هل انتهت بالفعل قصة رحيل نيمار عن سان جيرمان؟

بعد عشرة أيام من نشر مدافع برشلونة جيرارد بيكيه، تغريدته الشهيرة في عام 2017 والتي قال فيها إن النجم البرازيلي نيمار «سيبقى» مع النادي الإسباني، أثبت نيمار أن بيكيه كان مخطئاً ورحل إلى نادي باريس سان جيرمان. والآن، بعد صيف حاول فيه برشلونة إعادة نيمار مرة أخرى، بقي اللاعب مع النادي الباريسي.
وبالنظر إلى الضجة التي أُثيرت فور انضمام نيمار إلى باريس سان جيرمان في عام 2017 مقابل 222 يورو -وهي اللحظة التي اعتبرها صناع القرار في باريس سان جيرمان بمثابة إشارة على حدوث تحول كبير في قوة كرة القدم الأوروبية، وانتصاراً كبيراً في العلاقات العامة بالنادي الباريسي– فإنه لا يروق للنادي الفرنسي أن يعترف بفشله في هذا المسعى. ومع ذلك، فقد تعامل نادي باريس سان جيرمان، وبشكل غير متوقع من النادي، بشكل مدهش مع هذا الملف.
كان البرازيلي ليوناردو، الذي عاد للقيام بدور المدير الرياضي في النادي هذا الصيف، منفتحاً بشكل مدهش بشأن المفاوضات المتعلقة ببيع اللاعب ورغبة النادي المفترضة في بيع نيمار، وكان يحرص دائماً على صرف الانتباه بعيداً عن المدير الفني للفريق توماس توخيل وعلاقته باللاعب. وحتى عندما لم يلتحق نيمار بمعسكر الفريق التدريبي استعداداً للموسم الجديد، أوضح ليوناردو أن باريس سان جيرمان لن يقف في طريق اللاعب، مشيراً إلى أن الأمر عبارة عن «مسألة مالية».
وأضاف: «يمكن لنيمار الرحيل عن باريس سان جيرمان إذا كان هناك عرض يناسب الجميع. لكن حتى الآن، لا نعرف ما إذا كان أي شخص يرغب في شرائه، أو بأي ثمن. باريس سان جيرمان يريد أن يعتمد على اللاعبين الذين يريدون أن يكونوا هنا وأن يبني شيئاً كبيراً. نحن لسنا بحاجة إلى لاعبين يعتقدون أنهم يُسْدون معروفاً للنادي لمجرد وجودهم هنا».
وقد حافظ ليوناردو على هذا الموقف طوال الوقت. وقال في نهاية الأسبوع الماضي: «برشلونة يعرف دائماً ما نريده». وقد أدت هذه التصريحات المتوازنة إلى أن يسود شعور بأن باريس سان جيرمان يسيطر على الموقف تماماً. وقال ليوناردو: «لقد قدم برشلونة أول عرض كتابي في 27 أغسطس (آب). لم نتوصل قط إلى اتفاق مكتوب مع برشلونة».
ومن المفهوم أن توخيل كان حريصاً دائماً على بقاء نيمار. وكان الهدف الأساسي لتوخيل، منذ توليه مهمة قيادة الفريق خلفاً لأوناي إيمري، أن يقود النادي وهو في أوج قوته وكامل صفوفه وتألق نيمار وكوكبة النجوم التي يضمها الفريق في الخط الأمامي. وكان المدير الفني الألماني يسعى دائماً لتعزيز علاقته باللاعب البرازيلي. وأوضح توخيل قبل السفر إلى تولوز الشهر الماضي، أن نيمار قد تعافى من إصابة الكاحل التي أبعدته عن صفوف المنتخب البرازيلي في نهائيات كأس أمم أميركا الجنوبية (كوبا أميركا)، مؤكداً أنه سوف يلعب إذا كان الموقف بين اللاعب والنادي «واضحاً»، وكان يحاول أن يفرّق بين علاقته مع نيمار وعلاقة نيمار بالنادي.
وفي الوقت الذي بقي فيه توخيل هادئاً، كان ليوناردو هو مَن يقوم بدور المواجهة. ولم يقتصر الأمر على قيام المدير الرياضي بفرض عقوبات على نيمار بسبب عودته متأخراً إلى المعسكر التدريبي استعداداً للموسم الجديد –أصدر النادي بياناً قال فيه: «باريس سان جيرمان يستنكر هذا الموقف وسيتخذ التدابير المناسبة تجاه ذلك»- لكنه كان حريصاً أيضاً على تأكيد سلطاته وأنه لا يوجد لاعب أكبر من باريس سان جيرمان.
وقال ليوناردو للاعبي الفريق في وقت سابق من هذا الصيف: «سأتحدث إليكم باللغة الفرنسية. وإذا كان منكم من لا يفهم هذه اللغة، فيتعين عليه أن يأخذ دروساً!». وأشار ليوناردو، الذي فاز بكأس العالم مع منتخب البرازيل، إلى أنه شخصياً غاضب من نيمار، واعترف في نهاية الأسبوع الماضي بأن علاقته مع نيمار «ليست أبسط علاقة له في كرة القدم»، مع السماح لتوخيل بالبقاء بعيداً نسبياً عن كل هذه الأحداث.
