«من ذاكرة الإعلام» تتوقف عن التذكر

«من ذاكرة الإعلام» تتوقف عن التذكر
TT

«من ذاكرة الإعلام» تتوقف عن التذكر

«من ذاكرة الإعلام» تتوقف عن التذكر

الشبيلي يغادر المشهد بشهادات وفاء نوى استكمالها فرحل
قدم المرحوم الدكتور عبد الرحمن الشبيلي سبع حلقات استعاد بها أعلاماً ذوي حضور في المشهد الإعلامي وإن تواروا عنه بفعل الرحيل أو التقاعد أو الإقعاد، وكانت آخر حلقتين نشرتهما «الشرق الأوسط» عن العلمين: الدكتور محمد أحمد صبيحي والأستاذ محمد ناصر السنعوسي (الحلقتين السادسة والسابعة)، وكان مقرراً أن يتم الجزء الأول من السلسلة لتكون عشر حلقات وفق تخطيطه، وليبتدئ الجزءَ الثاني بعد ذلك، وقد ابتدأ كتابة الحلقات: الثامنة عن الدكتور عمر الخطيب، والتاسعة عن بعض رواد الإعلام، والعاشرة عن الدكتور علي شمّو، وكانت للقدر حسابات أخرى ؛ فقد اختار الله الدكتور عبد الرحمن الشبيلي قبل أن يتمَّها، ووفاءً لنهجه ننشر اليوم المجتزآت التي كتبها - رحمه الله - عن هؤلاء الأعلام مثلما تركها في مسودات أعماله ؛ داعين الله أن يتغمده بعفوه وغفرانه ورضوانه.

ألمعي الإعلام العربي: عمر الخطيب (1930 - 2007)
لعل القارئ الكريم يسمح لكاتب هذا المقال، إذا ما أفصح عمّا قد يُعتبر في نظر القارئ نوعاً من المبالغة: إن هذا الإعلامي العربي هو أكثر من مرّ عليه في تطبيق الاحتراف تميّزاً ونبوغاً، وإدراك مفاهيمه في الإعداد والإلقاء والصوت واللغة العربيّة وإجادة الإنجليزيّة، وارتفاع مستوى الذوق الفنّي واستيعابه، بالإضافة إلى ممارسة تعليم الإعلام والتأليف فيه. لقد ظلّ عمر الخطيب يتيه في صحراء المهنيّة الإعلاميّة من بلد إلى آخر، من الأردن إلى الرياض إلى أبوظبي إلى القاهرة وستانفورد ولوس أنجليس وسيراكيوز وكولومبس بأميركا، ومن التعليم، إلى المشورة، إلى الإنتاج وتخصص في برامج المسابقات التي لم ينافسه في مواهبه فيها أحد، ولو قُدّر لهذه الكفاءة الفلسطينيّة - الأردنيّة الفذّة الدكتور عمر إسماعيل الخطيب، فُرصٌ قياديّة أفضل ووضعٌ مريح لأُسرته لاستثمار قدراته الذهنيّة والإبداعيّة مزيداً من سنوات العمر، لربّما ترك للإعلام العربي نموذجاً تُقتبس منه المثاليّة والرقيّ، لتصحيح حال التعاسة التي يعيشها واقع الإعلام العربي حاليّاً.

الإذاعة السعودية: الروّاد الأوائل
يتكرّر القول، إن الإذاعة السعودية التي بدأت في جدة على مقربة من مكة المكرمة (1949) كانت أكثر وفاءً مع الجيل الذي رافق بدايتها، فأصدرت ولمّا يمض عامها الثالث، كتيّباً توثيقيّاً يحمل المعلومة التاريخيّة والصورة والزمان والمكان، بما صار للدارس أهمّ مرجع عن تلك الحقبة، يتممه عدد خاص أصدره في العام نفسه صاحب مجلة المنهل عبد القدّوس الأنصاري. وقصّة إنشاء هذه الإذاعة وهي ذات تفاصيل كثيرة، لا تخلو من طرافة تذكّر ببدايات مثيلاتها من الإذاعات العربيّة، وربما تكون فكرتها اقترنت بزيارة الملك عبد العزيز إلى مصر عام 1365 ولكن لا يوجد حتى الآن ما يؤكّد ذلك، لكن المعروف أن ولي العهد الأمير سعود كان من عرض على والده فكرة إنشائها وأن وزير المالية عبد الله السليمان هو من وقّع في القاهرة عقد مُعدّاتها.
يبدأ المقال بالإشارة إلى عَلَمين لم ينالا ما يستحقّان من الذكر، وهما الأديب السعودي هاشم زواوي والصحافي المصري عبد الرحمن نصر اللذان انطلقت الإذاعة بصوتيهما ليلة الافتتاح مساء يوم عرفة (9 ذي الحجّة 1368هـ)
هاشم زواوي أنصفه العلّامة حمد الجاسر بمقال مطوّل نشره في جريدة الرياض السعودية قبل وفاة الجاسر
أما نصر فكان»...».
وبعد هذا يأتي المقال على ذكر اثنين من الإذاعيين المصريين قدما مع عبد الرحمن نصر، وهما علي الراعي وعبد الحميد يونس، كما يأتي المقال على ذكر عدد من السعوديين الأوائل وهم: قاسم فلمبان وعبد الله المنيعي وحسن عبد الله قرشي وبكر يونس، ثم التحق بهم طاهر زمخشري وعبّاس غزّاوي وعزيز ضياء.
ثم لا بد من التعريج على ذكر عدد من الفنيين الذين قام التركيب والصيانة والتشغيل على أكتافهم وهم موسى المجددي و...».
أما الإدارة، فلعل أبرز من كُلّف بها إبراهيم الشورى ومحمد شطا وإبراهيم فودة

د. علي شمّو: وزير الإعلام السوداني الأسبق
بهذا المقال العاشر يتوقّف الجزء الأول من هذه السلسلة، التي خُصّصت لتناول سير بعض الإعلاميين السعوديين والعرب، على أمل استئنافها في فترة قادمة، بإذن الله.
وشخصيّة المقال اليوم، هو من جيل إعلامي يشار إليه بالبَنان يمكن وصفه بالمدرسة القدوة، التي ترفّعت عن مهاترات ومبارزات لوّثت صورة الإعلام النظيف، الملتزم بالقيم والآداب والأخلاق.
قد لا تكون فتراتهم إبداعيّة من الناحية المهنيّة، ولكن يكفيهم الالتزام سمة حفظوا بها أسماءَهم وسيرهم من الدّنَس.
- إعلامي وباحث سعودي



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.