الأمير عبد العزيز بن سلمان... الدبلوماسي النفطي

الوزير السعودي السادس في تسلسل مَن تولوا مسؤولية القطاع

الأمير عبد العزيز بن سلمان... الدبلوماسي النفطي
TT

الأمير عبد العزيز بن سلمان... الدبلوماسي النفطي

الأمير عبد العزيز بن سلمان... الدبلوماسي النفطي

عرفت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) خلال سنواتها التسع والخمسين، كثيراً من الوزراء والشخصيات النفطية التكنوقراطية ذات المؤهلات العالية والإلمام الفني العالي بالسوق. ولكن خلال تاريخ «أوبك» لم يبرز سوى قليل جداً من الأشخاص الذين عرف عنهم لعب دور دبلوماسي عالٍ تخلط فيه الأوراق السياسية مع النظرة الفنية.
ولعل الأمير عبد العزيز بن سلمان، الذي عيّن هذا الشهر وزيراً للطاقة، من أبرز الدبلوماسيين النفطيين في تاريخ «أوبك». وبتعيينه، أصبح الأمير عبد العزيز الوزير السادس في تاريخ السعودية الذي يتسلم ملف النفط بعد كل من عبد الله الطريقي وأحمد زكي يماني وهشام ناظر وعلي النعيمي وخالد الفالح.

الأمير عبد العزيز بن سلمان هو رابع أبناء الملك سلمان بن عبد العزيز بعد الأمراء فهد وسلطان وأحمد. ومنذ الثمانينات وهو يعتبر الرجل الثاني في الوزارة بعد الوزير، كما أنه عضو ثابت في وفد المملكة العربية السعودية إلى «أوبك» منذ دخوله إلى الوزارة. ومع أنه يفضل أن ينظر له الجميع موظفاً حكومياً يعمل في وزارة الطاقة، فإن قدر الأمير عبد العزيز أجبره أن يملأ الفراغ الدبلوماسي الكبير في تاريخ «أوبك» حين استطاع أن يوفق بين القبعات المختلفة التي يرتديها منذ يومه الأول. فهو يعرف كيف يرتدي قبعة ابن الأسرة الحاكمة في المملكة، وكيف يعتمر قبعة المسؤول النفطي من دون أن يؤثر ذلك على قدرته التفاوضية.
في مواقف كثيرة كان «حلقة الوصل» بين العالم النفطي والسلطات العليا في المملكة، وفي مواقف أخرى كان «حلقة الوصل» بين الدول المختلفة في «أوبك». ويقول عنه أمين عام «أوبك» الحالي محمد باركيندو إنه «يعرف كيف يستخدم قوته ونفوذه، فهو مولود ولديه نفوذ وليس جديداً عليه هذا الأمر».
وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، وصف عبد الصمد العوضي، أحد أقدم الشخصيات في «أوبك» إذ كان ممثلاً للكويت في المنظمة بين عام 1980 و2001، الدور الذي كان يلعبه الأمير عبد العزيز في «أوبك»، قائلاً: «يبدأ دور الأمير حيث ينتهي دور الوزير». وتابع: «كان الأمير دائماً يلعب دور الوسيط بين السعودية وباقي الدول لتقريب وجهات النظر، فالوزراء يتفقون حول السياسات الرئيسية، بينما التفاصيل تحتاج إلى نقاش مستمر وهنا كان يتدخل الأمير. أضف إلى ذلك أنه كان دائماً في الصفوف الأمامية ويحاول تقريب وجهات النظر مع الإعلام أيضاً».
وحقاً، بدا ذلك في كثير من المواقف؛ كان آخرها اجتماع «أوبك» الأخير هذا الصيف، حين تعنتت إيران بشكل شديد بقبول اتفاق «أوبك». لكن الأمير عبد العزيز ووزير الطاقة السابق خالد الفالح اجتمعا في غرفة مغلقة مع الوزير الإيراني ولم يخرجا قبل أن يتوصلا إلى اتفاق معه. وفي اجتماع العام الماضي، لم توافق ليبيا على الانضمام إلى قائمة الدول التي ستضع سقفاً على إنتاجها، ولعب الأمير دوراً كبيراً في إقناع ليبيا بهذا الأمر.
وبالتالي، بتقلد الأمير عبد العزيز منصب الوزير يتوقع أن تكون الدبلوماسية النفطية في «أوبك» عالية، وستعود «أوبك» إلى التنسيق بشكل أكبر داخلياً، ويعود التوازن إلى دور «أوبك»، بعدما كان التركيز قائماً على التحالف مع المنتجين المستقلين خلال السنوات الماضية مع الوزير خالد الفالح. ثم إنه، بفضل علاقاته الدبلوماسية الجيدة مع دول الخليج، فإن من المتوقع أن يلعب الأمير دوراً كبيراً في التنسيق بين السعودية والكويت لإعادة الإنتاج النفطي في المنطقة المقسومة.

دبلوماسية خلف الكواليس
الأمير عبد العزيز كان يعمل بدبلوماسية واضحة خلف الكواليس دائماً. ولكن كل من يعمل في «أوبك» يعرف الدور الذي كان يقدمه. وخلال اجتماع اللجنة الوزارية لمراقبة الإنتاج في أبوظبي الأسبوع الماضي، قال أمين عام «أوبك» باركيندو عن الأمير: «كان للأمير عبد العزيز دور محوري في توجيه المفاوضات الخاصة بتبني كثير من إعلانات (أوبك) البارزة، بصفته رئيساً للجنة التي صاغت الإعلان الرسمي في مؤتمر قمة (أوبك) الثانية التي عقدت بمدينة كاراكاس في فنزويلا يومي 27 و28 سبتمبر (أيلول) 2000».
وأردف: «لعب دوراً بارزاً بهذه الصفة، كما عمل أيضاً رئيساً للجنة التي صاغت إعلان الرياض في مؤتمر قمة (أوبك) الثالثة التي عقدت بالعاصمة السعودية الرياض يومي 17 و18 نوفمبر (تشرين الثاني) 2007. وعندما قررت (أوبك) تطوير استراتيجية طويلة الأجل وتطلب الأمر تشكيل لجنة لصياغة هذه الاستراتيجية، لجأنا إلى الشخص الذي يمكننا الاعتماد عليه دائماً، وهو الأمير عبد العزيز، الذي يعد الآن واحداً من الثلاثة ذوي أطول مدة من العمل موفدين في (أوبك)». وأشار أمين عام «أوبك» إلى ما حدث في حقبة الثمانينات من القرن العشرين عندما بدأ الحوار بين المنتجين والمستهلكين كما لو كان حلماً بعيد المنال، فكان الأمير عبد العزيز واحداً من رواد الحوار وأبطاله. فلا عجب إذن أن يقوم هذا القائد ذو الرؤية الحقيقية بالمساعدة في ولادة منتدى الطاقة الدولي.
وتابع باركيندو قائلاً إنه في عام 2015 عندما كانت أسواق النفط تغوص في أعماق واحدة من أسوأ فترات الركود في تاريخها، دعا الأمير عبد العزيز بحماس إلى العمل الجماعي بين «أوبك» وروسيا الاتحادية، «وتمخضت البذرة التي زرعها الأمير عن اتفاق الجزائر في 28 سبتمبر 2016، الذي شارك في صياغته؛ وتطور لاحقاً إلى اتفاق فيينا في 30 نوفمبر 2016 وإعلان التعاون التاريخي في 10 ديسمبر (كانون الأول) 2016؛ وبلغ ذروة تطوره وإيناعه الآن في ميثاق التعاون الذي صدقت عليه 24 دولة في 2 يوليو (تموز) 2019».

