الكتابة والنشوة الخادعة!

الكتابة والنشوة الخادعة!
TT

الكتابة والنشوة الخادعة!

الكتابة والنشوة الخادعة!

في 10 أكتوبر (تشرين الأول) 1957، نشر المفكر السعودي عبد الله القصيمي مقالاً في مجلة «الآداب» المصرية بعنوان: «الكاتب لا يغيّر المجتمع»، يعّلق فيه على مقال لكاتب آخر قال فيه: «إن قاسم أمين قد غيَّر المجتمع المصري بكتابه المشهور عن المرأة، لأنه هو الذي جعلها تفكُّ الطلسم بالسحر الرهيب..!». يتساءل القصيمي: هل صحيح أن التغيّرات تحدث بسبب واحد مباشر، وهل صحيح أنّ كتاباً ما قد يغّير المجتمع؟ ثم يجيب: إذا كان هذا صحيحاً فليس من المستطاع حينئذ أن نغّير كل خصائص المجتمعات، ونغّير أخلاق الناس بعدة كُتب يؤلفها عدة كتاب حتى ولو كانوا كتاباً مستعارين.. وهل الأمر بهذه السهولة..؟
الفكرة مثيرة، فطالما ظنّ الكُتّاب والمثقفون أنهم يحملون وظيفة رسالية، تجعلهم قادرين على تغيير المجتمعات، بل إن بعضهم قد يجنح به الخيال فيعتقد أن كتاباته وخطبه هي التي تصنع التغيير!
يقول القصيمي في هذا المقال: إننا لا نستطيع أن نصنع أخلاق المجتمع بكتاب، كذلك لا نستطيع أن نغّيرها بكتاب..!
يضيف: «إن سلوك المجتمع كالحادث الطبيعي: كلاهما تعبير نهائي ‏لتوفر حشود من الأسباب، وجميع التغّيرات في المجتمع مركبة، ليس فيها بسيط، والإيمان بسبب واحد إنكار للأسباب...».
يرى القصيمي أن «الكُتّاب يقدّرون أنفسهم تقديراً هو فوق الحقيقة، حينما يزعمون أنهم هم الذين يغيّرون المجتمعات... حتى المعتقدات والمذاهب والفلسفات التي ‏توجه الجماهير ليست من صنع الكتاب والمفكرين.. المفكرون والكتاب أدوات يُعملها المجتمع ويعمل بها، وليسوا آلات تصنع المجتمع. وقد أعطت المجتمعات الكتاب أفكارهم وفلسفاتهم أكثر مما أعطوها هم عقائدها ومذاهبها وإيمانها».
الحقيقة أن المثقفين، وما يكتبون، والمعلمين ومناهج التعليم، كلها - في الغالب - تنسجم مع تطوّر المجتمع ووعيه ومداركه ومقياس تقدمه وتخلفه. أحياناً نكتب لنكرس التخلف..! وفي كثير من الأحيان يجتهد المعلمون لزرع قيم سلبية في تلاميذهم. من أين لهم تحفيز الأجيال الصاعدة نحو قيم لم يتعرفوا عليها..؟
المفكر السعودي إبراهيم البليهي، يقول إن «التعليم لا يعطي إلا ما يريده المجتمع، فعلى الرغم من رغبة المجتمعات في التقدم والازدهار، إلا أنه في الواقع قد يكرس قيم التخلف... إن القولبة التعليمية تكون مسبوقة ببرمجة الطفولة التلقائية، فالتعليم تعميقٌ وتوسيعٌ للبرمجة، وليس تغييراً لها، وهو بذلك ليس فقط غير مؤهَّل لإنتاج المبدعين، وإنما قد يقضي على القابليات الإبداعية، أو يُضعفها، أو يشغل الفرد عن الانتباه لها ويصرفه عن تنميتها».
القصيمي أيضاً يشير في المقال ذاته، إلى أن الكتّاب يعكسون صورة مجتمعاتهم، «فالكُتّاب في المجتمعات المتأخرة كُتّابٌ متأخرون، وهم في المجتمعات المتقدّمة متطورون. (وهذا في الأكثر)». ثم يجزم القصيمي بأن «المجتمعات تتغير من غير كُتّاب. وهي التي تخلق صفات هؤلاء الكُتّاب». وأن «الحياة تتغير بقانون الاندفاع والاصطدام كما يتغير اتجاه السيول الهابطة من أعالي الجبال بهذا القانون نفسه... ومن المحتمل أن يكون تطور الإنسان أسرع وأقوى لولا الكُتّاب والمعلمون، الذين كان أكثرهم ضلالاً عاجزين يدرّسون الخوف من التطور، ويستهلكون حوافز الحياة في مقاومة الحياة، ويصرفون كل عملهم في تحويل طاقات الإنسانية إلى حرائق كبرى تشتعل في غابات التاريخ..!».
يكتب الكاتب لكي يحيا، ويتنفس، ويستثير العقول، ويحفز على التفكير.. ولكي يخلق المتعة والدهشة، ويمنح هذا العالم المادي روحاً وإحساساً وشعوراً ووجوداً وعاطفةً وخيالاً.



