الرئاسة السودانية تتوصل إلى «اتفاق مبادئ» مع الحركات المسلحة لإنهاء الحرب

يتضمن بناء الثقة وإطلاق أسرى ... ومفاوضات في أكتوبر ودول عربية وأفريقية تطلب استضافتها

عضو مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو (حميدتي) في جوبا حيث وقع على الاتفاق الاطاري (أ.ف.ب)
عضو مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو (حميدتي) في جوبا حيث وقع على الاتفاق الاطاري (أ.ف.ب)
TT

الرئاسة السودانية تتوصل إلى «اتفاق مبادئ» مع الحركات المسلحة لإنهاء الحرب

عضو مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو (حميدتي) في جوبا حيث وقع على الاتفاق الاطاري (أ.ف.ب)
عضو مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو (حميدتي) في جوبا حيث وقع على الاتفاق الاطاري (أ.ف.ب)

وقعت الرئاسة السودانية، والحركات المسلحة المنضوية في تحالف «الجبهة الثورية»، بالإضافة إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان - بقيادة عبد العزيز الحلو، بعاصمة دولة جنوب السودان، على وثيقة «إعلان مبادئ»، يهدف إلى بناء الثقة، وإطلاق أسرى، قبل البدء في مفاوضات سلام تُعقد في منتصف أكتوبر (تشرين الأول) لإنهاء الحرب في مناطق دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.
ووقَّع الفريق أول محمد حمدان دلقو (حميدتي)، نيابة عن الحكومة الانتقالية في السودان، وعبد العزيز الحلو، نيابة عن الحركة الشعبية - قطاع الشمال، كما وقّع الرئيس سلفا كير وسيطاً للمفاوضات بين الأطراف.
وأعرب الرئيس سلفا كير في كلمة قصيرة عن أمله في التزام جميع الأطراف بما تم الاتفاق عليه، وأن تصبح وثيقة إعلان المبادئ هي البداية لعملية السلام وإنهاء الحروب في السودان. وأضاف: «لا أريدكم أن تعودوا من هنا وتستأنفوا القتال مرة أخرى وأدعوكم للتركيز على قضايا السلام والتنمية في السودان»، مؤكداً التزامه بالعمل من أجل تحقيق السلام في السودان. ودعا كير، المجلس السيادي السوداني، إلى فتح الممرات الإنسانية لوصول المساعدات للمدنيين المتضررين من الحرب في مناطق دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، كما طالب المجتمع الدولي بتقديم المساعدات إلى السودان.
من جهته، قال عضو المجلس السيادي السوداني محمد حمدان دقلو، إن حكومته ستدفع تكلفة وقف الحرب واستحقاق السلام ووضع نهاية للمظالم في مناطق البلاد المختلفة، معربا عن تقديره جدية الحركات المسلحة وصدقها في العمل من أجل التوصل إلى السلام. وأضاف: «أتقدم بالشكر إلى قوى الكفاح الثوري على ما لمسناه من جديتهم وصدقهم في تحقيق السلام، ونؤكد لهم وللشعب السوداني أن عهد القتال والظلم سينتهي وسندفع تكاليف وقف الحرب واستحقاقات السلام ووقف المظالم».
من جانبه، أكد مجلس السيادة السوداني، انطلاقة المفاوضات الرسمية مع الحركات المسلحة في 14 أكتوبر المقبل التي تستمر لمدة شهرين كحد أقصى، من أجل إحلال السلام في البلاد خلال الستة أشهر الأولى، كما نصّت على ذلك «الوثيقة الدستورية». يُذكر أن الحرب متوقفة أساساً في تلك المناطق منذ شهور، إثر هدنة أعلنها قادة الحركات المسلحة، يتم تجديدها كل 3 أشهر.
والحركات الموقعة على وثيقة الاتفاق الإطاري هي: «الجبهة الثورية»، المكونة من «حركة جيش تحرير السودان» برئاسة مني اركو مناوي، «حركة العدل والمساواة»، بقيادة جبريل إبراهيم، «الحركة الشعبية - جناح مالك عقار»، بالإضافة إلى «الحركة الشعبية لتحرير السودان»، بقيادة عبد العزيز الحلو.
