الأمير عبد العزيز بن سلمان... الدبلوماسي النفطي

الوزير السعودي السادس في تسلسل مَن تولوا مسؤولية القطاع

الأمير عبد العزيز بن سلمان... الدبلوماسي النفطي
TT

الأمير عبد العزيز بن سلمان... الدبلوماسي النفطي

الأمير عبد العزيز بن سلمان... الدبلوماسي النفطي

عرفت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) خلال سنواتها التسع والخمسين، كثيراً من الوزراء والشخصيات النفطية التكنوقراطية ذات المؤهلات العالية والإلمام الفني العالي بالسوق. ولكن خلال تاريخ «أوبك» لم يبرز سوى قليل جداً من الأشخاص الذين عرف عنهم لعب دور دبلوماسي عالٍ تخلط فيه الأوراق السياسية مع النظرة الفنية.
ولعل الأمير عبد العزيز بن سلمان، الذي عيّن هذا الشهر وزيراً للطاقة، من أبرز الدبلوماسيين النفطيين في تاريخ «أوبك». وبتعيينه، أصبح الأمير عبد العزيز الوزير السادس في تاريخ السعودية الذي يتسلم ملف النفط بعد كل من عبد الله الطريقي وأحمد زكي يماني وهشام ناظر وعلي النعيمي وخالد الفالح.

الأمير عبد العزيز بن سلمان هو رابع أبناء الملك سلمان بن عبد العزيز بعد الأمراء فهد وسلطان وأحمد. ومنذ الثمانينات وهو يعتبر الرجل الثاني في الوزارة بعد الوزير، كما أنه عضو ثابت في وفد المملكة العربية السعودية إلى «أوبك» منذ دخوله إلى الوزارة. ومع أنه يفضل أن ينظر له الجميع موظفاً حكومياً يعمل في وزارة الطاقة، فإن قدر الأمير عبد العزيز أجبره أن يملأ الفراغ الدبلوماسي الكبير في تاريخ «أوبك» حين استطاع أن يوفق بين القبعات المختلفة التي يرتديها منذ يومه الأول. فهو يعرف كيف يرتدي قبعة ابن الأسرة الحاكمة في المملكة، وكيف يعتمر قبعة المسؤول النفطي من دون أن يؤثر ذلك على قدرته التفاوضية.
في مواقف كثيرة كان «حلقة الوصل» بين العالم النفطي والسلطات العليا في المملكة، وفي مواقف أخرى كان «حلقة الوصل» بين الدول المختلفة في «أوبك». ويقول عنه أمين عام «أوبك» الحالي محمد باركيندو إنه «يعرف كيف يستخدم قوته ونفوذه، فهو مولود ولديه نفوذ وليس جديداً عليه هذا الأمر».
وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، وصف عبد الصمد العوضي، أحد أقدم الشخصيات في «أوبك» إذ كان ممثلاً للكويت في المنظمة بين عام 1980 و2001، الدور الذي كان يلعبه الأمير عبد العزيز في «أوبك»، قائلاً: «يبدأ دور الأمير حيث ينتهي دور الوزير». وتابع: «كان الأمير دائماً يلعب دور الوسيط بين السعودية وباقي الدول لتقريب وجهات النظر، فالوزراء يتفقون حول السياسات الرئيسية، بينما التفاصيل تحتاج إلى نقاش مستمر وهنا كان يتدخل الأمير. أضف إلى ذلك أنه كان دائماً في الصفوف الأمامية ويحاول تقريب وجهات النظر مع الإعلام أيضاً».
وحقاً، بدا ذلك في كثير من المواقف؛ كان آخرها اجتماع «أوبك» الأخير هذا الصيف، حين تعنتت إيران بشكل شديد بقبول اتفاق «أوبك». لكن الأمير عبد العزيز ووزير الطاقة السابق خالد الفالح اجتمعا في غرفة مغلقة مع الوزير الإيراني ولم يخرجا قبل أن يتوصلا إلى اتفاق معه. وفي اجتماع العام الماضي، لم توافق ليبيا على الانضمام إلى قائمة الدول التي ستضع سقفاً على إنتاجها، ولعب الأمير دوراً كبيراً في إقناع ليبيا بهذا الأمر.
وبالتالي، بتقلد الأمير عبد العزيز منصب الوزير يتوقع أن تكون الدبلوماسية النفطية في «أوبك» عالية، وستعود «أوبك» إلى التنسيق بشكل أكبر داخلياً، ويعود التوازن إلى دور «أوبك»، بعدما كان التركيز قائماً على التحالف مع المنتجين المستقلين خلال السنوات الماضية مع الوزير خالد الفالح. ثم إنه، بفضل علاقاته الدبلوماسية الجيدة مع دول الخليج، فإن من المتوقع أن يلعب الأمير دوراً كبيراً في التنسيق بين السعودية والكويت لإعادة الإنتاج النفطي في المنطقة المقسومة.