من هو الأمير عبد العزيز؟
بعيداً عن الدبلوماسية النفطية، من هو الأمير عبد العزيز؟ وكيف بدأت رحلته مع النفط؟
عام 1987م، تلقى الأمير عبد العزيز اتصالاً من الوزير هشام ناظر، الذي كان قد تولى الوزارة خلفاً للشيخ أحمد زكي يماني في أواخر عام 1986، وطلب منه الانضمام إليه في الوزارة. وقال الأمير عبد العزيز عن هذا الأمر: «لقد كنت سعيداً جداً عندما جاءني اتصال الوزير، إلا أنني كنت حينها في إجازة. إذ تزوجت وقتها وترددت كثيراً في أن أقطع الإجازة وألتحق بالوزير، لكنني وجدت كل تأييد من زوجتي فقررت قطع الإجازة والالتحاق بالوفد».
ولكن، قبل انضمامه إلى الوزارة كان الأمير في عالم آخر هو العالم الأكاديمي. إذ كان وقتها يعيش في المنطقة الشرقية، حيث كان يترأس إدارة الدراسات الاقتصادية والصناعية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران. ومنها حصل الأمير عبد العزيز على بكالوريوس الإدارة الصناعية في عام 1982 ثم على الماجستير في إدارة الأعمال عام 1985.
خلال الفترة التي أمضاها في المنطقة الشرقية، كان الأمير عبد العزيز نشيطاً اجتماعياً وكان على علاقة جيدة بالأسر الكبيرة في المنطقة. ويتذكر رجل الأعمال سعود عبد العزيز القصيبي كيف كان الأمير يأتي لزيارة والده في بعض الأحيان في تلك الفترة. ويقول القصيبي لـ«الشرق الأوسط» راوياً: «عندما كان الأمير عبد العزيز طالباً في الجامعة كنت أنا طالباً في المرحلة الثانوية. لم أكن ألتقي به كثيراً لكنني أذكر جيداً كيف كان منكبّاً على الدراسة في ذلك الوقت، وكانت الجامعة معروفة بشدتها الأكاديمية». ويقول القصيبي عن الأمير إنه متواضع جداً ويمتاز بذاكرة جيدة، مضيفاً: «ليس من باب المدح أو المجاملة ولكنه شخص يسحرك بتواضعه وطيبه وحسن استقباله، وبسبب أخلاقه العالية من الصعب أن تنساه». وحقاً، الأمير عبد العزيز شخصية اجتماعية ومتواضعة، بحسب كل من عاصروه، وكان ولا يزال يحب التواصل مع جميع الأفراد والعوائل في مجتمعه. ثم إنه لا يزال يحضر إلى جميع المناسبات المهمة لأصدقائه ومعارفه، ومعروف عنه أنه قلما يتأخر عن حضور أي مناسبة اجتماعية.
بدأ مشوار الأمير عبد العزيز في الوزارة منذ 1987 مستشاراً للوزير، وهو المنصب الذي شغله حتى عام 1995 عندما عيّن وكيل الوزارة لشؤون البترول. واستمر الأمير في منصب الوكيل حتى مايو (أيار) 2004 عندما صدر أمر ملكي بتعيينه مساعداً لوزير البترول على المرتبة الممتازة. وظل في المنصب حتى أصبح نائباً للوزير، ثم وزيراً للدولة لشؤون الطاقة. ومنذ أيامه الأولى حرص الأمير على استقطاب الكفاءات إلى الوزارة، ومن بينها العراقي فاضل جلبي الأمين العام المكلف السابق لـ«أوبك» بين 1983 و1988.
ويروي جلبي بنفسه هذه القصة في إحدى كتاباته، إذ يقول إن الأمير الذي تعين لتوه زاره في مكتبه عام 1988 «عندما انتهت فترتي أميناً عاماً مكلفاً، وطلب مني أن أعمل مستشاراً للوزارة. يومذاك شكرته على هذا العرض ورفضته، لكنني لم أفصح له عن الأسباب، إذ إنني كنت اتفقت مع الوزير السابق الشيخ يماني في مركزه الجديد للدراسات في لندن».
ويضيف جلبي: «وبعدها بوقت قصير تلقيت اتصالاً من الأمير عبد العزيز يدعوني إلى لقائه في فندق دورتشستر في لندن على عشاء فخم، وأعاد علي العرض إلا أنني رفضته مجدداً». ولم تنتهِ عملية الاستقطاب عند هذا الحد، إذ استقطب الأمير عبد العزيز بنفسه كثيراً من الأكاديميين إلى الوزارة، ومن بينهم الدكتور ماجد المنيف والدكتور إبراهيم المهنا والدكتور محمد سالم سرور الصبان. وهذا ليس مستغرباً على شخص جاء من خلفية أكاديمية.
ما كانت أيام الأمير الأولى في الوزارة سهلة، إذ إن العراق وإيران كانا لا يزالان يخوضان الحرب في عامي 1987 و1988. وما إن وضعت تلك الحرب أوزارها حتى بدأت حرب أخرى بعد احتلال العراق للكويت في عام 1990. ورغم صغر سنه حينذاك، وقلة خبرته في صناعة النفط، لعب الأمير عبد العزيز دوراً كبيراً خلف الكواليس خلال كل تلك الأحداث. فكان هو الذي تولّى التنسيق بين وزراء الكويت والإمارات العربية والمتحدة والعراق للقاء الذي عُقد في جدة من أجل المصالحة بين العراق والبلدين الخليجيين.
وأثناء الحرب على العراق، كان الأمير يقوم بدور مهم جداً في التنسيق بين الوزارة وقوات التحالف. ولعل أبرز الأدوار التي قام بها خلف الكواليس خلال حرب الخليج؛ إسهامه في طمأنة وكالة الطاقة الدولية بخصوص إبقاء الإمدادات مستقرة في السوق، إذ كانت الوكالة تعتزم إطلاق دفعة من المخزون الاستراتيجي إلى الأسواق لخفض الأسعار، بعدما ارتفعت مع الاجتياح العسكري للكويت، ولكنها تراجعت بعد تطمينات شخصية من الأمير.

