عينات ذباب متحجرة تبوح بسر عمره 54 مليون عام

يحتفظ سجل الصخور في الأغلب بأجزاء صلبة مثل العظام والأصداف الخاصة بالحيوانات والأسماك، التي عاشت قبل ملايين السنين، ولا يتم حفظ العيون والأنسجة الرخوة الأخرى، مثل الأعصاب والأوردة والأمعاء إلا في ظروف استثنائية، منها تلك التي توفرت في منطقة بالدنمارك سمحت لباحثين من جامعة «لوند» السويدية بالكشف عن أحد أسرار عيون حشرات متحجرة منذ 54 مليون عام.
وتحتفظ تلك المنطقة التي تعرف باسم «chilly Denmark»، بمستويات عالية من الرماد البركاني ذي الحبيبات الدقيقة، وهو ما حافظ على تحجر عيون عينات من «الذباب البجعي» تعود لـ54 مليون عام، الأمر الذي مكن العلماء من دراستها والكشف عن مفاجأة علمية غير متوقعة، نشرت تفاصيلها في العدد الأخير من دورية «نيتشر» يوم 14 أغسطس (آب) 2019.
والذباب البجعي فصيلة من الحشرات تتبع رتبة ذوات الجناحين من طائفة الحشرات، وتتميز بنحافتها وأرجلها الطويلة، ويتراوح طول أرجلها ما بين 2 و60 مليمتراً، في حين يصل طول أرجل الأنواع التي تعيش في مناخ استوائي لأقل من مليمتر واحد. وكشفت الأعين المتحجرة من فصيلة الذباب البجعي أن عيونها كانت تتعامل مع الضوء بطريقة عيون البشر نفسها.
وتمتلك معظم الحيوانات اليوم مستقبلات ضوئية من نوع ما، باستثناء المخلوقات التي تعيش في ظلام دامس، كما هو الحال في الكهوف أو في أعماق المحيط، وكانت المفاجأة التي كشفت عنها 23 عينة من العيون المتحجرة للذباب البجعي، أنها تشبه بشكل مدهش عيوننا، في خاصية مهمة جداً.
ويتسم الجزء الخلفي من مقلة العين لدينا، والمسمى المشيمية، بأنه غامق ومعتم، وهذا يحمي من الأشعة فوق البنفسجية، وتحتوي الطبقة المضادة للانعكاس على مستويات عالية من صبغة الميلانين. وللحشرات، أيضاً طبقات مظلمة مضادة للانعكاس في أعينها، لكن كان يُعتقد منذ فترة طويلة أنها تتكون من جزيء مختلف تماماً، استناداً إلى أن عيون الحشرات نشأت بشكل مستقل عن عيوننا ولها بنية مختلفة تماماً، وكشفت الدراسة عن عدم دقة هذا الاعتقاد.
ووفق تقرير نشره موقع جامعة لوند السويدية بالتزامن مع نشر الدراسة، كشف التحليل الكيميائي المفصل للعيون الحفرية أنها تحتوي على صبغة الميلانين مثل الإنسان. وعندما ألقى الباحثون نظرة أخرى على أعين ذباب بجعي حية، فوجئوا بتأكيد وجود الميلانين.
يقول يوهان ليندجرين بقسم الجيولوجيا بجامعة لوند والباحث الرئيسي بالدراسة لـ«الشرق الأوسط»: «رغم أن هذه الأنواع تعيش بيننا إلى الآن، فإن العيون المتحجرة كانت هي السبيل لهذا الاكتشاف الهام الذي يتعلق بأن عيون البشر والحشرات تستخدم أصباغ الميلانين نفسها».
ويضيف أن المقارنة بين الأنواع المتحجرة والحية أكدت وجود صبغة الميلانين، بينما يوجد اكتشاف آخر في الأنواع المتحجرة يحتاج لمزيد من الدراسات لتفسيره، لأنه لم يوجد في الأنواع الحية، التي تتعلق بوجود معدن الكالسيت».
ووجد الباحثون أن الطبقات الخارجية للعين المتحجرة كانت مليئة بمعدن الكالسيت، وهو المعدن الذي يوجد بالحجر الجيري، ويرجح أن يكون سبب وجود هذا المعدن هو عملية التحجر، لأن عيون الحشرات الحية لا يوجد بها هذا المعدن.