دبلوماسية خلف الكواليس
الأمير عبد العزيز كان يعمل بدبلوماسية واضحة خلف الكواليس دائماً. ولكن كل من يعمل في «أوبك» يعرف الدور الذي كان يقدمه. وخلال اجتماع اللجنة الوزارية لمراقبة الإنتاج في أبوظبي الأسبوع الماضي، قال أمين عام «أوبك» باركيندو عن الأمير: «كان للأمير عبد العزيز دور محوري في توجيه المفاوضات الخاصة بتبني كثير من إعلانات (أوبك) البارزة، بصفته رئيساً للجنة التي صاغت الإعلان الرسمي في مؤتمر قمة (أوبك) الثانية التي عقدت بمدينة كاراكاس في فنزويلا يومي 27 و28 سبتمبر (أيلول) 2000».
وأردف: «لعب دوراً بارزاً بهذه الصفة، كما عمل أيضاً رئيساً للجنة التي صاغت إعلان الرياض في مؤتمر قمة (أوبك) الثالثة التي عقدت بالعاصمة السعودية الرياض يومي 17 و18 نوفمبر (تشرين الثاني) 2007. وعندما قررت (أوبك) تطوير استراتيجية طويلة الأجل وتطلب الأمر تشكيل لجنة لصياغة هذه الاستراتيجية، لجأنا إلى الشخص الذي يمكننا الاعتماد عليه دائماً، وهو الأمير عبد العزيز، الذي يعد الآن واحداً من الثلاثة ذوي أطول مدة من العمل موفدين في (أوبك)». وأشار أمين عام «أوبك» إلى ما حدث في حقبة الثمانينات من القرن العشرين عندما بدأ الحوار بين المنتجين والمستهلكين كما لو كان حلماً بعيد المنال، فكان الأمير عبد العزيز واحداً من رواد الحوار وأبطاله. فلا عجب إذن أن يقوم هذا القائد ذو الرؤية الحقيقية بالمساعدة في ولادة منتدى الطاقة الدولي.
وتابع باركيندو قائلاً إنه في عام 2015 عندما كانت أسواق النفط تغوص في أعماق واحدة من أسوأ فترات الركود في تاريخها، دعا الأمير عبد العزيز بحماس إلى العمل الجماعي بين «أوبك» وروسيا الاتحادية، «وتمخضت البذرة التي زرعها الأمير عن اتفاق الجزائر في 28 سبتمبر 2016، الذي شارك في صياغته؛ وتطور لاحقاً إلى اتفاق فيينا في 30 نوفمبر 2016 وإعلان التعاون التاريخي في 10 ديسمبر (كانون الأول) 2016؛ وبلغ ذروة تطوره وإيناعه الآن في ميثاق التعاون الذي صدقت عليه 24 دولة في 2 يوليو (تموز) 2019».