شعبيته في «أوبك»
في «أوبك» يحظى الأمير عبد العزيز بشعبية بين الوفود وعشرات الصحافيين الذين يقابلونه باستمرار. ويحب الأمير إلقاء الطرائف على الصحافيين، مثل الطرفة التي ذكرها الأسبوع الماضي للصحافيين في أبوظبي، عندما قال لهم إنه لو كان يلتفت إلى كل تحليلات وكالة الطاقة الدولية عن مستقبل السوق لأصابه الاكتئاب، ولبدأ تناول «البروزاك»، وهو دواء مضاد للاكتئاب.
وبطبيعة الحال، يخيل إلى كثير من خارج الوزارة أن مشوار الأمير عبد العزيز العملي يجب أن يكون مفروشاً بالورود فقط لأنه ينتمي إلى الأسرة الحاكمة في المملكة. غير أن كل العاملين في الصناعة أو ممن عملوا معه أو حضروا المؤتمرات التي كان يلقي فيها خطبه، يدركون جيداً أنه شخص ذكي وعملي ومجتهد جداً... ويعمل بجد، حاله حال أي موظف في الوزارة.
وعن هذا الأمر، قال الأمير في إحدى المناسبات: «الناس في الخارج لا يدركون للأسف أن الأمراء عندما يدخلون إلى وزارة البترول يخلعون (البشوت) ويعملون كالجميع، حالهم حال باقي الموظفين. لو لم نكن نعمل جميعنا بجد لما كانت الصناعة النفطية السعودية رائدة الآن». وأضاف: «يتصور الكل أني صاحب حظوة لأني أمير، ولكن الحقيقة غير ذلك. الأمر الذي لا يعرفه كثيرون عني أني لم أكن أناقش عملي في الوزارة مع الملوك الراحلين. لقد كنت أحد أبناء الأسرة وحسب بالنسبة لهم».

مفاوضات ومنجزات
وحقق الأمير عبد العزيز كثيراً من الإنجازات خلال مشواره العملي مع وزارة البترول سابقاً (الطاقة حالياً). فعلى سبيل المثال، كان ضمن وفد المملكة التفاوضي لانضمامها إلى منظمة التجارة العالمية. وتولى أهم ملف في المفاوضات؛ وهو التفاوض حول دعم المملكة لغاز اللقيم الذي على أساسه تعتمد تنافسية قطاع البتروكيماويات السعودي. ورفضت المملكة حينذاك التنازل عن دعم غاز اللقيم وتمكنت أخيراً من دخول المنظمة من دون التنازل عن هذا المكتسب.
ولم تنتهِ علاقة الأمير عبد العزيز بمنظمة التجارة العالمية عند هذا الحد، بل تولى بعد ذلك ملف قضايا الإغراق المرفوعة ضد شركات البتروكيماويات السعودية في الهند وتركيا وغيرها. ومع أن هذا النوع من القضايا تختص به وزارة التجارة، فإن خبرة الأمير التفاوضية جعلت السلطات في البلاد تعهد إليه بهذا الملف، وتمكن من حل جميع القضايا هو والفريق التفاوضي العامل معه.
ولعل أحد أبرز إنجازات الأمير هو الحملة الوطنية لترشيد استهلاك الطاقة، التي تمكنت من تحريك المياه الراكدة لإنقاذ النفط السعودي الذي كان يُحرَق بكميات رهيبة سنوياً. هذه الحملة كرس لها الأمير جل وقته منذ عام 2013. وحقق خلالها مع اللجنة الوطنية التي تعمل على هذا الملف كثيراً من الإنجازات، مثل التخلص من مكيفات الهواء غير الاقتصادية، ووضع اشتراطات صارمة لاستيراد الأدوات الكهربائية، وتغيير مواصفات السيارات التي تستوردها المملكة لتكون اقتصادية أكثر في استهلاك الوقود.
أضِف إلى ما سبق، أن الأمير عبد العزيز بن سلمان عضو فعال في كل من مجلس المحافظين لمعهد أكسفورد لدراسات الطاقة في بريطانيا، ونادي أكسفورد لدراسات الطاقة، وكذلك الجمعية الدولية لاقتصاديات الطاقة في العاصمة الأميركية واشنطن. وأيضاً، الأمير عضو في المجلس الاستشاري لرئيس الجمعية الدولية لاقتصاديات الطاقة في واشنطن ويشغل منصب الرئيس الشرفي لجمعية الاقتصاد السعودية، كما أنه عضو عدد من الجمعيات العلمية، واللجان والمعاهد؛ منها جمعية الجيولوجيين السعودية، ومعهد البترول في لندن، والمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، والمعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن.


