أطفال من عفرين يرسمون «بصمات ألم» مع بدء الموسم الدراسي

أطفال من عفرين يرسمون «بصمات ألم» مع بدء الموسم الدراسي
TT

أطفال من عفرين يرسمون «بصمات ألم» مع بدء الموسم الدراسي

أطفال من عفرين يرسمون «بصمات ألم» مع بدء الموسم الدراسي

في اليوم الأول من العام الدراسي الجديد، وقفت بيرتان أحمد، الطفلة البالغة من العمر عشر سنوات والمتحدرة من مدينة عفرين الكردية، مع ألفي طفل أمام لوحة عملاقة رسموها وهم يقطنون في مخيم العصر ببلدة فيفين الواقعة جنوب شرقي مدينة حلب.
علامات الفرحة ارتسمت على وجهها وكانت الألوان متناثرة فوق يدها والثياب التي ترتديها، لتقول بيرتان، وهي تحمل ريشة صغيرة: «سعيدة لأنني ساهمت في رسم هذه اللوحة، لقد رسمت حقلنا وأشجار الزيتون التي كانت تمتلكها عائلتي بعفرين قبل هروبنا من القصف والحرب».
أما ديار حسين، ويبلغ من العمر 12 سنة لا يزال يتذكر تلك الأيام عندما هرب رفقة أفراد أسرته من مسقط رأسه عفرين، ونزحوا إلى مخيم العصر قبل عام ونصف، فالطفل شارك في رسم اللوحة وأعرب عن مشاعره ببراءة ليقول: «رسمت منزلنا الجميل الذي تعرض للقصف وسوي على الأرض، كما رسمت كل ما في مخيلتي عن عفرين لأنني مشتاق لها كثيراً».
واللوحة حملت اسم «بصمات ألم» حيث تمكن هؤلاء الأطفال الذين يتحدرون من مدينة عفرين بدعم من وكالة «روماف»، من رسم أكبر لوحة فنية عملاقة طولها ألفي متر وبعرض 160 سنتميتراً على القماش في العالم، مدت على طول الشارع الرئيسي بالمخيم وقد تجمع تلاميذ مدرسة المخيم على مدار ثلاثين يوماً لتسجيل أعلى رقم قياسي جديد قد يدخل موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية العالمية.
وعن اللوحة ورساموها الهواة، تقول بريفان حموش، وهي فنانة تشكيلية تتحدر من مدينة عفرين: «اللوحة رُسمت بريشة الأطفال الذين استرجعوا مسقط رأسهم وسطروا بأناملهم لحظات الحرب والتهجير، ليربطوها بالواقع الذي فرضته عليهم الحرب المستعرة... إنها قيمة فنية بامتياز».
وفي مارس (آذار) 2018 سيطرَ الجيش التركي وفصائل سورية مسلحة موالية لها على مدينة عفرين شمال حلب ذات الغالبية الكردية، ومنذ ذلك الحين تحدثت منظمات دولية وحقوقية عن تردّي الأوضاع الأمنية والإنسانية في هذا الجزء من سوريا. وتضيف الفنانة بريفان، التي أشرفت على اللوحة منذ بداية العمل: «اللافت أن هذه اللوحة أنجزت في مخيم شتات ورسمها أطفال عفرين على مدى شهر كامل، واليوم أنهى هذا الفريق الذي صبر على كل هذه المآسي لإنجاز المشروع».
وتناولت اللوحة العديد من الأفكار والمواضيع في ذهن الأطفال وما يدور بداخلهم من ذكريات وصور مثقلة حملوها من مدينة عفرين قبل تهجيرهم، بالإضافة لمجريات الأحداث التي عايشوها في مخيمات النزوح.
ونقل أردلان إبراهيم، وهو فنان تشكيلي وعضو اتحاد مثقفي عفرين، بأنّ جميع هؤلاء الأطفال كان فريق تراوحت أعمارهم بين 6 إلى 12 سنة، كل منهم حمل قصة وحكاية رسمها على هذه اللوحة، وقال: «إنجاز اللوحة تزامن مع ذكرى وفاة الطفل الكردي آلان الكردي الذي غرق في البحر قبل 4 أعوام».
وأثارت صورة الطفل الغريق آلان الكردي قبل أربع سنوات، وهي ملقاة على شاطئ قرب بلدة بودروم التركية، موجة من التعاطف للمعاناة التي يواجهها الهاربون من الحرب المستعرة الدائرة في سوريا، كما أشعلت موجة غضب وسخط على الحكومات الأوروبية لتقاعسها في التعامل مع هذه المأساة.
وبحسب القائمون على لوحة «بصمات ألم» تواصلوا مع اللجنة الدولية لـموسوعة «غينيس» للأرقام القياسية، بهدف توثيق ما تعرضت لها مدينة عفرين عبر كتاب «غينيس» لتكون أكبر لوحة ترسم بأنامل أطفال في العالم، ويضيف الفنان أردلان: «رسالة هؤلاء الأطفال (من حقي أن أعيش بكرامة)، فلقد عبروا عن آمالهم وحقهم بالعلم والعيش الكريم واللعب والجلوس في مقاعد دراسية كباقي أطفال العالم».
وقد نزح ما يزيد عن نصف سكان مدينة عفرين البالغ عددهم قبل الحملة نحو نصف مليون شخص على أثر العملية العسكرية، وتمركزوا في مخيمات بمناطق الشهباء في ريف حلب الشمالي على بُعد عشرات الكيلومترات من منازلهم، ويشكو الكادر التدريسي في مخيم العصر عن نقص المقاعد والكتب المدرسية نظراً لأعداد الأطفال المُهجرين في مخيمات الشهباء، حيث يبلغ عددهم قرابة خمسين ألفاً من بين 132 ألف نازح من عفرين، فيما يعتمدون المنهاج الكردي في التعليم وهو منهاج خاص أسسته الإدارة الذاتية الكردية التي أعلنت بداية 2014 في مناطق يشكلون فيها أغلبية كردية.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».