من هو الأمير عبد العزيز؟
بعيداً عن الدبلوماسية النفطية، من هو الأمير عبد العزيز؟ وكيف بدأت رحلته مع النفط؟
عام 1987م، تلقى الأمير عبد العزيز اتصالاً من الوزير هشام ناظر، الذي كان قد تولى الوزارة خلفاً للشيخ أحمد زكي يماني في أواخر عام 1986، وطلب منه الانضمام إليه في الوزارة. وقال الأمير عبد العزيز عن هذا الأمر: «لقد كنت سعيداً جداً عندما جاءني اتصال الوزير، إلا أنني كنت حينها في إجازة. إذ تزوجت وقتها وترددت كثيراً في أن أقطع الإجازة وألتحق بالوزير، لكنني وجدت كل تأييد من زوجتي فقررت قطع الإجازة والالتحاق بالوفد».
ولكن، قبل انضمامه إلى الوزارة كان الأمير في عالم آخر هو العالم الأكاديمي. إذ كان وقتها يعيش في المنطقة الشرقية، حيث كان يترأس إدارة الدراسات الاقتصادية والصناعية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران. ومنها حصل الأمير عبد العزيز على بكالوريوس الإدارة الصناعية في عام 1982 ثم على الماجستير في إدارة الأعمال عام 1985.
خلال الفترة التي أمضاها في المنطقة الشرقية، كان الأمير عبد العزيز نشيطاً اجتماعياً وكان على علاقة جيدة بالأسر الكبيرة في المنطقة. ويتذكر رجل الأعمال سعود عبد العزيز القصيبي كيف كان الأمير يأتي لزيارة والده في بعض الأحيان في تلك الفترة. ويقول القصيبي لـ«الشرق الأوسط» راوياً: «عندما كان الأمير عبد العزيز طالباً في الجامعة كنت أنا طالباً في المرحلة الثانوية. لم أكن ألتقي به كثيراً لكنني أذكر جيداً كيف كان منكبّاً على الدراسة في ذلك الوقت، وكانت الجامعة معروفة بشدتها الأكاديمية». ويقول القصيبي عن الأمير إنه متواضع جداً ويمتاز بذاكرة جيدة، مضيفاً: «ليس من باب المدح أو المجاملة ولكنه شخص يسحرك بتواضعه وطيبه وحسن استقباله، وبسبب أخلاقه العالية من الصعب أن تنساه». وحقاً، الأمير عبد العزيز شخصية اجتماعية ومتواضعة، بحسب كل من عاصروه، وكان ولا يزال يحب التواصل مع جميع الأفراد والعوائل في مجتمعه. ثم إنه لا يزال يحضر إلى جميع المناسبات المهمة لأصدقائه ومعارفه، ومعروف عنه أنه قلما يتأخر عن حضور أي مناسبة اجتماعية.
بدأ مشوار الأمير عبد العزيز في الوزارة منذ 1987 مستشاراً للوزير، وهو المنصب الذي شغله حتى عام 1995 عندما عيّن وكيل الوزارة لشؤون البترول. واستمر الأمير في منصب الوكيل حتى مايو (أيار) 2004 عندما صدر أمر ملكي بتعيينه مساعداً لوزير البترول على المرتبة الممتازة. وظل في المنصب حتى أصبح نائباً للوزير، ثم وزيراً للدولة لشؤون الطاقة. ومنذ أيامه الأولى حرص الأمير على استقطاب الكفاءات إلى الوزارة، ومن بينها العراقي فاضل جلبي الأمين العام المكلف السابق لـ«أوبك» بين 1983 و1988.
ويروي جلبي بنفسه هذه القصة في إحدى كتاباته، إذ يقول إن الأمير الذي تعين لتوه زاره في مكتبه عام 1988 «عندما انتهت فترتي أميناً عاماً مكلفاً، وطلب مني أن أعمل مستشاراً للوزارة. يومذاك شكرته على هذا العرض ورفضته، لكنني لم أفصح له عن الأسباب، إذ إنني كنت اتفقت مع الوزير السابق الشيخ يماني في مركزه الجديد للدراسات في لندن».
ويضيف جلبي: «وبعدها بوقت قصير تلقيت اتصالاً من الأمير عبد العزيز يدعوني إلى لقائه في فندق دورتشستر في لندن على عشاء فخم، وأعاد علي العرض إلا أنني رفضته مجدداً». ولم تنتهِ عملية الاستقطاب عند هذا الحد، إذ استقطب الأمير عبد العزيز بنفسه كثيراً من الأكاديميين إلى الوزارة، ومن بينهم الدكتور ماجد المنيف والدكتور إبراهيم المهنا والدكتور محمد سالم سرور الصبان. وهذا ليس مستغرباً على شخص جاء من خلفية أكاديمية.
ما كانت أيام الأمير الأولى في الوزارة سهلة، إذ إن العراق وإيران كانا لا يزالان يخوضان الحرب في عامي 1987 و1988. وما إن وضعت تلك الحرب أوزارها حتى بدأت حرب أخرى بعد احتلال العراق للكويت في عام 1990. ورغم صغر سنه حينذاك، وقلة خبرته في صناعة النفط، لعب الأمير عبد العزيز دوراً كبيراً خلف الكواليس خلال كل تلك الأحداث. فكان هو الذي تولّى التنسيق بين وزراء الكويت والإمارات العربية والمتحدة والعراق للقاء الذي عُقد في جدة من أجل المصالحة بين العراق والبلدين الخليجيين.
وأثناء الحرب على العراق، كان الأمير يقوم بدور مهم جداً في التنسيق بين الوزارة وقوات التحالف. ولعل أبرز الأدوار التي قام بها خلف الكواليس خلال حرب الخليج؛ إسهامه في طمأنة وكالة الطاقة الدولية بخصوص إبقاء الإمدادات مستقرة في السوق، إذ كانت الوكالة تعتزم إطلاق دفعة من المخزون الاستراتيجي إلى الأسواق لخفض الأسعار، بعدما ارتفعت مع الاجتياح العسكري للكويت، ولكنها تراجعت بعد تطمينات شخصية من الأمير.

