص إنك ديكتاتور (...) فهم يفعلون ذلك خصوصاً للإضرار بك وتشويه صورتك، لذلك لا تهتم بذلك».
وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2017، أقال موغابي نائب الرئيس إيمرسون منانغاغوا تحت ضغط زوجته غريس الطموحة التي فرضت نفسها في السباق على الرئاسة. وقد ارتكب بذلك خطأ قاتلاً. فقد تخلى عنه الجيش، ثم حزبه «الاتحاد الوطني الأفريقي لزيمبابوي- الجبهة الوطنية» (زانو- الجبهة الوطنية) والشارع أيضاً. واضطر أكبر رؤساء الدول الأفريقية سناً، إلى الاستقالة في 21 نوفمبر 2017، وكان يبلغ من العمر 93 عاماً. وقد رأى بعد ذلك في هذه الخطوة «انقلاباً». ومتأثراً بالغضب الذي تملّكه، دعا ضمناً عشية الانتخابات العامة في 2018 إلى التصويت للمعارضة.

- موغابي في سطور
> وُلد روبرت غابرييل موغابي في 21 فبراير (شباط) 1924، في بعثة التبشير الكاثوليكية في كوتاما (وسط). وقد وُصف بأنه طفل وحيد ومثابر يراقب الماشية وهو يقرأ. وبينما كانت تراوده فكرة أن يصبح قساً، دخل سلك التعليم. بعدما أغرته الماركسية، اكتشف موغابي السياسة في جامعة «فورت هاري» التي كانت المؤسسة الوحيدة المفتوحة للسود في جنوب أفريقيا في نظام الفصل العنصري. في 1960 التحق بالنضال ضد الحكم الأبيض والعنصري في روديسيا. وقد أُوقف بعد أربع سنوات وأمضى في السجن عشر سنوات جعلته يشعر بمرارة كبيرة. فقد رفضت السلطات السماح له بالمشاركة في تشييع ابنه البالغ من العمر 4 سنوات وأنجبه من زوجته الأولى سالي هايفرون التي توفيت في 1992.
بعد إطلاق سراحه لجأ إلى موزمبيق المجاورة حيث تولى قيادة الكفاح المسلح حتى استقلال بلده وتوليه السلطة. وطوال مسيرته برهن على تصميم وذكاء لا شك فيهما.
ويؤكد مارتن ميريديديث، أحد الذين كتبوا سيرته، أنه «بقي في السلطة (...) لأنه سحق معارضيه وانتهك القضاء وتجاوز حق الملكية وقمع الصحافة المستقلة وزوّر الانتخابات».
وقال وزير الخارجية البريطاني الأسبق اللورد كارنغتون الذي أجرى معه المفاوضات حول استقلال البلاد: «يمكن أن تثير مؤهلاته وفكره الإعجاب (...) لكنه كان منفراً إلى درجة كبيرة».

