علماء «كاوست» يكشفون عن الآثار المترتبة للهجرات اليومية للأسماك على دورة الكربون العالمي

مصدر جديد له يدعم مجتمعات الكائنات الدقيقة في أعماق البحر

«ثول» السفينة البحثية التي استخدمت في العمل الميداني للدراسة
«ثول» السفينة البحثية التي استخدمت في العمل الميداني للدراسة
TT

علماء «كاوست» يكشفون عن الآثار المترتبة للهجرات اليومية للأسماك على دورة الكربون العالمي

«ثول» السفينة البحثية التي استخدمت في العمل الميداني للدراسة
«ثول» السفينة البحثية التي استخدمت في العمل الميداني للدراسة

رغم أن اكتشاف الكربون قد تم في عصور بعيدة منذ أن كان القدماء يحصلون عليه بحرق المواد العضوية بمعزل عن الأكسجين لتصنيع الفحم، إلا أنه لم يصنف كعنصر حتى عام 1789 على يد العالم الفرنسي أنطوان لفوازييه. وكلمة كربون (كربو) تعني باللغة اللاتينية «الفحم».
السمك والكربون
وبالعودة إلى الحاضر وداخل مختبرات جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) فإن أول التحليلات المتعمقة للكربون العضوي الذائب (DOC) الذي يدور في البحر الأحمر، تشير إلى أهمية دور أسراب الأسماك المهاجرة في دعم الكائنات الدقيقة في قاع البحار، وربما في دورة الكربون العالمية، وهي العملية التي ينتقل فيها الكربون من الغلاف الجوي إلى الكائنات الحية، في الأرض والبحار ثم يعود مرة أخرى للغلاف الجوي.
وتُعد «مضخة الكربون البيولوجية» (العملية التي يتحوَّل بها ثاني أكسيد الكربون إلى كربون عضوي عن طريق البناء الضوئي، ثم يُصدر من خلال الجسيمات الغارقة، ويتراكم أخيراً في أعماق المحيط) عملية دورية يجري فيها إصلاح الكربون غير العضوي الموجود في الغلاف الجوي بواسطة أشكال الحياة البحرية، ونقله عبر طبقات المحيط إلى الأعماق والرواسب المحيطية. وكان يُعتقد أن الأسماك التي تتغذى قرب سطح الماء في أثناء الليل ثم تعود في النهار إلى المياه متوسطة العمق (على عمق 200 إلى 1000 متر تحت سطح الماء) تؤثر في دورة الكربون، لكن لم يُدرَس قط مدى إسهامها في هذه العملية.
أخيراً أثبتت الدكتورة ماريا كاليخا، التي تهدف أبحاثها إلى فهم تدوير ونقل المادة العضوية في البيئة البحرية، والبروفسور خوسيه أنكسيلو موران، من مركز أبحاث البحر الأحمر التابع لكاوست، وزملاؤهما تأثير هذه الهجرة اليومية على الحركة الرأسية للكربون في البحر الأحمر، وكيف أنها توفّر الوقود اللازم لعمليات الاستقلاب (المسؤولة عن إنتاج الطاقة داخل خلايا الكائنات الحية) في الكائنات غير ذاتية التغذية التي تتألَّف من خلية واحدة بدائية النواة، وتنتمي إلى نوع البكتيريا والبكتيريا القديمة.
أسماك البحر الأحمر
تشير كاليخا إلى دراسة سابقة حيث اكتشف اثنان من زملائها، هما عالم الأحياء البحرية الدكتور أندرس روستاد، والبروفسور شتاين كارتفيت، مجتمعاً من الأسماك في البحر الأحمر، يهاجر كل ليلة من عمق نحو 550 متراً إلى المياه السطحية من أجل التغذية. وتضيف: «أردنا معرفة كيف يمكن أن تؤثر هجرة هذه الأسماك على مجتمع الكائنات الدقيقة التي تعيش على الأعماق نفسها، وكان هدف مشروعينا البحثيين استجلاء ذلك بجمع البيانات من موقع واحد للعينات في البحر الأحمر».
تناولت الدراسة الأولى الاختلافات الرأسية في تركيز الكربون العضوي الذائب، وتدفق الكربون عبر مجتمعات الكائنات الدقيقة عند 3 طبقات محددة في عمود الماء خلال النهار (عمود الماء هو مصطلح مفاهيمي لعمود ممتد من السطح حتى القاع ينقسم إلى 5 طبقات ويستخدم في الدراسات البيئية التي تقيّم طبقات الماء). وعلى مدار 8 أيام، راقب الفريق بعض السمات، مثل استهلاك الكربون العضوي الذائب، ونمو الكائنات بدائية النواة، وتركيب مجتمع الكائنات الحية في عينات المياه الطبيعية المأخوذة من المياه السطحية، وطبقة المياه العميقة حيث تستريح الأسماك في أثناء النهار، والطبقة المتوسطة على عمق 275 متراً.
كانت كفاءة النمو البكتيري في أعماق الطبقات الثلاث أعلى كثيراً مما كان مقدراً في السابق، وتوضح كاليخا أن هذا يشير إلى وجود مصدر للكربون العضوي الذائب سهل الاستغلال - أي مصدر مستساغ، وسهل التكسير بواسطة البكتيريا - يساعد على تكوّن الخلايا الكبيرة. ووُجد أيضاً أن مجتمعات البكتيريا غير ذاتية التغذية في طبقة المياه متوسطة العمق أكثر نشاطاً من نظيرتها الموجودة في المياه السطحية.
أما البحث الثاني، الذي قادته باحثة ما بعد الدكتوراه في كاوست، الدكتورة فرانشسكا جارسيا، التي تعمل الآن في جامعة إكستر، فقد تتبع التغيرات التي تحدث على مدار 24 ساعة بامتداد عمود الماء، بأخذ عينات من 12 عمقاً مختلفاً (من 5 إلى 700 متر) كل ساعتين.
وتضيف كاليخا أن الفريق البحثي حلل ديناميكيات الانتقال بين الكربون العضوي الذائب والبكتيريا وتحركات الأسماك في أثناء دورة 24 ساعة.
استخدم الباحثون تقنية قياس التدفق الخلوي التي تستخدم لفحص الأجسام الدقيقة، لتحليل أحجام خلايا الكائنات الدقيقة وتركيب المجتمع بدقة زمنية عالية، مما أظهر درجة أعلى من المتوقع لتنوع الكائنات الدقيقة في المياه متوسطة العمق، وقد تكون هذه المجتمعات الميكروبية العميقة أكثر ديناميكية مما كان يُعتقد في السابق، بفضل النقل النشط للكربون من مصدر الكربون الذائب المتاح بواسطة الأسماك.
وتتساءل كاليخا أنه إذا كان هذا ما يحدث في البحر الأحمر، فهل يمكن أن يكون الأمر كذلك أيضاً في أحواض بحرية أخرى، وفي المحيطات المفتوحة؟ قد تكون لذلك دلالات غير مسبوقة على دورة الكربون في محيطات العالم.
من جانبه، يوضح موران أن الدراستين جزء من مشروع بحثي أوسع يهدف إلى تحديد أثر هذا المسار المختصر للكربون على الدورة الحيوية الجيوكيميائية العالمية.



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً