منذ سنوات عديدة، قيلت لي مُزحة ربما تمثل تجربتي الأولى مع العنصرية. ورغم أنني لا أتذكر من قالها بالضبط، أو كم كان عمري بالتحديد آنذاك، لكنها لا تزال تعيش معي منذ ذلك الحين. وكانت هذه المزحة تقول: «ماذا تسمون رجلاً أسود يرتدي بدلة؟ نطلق عليه اسم: مذنب!»
ربما ينظر البعض إلى هذه العبارة على أنها مزحة أو جزء من حديث مرح، ومن المؤكد أن الأشخاص الذين يرون الأمر على هذه الشاكلة هم الأشخاص الذين لا يتم استهدافهم بعبارات وتعليقات عنصرية، أو بعبارة أخرى هم أصحاب البشرة البيضاء! وهذا هو السبب الذي يجعلني أتحدث في هذه المقالة عن أسطورة ليفربول ومنتخب اسكوتلندا السابق غرايم سونيس. إنني لم أقابله قط، لكنني أسمع من الأشخاص الذين تعاملوا معه أنه رجل لطيف جداً، وأنه يتحدث كثيراً لكنه لا يضمر أي حقد أو كراهية لأحد. لكن المشكلة تكمن في أنه قد قال يوم الأحد الماضي شيئاً يبدو كأنه صورة نمطية للعنصرية.
فخلال تحليله للمباراة التي فاز فيها إيفرتون على وولفرهامبتون واندررز بثلاثة أهداف مقابل هدفين، على شبكة «سكاي» الرياضية، تحدث سونيس عن المهاجم الإيطالي الشاب مويس كين، ولماذا سمح يوفنتوس للمهاجم البالغ من العمر 19 عاماً الذي سجل 6 أهداف في 13 مباراة في الدوري الإيطالي الموسم الماضي، بالانضمام إلى إيفرتون مقابل 32 مليون يورو الشهر الماضي. وقال سونيس، البالغ من العمر 66 عاماً: «إنه في التاسعة عشرة من عمره، فلماذا باعوه؟ بالنسبة إليّ، فإن أجراس الإنذار تدق بشكل طفيف في رأسي بخصوص هذا الأمر». لكن أجراس الإنذار هذه كانت تدق بصوت عالٍ للغاية في حقيقة الأمر، لأنه في غضون فترة تزيد قليلاً على الدقيقة، كان سونيس قد ذهب للقول بأن يوفنتوس ربما باع كين لأن «أنشطته خارج الملعب ليست الأفضل».
وكانت هذه هي اللحظة التي يتعين على سونيس خلالها أن يتوقف عن الحديث ويلتقط أنفاسه ويحوّل الحديث إلى شيء آخر. لكنه بدلاً من ذلك، واصل الحديث وأجرى مقارنةً بين انتقال كين من يوفنتوس إلى إيفرتون من جهة، وبين انتقال إيمانويل أديبايور من آرسنال إلى مانشستر سيتي، الذي كان يبدو غريباً جداً، من جهة أخرى. وقد أجرى سونيس المقارنة بين هذين اللاعبين، رغم أن الفاصل الزمني بين الصفقتين يصل إلى عشر سنوات كاملة، بالإضافة إلى أن الصفقتين تشملان أربعة أندية مختلفة واثنين من اللاعبين في مراحل مختلفة من حياتهما الكروية.
وزعم سونيس أن المدير الفني السابق لآرسنال آرسين فينغر، قد باع أديبايور لمانشستر سيتي لأن «العلاقة بينهما لم تكن جيدة تماماً»، وهي ادّعاءات باطلة للغاية، نظراً إلى أن فينغر كان يريد من المهاجم التوغولي أن يبقى مع «المدفعجية»، في حين لم تكن هناك أي إشارات إلى أن يوفنتوس قد باع كين بسبب ما يقوم بها خارج الملعب خلال أوقات فراغه!
وقد تم استبعاد كين من قائمة المنتخب الإيطالي الأخيرة، إلى جانب نيكولو زانيولو، بسبب حضوره متأخراً لاجتماع الفريق قبل مباراة المنتخب الإيطالي أمام نظيره البلجيكي في كأس الأمم الأوروبية الأخيرة تحت 21 عاماً، لكن وفقاً لشخصيات مطّلعة على الأمور، فإن كين قد رحل عن يوفنتوس لأسباب تتعلق بكرة القدم.
