«بوادر حسن نية» متبادلة بين الولايات المتحدة والصين

مباحثات جديدة الأسبوع المقبل... وخبراء: التهدئة لا تعني نهاية الحرب

من المقرر أن تعيد واشنطن وبكين محادثاتهما حول التجارة في أكتوبر المقبل (أ.ف.ب)
من المقرر أن تعيد واشنطن وبكين محادثاتهما حول التجارة في أكتوبر المقبل (أ.ف.ب)
TT

«بوادر حسن نية» متبادلة بين الولايات المتحدة والصين

من المقرر أن تعيد واشنطن وبكين محادثاتهما حول التجارة في أكتوبر المقبل (أ.ف.ب)
من المقرر أن تعيد واشنطن وبكين محادثاتهما حول التجارة في أكتوبر المقبل (أ.ف.ب)

رحبت الصين الخميس بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب تأجيل زيادة رسوم التعريفات الجمركية من 25 إلى 30 في المائة على صادرات صينية بقيمة 250 مليار دولار من أول أكتوبر (تشرين الأول) إلى منتصف الشهر نفسه، ووصفت القرار بـ«بادرة حسن نية». كما أعلنت أنها قد تستأنف شراء منتجات زراعية أميركية، تشمل فول الصويا، وأيضا لحم الخنزير. وكانت الصين علقت شراء هذه المنتجات من الولايات المتحدة في أغسطس (آب) الماضي.
وبينما أكد ليو هي، نائب رئيس الوزراء الصيني، أمس أن مفاوضي البلدين سيلتقيان الأسبوع المقبل لمناقشة أمور تتعلق بميزان التجارة وانفتاح الأسواق وحماية المستثمرين، قال وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين إن مفاوضي التجارة الأميركيين يرغبون في تحقيق «تقدم مفيد» في المحادثات المقبلة مع الصين.
وصرح منوتشين لشبكة «سي إن بي سي» بأن واشنطن وبكين ستعقدان في البداية محادثات على مستوى وكلاء الوزراء لضمان إحراز المسؤولين الكبار - الذين سيلتقون لاحقا - تقدما نحو التوصل إلى حل، محذرا من أن الرئيس دونالد ترمب لن يقبل إلا باتفاق جيد، وأنه «مستعد للإبقاء على التعرفات الجمركية، ومستعد كذلك لزيادتها إذا اقتضت الضرورة ذلك».
وقال ترمب في تغريدة على «تويتر» مساء الأربعاء: «بناءً على طلب ليو هي، وبسبب الاحتفال بالذكرى السبعين لقيام جمهورية الصين الشعبية في الأول من أكتوبر، اتفقنا - كدليل على حسن النية - على تأجيل رفع الرسوم الجمركية (من 25 إلى 30 في المائة) على بضائع تعادل قيمتها 250 مليار دولار سنوياً، من الأول إلى 15 أكتوبر». كما أكد في تغريدة أخرى الخميس توقعه أن الصين ستشتري كميات من المنتجات الزراعية الأميركية.
وعلق المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية غاو فنغ أمس بأن الصين ترحب بالقرار الأميركي، وتأمل في أن يتحرك الجانبان في نفس الاتجاه للإعداد للجولة القادمة من المشاورات الاقتصادية والتجارية الصينية الأميركية رفيعة المستوى المقررة الشهر المقبل، ووصف فنغ القرار بأنه «بادرة حسن نية» من الولايات المتحدة. متابعا بأن الشركات الصينية بدأت في دراسة قرار شراء منتجات زراعية أميركية.
وكانت الصين الساعية إلى الحدّ من تأثير الحرب التجارية على اقتصادها، أعلنت في وقت سابق الأربعاء أنها قررت إلغاء الرسوم الجمركية الإضافية على 16 فئة من المنتجات المستوردة من الولايات المتحدة. ويخوض البلدان حرباً تجارية متصاعدة منذ 2018، قاما خلالها بتبادل رسوم جمركية مشددة على مئات مليارات الدولارات من المبادلات التجارية السنوية.
وقالت لجنة التعرفات الجمركية في الحكومة الصينية الأربعاء إنّ الإعفاءات المعلنة ستدخل حيّز التنفيذ في 17 سبتمبر (أيلول) ولمدة عام، وستشمل 16 فئة من المنتجات تتراوح من مبيدات الحشرات إلى الزيوت والشحوم، مروراً بمنتجات من ثمار البحر وأدوية.
وكانت تلك أول مرة تنشر فيها الصين مثل هذه القائمة منذ أن فرضت العام الماضي رسوماً جمركية بنسبة 25 في المائة على مجموعة من المنتجات المستوردة من الولايات المتحدة. وستبقى الرسوم المشددة مفروضة على منتجات أساسية مثل الصويا ولحوم الخنزير. غير أن الحكومة الصينية أوضحت الأربعاء أنه قد يتم إصدار قوائم أخرى من المنتجات المعفاة من التعرفات «في الوقت المناسب» وبعد درس المسألة. ورغم التوتر بين البلدين، تؤكد الصين والولايات المتحدة أن الحوار مستمر بينهما.. وسيلتقي مفاوضون من الطرفين في مطلع أكتوبر في واشنطن.