- المحطات الرئيسية في تاريخ زيمبابوي خلال حكم موغابي
في 18 أبريل (نيسان) 1980، أصبحت روديسيا مستقلة باسم زيمبابوي بعد تسعين عاماً من الاستعمار البريطاني. وكان رئيس الوزراء إيان سميث قد أعلن منذ 1965 ومن جانب واحد استقلال البلاد الذي لم تعترف به لندن، من أجل حماية امتيازات الأقلية البيضاء.
- غرقت البلاد في حرب أودت بحياة 27 ألف شخص على الأقل من 1972 إلى 1979 بين سلطات سالسبوري (هراري اليوم) والوطنيين السود.
- بعد توقيع اتفاق لانكاستر هاوس في لندن، فاز موغابي، زعيم الاتحاد الوطني الأفريقي لزيمبابوي (زانو) في الانتخابات وأصبح رئيساً للحكومة. وأصبح شريكه في النضال جوشوا نكومو زعيم الاتحاد الشعبي الأفريقي لزيمبابوي (زايو) وزيراً للداخلية.
- في فبراير 1982، اتهم نكومو بالتآمر وأُقيل، وأرسل موغابي إلى ماتابيليلاند (جنوب غرب) معقل خصمه السَّرية الخامسة الموالية له والمكلفة قمع أنصار نكومو الذي أصبح يعد متمرداً. أسفرت العملية عن سقوط عشرين ألف قتيل.
- في ديسمبر (كانون الأول) 1987، أصبح موغابي رئيس الدولة بعد تعديل دستوري نص على إقامة نظام رئاسي.
- بعد سنتين دُمجت الحركتان المتنافستان تحت اسم «زانو- الجبهة الوطنية» التي أصبحت الحزب الوحيد. وفي 1991 تخلى هذا الحزب عن الماركسية اللينينية وتبنى اقتصاد السوق.
- في 28 فبراير 2000، بدأ المقاتلون السابقون في حرب الاستقلال حركتهم لاحتلال مزارع تملكها الأقلية البيضاء. رسمياً، كانت الحملة تهدف إلى تصحيح التفاوت الموروث عن عهد الاستعمار.
- في الواقع بدأت هذه الحركة بعد رفض ناخبي زيمبابوي مشروع دستور يعزز صلاحيات رئيس الدولة ويسمح بمصادرة مزارع البيض من دون تعويضات، في إطار الإصلاح الزراعي. وتمت مصادرة مزارع بين 4000 و4500 من المزارعين البيض بدعم من نظام موغابي.
- في مارس (آذار) 2002، أُعيد انتخاب موغابي رئيساً في اقتراعٍ قال المراقبون إنه غير نظامي وبعد حملة شهدت أعمال عنف. في مارس 2008، فاز الحزب المعارض حركة التغيير الديموقراطي في الانتخابات التشريعية. كما تقدم زعيمه مورغان تشانجيراي على موغابي في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، إلا أنه انسحب بسبب أعمال العنف التي استهدفت أنصاره بين دورتي الاقتراع. وأُعيد انتخاب موغابي في يونيو (حزيران) بعدما خاض الدورة الثانية بلا منافس.
- في يوليو (تموز) 2013، أُعيد انتخاب موغابي رئيساً بغالبية كبيرة وحصل حزبه على غالبية الثلثين في البرلمان. وتحدث خصمه تشانجيراي عن عمليات تزوير. لكن الاتحاد الأوروبي بدأ مع ذلك تطبيع علاقاته مع زيمبابوي ورفع معظم العقوبات التي فُرضت منذ 2002 باستثناء تلك التي تستهدف موغابي وزوجته.
- في السادس من ديسمبر (كانون الأول) 2014، قام الرئيس الذي أُعيد انتخابه على رأس الحزب، بتنصيب زوجته غريس رئيسة للرابطة النسائية التي تتمتع بنفوذ كبير. وقام بعد ذلك بحملة تطهير واسعة أقال في إطارها نائبته جويس موجورو التي عيّن بدلاً منها وزير العدل إيمرسون منانغاغوا المقرب منه.
- في 14 أبريل 2016، جمع حزب حركة التغيير الديمقراطي ألفي متظاهر في هراري في أكبر مسيرة تنظّم منذ عقد ضد موغابي.
- في السادس من نوفمبر 2017، أقيل نائب الرئيس إيمرسون منانغاغوا الذي طُرح اسمه لتولي الرئاسة خلفاً لموغابي، من منصبه وفرّ من البلاد.
- في 13 نوفمبر، أدان قائد الجيش إقالة نائب الرئيس وحذّر من أن الجيش يمكن أن «يتدخل» إذا استمرت حملة التطهير.
- ليل 14 إلى 15 نوفمبر تمركزت مدرعات في هراري. فرضت الإقامة الجبرية على موغابي وعائلته.
- في 19 نوفمبر، أقال حزب موغابي الرئيس من مهامه وطرد زوجته من صفوفه.
- في 21 نوفمبر استقال موغابي من منصبه وبعد ثلاثة أيام أقسم منانغاغوا اليمين ووعد بمكافحة الفساد والفقر.



