مصادر الإليزيه: ماكرون وبوتين يسعيان لخريطة طريق استراتيجية مشتركة

صورة أرشيفية للقاء ثنائي بين ماكرون وبوتين جنوب فرنسا في 19 من الشهر الماضي (رويترز)
صورة أرشيفية للقاء ثنائي بين ماكرون وبوتين جنوب فرنسا في 19 من الشهر الماضي (رويترز)
TT

مصادر الإليزيه: ماكرون وبوتين يسعيان لخريطة طريق استراتيجية مشتركة

صورة أرشيفية للقاء ثنائي بين ماكرون وبوتين جنوب فرنسا في 19 من الشهر الماضي (رويترز)
صورة أرشيفية للقاء ثنائي بين ماكرون وبوتين جنوب فرنسا في 19 من الشهر الماضي (رويترز)

المؤشرات التي تدلّ على رغبة فرنسية - روسية في التقارب لم تعد تحتاج إلى الكثير من البحث والتمحيص، إذ إنها واضحة للعيان. وآخر ما استجد فيها زيارة وزيري الخارجية والدفاع الفرنسيين إلى موسكو أمس، والاجتماع مع نظيريهما الروسيين في إطار ما يسمى مجموعة «2 زائد 2». وهذا الاجتماع هو الأول من نوعه منذ أن ضمّت روسيا شبه جزيرة القرم في العام 2014 ما استتبعه فرض عقوبات أوروبية عليها ما زالت قائمة حتى اليوم.
لكن زيارة الأمس أتت في سياق رغبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قلب صفحة الجفاء مع موسكو. وأوضح ما جاء على لسانه في هذا المجال كان الخطاب الذي ألقاه أمام السلك الدبلوماسي الفرنسي في 27 الشهر الماضي، وفيه دعا إلى «إعادة التفكير» بالعلاقة مع روسيا، و«تخطي سوء الفهم» و«استكشاف مجالات التقارب ضمن شروط معينة».
ووراء ذلك كله فلسفة سياسية تعتبر روسيا «جزءا من أوروبا»، وأنه يتعين العمل معها من أجل «بناء هندسة جديدة» للأمن في أوروبا ما من شأنه ربطها بالعربة الأوروبية وإبعادها عن «النظر شرقا» أي باتجاه الصين. واستبق ماكرون اجتماع موسكو بالاتصال بنظيره الروسي. وكشفت مصادر الإليزيه أن الرئيسين «اتفقا على مواصلة الاتصالات من أجل التوصل إلى خريطة طريق استراتيجية مشتركة».
ليس سرا أن ماكرون يريد أن يكون له دور على المسرح العالمي، وأن يكون على المستوى الأوروبي «البوصلة» التي توجه السياسة الأوروبية، مستفيدا من صعوبات بريطانيا ومن نهاية عهد المستشارة الألمانية التي ستترك المسرح السياسي في الأشهر القادمة. وخلال قمة بياريتز، لعب ماكرون هذا الدور، وكان قد استبق القمة باجتماع مطول مع الرئيس بوتين الذي دعاه إلى مقر إقامته الصيفي في حصن بريغونسون المطل على مياه المتوسط.
وكان الرئيس الروسي الوحيد من بين قادة العالم الذي «حظي» بمثل هذا الشرف الاستثنائي. صحيح أن بوتين لم يُدع إلى بياريتز، لكن فرنسا لا تعارض عودته إلى «نادي الكبار» شرط أن تقدم موسكو على بعض الخطوات التي من شأنها «تبرير» عودة روسيا إلى «مجموعة البلدان الثمانية»، قبل أن تتحول مجددا إلى مجموعة البلدان السبع بسبب حرب أوكرانيا.
ورغم أن القادة المجتمعين في بياريتز اعتبروا أنه من «المبكر» انضمام بوتين إليهم مجددا، فإن الرئيس الأميركي يرغب في هذه العودة ولم يعد مستبعدا أن تتم العام القادم وفي ظل الرئاسة الأميركية للمجموعة. وفي أي حال، فإن بوتين كان حاضرا في بياريتز عن بعد أو «بالواسطة»، وذلك بفضل ماكرون.
يجمع كثير من المحللين السياسيين على أن الرئيس الفرنسي، في سياسته الخارجية، ينهج خطأ «براغماتيا» بعيدا عن أي آيديولوجيا. من هذا المنطلق، يعتبر ماكرون أن هناك حاجة لروسيا لتبريد جملة من البؤر المتفجرة، أكان ذلك في أوكرانيا أو في سوريا وليبيا أو فيما يخص الملف النووي الإيراني. يضاف إلى ذلك كله أن الدول الأوروبية تغمرها الشكوك والمخاوف، مما ينظر إليه البعض على أنه انطلاقة جديدة لسباق التسلح النووي والتقليدي بين الولايات المتحدة وروسيا بعد موت اتفاقية الصواريخ النووية متوسطة المدى هذا الصيف، وقرب انتهاء اتفاقية الصواريخ الاستراتيجية المسماة «ستارت» العام القادم والتي تعود إلى أيام الحرب البادرة. ووفق المتابعين للعلاقة الروسية - الفرنسية، فإن ماكرون وبوتين «بحاجة كل منهما للآخر» وأن المنفعة من تقاربهما ستعود للاثنين معا في حال نجحا في تطوير علاقاتهما وإعطائها بعدا ملموسا.