لكن خبراء ومحللين اقتصاديين استبعدوا أن يكون قرار الرئيس الأميركي بشأن إرجاء فرض تعريفات إضافية على واردات صينية لمدة أسبوعين، بداية النهاية للحرب التجارية المندلعة بين الجانبين، منذ انهيار مفاوضاتهما في يوليو (تموز) الماضي متسببة في أضرار لحركة التجارة ومعدلات النمو العالمية.
ونقلت شبكة «سي إن بي سي» الأميركية عن خبراء قولهم أمس: «يبدو أن الجانبين الأميركي والصيني يسعيان وراء تهدئة حرب التعريفات المتبادلة بهدف تحجيم التداعيات السلبية الناجمة عنها، محذرين في الوقت ذاته من مغبة الاعتقاد بأن هذه التهدئة قد تضع نهاية للحرب التجارية بين الاقتصادين الأكبر على مستوى العالم».
ويقول الخبير لدى مؤسسة «فيتش» الائتمانية جيمس ماكورماك: «التراجع في التصعيد بين الجانبين قد يكون موضع ترحيب من قبل المستثمرين، لكن يظل إبرام اتفاق تجاري حقيقي أمر بعيد المنال؛ لا سيما أن الأوضاع تتغير بين ليلة وضحاها.. بحيث أصبح من الصعب قراءة الدوافع الحقيقية وراء قرارات مسؤولي البلدين بالتصعيد تارة والتهدئة تارة أخرى». وأضاف: «فلا يمكننا اعتبار تنازل ترمب المؤقت خطوة في الطريق صوب حل الخلاف مع الصين؛ بل ربما يشهد سيناريو الحرب التجارية كتابة فصلين آخرين وربما أكثر».
وهو ما اتفقت معه الخبيرة في الشأن الصيني لدى مصرف «آي إن جي» الهولندي أريس بانغ، قائلة إن «إعلان الصين المفاجئ يوم الأربعاء أيضاً بشأن إعفاء منتجات أميركية من تعريفات إضافية لمدة عام، ليس بالضرورة يترجم على أنه تراجع من جانبها في التصعيد ضد واشنطن؛ بل ربما خطوة تستهدف دعم اقتصادها أكثر من كونها بادرة حسن نوايا تجاه واشنطن».
في السياق ذاته، رأى دانيل جيرارد، رئيس قسم الاستشارات الاستثمارية وإدارة المخاطر في منطقة آسيا والمحيط الهادي لدى بنك «ستيت ستريت إن»، أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين تظل غير خاضعة لأي توقعات أو تكهنات من وجهة النظر الاستثمارية، بحيث من الصعب بمكان على أي مستثمر المجازفة بضخ استثماراته في الأصول المحفوفة بالمخاطر مثل أسواق الأسهم، لا سيما أنها تتزامن مع ظروف عالمية معقدة مثل الأزمة المتعلقة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فيما يعرف بـ«البريكست».
وشهد النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين تطوراً خطيراً مع فرض كلتا الدولتين رسوما جمركية إضافية على واردات الأخرى، بدأ سريانها في الأول من سبتمبر الجاري مع فرض الولايات المتحدة دفعة جديدة من الرسوم الجمركية بنسبة 15 في المائة على واردات صينية بقيمة 300 مليار دولار، وجاء الرد الصيني في المقابل بفرض رسوم على بعض السلع الأميركية ضمن قائمة مستهدفة تبلغ قيمتها 75 مليار دولار.
وتسعى إدارة الرئيس ترمب منذ عامين للضغط على الصين كي تحدث تغييرات شاملة في سياساتها بشأن حماية الملكية الفكرية ونقل التكنولوجيا إلى الشركات الصينية.



بكين تتهم أوروبا بفرض «حواجز تجارية غير عادلة»

سيدة تتسوق في أحد المتاجر بمدينة ليانيونغانغ شرق الصين (أ.ف.ب)
سيدة تتسوق في أحد المتاجر بمدينة ليانيونغانغ شرق الصين (أ.ف.ب)
TT

بكين تتهم أوروبا بفرض «حواجز تجارية غير عادلة»

سيدة تتسوق في أحد المتاجر بمدينة ليانيونغانغ شرق الصين (أ.ف.ب)
سيدة تتسوق في أحد المتاجر بمدينة ليانيونغانغ شرق الصين (أ.ف.ب)

قالت الصين الخميس إن تحقيقاتها في ممارسات الاتحاد الأوروبي وجدت أن بروكسل فرضت «حواجز تجارية واستثمارية» غير عادلة على بكين، مما أضاف إلى التوترات التجارية طويلة الأمد.