شعبيته في «أوبك»
في «أوبك» يحظى الأمير عبد العزيز بشعبية بين الوفود وعشرات الصحافيين الذين يقابلونه باستمرار. ويحب الأمير إلقاء الطرائف على الصحافيين، مثل الطرفة التي ذكرها الأسبوع الماضي للصحافيين في أبوظبي، عندما قال لهم إنه لو كان يلتفت إلى كل تحليلات وكالة الطاقة الدولية عن مستقبل السوق لأصابه الاكتئاب، ولبدأ تناول «البروزاك»، وهو دواء مضاد للاكتئاب.
وبطبيعة الحال، يخيل إلى كثير من خارج الوزارة أن مشوار الأمير عبد العزيز العملي يجب أن يكون مفروشاً بالورود فقط لأنه ينتمي إلى الأسرة الحاكمة في المملكة. غير أن كل العاملين في الصناعة أو ممن عملوا معه أو حضروا المؤتمرات التي كان يلقي فيها خطبه، يدركون جيداً أنه شخص ذكي وعملي ومجتهد جداً... ويعمل بجد، حاله حال أي موظف في الوزارة.
وعن هذا الأمر، قال الأمير في إحدى المناسبات: «الناس في الخارج لا يدركون للأسف أن الأمراء عندما يدخلون إلى وزارة البترول يخلعون (البشوت) ويعملون كالجميع، حالهم حال باقي الموظفين. لو لم نكن نعمل جميعنا بجد لما كانت الصناعة النفطية السعودية رائدة الآن». وأضاف: «يتصور الكل أني صاحب حظوة لأني أمير، ولكن الحقيقة غير ذلك. الأمر الذي لا يعرفه كثيرون عني أني لم أكن أناقش عملي في الوزارة مع الملوك الراحلين. لقد كنت أحد أبناء الأسرة وحسب بالنسبة لهم».

مفاوضات ومنجزات
وحقق الأمير عبد العزيز كثيراً من الإنجازات خلال مشواره العملي مع وزارة البترول سابقاً (الطاقة حالياً). فعلى سبيل المثال، كان ضمن وفد المملكة التفاوضي لانضمامها إلى منظمة التجارة العالمية. وتولى أهم ملف في المفاوضات؛ وهو التفاوض حول دعم المملكة لغاز اللقيم الذي على أساسه تعتمد تنافسية قطاع البتروكيماويات السعودي. ورفضت المملكة حينذاك التنازل عن دعم غاز اللقيم وتمكنت أخيراً من دخول المنظمة من دون التنازل عن هذا المكتسب.
ولم تنتهِ علاقة الأمير عبد العزيز بمنظمة التجارة العالمية عند هذا الحد، بل تولى بعد ذلك ملف قضايا الإغراق المرفوعة ضد شركات البتروكيماويات السعودية في الهند وتركيا وغيرها. ومع أن هذا النوع من القضايا تختص به وزارة التجارة، فإن خبرة الأمير التفاوضية جعلت السلطات في البلاد تعهد إليه بهذا الملف، وتمكن من حل جميع القضايا هو والفريق التفاوضي العامل معه.
ولعل أحد أبرز إنجازات الأمير هو الحملة الوطنية لترشيد استهلاك الطاقة، التي تمكنت من تحريك المياه الراكدة لإنقاذ النفط السعودي الذي كان يُحرَق بكميات رهيبة سنوياً. هذه الحملة كرس لها الأمير جل وقته منذ عام 2013. وحقق خلالها مع اللجنة الوطنية التي تعمل على هذا الملف كثيراً من الإنجازات، مثل التخلص من مكيفات الهواء غير الاقتصادية، ووضع اشتراطات صارمة لاستيراد الأدوات الكهربائية، وتغيير مواصفات السيارات التي تستوردها المملكة لتكون اقتصادية أكثر في استهلاك الوقود.
أضِف إلى ما سبق، أن الأمير عبد العزيز بن سلمان عضو فعال في كل من مجلس المحافظين لمعهد أكسفورد لدراسات الطاقة في بريطانيا، ونادي أكسفورد لدراسات الطاقة، وكذلك الجمعية الدولية لاقتصاديات الطاقة في العاصمة الأميركية واشنطن. وأيضاً، الأمير عضو في المجلس الاستشاري لرئيس الجمعية الدولية لاقتصاديات الطاقة في واشنطن ويشغل منصب الرئيس الشرفي لجمعية الاقتصاد السعودية، كما أنه عضو عدد من الجمعيات العلمية، واللجان والمعاهد؛ منها جمعية الجيولوجيين السعودية، ومعهد البترول في لندن، والمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، والمعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن.


مقالات ذات صلة

انتخابات تاريخية في جامو وكشمير أمام خلفية إلغاء حكومة مودي وضع «الولاية الاتحادية»

حصاد الأسبوع تجمع حزبي في إحدى المناطق رافض لإلغاء حكومة مودي المادة 370 (رويترز)

انتخابات تاريخية في جامو وكشمير أمام خلفية إلغاء حكومة مودي وضع «الولاية الاتحادية»

بعد عِقد من الزمن، توافد الناخبون بإقليم جامو وكشمير، ذي الغالبية المسلمة والخاضع للإدارة الهندية، بأعداد قياسية للتصويت للحكومة المحلية في إطار انتخابات...

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع طابور اقتراع في كشمير (رويترز)

القضايا الرئيسية في انتخابات 2024 الكشميرية

برز إلغاء المادة 370 وتأسيس دولة مستقلة في جامو وكشمير قضيتَين رئيسيتين في هذه الانتخابات، بينما تشكّل البطالة مصدر قلق مزمن كبير. الصحافي زاهور مالك قال: «ثمة…

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع لقطة من مناظرة الثلاثاء الرئاسية (رويترز)

هل اقتربت أميركا من تغيير هوية «الجيل» الذي يحكم واشنطن؟

يُجمِع خبراء المناظرات الرئاسية الأميركية على أن الانتصارات فيها لا تُترجم بالضرورة فوزاً في الانتخابات، والمرشحون الذين يتألقون في المناظرات لا يفوزون دائماً

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع يقدّم بارنييه نفسه على أنه رجل ينتمي إلى اليمين لكن ليس اليمين البورجوازي القومي المتعصّب بل اليمين الاجتماعي

ميشال بارنييه رئيس الحكومة الفرنسية الجديد... هل يكون الرجل المعجزة الذي ينقذ عهد ماكرون؟

بعد 25 سنة أمضاها ميشال بارنييه في بروكسل (1999 – 2021) مفوضاً أوروبياً متنقلاً في مناصب عديدة، منها مسؤول عن السوق الأوروبية الداخلية ونائب لرئيس المفوضية،

ميشال أبونجم (باريس)
حصاد الأسبوع الرئيس الموريتاني ولد الغزواني يستقبل رئيس الوزراء الإسباني سانتشيز ورئيسة المفوضية الأوروبية فون در لاين في نواكشوط 
(آ فب)

إسبانيا تحاول التحكّم بهاجس التعامل مع المهاجرين

عندما فازت إسبانيا بكأس الأمم الأوروبية لكرة القدم، أواسط يوليو (تموز) الفائت، كان النجم الأبرز في الفريق الوطني الأمين جمال، وهو لاعب من أب مغربي وصل قبل 19

شوقي الريّس (مدريد)

مسعود بزشكيان جرّاح القلب البراغماتي... يجد نفسه معالجاً لأزمات إيران المزمنة

بزشكيان
بزشكيان
TT

مسعود بزشكيان جرّاح القلب البراغماتي... يجد نفسه معالجاً لأزمات إيران المزمنة

بزشكيان
بزشكيان

لا يُعد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، الذي سيبلغ السبعين من العمر الأحد المقبل، من ساسة الرعيل الأول الذين شاركوا في ثورة الخميني عام 1979 أو قادة الأحزاب السياسية، بما في ذلك التيار الإصلاحي، الذي ينتمي إليه. ثم إنه ليس من المحسوبين على الجهازين الأمني والعسكري، رغم حضوره في المشهد السياسي الإيراني، وتدرجه البطيء في المناصب على مدى العقود الثلاثة الأخيرة. وكان بزشكيان، الذي أطل على العالم بالأمس من منبر «الأمم المتحدة»، قد فاز في جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية المبكرة مدعوماً من الإصلاحيين، وفيها تغلب على المرشح المحافظ المتشدد سعيد جليلي، وحصل على أقل عدد من أصوات الناخبين بعد ثورة 1979، نظراً للمقاطعة التي وصلت إلى مستويات قياسية rnغير مسبوقة.

ولد مسعود بزشكيان في أكتوبر (تشرين الأول) 1954، لأب آذري تركي وأم كردية في مدينة مهاباد، بمحافظة أذربيجان الغربية، ثم انتقل إلى مدينة أورمية حيث أكمل دراسته الثانوية. والتحق بالتجنيد الإلزامي وأمضى سنتين في محافظة بلوشستان بجنوب شرقي البلاد، قبل أن ينتقل إلى طهران لدراسة الطب، وهناك توقفت دراسته في السنة الأولى بسبب أحداث الثورة التي أطاحت بنظام الشاه. وخلال سنتين من تعطل الجامعات الإيرانية بسبب ما يعرف بـ«الثورة الثقافية»، تزوّج بزشكيان ورزق بـ4 أبناء، لكنه فقد زوجته وأحد أبنائه في حادث سير مؤلم في 1993، ورفض الزواج ثانية.

الحرب العراقية الإيرانية

تزامنت عودة بزشكيان للدراسة في السنة الجامعية الثانية مع بداية الحرب الإيرانية - العراقية، وكذلك المعارك بين «الحرس الثوري» والأحزاب الكردية المعارضة. وانضم إلى الطاقم الطبي في جبهات الحرب، بمحافظة كردستان، قبل أن يتوجه جنوباً إلى مدينة عبادان التي شهدت معارك شرسة وأصبح مسؤولاً عن الفرق الطبية في جبهات الحرب. وبعد سنوات قليلة، عاد لإكمال دراسته في 1985.

ساهم سجلّ الرجل في جبهات الحرب بتسهيل مشواره العلمي، مستفيداً من الامتيازات الخاصة التي تمنحها السلطات للعسكريين في الحرب. وبالفعل، حصل عام 1990 على شهادة الاختصاص في الجراحة العامة، واستغرق الأمر 3 سنوات لحصوله على الاختصاص في جراحة القلب. ومن ثم، التحق بمستشفى أمراض القلب في مدينة تبريز، وأصبح رئيساً له، وصار أستاذاً جامعياً بقسم القلب والشرايين في جامعة تبريز للعلوم الطبية، لكنه لم يُقبل في المجمع الطبي الإيراني إلا عام 2010.

المسار السياسي

أداء بزشكيان المهني، وخصوصاً رئاسة جامعة العلوم الطبية في تبريز، أسهم بشقّ طريق جراح القلب الناجح، نحو المناصب السياسية، فصار نائباً لوزير الصحة في حكومة الإصلاحي محمد خاتمي الأولى. وبعد فوز خاتمي، بفترة رئاسية ثانية عام 2001، تولى منصب وزير الصحة وبقي في المنصب لنهاية فترة خاتمي عام 2005.

خاتمي وصف بزشكيان عندما قدّمه إلى البرلمان بأنه «قوي التصميم وعلمي وحازم» وأن «اختياره جاء بسبب التزامه وإيمانه وإدارته المقبولة خلال السنوات الماضية». ومنذ دخوله الوزارة كان من صفاته البارزة أنه «عفوي وصادق، ويتحلى بالتواضع وروح الخدمة»، لكن بعد سنتين كاد يفقد منصبه، إثر استجوابه في البرلمان بسبب زياراته الخارجية وقفزة أسعار الخدمات الطبية والأدوية، وهي من المشاكل التي رآها الإصلاحيون متجذرة في المؤسسة الطبية الإيرانية. كذلك، اهتزت صورته وزيراً بعض الشيء بعد قضية المصوّرة الصحافية الكندية - الإيرانية زهراء كاظمي، التي توفيت في ظروف غامضة داخل سجن إيفين عام 2003 بعد 17 يوماً من اعتقالها، وذلك بسبب تقرير قدّمه عن أسباب الوفاة.

