أبو قتادة والمقدسي يشكلان رأس حربة ضد «داعش»

بعد إطلاق سراحهما.. توقعات بتكيّفهما مع الأوضاع المحلية وتجنب الصدام مع السلطات الأردنية

أبو قتادة (يمين) وأبو محمد المقدسي في صورة نادرة عقب الإفراج عن الأول («الشرق الأوسط»)
أبو قتادة (يمين) وأبو محمد المقدسي في صورة نادرة عقب الإفراج عن الأول («الشرق الأوسط»)
TT

أبو قتادة والمقدسي يشكلان رأس حربة ضد «داعش»

أبو قتادة (يمين) وأبو محمد المقدسي في صورة نادرة عقب الإفراج عن الأول («الشرق الأوسط»)
أبو قتادة (يمين) وأبو محمد المقدسي في صورة نادرة عقب الإفراج عن الأول («الشرق الأوسط»)

جاءت زيارة التهنئة، التي قام بها منظر التيار السلفي أبو محمد المقدسي (عاصم طاهر البرقاوي)، إلى زعيمه الروحي عمر عثمان والمعروف بـ«أبو قتادة»، أول من أمس الأربعاء في منزله، بعد قرار محكمة أمن الدولة الأردنية ببراءته والإفراج عنه، رسالة واضحة وصريحة لأعضاء التيار السلفي داخل الأردن وخارجه بأن هناك شيئا ما يطبخ على نار هادئة دون ضجيج إعلامي من وحدة التيار الذي انقسم على نفسه في الآونة الأخيرة بعد صعود نجم تنظيم داعش وإعلانه الخلافة الإسلامية والتي تمثل إرث أبو مصعب الزرقاوي وبين جبهة النصرة التي تمثل إرث زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن.
وبدا واضحا أن نقاشات مهمة عقدت بين الزعيمين المهمين في التيار السلفي الجهادي أثناء حفل الاستقبال، إلا أنه لم يتسرب منها شيء خاصة أنهما من أشد المعارضين لتنظيم داعش، الذي وصفه أبو قتادة بـ«كلاب جهنم»، إلا أنه رفض تأييد التحالف الدولي لمحاربتهم.
ويرى محامي التنظيمات الإسلامية موسى العبد اللات أن الإفراج عن أبو قتادة من قبل محكمة أمن الدولة، وقبله الإفراج عن أبو محمد المقدسي، يشكل نقطة تحول في العمل السياسي لدى أعضاء التيار المنقسم على نفسه بين مؤيد لتنظيم داعش وآخر لجبهة النصرة.
وأضاف العبد اللات لـ«الشرق الأوسط» أن الأيام المقبلة ستشهد حراكات بين أعضاء التيار السلفي الجهادي من أجل المناداة لوحدة الصف لأعضاء التيار في ظل التحالف الدولي الذي أعلن الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والتنظيمات الأخرى جبهة النصرة وأحرار الشام وخراسان وغيرها. وقال العبد اللات إن الغرض من هذه الحراكات الخروج بموقف موحد تجاه دول التحالف وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية.
من جانبه، يرى المحلل المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية، مروان شحادة، أن أعداد المؤيدين لتنظيم داعش أكثر من مؤيدي «النصرة» في الأردن. وأضاف شحادة أن الضربات الأميركية ستلعب دورا أساسيا في جعل خطاب تنظيم الدولة أكثر قبولا وتعاطفا لدى الشبان، مشيرا إلى أن تدخل بعض الأنظمة السياسية في الضربات الأميركية سيجعلها هدفا للمجموعات الجهادية.
وقامت السلطات الأردنية خلال شهر أغسطس (آب) الماضي والشهر الحالي بحملة مداهمة واعتقالات ضد مناصري تنظيم داعش وجبهة النصرة، إلا أن العدد المؤيد لـ«داعش» كان أكبر من أعداد المؤيدين لـ«النصرة» بنسبة 80 في المائة لمؤيدي «داعش» و20 في المائة لجبهة النصرة.
على الصعيد ذاته، يرى الكاتب والمحلل السياسي محمد أبو رمان أن هناك علاقة شخصية تربط أبو قتادة وأبو محمد المقدسي، وأن الرجلين قريبان من جبهة النصرة وينحازان لها، وفي المقابل يوجّهان نقدا شرسا لـ«داعش». وربما «أبو قتادة» نفسه قدّم (إلى الآن) أعمق نقد لإعلان التنظيم تأسيس ما يسمى بـ«الخلافة الإسلامية»، عبر مقال مطول كتبه بعنوان «ثياب الخليفة»، فنّد فيه حجج «داعش» في الإقدام على هذه الخطوة، برؤية فقهية شرعية متينة، تتأسس على «مدونة» الإسلامي ذاتها. ويضيف أبو رمان أن الإفراج عن المقدسي ثم أبو قتادة، بالتزامن مع ما قدّماه من مواقف حادة نقدية تجاه «داعش»، بمثابة «صفقة» مع المؤسسة الرسمية. لكنّ هذا التحليل ليس دقيقا؛ فهناك أبعاد قانونية وسياسية أخرى في الموضوع، على الرغم من أن هذه الفتاوى ساعدت الدولة على مواجهة تنامي تأثير «داعش» في أوساط التيار السلفي الجهادي المحلي، خاصة أن النقد يأتي ممن أسسا هذه الآيديولوجيا، وأسهما في بناء أفكار التيار؛ ليس فقط محليا، بل إقليميا وعالميا.
وقال «مع من أن كلا الرجلين انحاز إلى تنظيم آخر يرتبط عضويا بـ(القاعدة)، وهو جبهة النصرة، وتشمله الحرب الراهنة مع (داعش)، فإن هنالك مدى أبعد لما قدّماه من آراء نقدية وفتاوى ضد (داعش)، ويتمثّل في المراجعات التي تجري في أوساط سلفية جهادية تجاه ما حدث مع التيار. وهي مراجعات لا تمسّ البنية الآيديولوجية الصلبة (مثل أفكار الحاكمية والجهاد)، إلا أنّها تدوّر بعض الزوايا الحادة، وتعيد النظر في الموقف من قضايا تبنّاها التيار في الأردن خلال العقدين الماضيين.
ولعل أهم ما في هذه المراجعات خلال الآونة الأخيرة، بالإضافة إلى الموقف الصارم من «داعش»، يتمثّل في تبنّي مبدأ «سلمية الدعوة» في الأردن، ورفض القيام بأعمال عسكرية أو أمنية. وهو ما يصطدم مباشرة مع الجناح الآخر في التيار، المتأثر بـ«داعش» وبميراث أبو مصعب الزرقاوي الذي أشرف بنفسه (قبل مقتله) على التخطيط لتفجيرات الفنادق في عمان عام 2005. وأشار إلى أن المسار الذي يمكن أن يرسمه أبو قتادة مع المقدسي خلال الفترة المقبلة؛ سيوضح ما إذا كان سيندفع باتجاه التكيّف مع الأوضاع المحلية وتجنب الصدام مع السلطات واستئناف المراجعات وتمديدها، أم أنّ استهداف «جبهة النصرة» بالإضافة إلى «داعش» في الحرب الراهنة، سيعطّل ذلك، ويحدّ من التمادي في هذا الاتجاه.
ويخلص الخبراء إلى أن براءة «أبو قتادة» تأتي في سياق متصل مع عملية تنظيم العلاقة بالتيار السلفي التي عمد إليها الأردن مؤخرا كواحد من خياراته لمواجهة الفكر التكفيري المتطرف، خاصة أن التجربة أثبتت أن التصعيد مع «المتشددين» الذين يملكون سعة للحوار والسماح بالاختلاف يفتح الباب لتزايد الفكر التكفيري المتطرف الذي يرفض الآخر جملة وتفصيلا ولا يترك أي مساحة للاختلاف، وهو ما يدعو للترحيب بنهج السلطات الأردنية بالانفتاح على «متنوري الفكر المتشدد»، باعتبار ذلك من ضروب الحكمة خاصة أن السلطات الأردنية تريد تجفيف الحواضن التي قد ينمو فيها الفكر التكفيري المتطرف، خصوصا أن الأرقام تتحدث عن وجود 2000 أردني في صفوف «النصرة» و«داعش»، والحكمة تقتضي التفريق بين «متشدد فكري» و«متطرف إرهابي».
وأكدوا أن هذا التوجه الرسمي عقلاني وتشوبه الحكمة، لأن مثل هذه التوجهات تسمح للدولة باستثمار وجود قيادات سلفية قادرة على ضبط إيقاع المتعاطفين مع هذا الفكر ومنع انتقالهم إلى صفوف المحاربين ضمن التنظيمات «شديدة التطرف» وهذا بلا شك واحد من خطوط الدفاع التي تعالج منابع الإرهاب قبل قيامه.



السعودية ومصر لوضع هيكل «مجلس التنسيق الأعلى» بين البلدين

ولي العهد السعودي والرئيس المصري خلال لقاء سابق بينهما (واس)
ولي العهد السعودي والرئيس المصري خلال لقاء سابق بينهما (واس)
TT

السعودية ومصر لوضع هيكل «مجلس التنسيق الأعلى» بين البلدين

ولي العهد السعودي والرئيس المصري خلال لقاء سابق بينهما (واس)
ولي العهد السعودي والرئيس المصري خلال لقاء سابق بينهما (واس)

تعكف الرياض والقاهرة على وضع هيكل «مجلس التنسيق الأعلى السعودي - المصري»، وفق ما أعلنه وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي. وهو ما عدَّه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بمثابة «خطوة على طريق تعميق التعاون بين البلدين في المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية».

وقال عبد العاطي، في تصريحات متلفزة، مساء الخميس: «نعمل حالياً على وضع الهيكل التنسيقي للمجلس المصري - السعودي»، مؤكداً على «العلاقة الاستراتيجية الوطيدة، والتنسيق المستمر بين البلدين».

وكان الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قد شهدا في ختام مباحثاتهما بالقاهرة، منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، التوقيع على تشكيل «مجلس التنسيق الأعلى المصري - السعودي» برئاسة الرئيس السيسي، وولى العهد السعودي.

ومنتصف الشهر الماضي، وافقت الحكومة المصرية على قرار تشكيل «مجلس التنسيق الأعلى المصري - السعودي». وأوضحت الحكومة في إفادة لها، أن «المجلس يهدف إلى تكثيف التواصل وتعزيز التعاون بين مصر والمملكة العربية السعودية في مختلف المجالات التي تهم الجانبين».

وعدَّ الإعلامي السعودي، خالد المجرشي، «مجلس التنسيق الأعلى السعودي - المصري» بمثابة «خطوة تؤكد إمكانية توسيع تكامل العلاقات بين الرياض والقاهرة، في إطار سلسلة من الخطوات التي بدأت قبل نحو عقد من الزمان».

وقال إن «المجلس يأتي في إطار بناء الآلية المستقبلية لتعزيز التعاون بين البلدين في مختلف المجالات، لا سيما مع توجيهات رسمية من قادة البلدين لتشجيع الاستثمار والتبادل التجاري». واستشهد المجرشي بما سبق أن قاله وزير التجارة السعودي، ماجد القصبي، عن تكليفه بتشجيع الاستثمار في مصر.

ونهاية عام 2018، قال القصبي، خلال الجلسة الافتتاحية لاجتماعات «مجلس الأعمال المصري - السعودي»، إنه «تلقى تكليفاً واضحاً من ولي العهد السعودي بأن يعد نفسه وزيراً بالحكومة المصرية سعياً لتعزيز التعاون الاستراتيجي بين البلدين».

وقال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، إن «وجود مجلس أعلى للتنسيق بين القاهرة والرياض من شأنه تذليل أي عقبات أمام التعاون الثنائي لا سيما أنه برئاسة الرئيس السيسي وولي العهد»، موضحاً أن «المجلس خطوة لتعميق العلاقات بين السعودية ومصر في مختلف المجالات».

بدر عبد العاطي خلال استقبال الأمير فيصل بن فرحان بالقاهرة في سبتمبر الماضي (الخارجية المصرية)

وأوضح عضو مجلس الشيوخ المصري (الغرفة الثانية بالبرلمان)، الدكتور عبد المنعم سعيد، أن «السعودية ومصر هما قبة الميزان في المنطقة، وتعزيز التعاون بينهما ضروري لمواجهة التحديات الإقليمية»، وَعَدَّ سعيد «مجلس التنسيق الأعلى المصري - السعودي»، «نقطة بداية لمواجهة التحديات، وتحقيق الاستقرار الإقليمي».

وأضاف: «لا تستطيع دولة عربية واحدة مواجهة عدم الاستقرار الإقليمي»، مشيراً إلى أن «تعميق العلاقات السعودية - المصرية من خلال (مجلس التنسيق الأعلى) من شأنه حماية القاهرة والرياض من الأخطار، وأيضاً التنسيق لمواجهة ما يحيط بالمنطقة من تحديات».

وكان وزير الخارجية المصري أكد خلال مؤتمر صحافي مع نظيره السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، في القاهرة، سبتمبر (أيلول) الماضي، أن «مجلس التنسيق الأعلى المصري - السعودي»، «سيكون مظلة شاملة لمزيد من تعميق العلاقات الثنائية بين البلدين، والدفع لآفاق التعاون بينهما في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والتنموية والاستثمارية، بما يحقق مصالح الشعبين».

ووفق بيان الحكومة المصرية، الشهر الماضي، «يتألف المجلس من عدد من الوزراء والمسؤولين من البلدين في المجالات ذات الصلة»، كما «يعقد اجتماعات دورية بالتناوب في البلدين، ويحق له عقد اجتماعات استثنائية كلما دعت الحاجة إلى ذلك». والمجلس «سيحل محل الاتفاق الخاص بإنشاء اللجنة العليا المصرية - السعودية المشتركة».