سوريون داخل تركيا مترددون في العودة إلى «المنطقة الآمنة»

TT

سوريون داخل تركيا مترددون في العودة إلى «المنطقة الآمنة»

يملك راشد، الذي وُلد في بلدة تل أبيض بريف الرقة الشمالي، متجراً صغيراً للملابس الجاهزة في السوق القديمة بمدينة غازي عنتاب التركية، ويبيع الثياب النسائية وملابس الأطفال، ويعمل على مدار 12 ساعة لخدمة زبائنه، وجلّهم من السوريين المقيمين في تركيا، لكنه لم يكترث كثيراً للاتفاق التركي - الأميركي حول إنشاء «منطقة آمنة» في بلده سوريا.
يروي راشد كيف ترك منزله وأملاكه في أواخر 2013 بعد سيطرة عناصر تنظيم «داعش» وقتذاك على مدينته، ولجأ إلى تركيا قبل 6 سنوات، ويمارس مهنة تجارة الألبسة، القريبة من عمله القديم. وقال: «حدود هذه المنطقة ستكون مغلقة؛ فمن جهة (الوحدات)، ومن جهة ثانية النظام، ومن جهة ثالثة فصائل (درع الفرات)»، مضيفاً أنّ العمل الصناعي والتجاري يحتاج إلى مدن كبيرة وأسواق منتعشة وحدود مفتوحة داخلياً وخارجياً، أما ما يخص المناطق المعنية فتقع في ريف الحسكة والرقة، مشيراً إلى أن «معظمها ريفية ومقطعة الأوصال، ولن أعمل في منطقة مثل هذه أو أنتقل للعيش فيها».
وتهدف تركيا إلى إعادة نحو 3 ملايين ونصف المليون لاجئ سوري يقيمون على أراضيها منذ اندلاع الأزمة ببلادهم في ربيع 2011، وهو تعهد قطعه الرئيس التركي إردوغان أمام شعبه. وتعالت انتقادات من داخل الحزب الحاكم في تركيا تحمّل خسارتهم في انتخابات بلدية إسطنبول للسوريين.
أما عدنان (40 سنة)، المتحدر من مدينة الحسكة، فقد خرج من سوريا بداية 2017 بعد احتدام المعارك آنذاك بين «قوات سوريا الديمقراطية» و«داعش» المتطرف، وكانت مقسمة بين 3 جهات عسكرية؛ وكان النظام الحاكم يبسط سيطرته على مربع أمني يشمل مركز المدينة والمقار الحكومية. وقد طالب عدنان بضرورة توفير موجبات العودة وتطمين السكان، خصوصاً المنحدرين من هذه المناطق، لافتاً: «يجب أن تكون بضمانات دولية، ويحكمها مجلس حكم محلي مقبول وتحت حماية قوة عسكرية منضبطة، إلى جانب فرض حظر جوي».
بينما يعيش أحمد (31 سنة) المتحدر من مدينة الرقة، في ولاية غازي عنتاب، ويقدر عدد السوريين فيها بنحو 350 ألف لاجئ، وقد خرج من سوريا بعد إحكام تنظيم «داعش» قبضته على مسقط رأسه، وبعد تحريرها في شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2017 لم يتمكن من العودة «بسبب الدمار والخراب الذي طالها، لذلك ننتظر حتى تتحسن الظروف». ويتابع عن كثب الأخبار المتواترة عن إنشاء منطقة عازلة على حدود مدينته، واستبعد عودته في الوقت القريب، ويعزو السبب إلى أن «المنطقة المفترض إنشاؤها لن تكون آمنة كما يروج لها؛ إذ تم إقرارها إرضاءً لتركيا، وستكون أشبه بمناطق (درع الفرات) و(غصن الزيتون) وستعم فوضى السلاح».
ويرفض معظم السوريين القادمين من تلك المناطق العودة لغياب ضمانات دولية وحل سياسي شامل، كحال بشير، الناشط المدني المتحدر من مدينة الرقة والذي لجأ إلى تركيا بداية 2014 ويعيش في ولاية شانلي أورفة، والذي قال: «إن المزاج العام لسكّان الرقّة القاطنين في تركيا مع العودة، لكنّ المسألة ليست بتلك السهولة»، بحسب بشير، ومرد ذلك إلى «غياب الأمان والخدمات وحاجات الناس الغذائيّة والأساسيّة، وهي ليست أموراً ثانويّة، فهذه القضايا وغيرها ستحدّد عودة أهالي الرقّة».
وتشمل المنطقة المتفق عليها بلدات المبروكة وتل حلاف وعالية والعزيزية وتل خنزير التابعة لمدينة رأس العين بريف الحسكة الشمالي، كما تشمل بلدة السلوك ومدينة تل أبيض بريف محافظة الرقة شمال سوريا، وشهدت هذه المنطقة الحدودية توتراً متصاعداً بعد تهديد أنقرة بشن عملية عسكرية.
وأكدت جيهان (25 سنة)، المتحدرة من بلدة الدرباسية التابعة لمدينة الحسكة وتقيم منذ 4 سنوات في مدينة مردين التركية المقابلة لمسقط رأسها، رفضها العودة في ظل تقلبات المشهد الميداني، وقالت: «بعد دخول الجيش التركي إلى مدينة عفرين الكردية والانتهاكات التي ترتكبها فصائل موالية، لا أحد ينوي العودة وتكرار التجربة بالجزيرة».
ورغم استمرار القتال ومشاهد الدمار، فإن كثيراً من السوريين المقيمين في تركيا والذين فروا من جحيم حرب لم تطفأ نيرانها بعد، ينتظرون عودة قريبة إلى وطنهم؛ غير أنّ داني، المتحدر من منطقة المعضمية جنوب دمشق والذي هُجّر عنها بعد فرض تسوية على سكانها ويقيم في غازي عنتاب، يرفض العودة إلى «المنطقة الآمنة» وقال: «هُجّرت إلى إدلب وعايشت الغربة والبعد عن مدينتي ومنزلي. لن أكرر الشعور ذاته في مناطق لا أنتمي إليها، سأسافر من هنا إلى دولة ثالثة تقبل توطيني».



تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
TT

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)

أفرجت الجماعة الحوثية عن عدد ممن اختطفتهم، على خلفية احتفالاتهم بعيد الثورة اليمنية في سبتمبر (أيلول) الماضي، لكنها اختطفت خلال الأيام الماضية المئات من سكان معقلها الرئيسي في صعدة، ووجَّهت اتهامات لهم بالتجسس، بالتزامن مع بث اعترافات خلية مزعومة، واختطاف موظف سابق في السفارة الأميركية.

وذكرت مصادر محلية في محافظة صعدة (242 كيلومتراً شمال صنعاء)، أن الجماعة الحوثية تنفِّذ منذ عدة أيام حملة اختطافات واسعة طالت مئات المدنيين من منازلهم أو مقار أعمالهم وأنشطتهم التجارية، وتقتادهم إلى جهات مجهولة، بتهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل، مع إلزام أقاربهم بالصمت، وعدم التحدُّث عن تلك الإجراءات إلى وسائل الإعلام، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وقدرت المصادر عدد المختطَفين بأكثر من 300 شخص من مديريات مختلفة في المحافظة التي تُعدّ معقل الجماعة، بينهم عشرات النساء، وشملت حملة المداهمات منازل عائلات أقارب وأصدقاء عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، عثمان مجلي، الذي ينتمي إلى صعدة.

فعالية حوثية في صعدة التي تشهد حملة اختطافات واسعة لسكان تتهمم الجماعة بالتجسس (إعلام حوثي)

ورجحت المصادر أن اختطاف النساء يأتي بغرض استخدامهن رهائن لابتزاز أقاربهن الذين لم تتمكن الجماعة من الوصول إليهم، أو لإقامتهم خارج مناطق سيطرتها، ولإجبار من اختُطفنَ من أقاربهم على الاعتراف بما يُطلب منهن. وسبق للجماعة الحوثية اتهام حميد مجلي، شقيق عضو مجلس القيادة الرئاسي، أواخر الشهر الماضي، بتنفيذ أنشطة تجسسية ضدها، منذ نحو عقدين لصالح دول عربية وغربية.

إلى ذلك، اختطفت الجماعة الحوثية، الاثنين الماضي، موظفاً سابقاً في سفارة الولايات المتحدة في صنعاء، من منزله دون إبداء الأسباب.