وأكد لاعبو باريس سان جيرمان مراراً وتكراراً أن علاقتهم بنيمار جيدة للغاية. وبذل ماركو فيراتي قصارى جهده لإدخال نيمار، الذي كان يرتدي ملابس رسمية ولا يرتدي قميص النادي، في احتفالات الفريق بالفوز بكأس السوبر الفرنسي بعد الفوز على نادي رين في أغسطس الماضي، حتى وإن كان كيليان مبابي قد دفع نيمار برعونة وبشكل سيئ من على منصة التتويج في أثناء الاحتفالات. ومع ذلك، أعرب مبابي عن دعمه الكامل لنيمار بشكل لا لبس فيه، وقال: «أريد أن يبقى نيمار معنا. لا أريد أن يرحل، وقد أخبرته بذلك. وكل شيء بيننا على ما يرام». وقال تياغو سيلفا بعد ذلك: «نيمار لاعب لا يمكن تعويضه. إنه لاعب محور، وأتمنى أن يبقى معنا».
وقد أدار باريس سان جيرمان الأمور بشكل جيد للغاية، وأكد أن أي صفقة لن تتم إلا وفقاً لشروطه، وبالتالي لم تتأثر سمعة النادي، بينما كان أولئك الذين يعملون مع نيمار بشكل يومي يؤكدون أن النادي يرحّب ببقاء اللاعب، وهو الأمر الذي من شأنه أن يساعد على عودة اللاعب بشكل سلس بين زملائه في الفريق في حال فشل رحيله عن النادي. والآن، يبدو أن الهدنة بين اللاعب والنادي ستستمر حتى الصيف المقبل، بعد أن أخبر نيمار المقربين منه خلال عطلة نهاية الأسبوع بأنه سيبقى في باريس لموسم آخر.
ومع ذلك، قد لا يكون من السهل تحسين الأجواء بين نيمار وجماهير باريس سان جيرمان الغاضبة. وفي أول مباراة للفريق على ملعبه هذا الموسم، رفع أولتراس الفريق لافتات تهاجم نيمار ورددوا هتافات وصفوه خلالها بـعبارات بذيئة، وهو ما أثار غضب المقربين من اللاعب، وفقاً لصحيفة «ليكيب».
وقد اتسمت العلاقة بين نيمار وجمهور النادي الباريسي بالتوتر خلال الفترة الأخيرة. وفي وقت سابق من هذا الصيف، أوضح نيمار أن أفضل لحظات حياته الكروية كانت مع برشلونة عندما فاز على باريس سان جيرمان في «الريمونتادا» الشهيرة على ملعب «كامب نو» –بالإضافة إلى الفوز بدورة الألعاب الأوليمبية مع منتخب البرازيل عام 2016– قبل أن يؤكد مرة أخرى أن أفضل لحظة له في غرفة تغيير خلع الملابس كانت مع نادي برشلونة عندما فاز على باريس سان جيرمان بستة أهداف مقابل هدف وحيد. ربما تكون تصريحاته صادقة، لكنها كانت تفتقر إلى اللباقة وأثارت غضب جماهير باريس سان جيرمان.
ومن الواضح أن شعور نيمار بأنه لم يعد محبوباً من جمهور باريس سان جيرمان قد زاد رغبته في الرحيل عن فرنسا، لكن يتعين عليه أن يتعامل بذكاء، على المدى القصير على الأقل، مع صافرات الاستهجان والشعور بانعدام الثقة بينه وبين جمهور باريس سان جيرمان. ورغم أن هذه المشاعر قد تتبدد في النهاية -خصوصاً إذا قاد نيمار باريس سان جيرمان للحصول على لقب دوري أبطال أوروبا أو الثلاثية المحلية– فإن شكل العلاقة بين اللاعب والنادي في المستقبل القريب سوف يؤثر كثيراً على مسيرة الفريق هذا الموسم، كما سيؤثر على الجولة التالية من المفاوضات بين باريس سان جيرمان وبرشلونة.
لقد أصبحت رغبة نيمار في الرحيل عن باريس سان جيرمان واضحة للجميع في الوقت الحالي. وفي ظل حرص برشلونة ونيمار على لمّ الشمل مرة أخرى، ذكرت صحيفة «سبورت» الكاتالونية أن نيمار كان على استعداد للتخلي عن جزء كبير من راتبه من أجل إتمام الصفقة. وأشارت صحيفة «ليكيب» في وقت لاحق إلى أن نيمار مستعد للتخلي عن 20 مليون يورو.
وقال ليوناردو إنه يريد من نيمار «أن يحترم تعاقده وأن يعطي النادي 100% من جهده»، مؤكداً ضرورة أن يتحدث نيمار ومسؤولو باريس سان جيرمان من أجل حل المشكلات التي حدثت. وبعد أن أنفق برشلونة 200 مليون يورو على التعاقد مع النجم الهولندي الشاب فرينكي دي يونغ والفرنسي أنطوان غريزمان هذا الصيف، لم يكن النادي الكاتالوني قادراً على تلبية مطالب باريس سان جيرمان من أجل التعاقد مع نيمار. لكن برشلونة سيحاول مجدداً ضم اللاعب، خصوصاً إذا فشل الفريق في الحصول على لقب دوري أبطال أوروبا هذا الموسم.
وعلى الرغم من ذلك، إذا رفع برشلونة عرضه المالي وإذا وافق الجناح الفرنسي عثمان ديمبيلي على الانضمام إلى إيفان راكيتيتش والمدافع الفرنسي الصاعد جين كلير توديبو للانتقال إلى باريس سان جيرمان، ففي هذه الحالة قد يعود نيمار إلى برشلونة مرة أخرى. ولا يزال هناك استعداد من جميع الأطراف، على الأقل من الناحية النظرية، لإبرام هذه الصفقة في مرحلة ما، لكن في الوقت الحالي لا يزال نيمار لاعباً في صفوف باريس سان جيرمان.