وأعلنت بكين عن التحقيق في يوليو (تموز)، بعدما أطلق الاتحاد تحقيقات حول ما إذا كانت إعانات الحكومة الصينية تقوض المنافسة الأوروبية. ونفت بكين باستمرار أن تكون سياساتها الصناعية غير عادلة، وهددت باتخاذ إجراءات ضد الاتحاد الأوروبي لحماية الحقوق والمصالح القانونية للشركات الصينية.

وقالت وزارة التجارة، الخميس، إن تنفيذ الاتحاد الأوروبي للوائح الدعم الأجنبي (FSR) كان تمييزاً ضد الشركات الصينية، و«يشكل حواجز تجارية واستثمارية». ووفق الوزارة، فإن «التطبيق الانتقائي» للتدابير أدى إلى «معاملة المنتجات الصينية بشكل غير موات أثناء عملية التصدير إلى الاتحاد الأوروبي مقارنة بالمنتجات من دول أخرى».

وأضافت بكين أن النظام لديه معايير «غامضة» للتحقيق في الإعانات الأجنبية، ويفرض «عبئاً ثقيلاً» على الشركات المستهدفة، ولديه إجراءات غامضة أنشأت «حالة من عدم اليقين هائلة». ورأت أن تدابير التكتل، مثل عمليات التفتيش المفاجئة «تجاوزت بوضوح الحدود الضرورية»، في حين كان المحققون «غير موضوعيين وتعسفيين» في قضايا، مثل خلل الأسواق.

وأوضحت وزارة التجارة الصينية أن الشركات التي عدّت أنها لم تمتثل للتحقيقات واجهت أيضاً «عقوبات شديدة»، الأمر الذي فرض «ضغوطاً هائلة» على الشركات الصينية. وأكدت أن تحقيقات نظام الخدمة المالية أجبرت الشركات الصينية على التخلي عن مشاريع أو تقليصها، ما تسبب في خسائر تجاوزت 15 مليار يوان (2,05 مليار دولار).

وفي سياق منفصل، تباطأ التضخم في أسعار المستهلكين في الصين خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، فيما واصلت أسعار المنتجين الانكماش وسط ضعف الطلب الاقتصادي.

وألقت عوامل، تتضمن غياب الأمن الوظيفي، وأزمة قطاع العقارات المستمرة منذ فترة طويلة، وارتفاع الديون، وتهديدات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب فيما يتعلق بالرسوم الجمركية، بظلالها على الطلب رغم جهود بكين المكثفة لتحفيز القطاع الاستهلاكي.

وأظهرت بيانات من المكتب الوطني للإحصاء، الخميس، أن مؤشر أسعار المستهلكين ارتفع 0.1 في المائة الشهر الماضي على أساس سنوي، بعد صعوده 0.2 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني) السابق عليه، مسجلاً أضعف وتيرة منذ أبريل (نيسان) الماضي. وجاءت البيانات متسقة مع توقعات الخبراء في استطلاع أجرته «رويترز».

وظل مؤشر أسعار المستهلكين ثابتاً على أساس شهري، مقابل انخفاض بواقع 0.6 في المائة في نوفمبر، وهو ما يتوافق أيضاً مع التوقعات. وارتفع التضخم الأساسي، الذي يستثني أسعار المواد الغذائية والوقود المتقلبة، 0.4 في المائة الشهر الماضي، مقارنة مع 0.3 في المائة في نوفمبر، وهو أعلى مستوى في خمسة أشهر.

وبالنسبة للعام ككل، ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين 0.2 في المائة بما يتماشى مع وتيرة العام السابق، لكنه أقل من المستوى الذي تستهدفه السلطات عند نحو ثلاثة في المائة للعام الماضي، مما يعني أن التضخم أخفق في تحقيق الهدف السنوي للعام الثالث عشر على التوالي.

وانخفض مؤشر أسعار المنتجين 2.3 في المائة على أساس سنوي في ديسمبر، مقابل هبوط بواقع 2.5 في المائة في نوفمبر، فيما كانت التوقعات تشير إلى انخفاض بنسبة 2.4 في المائة. وبذلك انخفضت الأسعار عند بوابات المصانع للشهر السابع والعشرين على التوالي.

ورفع البنك الدولي في أواخر ديسمبر الماضي توقعاته للنمو الاقتصادي في الصين في عامي 2024 و2025، لكنه حذر من أن أموراً تتضمن ضعف ثقة الأسر والشركات، إلى جانب الرياح المعاكسة في قطاع العقارات، ستظل تشكل عائقاً.