الشراكة مع فرنسا تثير جدلاً واسعاً في نيجيريا

الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
TT

الشراكة مع فرنسا تثير جدلاً واسعاً في نيجيريا

الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)

في وقت تسحب فرنسا قواتها من مراكز نفوذها التقليدي في الساحل وغرب أفريقيا، وتبحث عن شركاء «غير تقليديين»، يحتدمُ الجدل في نيجيريا حول السماح للفرنسيين بتشييد قاعدة عسكرية في البلد الأفريقي الغني بالنفط والغاز، ويعاني منذ سنوات من تصاعد وتيرة الإرهاب والجريمة المنظمة.

يأتي هذا الجدل في أعقاب زيارة الرئيس النيجيري بولا تينوبو نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى فرنسا، والتي وصفت بأنها «تاريخية»، لكونها أول زيارة يقوم بها رئيس نيجيري إلى فرنسا منذ ربع قرن، ولكن أيضاً لأنها أسست لما سمّاه البلدان «شراكة استراتيجية» جديدة.

وتمثلت الشراكة في اتفاقيات تعاون هيمنت عليها ملفات الطاقة والاستثمار والمعادن، ولكنّ صحفاً محلية في نيجيريا تحدّثت عن اتفاقية تسمحُ للفرنسيين بإقامة قاعدة عسكرية داخل أراضي نيجيريا، وذلك بالتزامن مع انسحاب القوات الفرنسية من دول الساحل، خصوصاً تشاد والنيجر، البلدين المجاورين لنيجيريا.

لا قواعد أجنبية

ومع تصاعد وتيرة الجدل، تدخل الجيش النيجيري ليؤكد أن ما يجري تداوله بخصوص «قاعدة عسكرية» أجنبية فوق أراضي نيجيريا مجرد «شائعات»، نافياً وجود خطط للسماح لأي قوة أجنبية بإقامة قاعدة عسكرية في نيجيريا.

وتولّى قائد الجيش النيجيري، الجنرال كريستوفر موسى، بنفسه مهمة الرد، فأوضح أن «زيارة الرئيس بولا تينوبو الأخيرة إلى فرنسا، وُقِّعت خلالها عدد من الاتفاقيات الثنائية، لم تشمل السماح بإنشاء قواعد عسكرية أجنبية في نيجيريا».

وكان قائد الجيش يتحدّث خلال حفل عسكري بمقر وزارة الدفاع في العاصمة أبوجا، بمناسبة تغيير شعار القوات المسلحة النيجيرية، وقال إنه يوّد استغلال الفرصة لتوضيح ما جرى تداوله حول «قاعدة عسكرية أجنبية» في نيجيريا. وقال: «لقد أوضح الرئيس بشكل لا لبس فيه أن ما تم توقيعه هو اتفاقيات ثنائية تتعلق بالتجارة، والثقافة، والتقاليد، والتعاون، والاقتصاد، ولا وجود لأي شيء يتعلق بقاعدة عسكرية أجنبية».

وأوضح الجنرال موسى أن الرئيس تينوبو «يدرك تماماً عواقب مثل هذا القرار، ويعلم أن من واجبه حماية نيجيريا، ومن ثم، لن يسمح مطلقاً لأي قوة أجنبية بدخول نيجيريا»، ولكن قائد الجيش أكد: «سنستمر في التعاون بشكل ثنائي من خلال التدريب المشترك وإرسال ضباطنا كما هو معتاد، ولكن إنشاء قاعدة عسكرية أجنبية في نيجيريا ليس ضمن خطط الرئيس».

كراهية فرنسا

ورغم تصريحات قائد الجيش، فإن الجدل لم يتوقف؛ حيث عَبَّر «تحالف جماعات الشمال»، وهو هيئة سياسية ناشطة في نيجيريا، عن إدانته قرار السماح للعسكريين الفرنسيين بدخول أراضي نيجيريا، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، حين انتقد بشكل لاذع عقد شراكة مع فرنسا.

وقال التحالف: «إن القرار يتعلق باتفاقية ثنائية جرى توقيعها بين نيجيريا وفرنسا تمنح الأخيرة وصولاً غير مقيد إلى الموارد المعدنية في نيجيريا»، وذلك في إشارة إلى اتفاقية وقعها البلدان للتعاون في مجال المعادن النادرة.