تجربة برلمانية غنية

بزشكيان ترشّح للانتخابات البرلمانية عن مدينة تبريز (كبرى المدن الآذرية في إيران) بعد سنتين من انتهاء مهمته الوزارية، وفاز ليغدو نائباً في البرلمان الثامن. وأعيد انتخابه في البرلمانات التاسع والعاشر والحادي عشر. ثم ترشح للمرة الخامسة في الانتخابات البرلمانية، قبل أن يترشح للرئاسة في الانتخابات المبكرة إثر مقتل الرئيس المتشدّد إبراهيم رئيسي في حادث تحطم طائرة خلال مايو (أيار) الماضي.

هذا، ورغم اعتباره نائباً إصلاحياً عبر 5 دورات برلمانية، نأى بزشكيان بنفسه عن المواجهات الحادة بين الإصلاحيين والسلطة، وخصوصاً بعد الصدام الكبير في أعقاب إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد في 2009، ورفض المرشحين الإصلاحيين مير حسين موسوي ومهدي كروبي الاعتراف بنتائج الانتخابات. وباستثناء حالات نادرة، فإن مواقفه لم تتعارض كثيراً مع النواب المعروفين بولائهم الشديد للمرشد الإيراني علي خامنئي، ومن ثم تحوّل تدريجياً إلى أحد النواب الأكثر نفوذاً في البرلمان.

الاتفاق النووي

تزامن إعادة انتخاب بزشكيان في البرلمان العاشر، مع حكومة حسن روحاني والتوصّل للاتفاق النووي. ويومذاك حصد الإصلاحيون غالبية المقاعد في العاصمة طهران وشكّلوا كتلة باسم «الأمل»، وحصل بزشكيان على الأصوات المطلوبة لتولي منصب نائب الرئيس الأول، لمدة 3 سنوات متتالية. وكان رئيس كتلة، نائبه الأول حالياً، محمد رضا عارف.

إجمالاً، دعم الرجل الاتفاق النووي قبل وبعد توقيعه في 2015، وأيضاً بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق، وعدّه السبيل الضروري لحل مشاكل إيران الاقتصادية والسياسية الناتجة عن العقوبات والعزلة الدولية، وآمن بأن الاتفاق «فرصة تاريخية» للعودة إلى الاقتصاد الدولي. كذلك أيّد بقوة قبول إيران قواعد «قوة مهمات العمل المالي» (فاتف)، المعنية بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وحينها، اقترح أن يقصر «الحرس الثوري» أنشطته المالية مع بنوك تابعة له للالتفاف على قوانين «فاتف»، منتقداً تدخل «الحرس» في بعض المجالات الاقتصادية. وفي المقابل، أشاد أكثر من مرة بدور الجهاز العسكري في الأمن الإيراني، ورأى أن البلاد لا يمكن أن تستمر من دون «الحرس الثوري»، ودعا إلى التركيز على هذا الدور، وارتدى الزي الرسمي لـ«الحرس الثوري» كغيره من النواب بعدما صنّفت الولايات المتحدة «الحرس» منظمة إرهابية. وبخلاف بعض النواب الإصلاحيين، كان بزشكيان من المؤيدين للتعاون العسكري الإيراني - الروسي في سوريا.

مع الإصغاء للناسإبان الاحتجاجات التي هزّت إيران أعوام 2017، و2019، و2021، كان بزشكيان جريئاً في طرح المشاكل، منتقداً تجاهل مطالب الشعب، خصوصاً حل الأزمة المعيشية. وأكد على ضرورة الاستماع إلى صوت الناس والاستجابة لاحتياجاتهم. ورأى أن قمع الاحتجاجات وحده ليس الحل، بل يجب معالجة الأسباب الجذرية للاستياء العام، بما في ذلك القضايا الاقتصادية والبطالة والتمييز. وأشار مراراً إلى أن الفساد الإداري على مختلف المستويات قد فاقم الأزمات.

وبشكل عام، يؤمن بزشكيان بالحوار الوطني والإصلاحات التدريجية من خلال الآليات القانونية والسياسية، ومع التأكيد على احترام الحقوق المدنية، فإنه يسعى إلى إيجاد حلول سلمية للأزمات الداخلية. وحقاً، انتقد عدة مرات غياب لغة الحوار في الداخل الإيراني، لكنه نأى بنفسه عن الدعوات الإصلاحية لإجراء استفتاء لحل القضايا العالقة، ولا سيما السياسة الخارجية، ومنها تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة.

رئاسته وتحدياته

مواقف وقاموس بزشكيان النائب لا تختلف اليوم عن تطلعات بزشكيان الرئيس بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية، مع استبعاد أن يؤدي انتخابه إلى تغيير في موازين القوى بإيران. ويُذكر أن انتخابه أتى بعد 3 سنوات من رفض طلبه الترشّح للانتخابات الرئاسية في 2021، «لعدم أهليته السياسية» حسب «مجلس صيانة الدستور» حينذاك.

هذا، وكان قد ترشح لأول مرة لانتخابات الرئاسة عام 2013، لكنه انسحب لصالح حسن روحاني. ولكن في المرة الأخيرة، حصل على موافقة «مجلس صيانة الدستور»، في خطوة مفاجئة. وأدى القسم الدستورية يوم 27 مايو بعد أسبوع من مقتل رئيسي. وبعد 63 يوماً، وقف أمام البرلمان (30 يوليو - تموز) لأداء القسم رئيساً للجمهورية.

التوازن بين الولاء والإصلاح

حاول بزشكيان سواء في الانتخابات الرئاسية أو بعد تشكيل الحكومة، تقديم نفسه على أنه يؤمن بالحوار الداخلي، ويدافع عن حقوق المرأة، وعبّر عن انتقاد واضح للتدخلات الحكومية في الحياة الشخصية، والسياسات القمعية، مع التركيز على العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان. وتعهّد أيضاً بإخراج إيران من العزلة الدولية، ورفع العقوبات عبر حلّ الأزمة النووية مع الغرب، كما تعهد بإصلاحات هيكلية في الاقتصاد، وإعادة انخراط شبكة البنوك الإيرانية بالأسواق المالية العالمية، عبر قبول قواعد «فاتف». وأظهرت مواقفه أنه يتبنى نهجاً متوازناً يعتمد على الدبلوماسية لتحقيق التنمية الاقتصادية ورفع العقوبات. وفي المقابل، دأب على انتقاد السياسات القائمة على الشعارات التي لا تقدم حلولاً عملية.

لكن بزشكيان واجه انتقادات بأنه لم يقدم حتى الآن أي برنامج أو حلول للقضايا التي أثارها في الانتخابات الرئاسية. ورداً على الانتقادات، تعهد بتعزيز موقع الخبراء في فريقه التنفيذي، وأن يكون أداء حكومته متماشياً مع رؤية خطة التنمية السابعة، وهو برنامج لـ5 سنوات يغطي المجالات كافة، أقرّه البرلمان العام الماضي.

من جهة ثانية، خلال حملته الانتخابية وبعد انتخابه، حرص بزشكيان على إظهار تواضع كبير، سواء في مظهره أو خطابه المعتدل. وحاول تعزيز صورته رئيساً من خلال تبنيه للبساطة والابتعاد عن المغالاة في وعوده، ما يجعل أسلوبه مختلفاً عن كثير من السياسيين الإيرانيين الذين يفضلون التوجهات النخبوية أو الثورية.

أيضاً، اتخذ بزشكيان من «الوفاق الوطني» شعاراً لحكومته، وحذّر من خلافات داخلية تعرقل التآزر الوطني، حتى بعد انتخابه واصل التحذير من عواقب الخلافات على الاستقرار الداخلي، إذ يرى أن الصراعات الداخلية ستقود البلاد إلى مزيد من الفقر والمعاناة تحت العقوبات.

في أي حال، يواجه بزشكيان تحديات داخلية كبيرة، لأن المعسكر الإصلاحي المهمش يسعى لاستعادة تأثيره في الحياة السياسية، رغم خيبة الأمل الشعبية من الإصلاحيين بعد فترات حكمهم السابقة. وهو حتى الآن يدفع باتجاه التوازن بين الولاء الشديد للمرشد علي خامنئي ودعواته للتغيير والإصلاح. وبينما يظهر تمسكاً شديداً بمسار المؤسسة الحاكمة، ويؤكد أهمية المرشد ودوره، يزعم تبني أجندة إصلاحية تهدف إلى معالجة الفجوة بين الشعب والحكام، ما يعكس رغبته في التغيير ضمن إطار النظام الحالي، لا عبر مواجهته المباشرة.

هذه الازدواجية من رئيس يدرك حدود صلاحيات الرئاسة، تحت حكم المرشد، تعكس استراتيجيته للبقاء في المشهد السياسي الإيراني. ومن ثم إحداث تغييرات تدريجية، من دون التعرض للمصالح الاستراتيجية الأساسية التي تسيطر عليها السلطة العليا في إيران.