مجموعة قصصية بالعربيةللأرجنتيني بيجليا

أفلتت من فخ الواقعية السحرية اللاتينية

مجموعة قصصية بالعربيةللأرجنتيني بيجليا
TT

مجموعة قصصية بالعربيةللأرجنتيني بيجليا

مجموعة قصصية بالعربيةللأرجنتيني بيجليا

ضمن سلسلة «إبداعات عالمية»، التي يصدرها المجلس الوطني الكويتي للثقافة والفنون والآداب، صدرت المجموعة القصصية «الغزو» للكاتب الأرجنتيني ريكاردو بيجليا، وهي من ترجمة أحمد عبد اللطيف، ومراجعة علي بونوا.
وكانت هذه المجموعة قد صدرت بلغتها الأصلية عام 1967. ولم يُعَدْ طبعها مرة أخرى. يقول المؤلف عن ذلك في مقدمته: «صدرت الطبعة الأولى من كتاب (الغزو) سنة 1967، ولم أطبعه مرة أخرى منذ ذلك التاريخ. كنت على وشك إعادة طبعه عدة مرات غير أن مشاريع أخرى شغلتني بطريقة ما... أربعون عاماً هي مهلة كافية لنعرف إن كان بوسع كتاب ما أن يقاوم مرور الزمن. لكن الأمر ليس بالضرورة هكذا، وليس البقاء فضيلة في حد ذاته (ثمة أعمال كثيرة سيئة عاشت بينما تم التنكر لأعمال ممتازة). لكن على أي حال، إن قررت أن أعيد نشره فلأنني لا أرى فوارق كبيرة بنيه وبين الكتب التي كتبتها منذئذ. لا أظن أن الكاتب يتحسن كلما تقدم، ولا أنه يكتب أفضل مع السنين (ربما العكس هو الصحيح في أغلب الأحيان). على المدى الطويل، نظن أننا نكتب بطريقة مختلفة لكننا نكتب دائماً بنفس الكيفية وبنفس الأخطاء وبنفس النجاحات النادرة والمفاجئة».
وكتب الناشر على الغلاف الأخير: «استطاع ريكاردو بيجليا، الكاتب والمنظّر الشهير، أن يفلت من فخّ الواقعية السحرية اللاتينية برغم صعوبة ذلك في فترة كانت فيها الكتابة هي (الواقعية السحرية). ظهر بيجليا في ستينات القرن الماضي، في عزّ زهوة التيار الأدبي الأهمّ في أميركا اللاتينية، وفي حياة كتّاب كبار أمثال غارثيا ماركيز وخوليو كورتاثر وبورخس. لكن ريكاردو، بوعي آخر، وبنية ذهنية مختلفة، وبتصورات فنية تقدّر الفانتازيا، اختار أن يعمِّد طريقاً مختلفاً لا يبتعد فيه عن تاريخ بلده وسياقه السوسيوثقافي، لكنّه في نفس الوقت لا يصل فيه إلى التورط المباشر في الواقعية، ولا يتبع فيه خطى كتّاب سابقين. لقد أدرك بيجليا، بحسّه الفنّي والنقدي، وباطلاعه الواسع، المناطق الخالية التي لم تُعمّر بعد في السرد، فاختار أن يعمرّها بنفسه».
وتتألف مجموعة «الغزو» من ثلاثة أجزاء. ضم الجزء الأول، قصة طويلة بعنوان «الصائغ»، والثاني 13 قصة، أما الثالث فتضمن قصة طويلة بعنوان «سمكة في الثلج». وهو يختبر في هذه المجموعة، كما يضيف الناشر، كثيراً من طرق السرد، متخذاً التجريبية منهجاً له، متنقلاً بين التاريخي والواقعي ليستعرض فترة حرجة في تاريخ الأرجنتين من خلال أفراد مهزومين، لا يشير إليهم بهذه الصفة، ولا يتوقف أمام الحدث الكبير الذي قد يكون انطلق منه إلا نادراً، مشكلاً بذلك عالماً بانورامياً.
وكان بيجليا، الذي رحل عام 2017، قد أصدر عدداً من المجموعات القصصية، وخمس روايات، نال عنها عدة جوائز، منها جائزة ريكاردو غاليغوس التي تعد أهم جائزة أدبية في أميركا اللاتينية.



لن نسمح بعد الآن لأحد أن يسرق الحلم منا

علياء خاشوق
علياء خاشوق
TT

لن نسمح بعد الآن لأحد أن يسرق الحلم منا

علياء خاشوق
علياء خاشوق

«يسقط الطاغية (الثلج) الآن في مونتريال، والأشجار وقوفاً كالأشجار».

كانت هذه جملتي المفضلة التي أكررها في أغلب منشوراتي على «فيسبوك»، طيلة ثلاثة عشر عاماً منذ بداية الثورة السورية. كنت أدرّب نفسي، أو لنقل، أستعد لكتابة الجملة المشتهاة في اللحظة المشتهاة:

«يسقط الطاغية بشار الأسد الآن في دمشق، والسوريون وقوفاً كالأشجار».