ضجيج المدن يحجب فوائد الطبيعة في تهدئة الأعصاب

ضوضاء المرور تؤثر سلباً على الصحة النفسية والجسدية (وكالة الأمن الصحي بالمملكة المتحدة)
ضوضاء المرور تؤثر سلباً على الصحة النفسية والجسدية (وكالة الأمن الصحي بالمملكة المتحدة)
TT

ضجيج المدن يحجب فوائد الطبيعة في تهدئة الأعصاب

ضوضاء المرور تؤثر سلباً على الصحة النفسية والجسدية (وكالة الأمن الصحي بالمملكة المتحدة)
ضوضاء المرور تؤثر سلباً على الصحة النفسية والجسدية (وكالة الأمن الصحي بالمملكة المتحدة)

أثبتت دراسة بريطانية حديثة أن الضوضاء البشرية الناتجة عن حركة المرور يمكن أن تخفي التأثير الإيجابي لأصوات الطبيعة في تخفيف التوتر والقلق.

وأوضح الباحثون من جامعة غرب إنجلترا أن النتائج تؤكد أهمية أصوات الطبيعة، مثل زقزقة الطيور وأصوات البيئة الطبيعية، في تحسين الصحة النفسية؛ ما يوفر وسيلة فعّالة لتخفيف الضغط النفسي في البيئات الحضرية، وفق النتائج المنشورة، الخميس، في دورية «بلوس وان».

وتسهم أصوات الطبيعة في خفض ضغط الدم ومعدلات ضربات القلب والتنفس، فضلاً عن تقليل التوتر والقلق الذي يتم الإبلاغ عنه ذاتياً، وفق نتائج أبحاث سابقة.

وعلى النقيض، تؤثر الأصوات البشرية، مثل ضوضاء المرور والطائرات، سلباً على الصحة النفسية والجسدية، حيث ترتبط بزيادة مستويات التوتر والقلق، وقد تؤدي إلى تراجع جودة النوم والشعور العام بالراحة.

وخلال الدراسة الجديدة، طلب الباحثون من 68 شخصاً الاستماع إلى مشاهد صوتية لمدة 3 دقائق لكل منها. تضمنت مشهداً طبيعياً مسجلاً عند شروق الشمس في منطقة ويست ساسكس بالمملكة المتحدة، احتوى على أصوات طبيعية تماماً مثل زقزقة الطيور وأصوات البيئة المحيطة، دون تدخل أي أصوات بشرية أو صناعية، فيما تضمن المشهد الآخر أصواتاً طبيعية مصحوبة بضوضاء مرور.

وتم تقييم الحالة المزاجية ومستويات التوتر والقلق لدى المشاركين قبل الاستماع وبعده باستخدام مقاييس ذاتية.

وأظهرت النتائج أن الاستماع إلى الأصوات الطبيعية فقط أدى إلى انخفاض ملحوظ في مستويات التوتر والقلق، بالإضافة إلى تحسين المزاج.

بالمقابل، أدى إدخال ضوضاء المرور إلى تقليل الفوائد الإيجابية المرتبطة بالمشاهد الطبيعية، حيث ارتبط ذلك بارتفاع مستويات التوتر والقلق.

وبناءً على النتائج، أكد الباحثون أن تقليل حدود السرعة المرورية في المناطق الحضرية يمكن أن يعزز الصحة النفسية للإنسان من خلال تقليل الضوضاء؛ ما يسمح بتجربة أصوات الطبيعة بشكل أفضل.

كما أشارت الدراسة إلى أهمية تصميم المدن بشكل يقلل من الضوضاء البشرية، ما يوفر للسكان فرصاً أكبر للتفاعل مع الطبيعة.

ونوه الفريق بأن هذه النتائج تفتح المجال لإعادة التفكير في كيفية تخطيط المدن بما يعزز التوازن بين التطور الحضري والحفاظ على البيئة الطبيعية، لتحقيق فوائد صحية ونفسية ملموسة للسكان.