تراجع الليرة يشل الأسواق السورية مع افتتاح المدارس

لم تتحسن قيمتها مع افتتاح معرض دمشق الدولي

زائرة لمعرض دمشق الدولي تلتقط صورة سلفي داخل ساحته (رويترز)
زائرة لمعرض دمشق الدولي تلتقط صورة سلفي داخل ساحته (رويترز)
TT

تراجع الليرة يشل الأسواق السورية مع افتتاح المدارس

زائرة لمعرض دمشق الدولي تلتقط صورة سلفي داخل ساحته (رويترز)
زائرة لمعرض دمشق الدولي تلتقط صورة سلفي داخل ساحته (رويترز)

يتوجه نحو 3.7 مليون طالب وتلميذ في كل المراحل التعليمية السورية، اليوم، إلى المدارس البالغ عددها 12700 مدرسة، بالتزامن مع موجة ارتفاع كبيرة في الأسعار ترهق كاهل الأهالي، مصحوبة بتدهور حاد في قيمة الليرة بدأ منذ نحو الشهر، ليصل سعر صرف الدولار الأميركي الواحد، يوم أمس الأحد، إلى 638 - 640 ليرة في دمشق.
يأتي ذلك، في الوقت الذي كشفت فيه مديرية الطباعة في وزارة التربية بدمشق، عن ارتفاع أسعار الكتب المدرسية «جراء ارتفاع أسعار الورق عشرة أضعاف عن السابق»، علما بأن سياسة التعليم المجاني المتبعة في سوريا تقتضي بتأمين الكتب بسعر رمزي. إلا أن الأسعار الجديدة تتراوح بين «5000» ليرة لنسخة كاملة من كتب المرحلة الابتدائية، و«7000» ليرة للمرحلة الإعدادية. ويختلف سعر الكتاب، بحسب عدد الصفحات ونوعية الورق. وهو رقم مرتفع قياسا إلى القدرة الشرائية المتدنية في سوريا.
وتسبب الغلاء بشلل حركة الأسواق خلال الأسبوع الأخير الذي سبق افتتاح المدارس، الذي يعد أحد أهم المواسم التجارية في سوريا، إذ تنشط حركة بيع اللوازم المدرسية من ألبسة وأحذية وقرطاسية.
محمد موظف حكومي دخله نحو 45 ألف ليرة، قال إنه استفاد من قرض القرطاسية، وهو خمسون ألف ليرة، (نحو 80 دولارا) لتغطية جزء من احتياجات أربعة أبناء في المرحلتين الإعدادية والثانوية. ولعل سؤال «لماذا تتدهور الليرة؟»، يشغل بال غالبية السوريين ممن يتابعون وسائل الإعلام الرسمية التي تحتفي منذ شهر، بالدورة الحادية والستين لمعرض دمشق الدولي باعتباره «انتصارا استقطب الشركات العربية والأجنبية». لكنه «نصر على الشاشات لم يترجم على الأرض»، بحسب تاجر دمشقي، مؤكدا أن «عام 2019 كان الأسوأ لأسواق العاصمة، فقد تراجعت حركة البيع بنسبة تفوق الـ50 في المائة عن العام الماضي»، مضيفا أنه «في أشد سنوات الحرب كان وضع الأسواق أفضل».
وتشهد أسواق العاصمة السياسية دمشق والعاصمة الاقتصادية حلب، جموداً غير مسبوق، في ظل موجة ارتفاع أسعار جديدة تشمل كافة المواد، جراء ارتفاع سعر صرف الدولار وملاحقة التجار من قبل الضرائب والجمارك، الأمر الذي أدى إلى الإحجام عن عرض البضائع، والاكتفاء باستجرار طلبيات صغيرة، خشية تقلبات الأسعار. وأكد تاجر في سوق الحريقة بدمشق، لـ«الشرق الأوسط»، أنه يتلقى عروضا مغرية من تجار الجملة بدمشق وحلب بأسعار (مكسورة) وبتسديد مريح، لكنه يرفض معظمها، لأن تخفيض الأسعار على مبدأ (شيل وامشي)، مخيف «فما اشتريه اليوم بسعر مكسور قد أضطر لتصريفه بالخسارة إذ بقيت الأسواق على هذا الحال».
ولعل أكثر ما يثير القلق في الأوساط الاقتصادية السورية، حالة الشلل التي تعصف بسوق الذهب، الذي سجلت أسعاره ارتفاعا غير مسبوق، إذ بلغ سعر غرام الذهب عيار 21 قيراطا 26500 ليرة. مصادر في سوق الصاغة بدمشق، أعادت الأسباب إلى تضييق المالية والتموين على الصاغة وملاحقتهم بالضرائب والغرامات المجحفة، وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط»، إن «الإجراءات الحكومية غير المدروسة هي التي تدفع السوق نحو الركود والفوضى، وبالتالي تنعكس سلبا على قيمة الليرة». وأنه منذ الشهرين «لم تصك قطعة ذهب جديدة لدى صاغة دمشق، وأن القطع الموجودة كلها من إنتاج سابق». وأضافت المصادر، أن «هناك أكثر من 500 ورشة صياغة وتصنيع ذهب، معطلة، علما بأن أكثر من ألف عائلة تعتمد على هذه الورش». ويعد سوق الذهب أحد أهم المؤثرات على سعر الصرف، وبحسب مختصين، فإن «ارتفاع سعر الذهب، مؤخرا، أدى إلى تراجع الطلب إلى أقل من 10 في المائة مما كان عليه، واتجه الناس إلى ادخار أموالهم بالعملات الأجنبية، فزاد الطلب على الدولار، وبالتالي تراجعت الليرة».
وعلى عكس المتوقع لم تتحسن قيمة الليرة مع افتتاح معرض دمشق الدولي الذي يتيح تدفقا للقطع الأجنبي إلى السوق المحلية، فقد قفز سعر صرف الدولار من 618 ليرة إلى 640 خلال الخمسة أيام الأولى من افتتاحه. ولم تسهم الأنباء الرسمية المتواترة عن لقاءات رجال الأعمال العرب والأجانب مع نظرائهم السوريين، وإغداق الوعود باستثمارات تشمل مختلف المجالات صناعة وزراعة وسياحة وطاقة بديلة، كذلك، أنباء التقدم العسكري لقوات النظام في ريفي حماة وإدلب في حل معضلة تدهور الليرة، كما جرت العادة في الأعوام السابقة.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.