«الشرق الأوسط» في مهرجان فينيسيا السينمائي (2): كاترين دينوف وجولييت بينوش تتواجهان في فيلم الافتتاح

يبحث عن الحقيقة في طيات علاقات متوترة

المخرج هيروكازو كوريدا بين بطلتيه في حفل الافتتاح
المخرج هيروكازو كوريدا بين بطلتيه في حفل الافتتاح
TT

«الشرق الأوسط» في مهرجان فينيسيا السينمائي (2): كاترين دينوف وجولييت بينوش تتواجهان في فيلم الافتتاح

المخرج هيروكازو كوريدا بين بطلتيه في حفل الافتتاح
المخرج هيروكازو كوريدا بين بطلتيه في حفل الافتتاح

الموضوع العائلي، بعلاقاته الشائكة، محفور في عدد ملحوظ من أفلام المخرج الياباني هيروكازو كوريدا. في فيلمه الجديد «الابن كالأب» (2013) وفيلمه المتوسط «الشقيقة الصغيرة» (2016) كما في فيلمه الذي نال سعفة مهرجان «كان» في العام الماضي وهو «سارقو المحال» (Shoplifters)، هناك ذلك المحور الذي تدور من حوله الأحداث ومفاده العائلة والأسرار التي تجري من تحت جسورها مخفية وخفية إلى أن تكشفها مواجهة لم يتنبأ بها أحد.
كوريدا (57 سنة) لا يعرف الإنجليزية ولا الفرنسية لكنه عندما سنحت له فرصة تحقيق أول فيلم له خارج اليابان لم يتأخر. الفيلم هو «الحقيقة» الذي افتتح الدورة السادسة والسبعين من مهرجان فينيسيا السينمائي.
لومير (جولييت بينوش) كاتبة سيناريو تعيش في نيويورك مع زوجها الممثل هانك (إيثان هوك) وابنتهما الصغيرة (كلمنتين غرنييه). وأحد المشاهد الأولى للفيلم يصوّر وصولهما للبيت الكبير الذي تشغله أم لومير، الممثلة المعروفة فابيان (كاترين دينوف). وينتهي الفيلم بلقطة فوقية للعائلة وهي تغادر المكان بعد أن أمضت فيه بضعة أسابيع.
اللقطتان تقعان في حديقة المنزل. شيء من التوقع يصاحب الوصول وقدر من الحزن يصاحب الرحيل. ما بينهما حكاية تعتمد على العلاقة بين الأم وابنتها، شغل كوريدا المعهود في بعض أفلامه.
فابيان ما زالت، كما كاترين دينوف ذاتها، تعمل كثيراً. لقد عاصرت مخرجين كثيرين. وفي مطلع الفيلم، مباشرة قبل مشهد وصول عائلة ابنتها، نجد فابيان تجيب على أسئلة صحافي غير متمكن من أدوات عمله. يسألها المعهود وترد عليه ببرود، وأحياناً ما ترسم علامات وجه متعجبة من سذاجة الأسئلة.
هل كان سيختلف الوضع لو تم تقديم الصحافي الذي يجري المقابلة على نحو إيجابي؟ ليس بالضرورة ما يجعل اختيار صحافي ساذج وغير ملم مقصوداً لغايته. لا بأس سريعاً ما ينساه الفيلم (ومعظم المشاهدين) وتتقدم الحكاية بعيدة عنه. لا يبقى من المشهد سوى وجود غير مبرر.
الأوراق الخفية لنوعية العلاقة بين الأم وابنتها تتبدّى سريعاً بعد ذلك انطلاقاً من كتاب سيرة صدر حديثاً للممثلة حول حياتها وعلاقاتها وأعمالها. عندما تقرأ الابنة مذكرات والدتها تُصاب بالهلع لأن أمها ذكرت أشياء لم تقع على أساس أنها حقائق من بينها أنها كانت كثيرة الاهتمام بابنتها. أمر يشكل سبباً لمواجهة بين الأم وابنتها لا تكترث فيه الأولى حتى للدفاع عن نفسها. في مشهد آخر تتحدث عن زوجها وعلاقاتها كما يحلو لها. عندما تواجهها الابنة ببعض الأسئلة في هذا المجال ترد عليها الأم بأنها لم تعتذر يوماً لأحد «خصوصاً الرجال».