مقالات ذات صلة

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

حصاد الأسبوع من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع دوما بوكو

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا،

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية

«الشرق الأوسط» ( القاهرة)
حصاد الأسبوع الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر

كمال بن يونس (تونس)
حصاد الأسبوع جنود فرنسيون  في مالي (سلاح الجو الأميركي)

إضاءة على تراجع تأثير سياسة فرنسا الخارجية

بعد عقود من الحضور القوي للدبلوماسية الفرنسية في العالم، ورؤية استراتيجية وُصفت «بالتميز» و«الانفرادية»، بدأ الحديث عن تراجع في النفوذ

أنيسة مخالدي (باريس)

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
TT

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر والمؤامرات» و«المتآمرين» على أمن الدولة. كما كثف سعيّد لقاءاته بمسؤولي وزارتي الدفاع والداخلية وأعضاء مجلس الأمن القومي الذي يضم كذلك أكبر قيادات القوات المسلحة العسكرية والمدنية إلى جانب رئيسَي الحكومة والبرلمان ووزراء السيادة وكبار مستشاري القصر الرئاسي. وزاد الاهتمام بزيادة تفعيل دور القوات المسلحة و«تصدرها المشهد السياسي» بمناسبة مناقشة مشروع ميزانية الدولة للعام الجديد أمام البرلمان بعد تصريحات غير مسبوقة لوزير الدفاع الوطني السفير السابق خالد السهيلي عن «مخاطر» تهدد أمن البلاد الداخلي والخارجي.

تصريحات وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي تزامنت مع تصريحات أخرى صدرت عن وزير الداخلية خالد النوري وعن وزير الدولة للأمن القاضي سفيان بالصادق وعن الرئيس قيس سعيّد شخصياً. وهي كلها حذّرت من مخاطر الإرهاب والتهريب والمتفجرات والهجرة غير النظامية، ونبّهت إلى وجود «محاولات للنيل من سيادة تونس على كامل ترابها الوطني ومياهها الإقليمية» وعن «خلافات» لم تُحسم بعد و«غموض» نسبي في العلاقات مع بعض دول المنطقة.

وهنا نشير إلى أن اللافت في هذه التصريحات والمواقف كونها تأتي مع بدء الولاية الرئاسية الثانية للرئيس قيس سعيّد، ومع مصادقة البرلمان على مشروع الحكومة لموازنة عام 2025... وسط تحذيرات من خطر أن تشهد تونس خلال العام أزمات أمنية وسياسية واقتصادية اجتماعية خطيرة.

أكثر من هذا، يتساءل البعض عن مبرّر إثارة القضايا الخلافية مع ليبيا، والمخاطر الأمنية من قِبل كبار المسؤولين عن القوات المسلحة، في مرحلة تعذّر فيها مجدداً عقد «القمة المغاربية المصغرة التونسية - الليبية - الجزائرية»... التي سبق أن تأجلت مرات عدة منذ شهر يوليو (تموز) الماضي.

كلام السهيلي... وزيارة سعيّد للجزائركلام السهيلي، وزير الدفاع، جاء أمام البرلمان بعد نحو أسبوع من زيارة الرئيس قيس سعيّد إلى الجزائر، وحضوره هناك الاستعراض العسكري الضخم الذي نُظّم بمناسبة الذكرى السبعين لانفجار الثورة الجزائرية المسلحة. وما قاله الوزير التونسي أن «الوضع الأمني في البلاد يستدعي البقاء على درجة من اليقظة والحذر»، وقوله أيضاً إن «المجهودات العسكرية الأمنية متضافرة للتصدّي للتهديدات الإرهابية وتعقّب العناصر المشبوهة في المناطق المعزولة». إلى جانب إشارته إلى أن تونس «لن تتنازل عن أي شبر من أرضها» مذكراً - في هذا الإطار - بملف الخلافات الحدودية مع ليبيا.

من جهة ثانية، مع أن الوزير السهيلي ذكر أن الوضع الأمني بالبلاد خلال هذا العام يتسم بـ«الهدوء الحذر»، فإنه أفاد في المقابل بأنه جرى تنفيذ 990 عملية في «المناطق المشبوهة» - على حد تعبيره - شارك فيها أكثر من 19 ألفاً و500 عسكري. وأنجز هؤلاء خلال العمليات تفكيك 62 لغماً يدوي الصنع، وأوقفوا آلاف المهرّبين والمهاجرين غير النظاميين قرب الحدود مع ليبيا والجزائر، وحجزوا أكبر من 365 ألف قرص من المخدرات.

بالتوازي، كشف وزير الدفاع لأول مرة عن تسخير الدولة ألفي عسكري لتأمين مواقع إنتاج المحروقات بعد سنوات من الاضطرابات وتعطيل الإنتاج والتصدير في المحافظات الصحراوية المتاخمة لليبيا والجزائر.

مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه اوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

تفعيل دور «القوات المسلحة»

تصريحات الوزير السهيلي لقيت أصداء كبيرة، محلياً وخارجياً، في حين اعترض على جانب منها سياسيون وإعلاميون ليبيون بارزون.

بيد أن الأمر الأهم، وفق البشير الجويني، الخبير التونسي في العلاقات بين الدول المغاربية والدبلوماسي السابق لدى ليبيا، أنها تزامنت مع «تأجيل» انعقاد القمة المغاربية التونسية - الليبية - الجزائرية التي سبق الإعلان أنه تقرر تنظيمها في النصف الأول من الشهر الأول في ليبيا، وذلك في أعقاب تأخير موعدها غير مرة بسبب انشغال كل من الجزائر وتونس بالانتخابات الرئاسية، واستفحال الأزمات السياسية الأمنية والاقتصادية البنكية في ليبيا من جديد.

والحال، أن الجويني يربط بين هذه العوامل والخطوات الجديدة التي قام بها الرئيس سعيّد وفريقه في اتجاه «مزيد من تفعيل دور القوات المسلحة العسكرية والمدنية» وسلسلة اجتماعاته مع وزيري الداخلية والدفاع ومع وزير الدولة للأمن الوطني، فضلاً عن زياراته المتعاقبة لمقر وزارة الداخلية والإشراف على جلسات عمل مع كبار كوادرها ومع أعضاء «مجلس الأمن القومي» في قصر الرئاسة بقرطاج. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه إذ يسند الدستور إلى رئيس الدولة صفة «القائد العام للقوات المسلحة»، فإن الرئيس سعيّد حمّل مراراً المؤسستين العسكرية والأمنية مسؤولية «التصدي للخطر الداهم» ولمحاولات «التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي».

واعتبر سعيّد خلال زيارات عمل قام بها إلى مؤسسات عمومية موسومة بأنه «انتشر فيها الفساد» - بينها مؤسسات زراعية وخدماتية عملاقة - أن البلاد تواجه «متآمرين من الداخل والخارج» وأنها في مرحلة «كفاح جديد من أجل التحرر الوطني»، ومن ثم، أعلن إسناده إلى القوات المسلّحة مسؤولية تتبع المشتبه فيهم في قضايا «التآمر والفساد» والتحقيق معهم وإحالتهم على القضاء.

المسار نفسه اعتمده، في الواقع، عدد من الوزراء والمسؤولين الحكوميين التونسيين بينهم وزير الصحة والوزير المستشار السابق في قصر قرطاج الجنرال مصطفى الفرجاني، الذي أعلن بدوره عن إحالة مسؤولين متهمين بـ«شبهة الفساد» في قطاع الصحة على النيابة العمومية والوحدات الأمنية المركزية المكلّفة «الملفات السياسية والاقتصادية الخطيرة»، وبين هذه الملفات الإرهاب وسوء التصرّف المالي والإداري في أموال الدولة ومؤسساتها.

متغيرات في العلاقات مع ليبيا والجزائر وملفَي الإرهاب والهجرة

القمة المغاربية الأخيرة التي استضافتها الجزائر (لانا)

حملات غير مسبوقة

وفعلاً، كانت من أبرز نتائج «التفعيل الجديد» للدور الوطني للمؤسستين العسكرية والأمنية، وتصدّرهما المشهد السياسي الوطني التونسي، أن نظّمت النيابة العمومية وقوات الأمن والجيش حملات غير مسبوقة شملت «كبار الحيتان» في مجالات تهريب المخدرات والممنوعات، وتهريب عشرات آلاف المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء سنوياً نحو تونس، عبر الحدود الليبية والجزائرية تمهيداً لترحيلهم بحراً نحو أوروبا عبر إيطاليا.

وحسب المعلومات التي ساقها كل من وزيري الدفاع والداخلية، وأيضاً رئاسة الحرس الوطني، تمكنت القوات العسكرية والأمنية لأول مرة من أن تحجز مئات الكيلوغرامات من الكوكايين إلى جانب «كميات هائلة من الحشيش» والأقراص المخدرة.

وفي الحصيلة، أدّت تلك العمليات إلى إيقاف عدد من كبار المهرّبين ومن رؤوس تجار المخدرات «بقرار رئاسي»، بعدما أثبتت دراسات وتقارير عدة أن مئات الآلاف من أطفال المدارس، وشباب الجامعات، وأبناء الأحياء الشعبية، تورّطوا في «الإدمان» والجريمة المنظمة. وجاء هذا الإنجاز بعد عقود من «تتبّع صغار المهرّبين والمستهلكين للمخدرات وغضّ الطرف عن كبار المافيات»، على حد تعبير الخبير الأمني والإعلامي علي الزرمديني في تصريح لـ«الشرق الأوسط».

تحرّكات أمنية عسكرية دوليةعلى صعيد آخر، جاء تصدّر القوات المسلحة العسكرية والأمنية التونسية المشهدين السياسي متلازماً زمنياً مع ترفيع التنسيقين الأمني والعسكري مع عواصم وتكتلات عسكرية دولية، بينها حلف شمال الأطلسي (ناتو) وقيادة القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم). وما يُذكر هنا أنه في ظل عودة التوترات السياسية في ليبيا، وتفاقم الخلافات داخلها بين حلفاء روسيا وتركيا والعواصم الغربية، تزايدت الاهتمامات الأميركية والأوروبية والأطلسية بـ«ترفيع الشراكة الأمنية والعسكرية مع تونس».

أيضاً، ورغم الحملات الإعلامية الواسعة في تونس ضد الإدارة الأميركية وحلفائها منذ عملية «طوفان الأقصى»؛ بسبب انحيازها لإسرائيل ودعمها حكومة بنيامين نتنياهو، كثّفت واشنطن - عبر بعثاتها في المنطقة - دعمها التدريبات العسكرية والأمنية المشتركة مع قوات الجيش والأمن التونسية.

بل، لقد أعلن جوي هود، السفير الأميركي لدى تونس، عن برامج واسعة لترفيع دور «الشراكة» العسكرية والأمنية الأميركية - التونسية، وبخاصة في المحافظات التونسية الحدودية مع كل من ليبيا والجزائر، وأيضاً في ميناء بنزرت العسكري (شمال تونس) ومنطقة النفيضة (100 كلم جنوب شرقي العاصمة تونس).

وإضافة إلى ما سبق، أعلنت مصادر رسمية تونسية وأميركية عن مشاركة قوات تونسية ومغاربية أخيراً في مناورات عسكرية بحرية أميركية دولية نُظمت في سواحل تونس. وجاءت هذه المناورات بعد مشاركة الجيش التونسي، للعام الثالث على التوالي، في مناورات «الأسد الأفريقي» الدولية المتعددة الأطراف... التي نُظم جانب منها في تونس برعاية القوات الأميركية.

وحول هذا الأمر، أكد وزير الداخلية التونسي خالد النوري، قبل أيام في البرلمان، أن من بين أولويات وزارته عام 2025 «بناء أكاديمية الشرطة للعلوم الأمنية» في منطقة النفيضة من محافظة سوسة، وأخرى لحرس السواحل، وهذا فضلاً عن توسيع الكثير من الثكنات ومراكز الأمن والحرس الوطنيين وتهيئة مقر المدرسة الوطنية للحماية المدنية.

أبعاد التنسيقين الأمني والعسكري مع واشنطنوحقاً، أكد تصريح الوزير النوري ما سبق أن أعلن عنه السفير الأميركي هود عن «وجود فرصة لتصبح تونس ومؤسّساتها الأمنية والعسكرية نقطة تصدير للأمن وللتجارب الأمنية في أفريقيا وفي كامل المنطقة».

وفي هذا الكلام إشارة واضحة إلى أن بعض مؤسسات التدريب التي يدعمها «البنتاغون» (وزارة الدفاع الأميركية)، وحلفاء واشنطن في «ناتو»، معنية في وقت واحد بأن تكون تونس طرفاً في «شراكة أمنية عسكرية أكثر تطوراً» مع ليبيا وبلدان الساحل والصحراء الأفريقية والبلدان العربية.

وزير الداخلية خالد النوري نوّه أيضاً بكون جهود تطوير القدرات الأمنية لتونس «تتزامن مع بدء العهدتين الثانيتين للرئيس قيس سعيّد وأخيه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون».

وفي السياق ذاته، نوّه عزوز باعلال، سفير الجزائر لدى تونس، بالشراكة الاقتصادية والأمنية والسياسية بين تونس والجزائر، وبنتائج زيارة الرئيس سعيّد الأخيرة للجزائر، وكذلك بجلسات العمل واللقاءات السبعة التي عقدها وزيرا خارجيتي البلدين محمد علي النفطي وأحمد عطّاف خلال الأسابيع القليلة الماضية في الجزائر وفي عواصم أخرى عدة.

حقائق

قضايا الحدود التونسية... شرقاً وغرباً

اقترن بدء الولاية الرئاسية الثانية التونسي للرئيس قيس سعيّد بتحرّكات قام بها مسؤولون كبار في الدولة إلى مؤسسات الأمن والجيش في المحافظات الحدودية، وبالأخص من جهة ليبيا، ضمن جهود مكافحة الإرهاب والتهريب والمخدرات.ومعلوم أنه زاد الاهتمام بالأبعاد الأمنية في علاقات تونس بجارتيها ليبيا والجزائر بعد إثارة وزير الدفاع خالد السهيلي أمام البرلمان ملف «رسم الحدود» الشرقية لتونس من قِبل «لجنة مشتركة» تونسية - ليبية. وكما سبق، كان الوزير السهيلي قد تطرّق إلى استغلال الأراضي الواقعة بين الحاجز الحدودي بين ليبيا وتونس، قائلاً إن «تونس لم ولن تسمح بالتفريط في أي شبر من الوطن». وفي حين رحّبت أطراف ليبية ومغاربية بهذا الإعلان، انتقده عدد من المسؤولين والخبراء الليبيين بقوة واعتبروا أن «ملف الخلافات الحدودية أغلق منذ مدة طويلة».ولكن، حسب تأكيدات مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، فإن السلطات الليبية أعلنت عن تغيير موقع العلامة الحدودية الفاصلة بين ليبيا وتونس «جزئياً» في منطقة سانية الأحيمر، التي تتبع ليبيا. إذ أورد بيان مديرية أمن السهل الغربي في يوليو (تموز) 2022، أنها رصدت ضم سانية الأحيمر إلى الأراضي التونسية، من خلال وضع العلامة الدالة على الحدود بذلك المكان (شرق السانية) بمسافة تقدر بنحو 150 متراً شرقاً ونحو 6 كيلو جنوباً.‏ما يستحق الإشارة هنا أن اللجنة الخاصة بترسيم الحدود الليبية مع تونس، والمكلفة من قِبل وزارة الدفاع في حكومة طرابلس، كشفت عن وجود عملية «تحوير» للعلامة. لكن مصادر دبلوماسية من الجانبين أكدت أن هذه القضية، وغيرها من «الخلافات والمستجدات»، جارٍ بحثها على مستوى اللجنة المشتركة ومن قِبل المسؤولين السياسيين والديبلوماسيين «بهدوء».في أي حال، أعادت إثارة هذه القضية إلى الواجهة تصريحاً سابقاً قال فيه الرئيس سعيّد بشأن الحدود مع ليبيا: «إن تونس لم تحصل إلا على الفتات» بعد خلافها الحدودي البحري مع ليبيا في فترة سبعينات القرن الماضي.والحقيقة، أنه سبق أن شهدت علاقات تونس وليبيا في أوقات سابقة توترات محورها الحدود والمناطق الترابية المشتركة بينهما؛ وذلك بسبب خلافات حدودية برّية وبحرية تعود إلى مرحلة الاحتلالين الفرنسي لتونس والإيطالي لليبيا، ثم إلى «التغييرات» التي أدخلتها السلطات الفرنسية على حدود مستعمراتها في شمال أفريقيا خلال خمسينات القرن الماضي عشية توقيع اتفاقيات الاستقلال. وهكذا، بقيت بعض المناطق الصحراوية الحدودية بين تونس وكل من ليبيا والجزائر «مثار جدل» بسبب قلة وضوح الترسيم وتزايد الأهمية الاستراتيجية للمناطق الحدودية بعد اكتشاف حقول النفط والغاز.وعلى الرغم من توقيع سلطات تونس وليبيا والجزائر اتفاقيات عدة لضبط الحدود والتعاون الأمني، تضاعف الاضطرابات الأمنية والسياسية في المنطقة منذ عام 2011 بسبب اندلاع حروب جديدة «بالوكالة» داخل ليبيا ودول الساحل والصحراء، بعضها بين جيوش و«ميليشيات» تابعة لواشنطن وموسكو وباريس وأنقرة على مواقع جيو - استراتيجية شرقاً غرباً.مع هذا، وفي كل الأحوال، تشهد علاقات تونس وكل من ليبيا والجزائر مستجدات سريعة على المجالين الأمني والعسكري. وربما تتعقد الأوضاع أكثر في المناطق الحدودية بعدما أصبحت التوترات والخلافات تشمل ملفات أمنية دولية تتداخل فيها مصالح أطراف محلية وعالمية ذات «أجندات» مختلفة وحساباتها للسنوات الخمس المقبلة من الولاية الثانية للرئيسين سعيّد وعبد المجيد تبّون.