وبحسب مصادر محلية في صنعاء؛ فإن عدداً من العربات العسكرية التابعة للجماعة الحوثية، وعليها عشرات المسلحين، حاصرت مقر إقامة رياض السعيدي، الموظف الأمني السابق لدى السفارة الأميركية في صنعاء، واقتحمت مجموعة كبيرة منهم، بينها عناصر من الشرطة النسائية للجماعة، المعروفة بـ«الزينبيات»، منزله واقتادته إلى جهة غير معلومة.

مسلحون حوثيون يحاصرون منزل موظف أمني في السفارة الأميركية في صنعاء قبل اختطافه (إكس)

وعبث المسلحون و«الزينبيات» بمحتويات منزل السعيدي خلال تفتيش دقيق له، وتعمدوا تحطيم أثاثه ومقتنياته، وتسببوا بالهلع لعائلته وجيرانه.

إفراج عن مختطَفين

أفرجت الجماعة الحوثية عن الشيخ القبلي (أمين راجح)، من أبناء محافظة إب، بعد 4 أشهر من اختطافه، كما أفرجت عن عدد آخر من المختطفين الذين لم توجه لهم أي اتهامات خلال فترة احتجازهم.

وراجح هو أحد قياديي حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اختطفتهم الجماعة الحوثية إلى جانب عدد كبير من الناشطين السياسيين وطلاب وشباب وعمال وموظفين عمومين، خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، على خلفية احتفالهم بثورة «26 سبتمبر» 1962.

مخاوف متزايدة لدى اليمنيين من توسيع حملات الترهيب الحوثية بحجة مواجهة إسرائيل (أ.ب)

ومن بين المفرَج عنهم صاحب محل تجاري أكَّد لـ«الشرق الأوسط» أنه لم يعلم التهمة التي اختُطِف بسببها؛ كونه تعرض للاختطاف في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أي بعد شهرين من حملة الاختطافات التي طالت المحتفلين بذكرى الثورة اليمنية.

وذكر أن الوسطاء الذين سعوا لمحاولة الإفراج عنه لم يعرفوا بدورهم سبب اختطافه؛ حيث كان قادة أجهزة أمن الجماعة يخبرونهم في كل مرة بتهمة غير واضحة أو مبرَّرة، حتى جرى الإفراج عنه بعد إلزامه بكتابة تعهُّد بعدم مزاولة أي أنشطة تخدم أجندة خارجية.

خلية تجسس مزعومة

بثَّت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، اعترافات لما زعمت أنها خلية تجسسية جديدة، وربطت تلك الخلية المزعومة بما سمته «معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس»، في مواجهة الغرب وإسرائيل.

وطبقاً لأجهزة أمن الجماعة، فإن الخلية المزعومة كانت تسعى لإنشاء بنك أهداف، ورصد ومراقبة المواقع والمنشآت التابعة للقوة الصاروخية، والطيران المسيَّر، وبعض المواقع العسكرية والأمنية، بالإضافة إلى رصد ومراقبة أماكن ومنازل وتحركات بعض القيادات.

خلال الأشهر الماضية زعمت الجماعة الحوثية ضبط عدد كبير من خلايا التجسس (إعلام حوثي)

ودأبت الجماعة، خلال الفترة الماضية، على الإعلان عن ضبط خلايا تجسسية لصالح الغرب وإسرائيل، كما بثَّت اعترافات لموظفين محليين في المنظمات الأممية والدولية والسفارات بممارسة أنشطة تجسسية، وهي الاعترافات التي أثارت التهكُّم، لكون ما أُجبر المختطفون على الاعتراف به يندرج ضمن مهامهم الوظيفية المتعارف عليها ضمن أنشطة المنظمات والسفارات.

وسبق للجماعة أن أطلقت تحذيرات خلال الأيام الماضية للسكان من الحديث أو نشر معلومات عن مواقعها والمنشآت التي تسيطر عليها، وعن منازل ومقار سكن ووجود قادتها.

تأتي هذه الإجراءات في ظل مخاوف الجماعة من استهداف كبار قياداتها على غرار ما جرى لقادة «حزب الله» اللبناني، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي إطار المواجهة المستمرة بينها وإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا، بعد هجماتها على طرق الملاحة الدولية في البحر الأحمر، والهجمات الصاروخية باتجاه إسرائيل.