وكما علّق الصحافي الإيطالي المتخصص في الشؤون الرياضية غابرييل ماركوتي، في تغريدة على موقع «تويتر» رداً على تصريحات سونيس، فإن بطل الدوري الإيطالي الممتاز قد سمح لكين بالرحيل إلى إيفرتون لأن عقده مع «السيدة العجوز» كان يتبقى عليه عام واحد وكان يرفض التجديد، وبالتالي لم يكن النادي الإيطالي يرغب في أن يرحل اللاعب مجاناً خلال الصيف المقبل.
وبالتالي، لم يكن سونيس موفقاً في حديثه عن كين، حيث تحدث عن افتراضات لم تحدث. وبمجرد أن أجرى سونيس مقارنةً بين كين وأديبايور، كان من الصعب الهروب من التداعيات السلبية لهذا الأمر. من المؤكد أن سونيس سوف يقول إنه لم يكن يقصد أي شيء من خلال هذه المقارنة، ومن المرجح أنه سيشعر بالفزع عندما يسمع البعض يقول إنه أدلى بهذه التصريحات بحق كين بسبب بشرته السمراء ولأسباب عنصرية. وعندما أدلى سونيس بهذه التصريحات، فإنه ربما كان يشير أيضاً إلى سجله كمدير فني عندما يتعلق الأمر بالتعاقد مع عدد من اللاعبين من أصحاب البشرة السمراء، وأبرزهم مارك والترز خلال فترة قيادته لنادي رينجرز الاسكوتلندي.
من جانبها، رفضت شبكة «سكاي سبورتس» الرياضية التعليق على الأمر، لكن الشبكة دافعت عن سونيس وأشارت إلى أن تصريحاته بشأن كين كانت جزءاً من مناقشة أوسع نطاقاً تضمنت أيضاً حديث المدير الفني البرتغالي جوزيه مورينيو، كمحلل للمباريات أيضاً في شبكة «سكاي سبورتس»، بإيجابية تامة عن اللاعب، وبالتالي فإن كل ما كان يقصده سونيس هو طرح وجهة نظر معارضة لوجهة نظر مورينيو. ربما يكون الأمر كذلك، لكنّ هذا لا يلغي الطبيعة العنصرية لتصريحات سونيس.
وعلى الأرجح، يمكن وصف تصريحات سونيس بأنها حالة من حالات العنصرية من دون وعي، وهو ما يفعله كثيرون منا من وقت لآخر دون أن يشعر. لكنّ الفرق هو أن سونيس شخصية بارزة يدلي بتصريحات على منصة شهيرة ولها الكثير من المتابعين، وبالتالي فقد استمع الملايين إلى هذه التصريحات، التي يمكن أن تنتشر كالنار في الهشيم في ثقافة عالمية تحترق بالفعل بسبب الانقسام والشعور بالسخط.
لذلك من الصواب إبراز الخطأ الذي ارتكبه سونيس حتى لا يتكرر مرة أخرى. قد يطالب البعض بعقاب سونيس، بحجة أنه كان دائم الهجوم أيضاً على لاعب خط الوسط الفرنسي بول بوغبا، لكن هذه المطالبات قد تبدو مبالغاً فيها وغير واقعية. وبدلاً من ذلك، يمكن استغلال هذا الأمر لدعوة الجميع في وسائل الإعلام إلى أن يتحلوا بالحذر والإنصاف واللباقة وأن يفكروا أكثر من مرة قبل أن يتحدثوا عن لاعبي كرة القدم من أصحاب البشرة السمراء. وكما أشار لاعب المنتخب الإنجليزي ونادي ليفربول رحيم سترلينغ، في منشور له على موقع «إنستغرام» في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، فهناك الكثير من الأضرار التي تلحق باللاعبين من أصحاب البشرة السمراء. لذلك، إذا كان سونيس يقرأ هذه المقالة، فيتعين عليه أن يتحلى بالحذر بعد ذلك عند التكهن بشخصية أي لاعب، خصوصاً أولئك الذين يتم اتهامهم بعدم الاحترافية.
هل كانت تصريحات سونيس بشأن مويس كين لأسباب عنصرية؟
ربما لم يكن الناقد الرياضي يقصد إلحاق الضرر بأحد لكنه أخطأ حينما تحدث عن شخصية اللاعب
هل كانت تصريحات سونيس بشأن مويس كين لأسباب عنصرية؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة