الحلقة (7) : الملازم أول معمر شكل «تنظيما عسكريا للثورة» ثم أزاح رفاقه عن الحكم بقسوة

أحمد قذاف الدم يروي لـ {الشرق الأوسط} مسيرة نصف قرن مع القذافي (7 من 10)

القذافي في السنوات الأولى لحكمه مع عدد من مساعديه
القذافي في السنوات الأولى لحكمه مع عدد من مساعديه
TT

الحلقة (7) : الملازم أول معمر شكل «تنظيما عسكريا للثورة» ثم أزاح رفاقه عن الحكم بقسوة

القذافي في السنوات الأولى لحكمه مع عدد من مساعديه
القذافي في السنوات الأولى لحكمه مع عدد من مساعديه

انتقل الطالب معمر القذافي مطرودا من ولاية فزان إلى ولاية طرابلس ليستكمل دراسته الثانوية في مدينة مصراتة. وبعد أن تخرج في الكلية الحربية في بنغازي، أصبح ضابطا يقتني سيارة «فولكس فاغن» ذات لون سماوي، استخدمها في تنقلاته لزيادة عدد «الخلايا المدنية»، بعد أن قام وهو في الكلية الحربية بدخول مرحلة تشكيل «الخلايا العسكرية»، التي ساعدته في الإطاحة بالنظام القديم، لكن زملاءه الضباط الذين قاموا معه بـ«الثورة» كانت لديهم طموحاتهم في الحكم أيضا، فقرر التخلص منهم، من خلال إعادتهم إلى معسكراتهم أو الزج بهم في السجون، أو كما يقول قذاف الدم «كان قاسيا معهم»، لأنه كان يقول لزملائه الضباط إنهم «لم يقوموا بانقلاب لكي يحكموا ليبيا، ولكن ثورة ومهمة، وأن المهمة انتهت».
لكن كيف انتقل معمر من سبها حيث الحر والتراب، إلى مصراتة حيث الأمطار والخضرة. حتى نهاية الخمسينات كان ما زال هناك.. الراديو الخشبي الموجود في ركن الصالة في بيت الضابط قذاف الدم، والد أحمد، في سبها، كان يبث أخبارا عن قيام فرنسا التي كانت تحتل الجزائر بتفجيرات ذرية تجريبية في منطقة برقان بصحراء الجزائر عام 1960. وكان الطالب معمر يجلس في الركن المقابل يستمع إلى الخطب التي تندد بقسوة القوات الفرنسية مع الجزائريين. وفي اليوم التالي، وبعد توجهه إلى المدرسة، حيث تبدو معسكرات الفرنسيين مخيفة وغامضة، خلف قلعة سبها، بدأ في تحريض التلاميذ على الخروج في مظاهرة.
وعقب انتهاء اليوم الدراسي انتقلت مجموعات من هؤلاء الأولاد عبر الشوارع الترابية التي تصطف على جانبيها دكاكين من الصفيح والخشب، يبثون نبأ تنظيم مظاهرة مؤيدة للثورة الجزائرية. وكانت هذه هي المظاهرة قبل الأخيرة التي ينظمها معمر في ولاية فزان، قبل أن يتقرر طرده منها.
كانت إذاعة «صوت العرب» تبث أغنية حماسية تقول «قد عقدنا العزم على أن تحيا الجزائر»، حين جاء رجلان من شرطة الولاية، واقتادا معمر، والبالطو يتطاير حول قدميه، إلى داخل مكتب التحقيقات في المبنى المكتوب على واجهته «المملكة الليبية المتحدة - ولاية فزان - قوة بوليس فزان». وقال له المحقق: «أنت كنت تقود المظاهرة، والمحضر يثبت هذا.. ومصيرك السجن. قل لي ماذا تريد من هذه الأعمال التي تقوم بها. المفيد لك هو أن تذاكر دروسك». لكن الولاية فوجئت بعد ذلك بـ«تورط» الطالب نفسه في التحريض على مظاهرة أكبر من الأولى، في صورة جنازة رمزية للمناضل الأفريقي باتريس لومومبا (كان أول رئيس وزراء منتخب للكونغو أثناء الاحتلال البلجيكي لبلاده) والذي قتل عام 1961.
وبعد أيام مثل معمر أمام المجلس التنفيذي لولاية فزان. وقال له رئيس المجلس: «أنت طالب قادم إلى هنا لكي تتعلم، فما هي علاقتك بالسياسة.. تتزعم المظاهرات وتحرض الطلاب». وتقرر منعه من الدراسة أو الإقامة في فزان. وفي يوم خروج إحدى الشاحنات القليلة في الولاية للسفر إلى الشمال، كان معمر قد ركب في صندوقها مع المسافرين. ومن بعيد كان أقرباؤه وجيرانه وزملاؤه في المدرسة يلوحون له مودعين، بينما الشاحنة تعبر على المدق الترابي وسط النخيل، إلى أن اختفت وراء سحب التراب.
ويقول قذاف الدم إن الطالب معمر التحق بعد ذلك بمدرسة مصراتة الثانوية، التي كانت تتبع ولاية طرابلس. وهناك بدأ يتعرف أكثر على ليبيا وعلى ما يجري فيها، وشاهد هيمنة الطليان على البلاد والمزارع وقسوتهم على الناس، وبدأ يتردد أيضا على طرابلس، ويكتشف القواعد الأجنبية الموجودة في ليبيا، ويشكل «الخلايا المدنية» من مجموعات من الطلاب، فأصبح لديه مجموعات في سبها وأخرى في مصراتة، ثم طرابلس، وغيرها من الضواحي والقرى، بما فيها سرت، مسقط رأسه، بطبيعة الحال. لكنه بدأ يفكر في تشكيل «خلايا عسكرية» أو «تنظيم عسكري»، وهو يتأهب للانتهاء من دراسته الثانوية والالتحاق بالكلية الحربية في بنغازي.
ويضيف: «في السنة الثالثة في الثانوية، اقترح على زملائه أن ينضم كل من لديه القدرة على ذلك للكلية الحربية، وبالفعل دخل هو ومجموعة من أقرانه الكلية في بنغازي، وأصبح هو وزملاؤه نواة لحركة الضباط الأحرار التي ستظهر على سطح الأحداث بداية من الأول من سبتمبر (أيلول) عام 1969. ولم يلتحق بالكلية الحربية طلاب من دفعته الثانوية فقط، بل التحق بها أيضا معظم دفعات الطلاب الذين جاءوا بعده من أولئك الذين كانوا قد انضموا مبكرا للتنظيم المدني».
ويقول قذاف الدم إن أخبار وتحركات معمر لم تنقطع عنه وهو في سبها؛ إذ كان منخرطا في المجموعات المدنية في الجنوب، إضافة للعلاقة العائلية.. «كنا على تواصل بطبيعة الحال. نلتقي إذا ما جئت أنا إلى بنغازي أو إذا جاء هو إلى فزان، وكان إذا ما أتى إلى فزان، يحرضنا على اكتشاف الطلاب النشطين الذين لديهم ميول تحررية ووطنية، بمن فيهم المجموعات الناصرية.. وأحيانا كنا نلتقي في طرابلس في مناسبات تخص الاحتفالات الوطنية (أيام الحكم الملكي).. مثلا في التاسع من أغسطس (آب) بمناسبة تأسيس الجيش، حيث يجري استعراض للقوات المسلحة في طرابلس».
ويواصل قائلا إن معمر حين تخرج في الكلية الحربية (عام 1965) وأصبحت لديه سيارته الفولكس تلك.. «بدأ ينشط أكثر، ويتنقل بها في كل مكان تقريبا، والتحق بجامعة بنغازي لدراسة التاريخ أيضا، واستمر كذلك في متابعة التنظيمين المدني والعسكري. وبدأ التحضير للثورة.. كنا نحن في إقليم فزان قد بدأنا في تشكيل خلايا مدنية كظهير وكخط ثان إذا ما فشلت هذه الثورة، أو انكسرت، أو دخل من يقودونها السجن. بحيث يستمر التواصل لإخراج ليبيا من الوضع البائس الذي كانت فيه».
وجاءت هزيمة 1967 واحتلال إسرائيل لسيناء بمثابة اللكمة التي زلزلت عقول هؤلاء الطلاب والضباط الليبيين المتحمسين لعبد الناصر وقضايا التحرير. ويقول قذاف الدم: «التداعيات التي وقعت في مصر بسبب حرب 1967 أثرت كثيرا في القذافي وفي كل جيلنا، والهزيمة جرحتنا جميعا».
وفي ذلك اليوم، كان قذاف الدم في فزان ومعمر في بنغازي. ويتذكر قذاف الدم قائلا: «سمعت خبر الهزيمة من الراديو. كانت صدمة.. كان الأمر يشبه انكسار الحلم. المفارقة أن ما حدث من يوم 5 حتى يوم 8 يونيو (حزيران) 1967 كان يشبه عملية بسترة في رأسي تجاه عبد الناصر.. سقط من عيوننا فجأة.. وتبدد حلمنا بوحدة الأمة وتحرير فلسطين.. شعرنا بصدمة قد تكون تأثيراتها مستمرة معنا حتى هذه اللحظة، لكن حين خرج عبد الناصر في يوم 9 يونيو، وأعلن تحمله مسؤولية الهزيمة، ورغبته في التنحي، أعاد لنا الثقة فيه بطريقة لا يمكن تخيلها، خرجنا في مظاهرات، لأننا رأينا فيه الرمز الذي يرفض الهزيمة.. أما بالنسبة لمعمر وباقي الضباط الأحرار الذين معه، فبدأوا في التعديل من نشاطهم داخل ليبيا، ويقولون إن مصر حين تعرضت للضرب في عامي 1956 و1967، كان بمساهمة من القواعد الأجنبية في ليبيا التي استخدمت أيضا لدعم العدو الصهيوني.. لذلك أصبح يتولد لدينا شعور بالذنب ونرى أن ليبيا وبدلا من أن تكون رافدا لهذه الأمة تستخدم كقاعدة لتدميرها». ومع تزايد نشاط الضباط وتحركات الفولكس ذات اللون السماوي، قام رئيس شعبة الاستخبارات، فرع بنغازي، باستدعاء معمر لمساءلته عن تحركاته المريبة وفقا لما هو مدون في ملفه العسكري. وبحلول عام 1969 بدأ يشعر بأنه لا بد من القيام بتحرك قبل انكشاف أمره.
ويقول قذاف الدم: «كان موعد (الثورة) قد تحدد بيوم 12 مارس (آذار) 1969، لكنه تأجل لأن جميع رجال الدولة، بمن فيهم الضباط الكبار في الجيش، كانوا في حفل أم كلثوم الذي أقيم في مسرح بنغازي»، وهي المدينة التي ستعلن فيها حركة الضباط الأحرار عن نفسها بعد أقل من خمسة أشهر من الآن. ويضيف أن «الضباط الأحرار لو كانوا قد تحركوا وقاموا بالثورة في تلك الليلة لوقعت مذبحة». وكانت أم كلثوم تشدو بأغنية «الأطلال» التي تقول في ختامها: ربما تجمعنا أقدارنا ذات يوم.. بعد ما عز اللقاء.
وبدت تصرفات الضابط معمر أكثر جرأة من السابق، وحين جاء حفل تخريج دفعة جديدة من ضباط الجيش في بنغازي يوم 9 أغسطس (آب) 1969، كانت السلطات الأمنية والمخابرات العسكرية تستشعر أن هناك أمرا ما سيحدث وأن القذافي الذي يبدو أمام الجميع أنه يقف وحده، لديه ما يعطيه القدرة على التحدي سواء داخل الوحدات أو خارجها. وفي كل يوم كانت تتزايد فيه تحركات السيارة الـ«فولكس فاغن»، كان يتأكد للأمن الحربي أن هناك مشكلة كبيرة قادمة في الطريق. ولهذا صدر أمر باعتقاله، وجرى تكليف مجموعة من الضباط بالقبض عليه أثناء وجوده في فندق الريفييرا في بنغازي يوم 31 أغسطس 1969 ليلا. وفي هذه الأثناء كان القذافي قد أصدر أوامره للوحدات العسكرية التابعة له بالتحرك.
وكان قذاف الدم في سبها بولاية فزان يترقب لحظة الإعلان عن سقوط النظام وصعود نظام جديد.. «كان لدينا علم بساعة الصفر، لأنه عندما قرر الأخ معمر أن يكون يوم الاثنين، الفاتح من سبتمبر، هو يوم التحرك، كان أخي سيد معه، وذلك في آخر اجتماع عقد في طرابلس من أجل انطلاق الثورة. أعتقد أن الاجتماع كان يوم 28 أو 29 أغسطس. كنا على أعصابنا ننتظر ساعة الصفر.. كنت أنا ومعي طلاب ممن كانوا معنا في التنظيم المدني، على أساس نخرج في اليوم التالي في مظاهرات لتأييد الثورة في حال نجاحها، أو الانضمام إلى القوات المسلحة إذا ما حدثت مواجهات.
