معرض «أولاد الشمس الحارقة» تحية شبابية من أفريقيا إلى لبنان

شخصيات وهمية مستوحاة من بلاد أفريقيا ومرسومة بريشة تبحث عن لمّ الشمل في بيئة تعاني من الوحدة تقدمها كارلا ضاهر في معرض «أولاد الشمس الحارقة» في مقهى «توتا» في منطقة مار مخايل.
وهو يعدّ الأول في مشوار الفنانة اللبنانية التي عاشت في مدينة أبيدجان المرحلة الأكبر من حياتها وحاليا تستقر بين لبنان وأفريقيا منذ دراستها الجامعية في الـ«غرافيك ديزاين».
«إنها شخصيات ابتكرتها من خيالي في كل مرة كنت أعيش فيها لحظات من الوحدة». تقول الرسامة موضحة ما تتضمنه لوحاتها. وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «ويلاحظ ناظرها منذ اللحظة الأولى مشاعر الوحدة والتعب التي تطبع محياها».
تستخدم كارلا ضاهر أقلام رسم من اليابان وأخرى من الهند لإبراز خطوط لوحاتها الواضحة التفاصيل والملونة بالأصفر والأحمر والبرتقالي.
«إنها من الألوان المحببة إلى قلبي فهي قوية ودافئة في الوقت نفسه وأستطيع معها أن أبلور فكرتي. كما أن أسلوب اللوحة المزركشة بألوان من هذا النوع تخدم تأثري الكبير ببلاد أفريقيا والتي عشت فيها المرحلة الأطول من عمري».
شخصيات حزينة وأخرى متعبة تتكئ على أكتاف بعضها تارة ويفصل ما بين وجوهها ذات الخدود الحمراء الملتهبة بفعل شمس أفريقيا الحامية، رموز ترتبط ارتباطا مباشرا بتلك البلاد تارة أخرى، تؤلّف معظم لوحات معرض «أولاد الشمس الحارقة». وفي لوحات أخرى تحاول كارلا ضاهر لمّ شمل العائلة مع أفرادها من أب وأم وأبناء. ونراهم يرفعون أياديهم ذات الأصابع الطويلة نحو السماء وكأنهم يطلبون المساعدة. «لم أطلق أسماء معينة على لوحاتي لأنني لا أريدها أن تتقيد بأي من معالم وعناصر الكوكب الذي نعيش عليه. فتركتها حرة من دون هوية واسم كي تسبح في أفق واسعة لا حدود وتاريخ لها وكأنها آتية من كوكب آخر».
وانطلاقا من مشاعر دافئة تتراوح ما بين الحب والحنان تضع كارلا ضاهر شخصياتها في قالب إنساني يحتاج إليه مجتمع اليوم الذي يعاني من القسوة. «التضامن يحضر في معظم لوحاتي لأن اللبنانيين في أبيدجان متحدون ويفرحون بلقاء بعضهم بعضا». وعندما نلتقي نحن الشباب ببعضنا هناك بعد غياب، ترينا وكأننا عائلة واحدة تساند بعضها وتبث في نفوس أفرادها كل المحبة التي يحتاجون إليها من منطلق أنهم إخوان بالهوية». توضح كارلا ضاهر التي التقيناها في مقهى «توتا» الشبابي الطابع والواقع في شارع مار مخايل العريق.
وتتابع: «عندما ننهي دراستنا الثانوية في أبيدجان نتحول بأغلبيتنا إلى الجامعات اللبنانية فنبقى على اتصال دائم مع بعضنا. وكأن حياتنا وأهدافنا وقدرنا واحد. فكل ذلك يولد لدينا هذا التضامن الظاهر في لوحاتي التي هي بمثابة تحية شبابية من أفريقيا إلى لبنان».
ملامح وجوه أفريقية تتفاوت ما بين الشفاه الملآنة والشعر الأشعث والعيون الواسعة ذات الحواجب الكثيفة، تميز شخصيات لوحات «أولاد الشمس الحارقة». وتتعانق من ناحية أخرى مع مجموعة أزياء نابعة من الموضة في تلك البلاد الحارة. وقد ترجمتها الرسامة بطبعات أقمشة وأقراط أذن متدلية على مساحات بيضاء. «أجمع في لوحاتي ما بين فني الرسم والـ(غرافيك ديزاين) فأولّد هذا التناغم اللافت بينهما. وعندما أرسم بيدي أحلق مع أقلامي التي جمعتها من أسفاري إلى بلاد الهند. فهذه الأقلام تفتح شهيتي على الرسم؛ خصوصا أنها تحفزني بمجموعة ألوانها المميزة».
وعن سبب استخدامها الدائم في لوحاتها دائرتين بالأحمر على خدود شخصياتها، وأصابع طويلة المدى ليدين متعبتين تقول: «الدوائر الحمراء على الوجه هي بمثابة توقيعي الشخصي للوحاتي والتي تمثل دمغة الشمس الحارقة على وجوه الأفارقة. أما اليدان فهما بمثابة وسيلة تعبير أحبها ويمكنني من خلال حركتها قراءة شخصية من أتحدث معه».