وقال المتحدث باسم مجلس السيادة، محمد الفكي سليمان، لـ«الشرق الأوسط»، إن الأطراف اتفقت على تكوين لجان مشتركة للعمل خلال الفترة المقبلة، لتنفيذ بعض المطلوبات قبل بدء المحادثات.
وأضاف أن وفد مجلس السيادة التزم خلال المشاورات التي جرت في جوبا، بفتح الممرات الإنسانية لتقديم الإغاثة للمناطق المتضررة، وإسقاط الأحكام الجنائية في مواجهة بعض قادة الحركات المسلحة، بجانب إرجاع ممتلكات الحركات المسلحة التي صودرت في عهد النظام السابق، ورفع حظر الممنوعين من السفر في القوائم لدى السلطات.
وأشار الفكي إلى أنه تم الاتفاق أيضاً على تكوين لجان مشتركة للإعداد للمنبر التفاوضي خلال الشهر الذي يسبق انطلاقتها.
وكان المستشار الأمني لرئيس حكومة جنوب السودان، توت قلواك، أكد توصل وفد مجلس السيادة والحركات المسلحة، خلال المشاورات التي جرت في جوبا، إلى خريطة طريق تمهّد للتوقيع على الاتفاق الإطاري، وأن تكون جوبا مقرّاً للتفاوض باتفاق جميع الأطراف.
وفي السياق، قال المتحدث باسم الجبهة الثورية الدكتور محمد زكريا لـ«الشرق الأوسط»، إن الاتفاق ركّز على مبدأ بناء الثقة، تمهيداً لبدء المحادثات التي يُنتظر أن تحسم جميع الخلافات، مؤكداً أن مقر المفاوضات لم يحسم بعد، لا سيما أن هناك دولاً أبدت رغبتها في استضافتها، ومنها إثيوبيا وتشاد وجنوب السودان ومصر، وبعض دول الخليج، وقال: «لكن رئيس (الحركة الشعبية لتحرير السودان)، عبد العزيز الحلو، لديه تحفظات على استضافة التفاوض خارج أفريقيا».
وكشف زكريا عن دعوة وجهتها الحكومة المصرية لاستضافة اجتماع للجبهة الثورية في العشرين من سبتمبر (أيلول) الحالي، وقال: «كما أن الحكومة المصرية أبدت رغبتها في انطلاق المفاوضات في شرم الشيخ». وأضاف أن موضوع مقرّ التفاوض تتفق عليه أطراف المفاوضات في المقام الأول، مشيراً إلى أن الوسيط المشترك للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي لدارفور قرماي مامابولو، والوسيط الأفريقي ثامبو مبيكي (رئيس جنوب أفريقيا الأسبق) سيشاركان في العملية التفاوضية باعتبار أن تعيينهما تم بواسطة جهات إقليمية ودولية، وقال زكريا: «لذلك سنسمع لرأيهما في هذه القضايا، ولا بد من التنسيق بينهما حول التفويض».
وأشار المتحدث باسم الجبهة الثورية إلى أن «حركة تحرير السودان» بقيادة عبد الواحد محمد نور لا تزال خارج المفاوضات، ولا بد من إلحاقهم بالعملية التفاوضية، مشيراً إلى أن عملية بناء الثقة تشمل اتخاذ قرارات سياسية من الحكومة في الخرطوم بشأن مذكرات الملاحقة بواسطة «الإنتربول» لعدد من قادة الحركات المسلحة، وهي ما زالت سارية، وإعادة ممتلكات الحركات المسلحة من مقار وسيارات خاصة بعد اندلاع الحرب في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان قبل 8 سنوات، وإطلاق سراح أسرى الحرب من هذه الحركات، حيث ما زال هناك أكثر من 200 أسير في السجون لم يتم إطلاق سراحهم، مبرزاً أن قضية وقف العدائيات ما زالت تُعلَن من طرف واحد وتحتاج إلى توقيع من الأطراف لوقف إطلاق نار.
من جهته، وصف ياسر عرمان نائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان - بقيادة مالك عقار، عضو وفد الجبهة الثورية المفاوض، اتفاق «إعلان المبادئ»، بأنه خطوة مهمة في طريق تحقيق السلام، مشيراً إلى أن الأطراف اتفقت على مخاطبة جذور القضايا التي قادت إلى إشعال الحروب، وتابع: «(الجبهة الثورية) شريك في الثورة، ويجب أن تكون شريكاً في العملية السياسية بكافة جوانبها».
وكان رئيس دولة جنوب السودان سلفا كير ميارديت تقدّم بمبادرة للوساطة بين الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة في جوبا للدفع بعملية السلام في السودان.
في غضون ذلك، يتوجه رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، اليوم إلى جوبا في أول زيارة خارجية له، يرافقه وزراء الخارجية والداخلية والصناعة والتجارة ووزير الطاقة والتعدين، يلتقي خلالها رئيس دولة جنوب السودان، سلفا كير ميارديت.
وقال المتحدث الرسمي باسم الحكومة، وزير الإعلام والثقافة، فيصل محمد صالح، إن الزيارة ستبحث العلاقات الثنائية، وآفاق التعاون المشترك، والجهود التي تقوم بها جوبا لإحلال السلام في السودان.
من جهته، أكد البنك الدولي استعداده لتقديم مساعدات للحكومة الانتقالية، وفق أولوياتها وموجهاتها، وأنه سيعمل على استقطاب العون الخارجي للسودان عبر «صندوق دعم المانحين». وقال حمدوك، لدى لقائه مديرة البنك الدولي للسودان وإثيوبيا وإريتريا وجنوب السودان، كاري تورك، بالخرطوم، أمس، إن حكومته على استعداد للتعاون مع «البنك الدولي» بما يخدم مصلحة السودان.
من جانبها، أكدت «تورك» أن البنك الدولي سيدعم المشاريع الحكومية التنموية في السودان خلال الفترة المقبلة.
إلى ذلك، يعقد المجلس المركزي لـ«قوى إعلان الحرية والتغيير»، ولجنة الترشيحات داخل التحالف، غداً (الجمعة)، اجتماعاً لإجازة عدد من المرشحين لوزارتي البنى التحتية والثروة الحيوانية، قبل الدفع بالقائمة إلى رئيس الوزراء، لاختيار اثنين من بين المرشحين، مع مراعاة تمثيل شرق السودان والنيل الأزرق، في الاختيار.
وفي اتجاه آخر، طالبت الدول الأفريقية الثلاث الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، وهي جنوب أفريقيا وساحل العاج وغينيا الاستوائية، برفع العقوبات المفروضة على السودان، خصوصاً اعتباره من بعض الدول بلداً داعماً للإرهاب.
وذكر الأعضاء الثلاثة غير دائمي العضوية في مجلس الأمن، في بيان مشترك مع ممثلية الاتحاد الأفريقي لدى الأمم المتحدة، أنّ مجلس السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي كان ألغى عقوباته بحق السودان إثر التطورات الإيجابية في هذا البلد.
وقال البيان إنه يتعين الآن الاقتداء بذلك «من خلال دعوة الدول المعنية إلى إلغاء عقوباتها بحق السودان»، مشيراً إلى أن ذلك يجب أن يشمل سحب الخرطوم من «لائحة الدول الداعمة للإرهاب»، في إشارة للولايات المتحدة.
وفي إطار الأمم المتحدة، يسري نظام عقوبات على السودان منذ 2005، ويترجم خصوصاً من خلال حظر على الأسلحة وإجراءات خاصة بكل دولة (حظر سفر وتجميد أرصدة). من ناحية أخرى قالت الدول الثلاث في بيانها: «نحض الحكومة السودانية الجديدة على احترام بنود خريطة الطريق وتطبيقها بدقة» من أجل إنجاز انتقال سلمي. وذكّروا بأن الهدف يتمثل في «تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية حرة ومنصفة وشفافة لتوفير شروط انتقال سياسي يضمن السلام والاستقرار الدائمين في السودان».



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.