السليمانية تحتضن معرض صور فوتوغرافية بعدسة المصور لالو

تعكس بمجملها مقاطع من حياة المدينة وأهلها في أزمنة متفاوتة

معرض للصور الفوتوغرافية في قاعة «إيستا – الآن» بقصر الفنون في السليمانية (الشرق الأوسط)
معرض للصور الفوتوغرافية في قاعة «إيستا – الآن» بقصر الفنون في السليمانية (الشرق الأوسط)
TT

السليمانية تحتضن معرض صور فوتوغرافية بعدسة المصور لالو

معرض للصور الفوتوغرافية في قاعة «إيستا – الآن» بقصر الفنون في السليمانية (الشرق الأوسط)
معرض للصور الفوتوغرافية في قاعة «إيستا – الآن» بقصر الفنون في السليمانية (الشرق الأوسط)

لا يصح الحديث عن الفنون الكردية بمختلف ألوانها من دون الحديث عن مدينة السليمانية، المكناة بعاصمة الفنون والثقافة الكردية؛ فهي النابضة يومياً بكل ما هو جديد ورائع وفريد في عالم الفن الكردي، من معارض ومسارح، وسينما وموسيقى وأوبرا، كما وترفل مكتباتها دوماً بجديد من تخطه أقلام الكتاب والأدباء الكرد، في شتى المجالات.
فالسليمانية الساحرة بجمال طبيعتها الخلابة، تحتضن منذ يوم الاثنين الماضي وطوال الشهر الحالي، معرضاً فنياً هو الأول من نوعه، على قاعة «إيستا – الآن» في قصر الفنون، يضمّ 53 صورة فوتوغرافية، بأحجام متوسطة وكبيرة التقطتها عدسة المصور المحترف «هلو لالو» في مراحل زمنية متباينة، تعكس بمجملها مقاطع من حياة المدينة وأهلها في أزمنة متفاوتة.
المعرض الذي يقام تحت عنوان «الإنسان والبناء» افتتحه معاً محافظ السليمانية هفال أبو بكر، والمغني الكردي الشهير عدنان كريم، ولفيف من أساتذة الجامعات والوجوه الثقافية والفنية البارزة في المدينة، استقطب منذ اليوم الأول، جمهوراً واسعاً على غير المعتاد؛ لما تتميز به لوحاته من جمالية وزوايا معبرة، ومشاهد تعكس عمق الإحساس والأفق الفني الواسع، لدى الفنان لالو، الذي أجاد بعدسته، الربط بين عبق الماضي وروعة الحاضر، حسب الكثيرين من زوار المعرض.
ويقول دارو رسول، أستاذ الرسم في كلية الفنون الجميلة في جامعة السليمانية، إن الغاية من عنوان المعرض هي إيصال رسالة توضح لزوار المعرض والمجتمع برمته عمق العلاقة بين الفن والإنسان، وقدرته على بناء مجتمعه على مختلف الصعد.
ويضيف رسول، المشرف على المعرض، لـ«الشرق الأوسط»: اقتبسنا مصطلح البناء من فحوى اللوحات والجداريات المعروضة، التي رصد خلالها المصور المبدع لالو مراحل التطور العمراني الحاصل في السليمانية، وحقب ازدهار الحياة المدنية لسكانها ومتطلباتها، ما يمنح المشاهد تصوراً واضحاً، عن صيرورة الحياة في هذه المدينة المفعمة بالفن والثقافة والعشق ومعانقة التطور.
أما مصطلح الإنسان، فجاء مكملاً لمضامين الصور المعروضة، التي ركز فيها المصور عبر عدسته، على مشاهير المدينة وأعلامها وقاماتها في شتى الميادين، التي تعزّز بمجملها حقيقة أن التصوير الفوتوغرافي، غدا جزءاً مهماً من الفنون المعروفة، وأنه أداة مميزة في إحياء التراث الشعبي. وتابع رسول، وهو أحد مؤسّسي قصر الفنون في السليمانية، أن توسعاً وتطوراً كبيرين في مجالات المسرح والسينما والموسيقى وغيرها، سيشهدهما قريباً القصر الذي بناه لفيف من الفنانين، على أنقاض معمل مهجور، لتنقية التبوغ وإنتاج السجائر، على مساحة تفوق عشرة آلاف متر مربع.
وتتولّى منظمة «هيوا فاونديشن»، وهي مؤسسة مستقلة وغير ربحية، تمويل المعرض وغيره من الأنشطة والمشاريع الفنية والثقافية في السليمانية، حسب ما تقول شيرين صائب، مديرة برامج المنظمة، وتضيف، أن منظمتها التي أسسها قبل ستة أعوام، أحد رجال الأعمال تأخذ على عاتقها تمويل ودعم المشاريع الفنية والثقافية والفنية، للناشطين في تلك المجالات من مختلف الفئات العمرية؛ بغية خلق فضاء أوسع وتحقيق نتائج إيجابية، في المناطق التي شهدت أوضاعاً وظروفاً غير مستقرة على الصّعد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في إقليم كردستان.
وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: مؤسستنا تعتقد أن الاستثمار في المجالات الفنية والثقافية، سيحقق نتائج طيبة في حالات الأزمات وعدم الاستقرار، وترى بأن دعم المشاريع الفنية يمثل جزءاً مهماً وفاعلاً في عملية توعية وتنمية المجتمع.
من هنا، يأتي دعمها الأنشطة الفنية المقامة في قصر الفنون بالسليمانية؛ بغية تعريف الفنانين الكرد، خصوصاً الشباب والناشئين، بالأوساط العالمية والأخذ بأيديهم وتبني مشاريعهم ومد جسور التواصل بينهم وبين أقرانهم في العالم.



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.