المنسق الوطني لتحالف جماعات الشمال، جميل علي تشارانشي، اتهم الرئيس تينوبو بالسعي نحو «تسليم سيادة نيجيريا إلى فرنسا، والتغطية على ذلك بمبررات مضللة»، ثم وصف ما يقوم به تينوبو بأنه «مناورة دبلوماسية مكشوفة».

الناشط السياسي كان يتحدث بلغة حادة تجاه فرنسا؛ حيث وصفها بأنها «دولة عدوانية؛ تدعم وتمول تفكيك المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)»، قبل أن يحملها مسؤولية «جو الحرب الذي تعيشه منطقة غرب أفريقيا».

وخلُص الناشط السياسي إلى أنه مصدوم من «إمكانية أن تخضع نيجيريا، بتاريخها الفخور بالدفاع عن السيادة الأفريقية، لتأثير أجنبي، نحن نرفض ذلك، وسنعارضه بشدة»، على حد قوله.

شراكة مفيدة

الرئيس النيجيري بولا تينوبو لدى حضوره حفل تنصيب رئيس تشاد في ندامينا 23 مايو (رويترز)

في المقابل، ارتفعت أصوات في نيجيريا تدافع عن تعزيز التعاون والشراكة مع فرنسا، وعدّت الحديث عن «قاعدة عسكرية» محاولة للتشويش على الطموحات الاقتصادية للبلدين.

في هذا السياق، قال المحلل السياسي النيجيري، نيكسون أوكوارا: «إن العالم يتّجه بسرعة نحو نظام متعدد الأقطاب، وإعادة صياغة التحالفات التقليدية، وهذا الواقع الجديد يتطلب من نيجيريا الاصطفاف مع شركاء يقدمون فوائد استراتيجية دون التنازل عن سيادتها».

وأضاف المحلل السياسي أن «فرنسا، رغم تاريخها غير الجيد في أفريقيا، فإنها تمنح لنيجيريا فرصة إعادة التفاوض على العلاقات من موقع قوة؛ حيث تواجه فرنسا معضلة تراجع نفوذها بشكل مطرد في الساحل وغرب أفريقيا».

وشدّد المحلل السياسي على أن نيجيريا يمكنها أن تربح «مزايا اقتصادية كبيرة» من الشراكة مع فرنسا، كما أكّد أنّه «مع تصاعد التحديات الأمنية في منطقة الساحل، يمكن للخبرات والموارد العسكرية الفرنسية أن تكمل جهود نيجيريا لتحقيق الاستقرار في المنطقة».

تعاون عسكري

التعاون العسكري بين فرنسا ونيجيريا عرف صعوداً مهماً عام 2016، حين وقع البلدان اتفاقية للتعاون العسكري والأمني، خصوصاً في مجالات الاستخبارات، والتدريب والإعداد العملياتي.

في الفترة الأخيرة، بدأ الحديث عن رغبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تعزيز هذا التعاون، وهو الذي عمل لستة أشهر في السفارة الفرنسية في أبوجا، حين كان طالباً في المدرسة الوطنية للإدارة. وبوصفها خطوة لتطوير التعاون العسكري بين البلدين، أعلن الجنرال حسن أبو بكر، قائد القوات الجوية النيجيرية، الأسبوع الماضي، أن بلاده تستعد للاستحواذ على 12 طائرة من طراز «ألفاجيت» مستعملة من القوات الجوية الفرنسية، ستتم إعادة تشغيل 6 منها، في حين ستُستخدم الـ6 أخرى مصدراً لقطع الغيار.

ورغم أنه لم تعلن تفاصيل هذه الصفقة، فإن نيجيريا أصبحت خلال السنوات الأخيرة «زبوناً» مهماً للصناعات العسكرية الأوروبية، وسوقاً تتنافس عليها القوى المصنعة للأسلحة، خصوصاً سلاح الجو الذي تراهن عليه نيجيريا لمواجهة خطر الإرهاب في غابات حوض بحيرة تشاد، أقصى شمال شرقي البلاد.