وأخيرا، يبدو ماكرون «خائبا» من الرئيس الأميركي بسبب تطورات الملف الإيراني. فبعد «الليونة» التي أظهرها ترمب في بياريتز، تبخرت وعوده عقب عودته إلى واشنطن ولم تنجح باريس في دفعه إلى إعطاء بعض التسهيلات لصادرات النفط الإيرانية لدفع «الوساطة» الفرنسية إلى الأمام وتوفير الشروط الضرورية للقاء ترمب والرئيس الإيراني حسن روحاني في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو ما كان يعول عليه الرئيس الفرنسي.
المرجح أن تكون «باكورة» نجاحات دبلوماسية ماكرون الروسية عقد قمة رباعية في إطار ما يسمى «مجموعة نورماندي»، التي تضم فرنسا وألمانيا وروسيا وأوكرانيا. وتأمل باريس أن تلتئم أواخر الشهر الجاري على الأراضي الفرنسية من أجل «تبريد» الوضع المتدهور في شرق أوكرانيا، حيث الحرب لم تتوقف بين الانفصاليين الذين تدعمهم موسكو وكييف. وتريد باريس الدفع باتجاه تنفيذ مقررات «اتفاق مينسك» للعام 2015 لوضع حد لهذه الحرب. وجاء تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا الذي حصل الأحد الماضي، ورغبة الرئيس الأوكراني الجديد زيلينسكي بالتفاهم مع بوتين ليعززا الآمال بتحقيق اختراق في هذا الملف. وتأمل موسكو أن يسهل التفاهم بشأن الملف الأوكراني برفع العقوبات الأوروبية عنها رغم رفضها القاطع للتراجع عن ضم شبه جزيرة القرم في العام 2014، لكن السياق العام يدل على أن الأوروبيين قد وضعوا بين قوسين موضوع القرم من غير أن يعترفوا بضمها إلى روسيا.
يريد الطرفان الفرنسي والروسي، من خلال تقاربهما، البحث عن «سبل للتعاون» بشأن الملفات العالقة طبعا ولكن أيضا للدفاع عن «التعددية» في التعاطي مع شؤون العالم، وهي الراية التي يرفعها ماكرون في كل محفل. وفيما يتقارب الموقفان الروسي والفرنسي بشأن الملف النووي وتأكيد الطرفين على ضرورة المحافظة عليه، فإن مواقفهما تفترق بالنسبة لسوريا. وتراهن باريس على التقارب مع موسكو ليعود لها دور في ملف غابت عنه بشكل شبه تام. وسبق لماكرون، منذ أكثر من عام، أن اقترح على نظيره الروسي إيجاد «آلية تنسيق» بين ما يسمى «المجموعة المصغرة» التي تضم دولا غربية وعربية و«مجموعة آستانة» المشكلة من روسيا وتركيا وإيران. وتريد باريس التي ترهن مشاركتها «ومشاركة الأوروبيين» في تمويل إعادة الإعمار في سوريا، الدفع باتجاه العودة إلى المسار السياسي من خلال الانتهاء من تشكيل اللجنة الدستورية، كما أنها تحذر من نتائج حرب شاملة في إدلب.
ثمّة من يرى في باريس أن سياسة ماكرون الخارجية تستلهم، «الإرث الديغولي» الذي يعني استقلالية القرار الفرنسي. وسبق لماكرون أن وضع سياقه النظري بقوله أكثر من مرة إن لفرنسا «حلفاء وليس أوصياء»، ما يجعله حر الحركة. لكن الانفتاح على بوتين لا يرضي بالضرورة كل الشركاء الأوروبيين. فبريطانيا مترددة وتُذكّر بـ«عملية سكريبال» العميل الروسي الذي حاولت أجهزة روسية تسميمه في مدينة بريطانية. والبلدان التي كانت سابقا تدور في الفلك السوفياتي «بلدان البلطيق، بولندا...» هي الأخرى غير سعيدة بذلك وترى أن أمنها مرتبط بالولايات المتحدة والحلف الأطلسي، وليس بتعبيد الطريق أمام بوتين الساعي لابتعاث روسيا القوية والمهيمنة.



مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
TT

مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)

رجحت سلطات أرخبيل مايوت في المحيط الهندي، الأحد، مقتل «مئات» أو حتى «بضعة آلاف» من السكان جراء الإعصار شيدو الذي دمر في اليوم السابق قسماً كبيراً من المقاطعة الفرنسية الأفقر التي بدأت في تلقي المساعدات. وصرّح حاكم الأرخبيل، فرانسوا كزافييه بيوفيل، لقناة «مايوت لا بريميير» التلفزيونية: «أعتقد أنه سيكون هناك مئات بالتأكيد، وربما نقترب من ألف أو حتى بضعة آلاف» من القتلى، بعد أن دمر الإعصار إلى حد كبير الأحياء الفقيرة التي يعيش فيها نحو ثلث السكان، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أنه سيكون «من الصعب للغاية الوصول إلى حصيلة نهائية»، نظراً لأن «معظم السكان مسلمون ويدفنون موتاهم في غضون يوم من وفاتهم».

صور التقطتها الأقمار الاصطناعية للمعهد التعاوني لأبحاث الغلاف الجوي (CIRA) في جامعة ولاية كولورادو ترصد الإعصار «شيدو» فوق مايوت غرب مدغشقر وشرق موزمبيق (أ.ف.ب)

وصباح الأحد، أفاد مصدر أمني لوكالة الصحافة الفرنسية بأن الإعصار الاستوائي الاستثنائي خلّف 14 قتيلاً في حصيلة أولية. كما قال عبد الواحد سومايلا، رئيس بلدية مامودزو، كبرى مدن الأرخبيل، إن «الأضرار طالت المستشفى والمدارس. ودمّرت منازل بالكامل. ولم يسلم شيء». وضربت رياح عاتية جداً الأرخبيل، مما أدى إلى اقتلاع أعمدة كهرباء وأشجار وأسقف منازل.

الأضرار التي سببها الإعصار «شيدو» في إقليم مايوت الفرنسي (رويترز)

كانت سلطات مايوت، التي يبلغ عدد سكانها 320 ألف نسمة، قد فرضت حظر تجول، يوم السبت، مع اقتراب الإعصار «شيدو» من الجزر التي تبعد نحو 500 كيلومتر شرق موزمبيق، مصحوباً برياح تبلغ سرعتها 226 كيلومتراً في الساعة على الأقل. و«شيدو» هو الإعصار الأعنف الذي يضرب مايوت منذ أكثر من 90 عاماً، حسب مصلحة الأرصاد الجوية الفرنسية (فرانس-ميتيو). ويُرتقَب أن يزور وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، مايوت، يوم الاثنين. وما زالت المعلومات الواردة من الميدان جدّ شحيحة، إذ إن السّكان معزولون في منازلهم تحت الصدمة ومحرومون من المياه والكهرباء، حسبما أفاد مصدر مطلع على التطوّرات للوكالة الفرنسية.

آثار الدمار التي خلَّفها الإعصار (أ.ف.ب)

في الأثناء، أعلن إقليم لاريونيون الواقع أيضاً في المحيط الهندي ويبعد نحو 1400 كيلومتر على الجانب الآخر من مدغشقر، أنه جرى نقل طواقم بشرية ومعدات الطبية اعتباراً من الأحد عن طريق الجو والبحر. وأعرب البابا فرنسيس خلال زيارته كورسيكا، الأحد، تضامنه «الروحي» مع ضحايا «هذه المأساة».

وخفّض مستوى الإنذار في الأرخبيل لتيسير حركة عناصر الإسعاف، لكنَّ السلطات طلبت من السكان ملازمة المنازل وإبداء «تضامن» في «هذه المحنة». واتّجه الإعصار «شيدو»، صباح الأحد، إلى شمال موزمبيق، ولم تسجَّل سوى أضرار بسيطة في جزر القمر المجاورة من دون سقوط أيّ ضحايا.