وفي فزان بدأت التحركات في الحامية العسكرية عن طريق الضباط الأحرار الموجودين في تلك المنطقة.. «طبعا مرت لحظات رهيبة في الانتظار، لأننا كنا نخشى القواعد (العسكرية الأجنبية) التي قمنا بمحاصرتها، لكن لم يقاوم أحد ولم يمت أحد.. كانت ثورة بيضاء». وخرج قذاف الدم يوم الأول من سبتمبر 1969، مع الجماهير في الشارع، ويوضح قائلا: «أما في اليوم الثاني، فدخلنا واقتحمنا المعسكرات، حيث كنت مدربا على السلاح بحكم أن والدي ضابط قوات مسلحة أساسا.. وبعد ذلك توجهت إلى طرابلس والتحقت بمعسكر القيادة التابع للجيش في باب العزيزية، وبسبب انشغال الضباط في الثورة لم تنتظم الدراسة في الكلية الحربية الليبية في العمل إلا بعد سنتين أو ثلاث، ولذلك التحقت بالكلية الحربية في مصر، وكنت ضمن أول دفعة عسكرية ليبية بعد الثورة في 1969». ولم تكن السنوات الأولى من حكم معمر تسير على ما يرام، لأن الخلافات بدأت تدب في أوساط «الضباط الأحرار». ويوضح قذاف الدم هذا الأمر قائلا: «أولا كان هناك فارق كبير بين معمر ومن معه من الضباط. معمر كان لديه حلم، وأنه لم يقم بانقلاب لكي يحكم لا هو ولا زملاؤه.. كانت لديهم مهمة وانتهت هذه المهمة.. وبالتالي لم يكن داخل أول حكومة تشكلت وقتها أي من الضباط الأحرار أو من مجلس قيادة الثورة.. كانت الحكومة حكومة تكنوقراط. وهنا بدأ بعض من الضباط يشعرون أنهم قاموا بعمل جبار دون أن يحصلوا على المكافأة التي يستحقونها».
ويتابع قائلا: كان معمر قاسيا مع هؤلاء الضباط، وتركهم في معسكراتهم.. وكان يعاقبهم عقوبات عسكرية ويضع بعضهم في السجون.. المهم أنه أعاد جميع الضباط الأحرار إلى معسكراتهم، واستعان لفترات معينة، في البداية، ببعض زملائه في وظائف مدنية، مثل عبد السلام جلود، وعبد المنعم الهوني، أما الباقون فبقوا في القوات المسلحة.. حتى مصطفى الخروبي والخويلدي الحميدي بقيا قيادات في القوات المسلحة، ولم تكن لهم علاقة بالعمل المدني. ولا شك أن بعض الأعضاء والضباط كانوا يتطلعون إلى السلطة وحاولوا أن يديروا الكفة وبعضهم كان يرى أن معمر قسا عليهم وأنه كان ينبغي أن يحظوا ببعض الميزات مثل أن يغيروا مساكنهم ويغيروا وضعهم، ورواتبهم. معمر كان قاسيا في هذا الجانب، وبالتالي حاولوا الانقلاب في منتصف السبعينات وفشلوا.
وماذا بالنسبة للقذافي نفسه الذي ظل على رأس السلطة منذ ذلك الوقت. هل كان يطلق عليه الرئيس أم قائد الثورة أم ماذا؟ يقول قذاف الدم: «هو قائد الثورة وهو الذي صنعها، وهو الذي اختار مجلس قيادة الثورة من الضباط الأحرار.. وهو الذي أسس هذا العمل منذ أن كان شابا مدنيا إلى أن وصل إلى هذه النقطة. ثم إن الكثير من الضباط لم يكونوا يعرفون بعضهم بعضا قبل الثورة.. كان القذافي قد شكل التنظيم بطريقة تشبه الخلايا العنقودية، ولا أحد يعرف الآخر. كان هو الوحيد الذي يعرف الضباط الأحرار».
كان البعض من المقربين من القذافي يشعر بالقلق من الهزة التي تشهدها «الثورة» والدولة الليبية في ثوبها الجديد. وكان ذلك في أواخر عام 1972 وبدايات عام 1973. وبينما الوضع كذلك في الداخل الليبي، كانت منطقة الشرق الأوسط تبدو محتقنة بالأحداث الكبرى، وفي القلب منها خطابات السادات التي يعلن فيها عن قرب معركة تحرير سيناء ثم يؤجلها، وكان القذافي كحاكم جديد في طرابلس يعلو بشعارات القومية والتحرر على نهج عبد الناصر، ويؤيد تحركات السادات لشن حرب ضد «العدو الصهيوني».
ويتذكر قذاف الدم تلك الفترة الصعبة قائلا: «حين شعر معمر أن الضباط بدأوا في التفكير في الانقلاب والسيطرة على البلد، ذهب إلى مدينة زوارة (كان ذلك في ربيع 1973) وألقى خطاب زوارة الشهير، وحرض الناس على تسلم السلطة، وقيام المؤتمرات الشعبية، وذلك من أجل قطع الطريق أمام أي محاولة انقلابية على الثورة». ويضيف أن القذافي قال موجها كلامه للجماهير من زوارة: نحن خرجنا من معسكراتنا، ويجب أن نعود إليها جنودا محترفين.. أما مهمتنا فكانت صرخة حرية لهذا الوطن، وأن يحكم الشعب، لذلك خرجنا من فزان، وشكلنا الخلايا المدنية، والعسكرية، والآن على الليبيين أن يتحملوا مسؤوليتهم في الحكم.
وعلى هذا، كما يقول قذاف الدم، بدأت موجة من الاختيار الشعبي المباشر للمسؤولين التنفيذيين. سكان كل منطقة يرشحون رئيس الحي ومدير المستشفى وعميد البلدية والوزير. ويشير إلى أن.. «هذا الأمر زاد من استفزاز بعض الضباط، وعجلوا بنشاطهم المحموم تجاه إسقاط معمر القذافي، لأن السلطة بدأت تفلت من أيديهم، بعد أن قطع عليهم الطريق. وأوقف كل الأحزاب السياسية والبعض دخل السجن والبعض هرب إلى الخارج دون أي سابق إنذار خوفا من بطش الجماهير لأن الناس بدأت تخرج، وكذا خوفا من أن تفلت الأمور وينقض عليهم الناس».
وأمام القرارات التي كانت توصف بأنها «قرارات شعبية» في ذلك الوقت، تراجعت أحلام قادة الأحزاب الشيوعية والليبرالية وجماعة الإخوان والحركات الطلابية. ويقول قذاف الدم: «بعض التنظيمات الشيوعية تحديدا في ذلك الوقت كانت نشطة، وقامت ببعض المظاهرات في الجامعات وبعض المواقع ضد سلطة الشعب، ولكنها كانت ضعيفة ولم يكن لها من مكان بعد أن اكتسب معمر القذافي شعبية قوية.. كما أن القذافي واصل نشاط معسكرات الشباب ومخيماتهم، وكان يأكل معهم ويحاضر فيهم ويبيت معهم عند الخروج للصحراء.. كان مستمرا في توسيع دائرة الخلايا التي سبق وشكلها منذ البداية.. وفي ذلك الوقت، أي قبيل سنة 1975 بقليل بدأ التفكير في الاعتماد على تجربة حركة اللجان الثورية، لتكون الحامي لسلطة الشعب على أن تقوم أيضا بتحريض الجماهير للحكم.. كانت اللجان الثورية مجرد بدايات حينها، إلى أن وضعها القذافي في المحك، وأخذ قرارا بإعلانها مع إعلان «سلطة الشعب» عام 1977.
وماذا عن موضوع «إعدامات الطلاب» في ذلك الوقت؟ يجيب قذاف الدم قائلا: عندما قامت الثورة الشعبية في 1976-1977 وسيطرت اللجان الشعبية على الجامعات، كان هناك طلاب، أعتقد أنهم كانوا شيوعيين أو قوى أخرى، واستهدفهم الطلاب المنخرطون في الثورة الشعبية.. حدثت مواجهات بين الطلاب المناصرين لثورة الفاتح والطلاب المعادين لهم.. وعملوا محاكمات.. كان ذلك قبيل تأسيس اللجان الثورية بالشكل الذي أصبحت عليه فيما بعد.. كان صراعا بين الطلاب، لكن بالتأكيد كانت هناك حالات ظلم، وكانت هناك عمليات مستهجنة من البعض، كما أنه كان هناك من غادر ليبيا خوفا من أن يستهدف، خاصة ممن كانوا ينتمون لبعض الأحزاب السياسية، منها على ما أعتقد جماعة الإخوان المسلمين وبعض البعثيين والشيوعيين.. «هؤلاء رأوا أنه لم يعد لهم مكان، لكن أعدادهم كانت محدودة، لأن ليبيا تربة ليست مناسبة للحزبية بالمعنى الحرفي للكلمة، وها أنت تشاهد اليوم (بعد 2011) التخبط في أوساط هذه الأحزاب الوليدة، لأن ليبيا مجتمع قبلي وأناس بسطاء ولا يؤمنون بهذا الشكل الديمقراطي الغربي».
لكن متى بدأ قذاف الدم يدرك أن القذافي يتبع طريقة معينة في حكم البلاد. هل منذ الأيام الأولى للحكم أم فيما بعد؟ يقول ردا على هذا السؤال إن معمر، منذ أن بدأ «كان توجهه قوميا إسلاميا، ويختلف إلى حد ما عن عبد الناصر في الجانب الإسلامي. معمر كان أقرب إلى السلفية.. كان متعصبا للإسلام، وتطبيق الشريعة، وقد تندرت السيدة جيهان السادات على ما كان يقوم به القذافي بخصوص المرأة وخروجها، وعملها وتدخينها للتبغ.. كان القذافي لديه تحفظات كبيرة في هذا الشأن، في ذلك الوقت، بالإضافة إلى أنه كان قد فرض الصلاة في المقار الحكومية وإيقاف العمل أثناء وقت الصلاة، وقرر وقف كل القوانين التي تخالف الشريعة الإسلامية، وقطع شوطا كبيرا في هذا الاتجاه».
ويضيف: «كما أن القذافي كان متأثرا أيضا، وبشكل كبير، بالأفكار الخاصة بنظم الحكم في اليونان القديمة، وما ذكره الفلاسفة عن حكم الشعب، وأن يكون كل سكان المدينة أعضاء في برلمان المدينة، وغيره مما جاء في أفكار أرسطو وسقراط، بالإضافة إلى تأثره الكبير بنظام الشورى في الإسلام، وأن هذا النظام لا يعني أن يكون هناك برلمان يمثل الناس، وأن التمثيل غير ممكن لأنه لا أحد يستطيع أن يحلم نيابة عن الآخر أو يأكل أو يموت نيابة عنه، وبالتالي، وبدلا من أن يكون لدينا برلمان واحد في العاصمة، يكون لدينا في كل قرية برلمان يعرض عليه نفس ما يعرض على البرلمان من مواضيع من الخبز إلى الحرب، ويصبح هؤلاء كلهم شركاء ونشاورهم في الأمر ونجمع قراراتهم في ملتقى واحد يسمى ملتقى اللجان الشعبية، ومؤتمر الشعب العام، الذي يكون في العاصمة غالبا، ليس لاتخاذ قرارات، وإنما لصياغة قرارات الناس.. وهذه الصيغة هي التي استمر بها».
وتغيرت نظرة القذافي لواحدة من أهم أدوات الحكم، وهي الجيش النظامي. ويقول قذاف الدم: كان القذافي يقول إن مسألة أن يذهب أحد للجيش ويموت دفاعا عن الوطن، بينما الآخر يقيم عمارات ويجني الثروات، أمر لا يليق.. وبالتالي يكون على كل الشعب، كبارا وصغارا، رجالا ونساء، التدرب على السلاح في معسكرات بمناطقهم، وحينما تحين ساعة القتال الكل يشارك، ويعبئ مئات الآلاف من المقاتلين للدفاع عن الوطن، بمعنى أنه كان يرى أن الجيش النظامي بالمعنى التقليدي، انتهى، وأصبح هناك الجيش الشعبي الذي لا يهزم، ولا يهاجم الآخرين. ويصبح للجيش الشعبي معسكرات موجودة وسلاح ومدربون في كل حي وفي كل قرية.. الأسلحة موجودة والكوادر موجودة. وما حدث في فبراير (شباط) 2011، هو أن الناس هجموا على المعسكرات دون أن يعترض طريقهم أحد، لأنها معسكراتهم، وأخذوا أسلحتهم التي تدربوا عليها سلفا، ويعرفونها ويعرفون مخازنها في المعسكرات جيدا».



الحد الأدنى للأجور يفجر تراشقاّ كلامياً بين ملياردير وبرلماني في مصر

مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)
مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)
TT

الحد الأدنى للأجور يفجر تراشقاّ كلامياً بين ملياردير وبرلماني في مصر

مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)
مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)

تفجّرت مشادة كلامية بين رجل الأعمال المصري البارز نجيب ساويرس، وعضو مجلس النواب مصطفى بكري، حول قيمة الحد الأدنى للأجور في البلاد.

وبدأت المهاوشة على خلفية دعوة ساويرس لرفع الحد الأدنى للأجور إلى 15 ألف جنيه شهرياً (الدولار يساوي نحو 47.48 جنيه)، إلا أن الرد من بكري جاء لاذعاً، متهماً رجل الأعمال بـ«البطولة الوهمية»، مطالباً إياه بأن يبدأ بنفسه بتطبيق الحد الأدنى في شركاته قبل أن يطالب الدولة.

رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس (صفحته الرسمية)

كان نجيب ساويرس قال قبل أيام، خلال كلمته في مؤتمر توظيفي، إن مؤسسة «ساويرس للتنمية الاجتماعية» تواصل جهودها في دعم وتأهيل الشباب لسوق العمل، بما يسهم في رفع دخولهم من مستويات متدنية قد لا تتجاوز ألفي جنيه إلى نحو 14 و15 ألف جنيه، وهو ما اعتبره «الحد الأدنى الضروري للمعيشة وضمان حياة كريمة للمواطن في ظل التضخم الحالي».

وقرر «المجلس القومي للأجور» في فبراير (شباط) الماضي زيادة الحد الأدنى من 6 آلاف جنيه لتصل إلى 7 آلاف جنيه بدأ تطبيقها في مارس (آذار) الماضي.

وتأتي دعوة رجل الأعمال المصري وسط مطالبات مجتمعية وبرلمانية متزايدة برفع مستويات الدخل في ظل ارتفاع أسعار السلع الأساسية والخدمات وتكاليف المعيشة، ومع تذبذب مؤشرات التضخم.

وأصدر البنك المركزي المصري، الأربعاء الماضي، بالتنسيق مع الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بيان التضخم عن نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، الذي أظهر استمرار التراجع الطفيف في وتيرة ارتفاع الأسعار؛ حيث بلغ معدل التضخم السنوي في الحضر 12.3 في المائة مقارنة مع 12.5 في المائة في أكتوبر (تشرين الأول) السابق عليه.

ورغم أن مطلب ساويرس لاقى دعماً شعبياً واسعاً، وهو ما اتفق عليه أيضاً البرلماني والإعلامي مصطفى بكري، فإنه أضاف في تغريدة له على حسابه بمنصة «إكس»، موجهاً حديثه لرجل الأعمال: «ما رأيك أن تبدأ أنت بالمبادرة وترفع رواتب الموظفين عندك»، واتهم ساويرس بأن رواتب الأغلبية لديه «لا تتعدى 5760 جنيهاً شهرياً، وهناك من هو أقل من ذلك».

وأثارت هذه المهاوشة الافتراضية تفاعلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انقسمت الآراء بين من يرى أن ساويرس يسلط الضوء على قضية فعلية تتعلق بضعف الأجور، ومن يعتبر أن بكري محق في مطالبته لرجل الأعمال بأن يكون قدوة في مؤسساته الخاصة قبل أن يطالب الدولة بالتغيير.

وأيد كثير من نشطاء التواصل الاجتماعي أن يكون الحد الأدنى للأجر 15 ألف جنيه، وتمنوا أن يصل صوت ساويرس إلى المسؤولين في مصر.

كما تفاعل عدد من الإعلاميين مع ما نادى به رجل الأعمال، وقال الإعلامي عمرو أديب، خلال برنامجه «الحكاية»، مساء الأحد، «إن مصر تحتاج إلى وزارة للرحمة، وأن المجتمع المصري لن ينجو بالاقتصاد ولكن سينجو بالرحمة».

وأشار إلى أنه طالب بهذا الرقم قبل سنوات ما عرضه للانتقاد وقتها، موضحاً «أن الحد الأدنى الحالي للأجور البالغ 7 آلاف لا يطبق في أغلب الشركات».

بدوره، قال الإعلامي محمد علي خير، في برنامجه «المصري أفندي»، إن ملف الأجور في مصر أصبح أحد أخطر ملفات العدالة الاجتماعية، مشدداً على أن الدخول الحالية لم تعد قادرة على تلبية الحد الأدنى من متطلبات المعيشة، خصوصاً للشباب المقبل على الزواج.

وأضاف: «الحديث عن أجور 4000 و5000 و6000 و7000 جنيه لم يعد مقبولاً في ظل الغلاء الحالي وتراجع القدرة الشرائية»، مؤكداً أن الأجور في مصر تحتاج إلى تغيير جذري وليس حلولاً شكليةً.

كما تبادل العديد من النشطاء الرؤى حول الحد الأدنى المناسب للراتب، لضمان حياة كريمة للملايين من العاملين.

وتطور الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص المصري منذ إقراره لأول مرة في يناير (كانون الثاني) 2022، حيث بدأ بـ2400 جنيه، ثم ارتفع إلى 2700 جنيه في يناير 2023، و3000 جنيه في يوليو (تموز) 2023، ثم 3500 جنيه في يناير 2024، و6000 جنيه في مايو (حزيران) 2024، ليصل إلى 7000 جنيه اعتباراً من مارس 2025.

في المقابل، انتقد بعض المدونين كلمات بكري المنتقدة لمطلب رجل الأعمال البارز، مطالبين إياه بمساندة ساويرس في كلامه بدلاً من السخرية منه. كما طالبه آخرون، كونه إعلامياً بارزاً وصوتاً للمواطن في البرلمان، بفتح النقاش عن الحد الأدنى للرواتب والمعاشات.

بينما سخر طرف ثالث من المهاوشة الافتراضية، لافتين إلى أن طرفيها رجلان يملكان الملايين، ويتنازعان حول أجور ومستحقات البسطاء، في حين أن المحصلة النهائية ستكون غياب أي نتيجة إيجابية من الطرفين.


أزمة تمويل تهدد معيشة اليمنيين خلال العام المقبل

فجوة كبيرة في التمويل الدولي الموجه إلى المساعدات وأعمال الإغاثة في اليمن (إ.ب.أ)
فجوة كبيرة في التمويل الدولي الموجه إلى المساعدات وأعمال الإغاثة في اليمن (إ.ب.أ)
TT

أزمة تمويل تهدد معيشة اليمنيين خلال العام المقبل

فجوة كبيرة في التمويل الدولي الموجه إلى المساعدات وأعمال الإغاثة في اليمن (إ.ب.أ)
فجوة كبيرة في التمويل الدولي الموجه إلى المساعدات وأعمال الإغاثة في اليمن (إ.ب.أ)

على الرغم من أن التدخلات التنموية في اليمن تمكّنت من إحداث فارق ملموس في تحسين سبل العيش، تزداد تحذيرات وكالات الأمم المتحدة من اتساع فجوة تمويل الأعمال الإنسانية في اليمن، مع سعيها إلى الاستجابة الطارئة لحماية الأطفال والفئات الأكثر هشاشة من الوصول إلى مستويات شديدة من نقص الاحتياجات.

نفاد الإمدادات

وأعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) عن حاجتها إلى 126.25 مليون دولار، لتنفيذ خطتها الإنسانية في البلاد للعام المقبل، وضمان استمرار خدمات الصحة والتغذية والمياه والتعليم والحماية لملايين الأطفال الذين يعتمد غالبيتهم على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة، محذرة من أن استمرار التدهور قد يحرم أعداداً متزايدة من الرعاية الأساسية.

وتراجعت حاجة «اليونيسف» إلى تمويل نشاطها في اليمن للعام المقبل بنسبة 40 في المائة عن العام الحالي، الذي طلبت فيه تمويلاً بمبلغ 212 مليون دولار.

ونبهت المنظمة الأممية إلى أن إغلاق أكثر من 3000 مركز تغذية، ونفاد الإمدادات الحيوية بحلول أوائل العام المقبل، يجعلان حياة مئات الآلاف من الأطفال عرضة للخطر.

ملايين الأطفال اليمنيين يواجهون خطر سوء التغذية ونقص الخدمات الصحية (الأمم المتحدة)

بدورها، أطلقت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) نداء تمويلياً بقيمة 86.57 مليون دولار، لدعم سُبل العيش الزراعية وتعزيز القدرة على الصمود لنحو 9.15 مليون شخص في اليمن خلال العام نفسه.

تدخلات زراعية

تقدّر «فاو» أن اليمن يُعد ثالث أكبر أزمة غذاء في العالم، حيث يواجه أكثر من نصف السكان مستويات حرجة من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بينهم نحو 41 ألف شخص معرضون لخطر المجاعة، بعد عقد من بدء النزاع المسلح، والتطورات الأخيرة التي عطّلت سلاسل التوريد، إلى جانب الانهيار الاقتصادي والتغيرات المناخية القاسية.

ويتوقع المنسق العام للجنة اليمنية العليا للإغاثة، جمال بلفقيه، أن نقل مكتب منسق الشؤون الإنسانية إلى العاصمة المؤقتة عدن سيساعد بشكل كبير على تنفيذ خطط الاستجابة الإنسانية وتغيير مسار العمل الإنساني وبيان أثرها، داعياً إلى الشراكة بين المنظمات الدولية والقطاع الخاص في اليمن، لتوفير السلع الأساسية والشراء من السوق المحلية.

فجوة تمويل الإغاثة في اليمن تهدد بتراجع كبير في القدرة الشرائية للسكان وفق خبراء (أ.ف.ب)

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط» يبدي المسؤول الإغاثي الحكومي قلقه من أن اختطاف الجماعة الحوثية العاملين في الوكالات الأممية، وممارسة الابتزاز باستخدام الورقة الإنسانية سيعوقان أداء المنظمات ويؤثران سلباً على الدعم الخارجي، مبدياً تفاؤله بأن تؤدي الإجراءات الاقتصادية الحكومية إلى تحسين أسعار المواد الأساسية، مما يساعد في تحسين القوة الشرائية.

وتوضح الوكالة الأممية أن 17.68 من التمويل سيُوجّه إلى صالح تدخلات زراعية طارئة لتحقيق تعافي سُبل المعيشة، ويشمل ذلك توزيع البذور، وتطعيم الماشية، وإعادة تأهيل البنى التحتية الزراعية والمائية، في مساعٍ للحد من اعتماد السكان الكامل على المساعدات الغذائية، فيما سيُستخدم المبلغ المتبقي لتعزيز القدرة على الصمود للفئات المستهدفة.

وبسبب مواجهة برنامج الغذاء العالمي عجزاً كبيراً في تمويله، تم تقليص المستفيدين من خدماته إلى النصف، وهو ما سيؤدي إلى انخفاض القدرة الشرائية وسحب ما بين 200 و300 مليون دولار سنوياً من الأسواق المحلية، حسبما أورده المستشار الاقتصادي في مكتب الرئاسة اليمنية، فارس النجار.

تعزيز صمود الريف

وبينما يحتاج البرنامج الأممي إلى أكثر من 300 مليون دولار للستة الأشهر المقبلة، لم يحصل سوى على 106 ملايين دولار فقط.

طفل يتلقى العلاج من سوء التغذية في أحد مستشفيات صنعاء (الأمم المتحدة)

ويقدّر النجار أن سوء التغذية سيؤدي إلى خسارة مستقبلية في إنتاجية الفرد ما بين 10 و15 في المائة، مما يعني اقتصاداً أصغر وناتجاً أقل لعقد كامل إذا لم تجرِ حماية الفئات الأضعف، لافتاً إلى أن عدم تمويل خطة الاستجابة الإنسانية سيضع اليمنيين أقرب من أي وقت مضى أمام سيناريوهات المجاعة.

في غضون ذلك، كشف الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد) عن أن التدخلات التنموية متوسطة المدى يمكن أن تُحدث فرقاً ملموساً حتى في ظل استمرار النزاع، وأن هذه التدخلات عززت من تحسين سبل العيش والأمن الغذائي لعشرات الآلاف من السكان في المناطق الريفية في اليمن، رغم استمرار النزاع وانهيار البنية التحتية والخدمات الأساسية.

جاء ذلك بعد أن أظهر مشروع تنمية سبل العيش الريفية، المنفذ بين عامَي 2021 و2024، أن تحسين الوصول إلى المياه وتحديث أنظمة الري أسهما في خفض استهلاك المياه بنسبة وصلت إلى 80 في المائة، إلى جانب زيادة الإنتاج الزراعي، وتحسين دخل آلاف الأسر في خمس محافظات يمنية.

تنمية سبل العيش الريفية تُسهم في تحسين الإنتاج الزراعي وتحسين دخل آلاف الأسر (إيفاد)

وذكر «إيفاد»، في تقرير حديث، أن إجمالي تمويل المشروع وصل إلى 5.3 مليون دولار، وشمل 5 محافظات و31 مديرية، واستفاد منه أكثر من 84 ألف شخص في نحو 12 ألف أسرة ريفية. وركزت التدخلات على تحسين الوصول إلى المياه، وإعادة تأهيل أنظمة الري، وحماية الأراضي الزراعية من الفيضانات، بالإضافة إلى دعم المزارعين بمدخلات زراعية وتدريب تقني.

ونوه «إيفاد» إلى أن اعتماد نهج التعاقد المجتمعي، بالشراكة مع صندوق التنمية الاجتماعية ومنظمة الأغذية والزراعة (فاو)، مكّن المجتمعات المحلية من قيادة عملية التخطيط والتنفيذ، مما عزّز الحوكمة المحلية والتماسك الاجتماعي في بيئات تعاني هشاشة مؤسسية شديدة.

وبيّن التقرير أن تحديث البنية التحتية المائية أسهم في خفض استهلاك مياه الري بنسبة تتراوح بين 70 و80 في المائة، وتحسين إنتاجية المزارعين، إلى جانب حماية 131 هكتاراً من الأراضي الزراعية. كما استفاد أكثر من 3300 مزارع من المدارس الحقلية والأعمال الزراعية، فيما تلقت 4000 امرأة ورجل تدريبات في مجالات التغذية والزراعة المنزلية.


مصر تستكمل ماراثون الانتخابات البرلمانية وسط جدول مزدحم

المصريون بالأردن يصوتون في المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب (أ.ش.أ)
المصريون بالأردن يصوتون في المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب (أ.ش.أ)
TT

مصر تستكمل ماراثون الانتخابات البرلمانية وسط جدول مزدحم

المصريون بالأردن يصوتون في المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب (أ.ش.أ)
المصريون بالأردن يصوتون في المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب (أ.ش.أ)

تستكمل مصر ماراثون الانتخابات البرلمانية بانطلاق جولة الإعادة للمغتربين بالمرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب، الاثنين، وسط جدول انتخابي مزدحم، عدّه خبراء «منهكاً» لكل من المرشحين والناخبين، مع استحداث جولات جديدة طرأت على أجندة الانتخابات بسبب إلغاء نتائج انتخابات بعض الدوائر لـ«مخالفات»، والطعن على نتائج دوائر أخرى.

وانطلقت عمليات الاقتراع في جولة الإعادة بالمرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب المصري «الغرفة الأولى للبرلمان» يومي الاثنين والثلاثاء، بينما يجري التصويت بالداخل يومي الأربعاء والخميس المقبلين.

جولات انتخابية جديدة في اقتراع مجلس النواب المصري (حزب الدستور)

وفي سابقة لافتة يصوت المصريون في انتخابات مجلس النواب على مراحل ممتدة، تصل إلى 7 جولات انتخابية، على خلفية إلغاء نتائج عدد من الدوائر، حيث أصدرت «المحكمة الإدارية العليا» بمجلس الدولة، وهي أعلى محكمة إدارية، نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أحكاماً ببطلان الانتخابات في نحو 30 دائرة بانتخابات المرحلة الأولى، عقب فحصها طعوناً تقدم بها مرشحون.

وسبق ذلك قرار «الهيئة الوطنية للانتخابات» بإلغاء نتائج الانتخابات في 19 دائرة بالمرحلة الأولى، عقب حديث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن «مخالفات»، بالمرحلة الأولى التي انطلقت في 10 نوفمبر الماضي.

وكان مقرراً إعلان النتيجة النهائية لانتخابات مجلس النواب في 25 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، بحسب الخريطة الزمنية التي أعلنتها «هيئة الانتخابات» قبل انطلاق الاقتراع، غير أنها أدخلت تعديلات عليها ليكون الإعلان النهائي عن النتيجة في 10 يناير (كانون الثاني) المقبل.

في سابقة استثنائية يصوت المصريون في انتخابات النواب عبر 7 جولات (حزب الدستور)

ويرى نائب مدير مركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بمصر، عمرو هاشم ربيع، أن تعدد وطول جولات التصويت والإعادة يصيب الناخبين بـ«الملل» و«الإحباط»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «7 جولات مرهقة جداً للناخبين والمرشحين، كما أصيبت الأحزاب المشاركة بالإنهاك والارتباك»، وبحسب ربيع، فإن «طول الجولات لن يؤثر في النتائج النهائية للانتخابات»، لكن تأثيره واضح في «نسبة المشاركة المتدنية».

وتثير انتخابات مجلس النواب المصري جدلاً واسعاً قبل بدايتها؛ إذ طالبت أحزاب عدة بتطبيق نظام «القائمة النسبية» لضمان تمثيل عادل لجميع الأحزاب والقوى السياسية، بديلاً عن النظام المطبَّق حالياً، ويعتمد قانون الانتخابات الحالي نظاماً انتخابياً مختلطاً، بواقع انتخاب نصف المقاعد فردياً، في حين أن النصف الآخر يُنتخب بنظام «القوائم المغلقة المطلقة»؛ ما يعني فوز أعضاء القائمة بالكامل حال تحقيقها أعلى الأصوات.

أحزاب مصرية تحشد قوتها لاستكمال جولات الانتخابات (حزب مستقبل وطن)

وفي رأي خبير النظم والتشريعات البرلمانية عبد الناصر قنديل، فإن تعدد وامتداد جولات الإعادة أفرزا مشهداً انتخابياً «مرتبكاً»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «وصول مراحل الإعادة إلى 7 جولات ماراثون وعملية استثنائية لم تحدث في تاريخ الحياة البرلمانية المصرية، فهي أطول عملية اقتراع في تاريخ مصر، وهو مشهد سيغير الكثير، ويطيح بثوابت عدة».

وبحسب قنديل: «اضطر كثير من المرشحين إلى تغيير تكتيكاتهم الانتخابية التي كانوا يعتقدون أنها ستضمن لهم الفوز منذ الجولة الأولى».

وتقتصر جولات الإعادة على المقاعد الفردية، التي طالها إلغاء النتائج؛ إذ سبق أن أعلنت «الهيئة الوطنية للانتخابات» فوز «القائمة الوطنية من أجل مصر»، التي تضم 12 حزباً، بمقاعد المرحلة الأولى، وخاضت المنافسة منفردة دون وجود قوائم منافسة.

ويعتقد قنديل أن «المشهد الانتخابي الحالي ضاغط على الأحزاب السياسية، التي لم تتعود أيضاً على هذا التطويل، وهو ما أثر سلباً في قدرتها حشد الناخبين»، وبحسب قنديل، فإن «الهيئة الوطنية للانتخابات تعاملت بكفاءة فنية واضحة مكنتها من وضع جدول زمني استثنائي لجميع المراحل رغم ضيق الوقت».

ويشهد البرلمان المقبل وجود 596 نائباً، بينهم 568 عضواً بالانتخاب، و28 عضواً بنسبة 5 في المائة يعينهم رئيس الجمهورية. ولا يزال يدور التنافس حول 195 مقعداً داخل دوائر الإعادة في المرحلتين الأولى والثانية بجانب الدوائر المُلغاة التي تُعاد انتخاباتها، وفقاً لـ«هيئة الانتخابات».