العراق: تحرك قضائي في أزمة المخطوفين

بعد تهديد قيادات سُنية بتدويل قضية آلاف غيّبتهم فصائل مسلحة

TT

العراق: تحرك قضائي في أزمة المخطوفين

دخل القضاء العراقي على خط أزمة خطف جماعات مسلحة آلاف المواطنين من المحافظات الغربية ذات الغالبية السُنية، بعد تصعيد القيادات السُنية الملف أخيراً، وتلويحها بتدويله في مواجهة «العجز» الحكومي.
ولم تغب المطالبات خلال السنوات الخمس الأخيرة بكشف مصير الآلاف من أهالي محافظات الأنبار وصلاح الدين وديالى ونينوى الذين اختطفتهم فصائل مسلحة في مناطق الرزازة والثرثار والصقلاوية وجرف الصخر. لكن الإعلان الشهر الماضي عن العثور على 31 جثة مجهولة الهوية شمال محافظة بابل، صعّد من الضغوط السُنية خشية أن تعود هذه الجثث لبعض هؤلاء المخطوفين.
ورغم ظهور رئيس البرلمان محمد الحلبوسي وعدد من المسؤولين للإعلان أن هذه الجثث لا تخص المخطوفين بقدر ما هي تعبير عن «حوادث فردية مختلفة»، فإن الزعامات السنية من مختلف الكتل قررت خوض معركة المغيبين والمخطوفين وصولاً إلى التهديد بتدويل قضيتهم بعد عجز الحكومة عن كشف مصيرهم.
وبعد بدء فريق أممي عملية التحقق من الادعاءات بوجود آلاف المخطوفين في سجون سرية، قرر القضاء العراقي الدخول على خط الأزمة. وأعلن مجلس القضاء الأعلى في بيان، أمس، أن رئيس المجلس القاضي فائق زيدان عقد اجتماعاً مع رئيس الادعاء العام موفق العبيدي ورئيس هيئة الإشراف القضائي جاسم العميري، ناقشوا خلاله «ما يثار بخصوص وجود أشخاص مفقودين أو مغيبين». وأضاف أنه «سبق وتلقى المجلس قائمة بالأسماء من عضو مجلس النواب السيد أسامة النجيفي بخصوص ذلك وتم الإيعاز إلى محاكم التحقيق حسب الاختصاص المكاني بتلقي الشكاوى بخصوصهم واتخاذ جميع الإجراءات القانونية لمعرفة مصيرهم، ومنها انتقال السادة القضاة وأعضاء الادعاء العام إلى المواقع التي يدعى أنهم محجوزون فيها للتأكد من مصيرهم بالتنسيق والتعاون مع الجهات الأمنية المختصة».
وقال النائب عن محافظة الأنبار رئيس كتلة «تحالف القوى العراقية» محمد الكربولي إن «إجراءات القضاء العراقي بشأن المغيبين والمخطوفين خطوة بالاتجاه الصحيح من أجل حل هذا الملف». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «قيام القضاء بفتح باب الشكاوى لذوي المفقودين أمر في غاية الأهمية لأن ملف المغيبين والمخطوفين هو أحد الملفات الإنسانية التي تحتاج إلى تضافر كل الجهود الخيّرة من أجل حسمه». ودعا عائلات المغيبين إلى «الإسراع بتقديم شكاواهم أصولياً للمطالبة بمعرفة مصير أبنائهم، وعليهم ألا يخشوا أحداً ما دام أنهم على حق».
وأكد النائب عبد الله الخربيط لـ«الشرق الأوسط» أن «الوقت حان لحسم هذا الملف المعلق الذي طال انتظاره لسنوات من دون أن تبدي الجهات المسؤولة الاهتمام الذي يتناسب مع حجم المشكلة». وأضاف أن «الحل الوحيد لتلافي التدخلات الخارجية وتدويل هذا الملف هو قيام الحكومة وبأقصى سرعة ممكنة بحل هذه القضية التي لطالما أكدنا لشركائنا أننا لا يمكن أن نتنازل عنها تحت أي ذريعة».
وأشار إلى أن «الحل الأمثل هو عودة المهجرين قسراً إلى أراضيهم، وهي الخطوة الأولى للإسراع بحل هذا الملف وتحديد مصير المغيبين والمفقودين عبر لجنة تحقيق يمكن الاستعانة بالمجهود الدولي فيها لتوفير الخبرة ولضمان الشفافية، إضافة إلى تصويب وضعهم القانوني إن كانوا على قيد الحياة أو شهداء ومحاسبة من تولى تغييبهم وخطفهم وتهجيرهم طوال هذه السنوات».
وبحسب «المرصد العراقي لحقوق الإنسان»، فإن «عدد المختفين قسرياً والمفقودين في محافظة نينوى يتراوح بين 12 و15 ألفاً، وفي محافظة الأنبار تجاوز ستة آلاف، بحسب المعلومات الواردة من لجان حكومية وبرلمانية، بينما عدد الذين اختفوا وفُقدوا في محافظة صلاح الدين تجاوز 4 آلاف».
وأكدت «المفوضية العليا لحقوق الإنسان» في العراق أنها تلقت «آلاف البلاغات بشأن فقدان أشخاص، وما زالت في طور التحقق من صحة تلك البلاغات».
وأعلنت «اللجنة الدولية للصليب الأحمر» في بيان، أمس، أنها «تمكنت من تحديد مصير 1500 مفقود على مستوى محافظات العراق بدءا من 2018 ولغاية منتصف العام الحالي». وأضافت أنه «خلال المناسبات التي أقامتها اللجنة في بغداد ومحافظات العراق لتكريم المفقودين وأسرهم، أشارت إلى أن مئات الآلاف من الأشخاص في العراق لا يزالون، إلى اليوم، مجهولي المصير وأن العراق واحد من البلدان التي تضمّ أكبر عدد من المفقودين».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.