بمقطع فيديو ذاع صيته على نطاق واسع على شبكة الإنترنت، وحسابات غير موثقة على مواقع التواصل الاجتماعي، أثارت سيدة أميركية من أصل لبناني، جدلاً واسعاً خلال الأيام الماضية بإعلانها قيام «مملكة الجبل الأصفر» على منطقة حدودية بين مصر والسودان، ينظر كل منهما إليها باعتبارها ملكاً للآخر.
ورغم التجاهل الرسمي في كلا البلدين لهذا الإعلان، ووصف البعض له بـ«مزاعم» لا ترقى للتعامل الجدي، فإنه أعاد النزاع بين مصر والسودان حول منطقة حلايب وشلاتين الحدودية للواجهة مرة أخرى، وسط مطالب بحسمه.
ووفقا للإعلان المزمع فإن تلك المملكة تقع بمنطقة «بئر طويل» على الحدود بين الدولتين، بمساحة 2060 كيلومتراً. ويستند الإعلان إلى أنها تقع خارج الخرائط، التي تتبناها كل من مصر والسودان، وذلك الخلاف حول خط السيادة 22 درجة شمال الاستواء على استقامته، الذي تتمسك به مصر، والخط الإداري المتعرج، الذي يتمسك به السودان ويعتبره خطا سياديا، بحسب الدكتور هاني رسلان، الخبير بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية.
وفي الفيديو المتداول، والذي تبلغ مدته نحو ست دقائق، نصَّبت السيدة نادرة ناصيف نفسها رئيسة وزراء تلك المملكة، من مدينة أوديسا في أوكرانيا، بعد «قمة»، قالت إنها عقدت هناك لإعلان المملكة.
وتنظر السفيرة منى عمر، مساعدة وزير الخارجية المصرية الأسبق، إلى الحدث باعتباره «مجرد هراء». فالإعلان عن الدول له شروط معروفة، وهي وجود أرض وشعب وحكومة واعتراف دولي، وهي أمور غير متوفرة بحسب الدبلوماسية المصرية، مضيفة أنه «لا يمكن التعامل بجدية مع شخصيات مجهولة». لكنها شددت على ضرورة وضع حد لهذا الخلاف الحدودي بين مصر والسودان «في ظل العلاقات الجيدة بين البلدين في الوقت الراهن، وحتى لا يتم استغلاله».
وفي إعلانها قالت ناصيف إن المملكة التي ستلتزم بالشريعة الإسلامية «ستضع حلاً لأزمة النازحين والمهجرين». وقد أعلنت يوم الأحد الماضي عبر حسابها بتويتر عن «استقبال طلبات المواطنة»، مشيرة إلى وجود «إجراءات وشروط رسمية أساسية سوف يتم الإفصاح عنها خلال أيام».
ورغم اتفاق الخبير في الشأن السوداني هاني رسلان، على عدم وجود أي فرصة لهذه المملكة إذا حالت مصر أو السودان دون قيامها، فإنه يرى أن إعلانها يقتضي سد مثل هذه الثغرات، التي نشأت عبر استمرارية مشكلة حلايب، خاصة أنها ليست المرة الأولى، حيث سبق أن قام أميركي يدعى جيرمي هيتون برفع علم في هذه المنطقة وأعلنها مملكة، متوجا ابنته أميرة عليها.
ويشكل النزاع على مثلث حلايب وشلاتين محور خلاف دائم بين مصر والسودان. وتبلغ مساحة المنطقة الحدودية محل النزاع نحو 22 ألف كيلومتر، وتطل على ساحل البحر الأحمر، على الطرف الجنوبي الشرقي من الجانب المصري، وعلى الطرف الشمالي الشرقي من الجانب السوداني (جنوب مصر)، وتقع فعليا تحت السيادة المصرية. ويطلق على هذه المنطقة اسم «مثلث»، كونها تضم ثلاث بلدات كبرى هي حلايب وأبو الرماد وشلاتين.
واعتاد السودان تقديم شكوى سنوية للأمم المتحدة عن حقه في «مثلث» حلايب، بينما ترى مصر أن الأمور محسومة لصالحها، ولا ترغب في مزيد من التصعيد، اعتمادا على أن السيادة على الأرض لصالحها، بما يشمل ذلك العملة المستخدمة والنظام المصرفي، والوجود الفعلي لقوات الجيش والشرطة المصرية، إضافة للمدارس الحكومية، ونظام التعليم وغيرها من المؤسسات.
وفي العام الجاري، أعلنت الحكومة المصرية طرح مزايدة عالمية للبحث والتنقيب عن النفط والغاز في 10 قطاعات بالبحر الأحمر، من ضمنها مثلث حلايب. وإثر ذلك استدعت الخارجية السودانية خلال حكم عمر البشير السفير المصري في الخرطوم، وحذرت من التنقيب هناك.
ويرى رسلان أنه «في ظل التهديدات التي تجابه السودان في المرحلة الحالية، وتلك التي تحيط بمصر أيضا، فإنه ينبغي شق مسار جديد في العلاقات، واتخاذ مبادرة قوية بالتوجه إلى وضع حد لأزمة حلايب نفسها».
وحذر رسلان من الاستخفاف والاستهانة بمثل تلك الإعلانات، مؤكدا أن الإعلان عن المملكة المزعومة يعني أن هناك فكرة جرت دراستها، وأن هناك جهة أو جهات تقف وراء ذلك، وأن أهدافاً معلنة جرى الإفصاح عنها، وأخرى غير معلنة.
ويؤكد الدكتور أيمن سلامة خبير القانون الدولي أن القانون الدولي لا يعاقب أي شخص يعلن عن إقامة دولة، ما دام توفرت فيها شروط الدولة من الشعب والحكومة والسيادة والاعتراف الدولي في مرحلة لاحقة، معتبراً في تصريحات إعلامية أنها في كل الأحوال لا تشكل خطورة على مصر، إلا إذا وقع اعتداء على الحدود أو السيادة المصرية.
«الجبل الأصفر» تعيد إلى الواجهة النزاع الحدودي بين مصر والسودان
فيديو من أوكرانيا وحسابات على مواقع التواصل روجا لمملكة «مزعومة»
«الجبل الأصفر» تعيد إلى الواجهة النزاع الحدودي بين مصر والسودان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة