الإدارة الكردية لـ«اجتثاث البعث» من المدارس... ودمشق ترفض الاعتراف بوثائق التعليم

تواكب الموسم الدراسي الجديد في شمال شرقي سوريا

تلاميذ في مدارس شرق سوريا (الشرق الأوسط)
تلاميذ في مدارس شرق سوريا (الشرق الأوسط)
TT

الإدارة الكردية لـ«اجتثاث البعث» من المدارس... ودمشق ترفض الاعتراف بوثائق التعليم

تلاميذ في مدارس شرق سوريا (الشرق الأوسط)
تلاميذ في مدارس شرق سوريا (الشرق الأوسط)

منحَ انسحاب النظام السوري الأكراد فرصة لتشكيل إدارات ذاتية في مناطق يشكلون فيها غالبية سكانية، وفرضت في شمال شرقي البلاد المنهاج الكردي إلى جانب العربي والسرياني في جميع المدارس والمجمعات التربوية الخاضعة لنفوذ «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من التحالف الدولي بقيادة أميركية.
كما أنها منعت من تدريس المنهاج الحكومي وتوزيع الكتاب الرسمي الصادر عن وزارة التربية في المدارس الواقعة تحت سيطرتها، وقامت منذ إعلان الإدارة الذاتية بداية 2014 بتأليف منهاج دراسي جديد يشمل كافة المراحل التعليمية بما فيها الثانوية العامة، وطبعت لهذا الغرض نحو 4 ملايين و882 ألف كتاب للعام الدراسي الجاري (2019 – 2020)، ليتم توزيعها على التلاميذ خلال الشهر الحالي.
ولدى حديثها إلى جريدة «الشرق الأوسط» من مكتبها في مدينة القامشلي، تقول سميرة الحاج علي رئيسة «هيئة التربية والتعليم» بالإدارة الذاتية المُعلنة من قبل أكراد سوريا: «الطلبة الذين بدأوا دراستهم بمنهاج الإدارة بشكل متسلسل من الأول حتى تاريخه مستواهم جيد جداً، لكن الذين درسوا المرحلة الإعدادية ولم يدرسوا الابتدائية نفس المنهاج واللغة يلاقون صعوبة بالتعلم».
وتشرف الإدارة الذاتية على تدريس ما يزيد عن 300 ألف تلميذ، يرتادون نحو 3 آلاف مدرسة ومجمع تربوي في مناطق الجزيرة والتي تشمل محافظة الحسكة ونواحيها ومدينة القامشلي وريفها، وبلغ عدد الكادر التدريسي للعام الجاري نحو 30 ألف مدرس ومدرسة يتقاضون رواتبهم من الإدارة.
وتختلف طرائق التدريس لديها عن مثيلاتها المتبعة لدى الحكومة السورية، إذ لا تعتمد على المذاكرات الشفهية والامتحانات الكتابية، والطالب لا يقيم بدرجة الامتحان النهائية لانتقاله إلى مرحلة جديدة، وتضيف الحاج علي: «قمنا بفتح دورات تقوية في اللغة لطلاب الإعدادية والعاشر الثانوي من أجل مساعدتهم بهدف تحسين مستواهم، فالجميع يحبون التعلم بلغتهم الأم كما لديهم القدرة في التعبير بشكل أفضل».
وعمدت الإدارة الذاتية إلى إغلاق المدارس والمعاهد التي تعتمد المنهج الحكومي في محافظة الحسكة ومدينة القامشلي، الأمر الذي تسبب بخلاف مع قسم من الطائفة المسيحية والمكون العربي، ونقل المدرس شمعون والذي يعلم في مدرسة حكومية بمدينة القامشلي: «نعم، الكل يريد التعلم بلغتنا الأم وهو حق من حقوق كل الشعوب في المنطقة، لكن المشكلة الرئيسية تكمن في قضية الاعتراف بهذه المناهج والشهادات».
بيدّ أنّ سميرة الحاج علي اعتبرت أنها المرة الأولى التي يدرس فيها اللغة السريانية في منطقة الشرق الأوسط، وبأنّ طائفة السريان أبدوا ارتياحهم لأنها لم تكن تدرّس سابقاً في المدارس الرسمية، ولفتت قائلة: «كانت تقتصر على الكنائس وإعطاء دروس دينية، فمناهج الإدارة تضمن حقوق التعلم باللغة الأم للجميع، وكل مكون يدرس مادة لغة المكون الثاني للتعرف على ثقافته وتاريخه وتقاليده».
شهادات غير مُعترفة...
وتعمل مديريات التربية والتعليم التابعة للإدارة الذاتية إلى جانب مديريات التربية الحكومية والأخيرة تدرس المنهاج السوري الصادر عن وزارة التربية والتعليم بدمشق، في المناطق الخاضعة لنفوذ القوات النظامية الموالية للأسد في مربعين أمنيين بمراكز مدينتي الحسكة والقامشلي، ويتقاسمون نفس المدارس وكل جهة تدرس منهاجها.
ولمْ يخفِ باران (37 سنة) المتحدر من مدينة القامشلي ويسكن في حي السياحي الواقع بالقرب من المربع الأمني الذي تحتفظ به القوات الموالية للحكومة، خشيته على مستقبل أبنائه وبقية الجيل الذي يتعلم في مدارس الإدارة، وراح يقول: «لماذا أرسل أطفالي لمدرسة وهم بالأساس لم يتعلموا المنهاج الكردي، شهادات الإدارة غير معترف بها لا سورياً ولا دولياً، وهذا سبب كاف لامتناعي عن إرسالهم»، وذكر بأن قسما من سكان القامشلي فضلوا أن يتعلم أبناؤهم في مدارس تعتمد المنهاج الحكومي، وامتنعوا عن إرسالهم إلى مدارس الإدارة.
وترفض الحكومة السورية الاعتراف بالإدارة الذاتية الكردية المُعلنة منذ 2014. بالتالي لا تعترف بالمنهاج والمقررات الدراسية التابعة لها، وتؤكد إصرارها على استعادة كامل الأراضي التي خرجت عن سيطرتها، بما فيها مناطق الأكراد التي توجد فيها قوات أميركية وفرنسية وإيطالية، ضمن التحالف الدولي بقيادة واشنطن.
وشدّدت الحاج علي بأنهم ماضون في العملية التعليمية رغم عدم الاعتراف من قبل وزارة التربية الحكومية، أو انتزاع اعتراف رسمي من هيئات دولية كمنظمة اليونيسف التابعة للأمم المتحدة، وعلقت: «نحن مصرون تدريس مناهجنا في المدارس الخاضعة للإدارة، ونحضّر لافتتاح كليات ومعاهد خاصة. هذا العام قمنا بافتتاح سبع كلّيات تابعة لجامعة (روجا افا) الخاصة»، والأخيرة جامعة تتبع الإدارة الذاتية، وأعربت المسؤولة الكردية بأنّ هدفهم بناء الطالب من كلّ النواحي، «نقدّم له كلّ الدعم حتى يكمل دراسته في المجال الذي يرغب فيه. لا نريد لأطفالنا أن يتعلّموا ثقافة البعث التي تفرض على المدارس والطلاب».
وكشف مصدر تربوي تابع للحكومة السورية في الحسكة بأنّ عدد الطلاب المتضررين الذين انقطعوا عن التعليم الحكومي، بعد فرض الإدارة الذاتية مناهجها الدراسية، بلغ نحو 52 ألف طالب بين عامي 2014 و2016. ووصل العدد إلى الضعف خلال أعوام 2017 و2019 بعد فرض المنهاج على طلبة العاشر الثانوي.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.