العنصرية تنتشر خارج مدرجات كرة القدم وحان الوقت للقضاء عليها للأبد

في البداية، يجب التأكيد على أن النجم البلجيكي روميلو لوكاكو هو ماكينة أهداف لا تتوقف؛ حيث أحرز 113 هدفا في 252 مباراة لعبها في الدوري الإنجليزي الممتاز، كما يعد الهداف التاريخي لمنتخب بلجيكا عبر كل العصور. وخلال الشهر الماضي، انتقل لوكاكو إلى إنتر ميلان الإيطالي قادما من مانشستر يونايتد مقابل 74 مليون جنيه إسترليني. وفي 26 أغسطس (آب)، نجح لوكاكو في هز الشباك في أول مباراة يخوضها بقميص إنتر ميلان في الدوري الإيطالي الممتاز. وبالنسبة للكثير من مشجعي كرة القدم في جميع أنحاء أوروبا، يعد لوكاكو نموذجاً يحتذى به.
لكن هناك شيء يتعلق بلون بشرة لوكاكو. وفي كثير من النواحي، يعد لوكاكو أسطورة، لكنه «أسطورة من أصحاب البشرة السمراء»، وبالنسبة لأقلية من الجمهور ومسؤولي الأندية - وحتى بعض اللاعبين - فإن لون البشرة يحجب كل شيء آخر. وسواء كان ذلك بسبب التعصب أو الجهل، فإن أصل لوكاكو - وهو من أصل كونغولي - يشكل ويشوه تصورهم لرجل ورياضي استثنائي.
ولا تعد العنصرية في كرة القدم، كما هو الحال في مجالات الحياة الأخرى، بالأمر الجديد، لكن الشيء الذي بدأ في التغير هو القبول السياسي والاجتماعي، في بعض الأوساط، للتمييز على أساس العرق والجنس والعقيدة. وفي جميع أنحاء أوروبا فإن صعود الزعماء السياسيين اليمينيين المتطرفين، والأجندات القومية والشعبوية المتطرفة، والروايات المثيرة للانقسام، وكره الأجانب والمهاجرين، كل ذلك أدى إلى تسهيل وتشجيع الإساءات العنصرية التي يعاني منها لوكاكو وغيره من اللاعبين من أصحاب البشرة السمراء أو الآسيويين.
وقد أطلقت الجهات المسؤولة عن كرة القدم والأندية الكثير من المبادرات التي تهدف إلى مكافحة العنصرية في السنوات الأخيرة. وعملت جماعات الضغط، مثل منظمة «كرة القدم ضد العنصرية في أوروبا» ومنظمة «كيك إت أوت» المناهضة للعنصرية، على رفع الوعي بشأن العنصرية. لكن كرة القدم لا توجد في عالم منعزل، لكنها تعكس الاتجاهات السلبية الموجودة في المجتمع. وفي بعض النواحي، تعد كرة القدم مقياساً حقيقياً لما يحدث في عصرنا. وبالتالي، فإنها تعد مؤشرا واضحا على حجم المشكلة، التي نواجهها والتي تزداد سوءا بمرور الوقت.
وبعد تعرض لوكاكو لهتافات عنصرية وقيام الجمهور بتقليد أصوات القرود خلال مباراة إنتر ميلان أمام كالياري في سردينيا مؤخرا، كتب النجم البلجيكي تغريدة على حسابه الخاص على موقع «تويتر» قال فيها: «إننا نتحدث في هذا الأمر منذ سنوات لكننا لم نتحرك بعد. أيها السيدات والسادة إننا في عام 2019، وبدلاً من المضي قدماً، فإننا نسير للخلف».
ولعل الأمر الذي يزيد من مشاعر الإحباط هو رد الفعل على ما تعرض له لوكاكو. فعلى الرغم من أن كالياري نفسه له تاريخ سابق مع الحوادث العنصرية، فإن المسؤول عن لجنة الانضباط في الدوري الإيطالي الممتاز قال إنه يحتاج إلى مزيد من الأدلة لتحديد ما إذا كان ينبغي فرض عقوبة أم لا! وأصدر النادي بيانا وصف فيه العنصرية ضد لوكاكو بأنها غير مقبولة، لكن النادي كان أكثر حرصا على التأكيد على ما سماه «الاتهامات المشينة والقوالب النمطية السخيفة الموجهة إلى جمهور نادي كالياري والشعب في سيردينيا».
والأسوأ من ذلك أن رابطة الأولتراس بنادي إنتر ميلان قد دافعت عن جمهور كالياري، مشيرة إلى أنه كان يحاول فقط أن يخرج لوكاكو عن تركيزه في المباراة. وقال موقع الأولتراس على «فيسبوك»: «نأسف حقاً لأنكم تعتقدون أن ما حدث في كالياري كان عنصرياً. يتعين عليكم أن تفهموا أن إيطاليا ليست مثل الكثير من بلدان شمال أوروبا الأخرى التي تعد فيها العنصرية مشكلة حقيقية».
وإذا نحينا هذه الأعذار الوهمية جانباً، فمن المؤكد أن هذا المرض (العنصرية) قد بدأ ينتشر في جميع أنحاء أوروبا - لكن يبدو أن إيطاليا مريضة بشكل خاص! فعندما تعرض مهاجم يوفنتوس السابق مويس كين لهتافات عنصرية في أبريل (نيسان) الماضي، اتهمه أحد زملائه في الفريق ومديره الفني بأنه هو من أثار الجمهور! ويمكن تشبيه هذا الأمر في الحياة العامة بأن تقول إن ضحية الاغتصاب هي من طلبت ذلك من مغتصبها! وقد حذرت منظمة كرة القدم ضد العنصرية في أوروبا من أنه قد يتعين اتخاذ «إجراءات خاصة» تجاه كرة القدم الإيطالية. وفي ظل هذا الضغط، أعلن الدوري الإيطالي الممتاز عن مبادرة أخرى لمواجهة العنصرية.
وفي إنجلترا، تعرض نجم مانشستر يونايتد ماركوس راشفورد مؤخراً لهجوم عنصري على مواقع التواصل الاجتماعي، كما يعد لاعب مانشستر سيتي رحيم سترلينغ، الذي تحدث عن العنصرية العام الماضي، هدفا متكررا للهجمات العنصرية، وكلاهما من أصحاب البشرة السمراء. وخلال الشهر الماضي، تم إيقاف مباراة في الدوري الفرنسي الممتاز بين نيس ومرسيليا بعد أن رفع المشجعون لافتات مناهضة لـ«المثلية الجنسية» - وهو تذكير بأن التمييز له الكثير من الوجوه.
وقد كشفت دراسة أجرتها مجلة «أوبزرفر» العام الماضي أن العنصرية في كرة القدم في تنام مستمر في جميع أنحاء أوروبا، ويأتي ذلك بالتزامن مع ارتفاع أعداد الحوادث المعادية للمهاجرين، وهو ما يعطي صورة شاملة عن زيادة التعصب بصفة عامة. وقد تنامت هذه العنصرية من مباريات الأندية إلى المسابقات الدولية بين المنتخبات أيضا، ففي أبريل (نيسان) الماضي تم تغريم مونتينيغرو والمجر بسبب السلوك العنصري لجمهورهما خلال مباراتيهما أمام إنجلترا وسلوفاكيا على التوالي.
وقال فينسنت كومباني، القائد السابق لنادي مانشستر سيتي وزميل لوكاكو في منتخب بلجيكا، إن أزمة العنصرية المتصاعدة في مجال كرة القدم ترجع إلى أن الاتحادات الوطنية والهيئات الدولية مثل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم والاتحاد الدولي لكرة القدم تفتقر إلى التنوع بين كبار المسؤولين في هذه الجهات. وأضاف: «إذا لم يكن هناك تنوع في مراكز السلطة مثل مجالس الإدارة، فلن يكون من الممكن اتخاذ القرارات الصحيحة فيما يتعلق بالعقوبات». وتابع: «تكمن العنصرية الحقيقية في حقيقة أن كل هذه المؤسسات ليس لديها ممثلون يمكنهم بالفعل فهم ما يعانيه روميلو لوكاكو بسبب هذه الهتافات».
ولعل الجانب الأكثر إثارة للدهشة فيما يتعلق بمشكلة التعصب في أوروبا يتمثل في بُعد معظم السياسيين عن هذه المشكلة وعدم العمل على إيجاد حلول لها. وفي نهائيات كأس العالم وغيرها من البطولات الكبرى، يصطف السياسيون للحصول على صور تذكارية مع الفرق الفائزة وأبرز النجوم. وفي فرنسا، يتم تقديم تشكيلة المنتخب الفرنسي متعددة الأعراق على أنها انعكاس لمجتمع ناجح ومتكامل.
لكن هذا ادعاء مثير للجدل. ومع ذلك، فإن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يحاول، على الأقل، إيجاد حلول لهذه المشكلة؛ حيث دعا في يوليو (تموز) الماضي إلى إنهاء «ثقافة الكراهية»، وأكد على ضرورة إيقاف المباريات عند حدوث هتافات عنصرية. وقال: «لا يمكننا أن نتسامح مع رهاب العنصرية بحجة أننا في ملعب لكرة القدم». وأشار إلى أن التمييز في الأجر ضد لاعبات كرة القدم يجب أن يتوقف.
ومع ذلك، فإن السياسيين لا يتحدثون عن الإجراءات الصحيحة التي يجب اتباعها في الرياضة إلا عندما تقتضي الحاجة ذلك، لكنهم لا يفعلون إلا القليل على أرض الواقع. والأسوأ من ذلك يتمثل في أن الزعماء الشعبويين اليمينيين في إيطاليا وألمانيا وأوروبا الشرقية وروسيا يحتفلون بالتعصب! وفي المرة القادمة التي يتعرض فيها لاعب من أصحاب البشرة السمراء للعنصرية، يجب على الإيطاليين على وجه التحديد أن يبحثوا عن العلاقة بين ذلك وبين تصريحات السياسي المناهض للمهاجرين والأجانب ماتيو سالفيني وغيره ممن يفكرون بنفس الطريقة!