ويا للهول، أتت اللحظة الفاصلة (اللحظة المعجزة)، تحررت سوريا من هذا العبء الثقيل. سقط النظام السوري المجرم، وأصبحت سوريا، ونحن السوريين معها، بخفة ريشة تتطاير في الهواء. نمسك الحلم (حلمنا) بأيدينا، ونخشى أن يتخلى عنا مرّة أخرى. لا لن يفعل، لن ندعه يفعل، لن نعطيه هذه الفرصة.

ولذا، عُدنا إلى تبني مفهوم التفاؤل، بعد أن غاب عنا عمراً طويلاً أمضيناه نلوك المرارة تلو المرارة، مجزرة تلو المجزرة. نموت بالآلاف، أشلاءً تحت وطأة البراميل المتفجرة. نغرق في بحار البلدان المجاورة ونحن نبحث عن أرض آمنة. تنجرح أصواتنا ونحن نطالب بمعتقلينا في سجون النظام. نخبر الله والعالم أجمع عما يحل بنا ثم نخبو في آخر اليوم، كل يوم، نتكور على أنفسنا مهزومين، نلوك الوجع، ويموت التفاؤل فينا مع كل غياب شمس، أكثر من سابقه.

ثم يأتي يوم الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024، يأتي على هيئة بابا نويل، مرتدياً العلم السوري الأخضر. يهبط بعربته في أرض الشام. يفتح جعبته ويوزع الهدايا على كل سوري، صغيراً كان أم كبيراً.

بابا نويل يمسك بنا (نحن) الخِفاف كالريشة التي صرناها ويقترح علينا مصالحات. مصالحات مع المرارة، الهزيمة، الانتظار، اللاأمل، مع موتنا وأشلائنا، مع غرقنا، مع أصواتنا المجروحة ومع زمننا المقبل، الزمن السوري المقبل. جاء بابا نويل هذا (8 ديسمبر)، وتحت إبطه عقد لصفقة كبيرة تدعى «التفاؤل».

قال له السوريون: «أيها السيد المحترم بابا نويل، إنها صفقة رابحة ونحن اشترينا. كل ما نتمناه ألا تكون بضاعتك مغشوشة».

وقّعنا، بسرعة فرح الأطفال، عقد التفاؤل هذا ثم رقصنا وغنّينا وحوّلنا ساحات المدن (كل المدن التي تبعثرنا فيها منفيين ومهجرين)، حوّلناها إلى منصات لاحتفال حاشد واحد، نحمل فيه علمنا الأخضر وندور في شوارع العالم، معلنين حريتنا الغالية الثمن، وسوريتنا وطناً مسترداً من أيدي الطاغية.

يا للهول، يا للحظة المعجزة!

يا للهول، يا للبضاعة المغشوشة أيها البابا نويل المحترم! تفاؤلنا مخلوط بكمية هائلة من الحذر ومعقود على خوف، خوف من زمننا السوري المقبل.

الخوف؟ الحذر؟

ربما لأننا أبناء إمبراطورية الخوف... سوريا.

تقول صديقة كندية: الثلج هو وطني.

ترد صديقتي السورية: الخوف هو وطني، أنا أخاف من أن يمر يوم لا أخاف فيه.

يقف الآن زمننا السوري المقبل بمواجهتنا في مرآتنا. يسألنا عن نفسه فينا، يمد لنا يده، «فماذا أنتم فاعلون؟».

نطبطب على كتف التفاؤل، نحابي الحذر، نتجرأ على الخوف، ونعلن للعالم كله بصوت واحد: «طوبى لمن يشهد قيامة شعبه».

تبدأ المبادرات والدعوات لسوريا الدولة المدنية، سوريا دولة القانون، تمتلئ صدور السوريين بطاقة إيجابية للبناء وإعادة الإعمار، للمصالحات بين زمننا الماضي بكل ما فيه، وزمننا المقبل بكل تحدياته.

تعود إلينا سوريا محطمة، مسروقة، مريضة، مكسورة النفس، تشبه أولادها الذين خرجوا أخيراً من سجون النظام، يحملون تعذيبهم على أكتافهم، ويتركون ذاكرتهم وراءهم بعيداً بعيداً في معتقلاتهم.

كل الصور والأخبار التي يراها العالم اليوم، والذي وقف لمدة خمسة عقود ونيف، متفرجاً على آلام طريق الجلجلة السورية، كلها تعقد الألسن، تفتح أبواباً ونوافذ للحذر من مآلات التغيير، وترفع مسؤولية السوري إلى أعلى مستوياتها تجاه هذا الوطن الذي نسترده الآن حراً من الطغيان الأسدي.

يتصدر المشهد مجموعة ثوار إسلامويين، قطفوا اللحظة (المعجزة)، ويصدرون الوعود الإيجابية بسوريا جديدة لكل أهلها على اختلاف مشاربهم.

ينتظر العالم بأسره كيف سيتعامل هؤلاء الإسلامويون مع بابا نويل سوريا؟

السوريون هم الوحيدون مَن لن ينتظر بعد ذلك. لقد بدأوا بكتابة تاريخهم الجديد، ولن يسمحوا بعد الآن لأي هيئة أو جماعة أن تسرق الحلم.

نعم أيها التفاؤل، إنك صفقة رابحة، حتى ولو كانت مغشوشة.

* سينمائية سورية