زوجها السابق يدخل ويخرج من الفيلم بعد مشاهد قليلة. هو هناك لإضاءة علاقة أخرى غير متجانسة في حياة فابيان. هو والد لومير الذي يصل بلا دعوة ويقرر المغادرة بلا وداع. بعض السبب هو أن المخرج كوريدا يريد التركيز على المواجهة بين الأم وابنتها، وبين الأم وعملها فهي تصوّر دورها في فيلم جديد لاعبة دور الأم المريضة. على عكس الحياة ستجد الجرأة المطلوبة لتعتذر من ابنتها في الفيلم ولن توفر أي اعتذار من ابنتها الفعلية.
دور إيثان هوك في الفيلم كان يمكن تسخينه قليلاً. هو هناك لتوسيع دائرة الشخصيات التي تتعامل والأزمة الحاصلة. يكمل الصورة لكنه يبقى أقرب إلى أميركي ساذج خصوصا أنه يؤدي شخصية ممثل طموح لنقلة نوعية في حياته لم تحدث بعد و- غالباً - لن تحدث.
فيلم من مغترب
كون شخصيته لا تحتوي على أكثر مما تبديه، فإن موهبة هذا الممثل مهدورة في مواقف معهودة. يضحك هنا. يلاعب ابنته هناك. يتحدث لزوجته. لكن لا شيء يمثل أبعاداً أو يتوقف ليشرح ظروفاً. لا نعرف لماذا هو ممثل فاشل ولماذا هو سريع الاعتراف بذلك. دوره هنا هو شاهد على ما يدور من دون أن يكون له الحق (كما تنهره زوجته في أحد المشاهد) بالتدخل بينها وبين والدتها.
الفيلم ليس فيلماً لكوريدا الذي نعرف. صحيح أنه يتعامل مع العائلة المفككة إلا من روابط متردية إلا أن الثقافة التي يوفرها تختلف عن ثقافته الأصلية. الفيلم فرنسي بالكامل كتابة وتنفيذاً وتوليفاً، لكن روح المخرج ليست موجودة. وكاثرين دينوف (التي تكرر شخصيتها الحالية كأيقونة الممثلات الفرنسيات ولو باسم مختلف) صرحت في المؤتمر الصحافي أن حقيقة أن كوريدا لا يتحدث الإنجليزية أو الفرنسية جعل الجميع يتعامل مع بعضه البعض بالإشارة.
لا نجد صعوبة التواصل متوفرة في أمثلة محددة أو في مشاهد معينة، لكن ما نشاهده هو أن الفيلم لا ينتمي إلى كوريدا بل ينتمي إلى صناعة فرنسية كحال ما قام به المخرج الإيراني أصغر فرهادي عندما قام بتحقيق فيلمه الأخير «لا أحد يعلم» في إسبانيا ومع ممثلين إسبان.
«الحقيقة» هو فيلم يبلور مواقف يحب الغربيون (الأوروبيون تحديداً) مشاهدتها ويقبلون عليها بحب وشغف. هذا يبدأ من النقاد الذين وجدوا الفيلم هنا شبه تحفة ويمتد للجمهور الشاسع في أوروبا الذي يهوى الدراما العائلية المحلاة بنجمتين محبوبتين واحدة مخضرمة ما زالت نجمة والثانية من جيل لاحق ما زالت بدورها في المستوى ذاته.
«الحقيقة» لا يزال عن حقيقة مخفية ترتفع الستارة عنها بالتدرج شأن أعمال المخرج السابقة. لكنه أقل أهمية من فيلم «سارقو المحال» أو من «الابن كالأب» (Like Father‪، ‬ Like Son) كونهما تمتعا بمعرفة أوسع بما هو ياباني. الفيلم، بذلك، عمل مغترب كمخرجه. نعم، يحمل الفيلم الإيقاع الجيد وسلاسة عناصر العمل ويبرز خانات التوتر بين الأم والابنة وبين الابنة وزوجها (كما بين الأم والآخرين جميعاً) إلا أنه فيلم فرنسي من دون أن يكون أفضل الأفلام الفرنسية المماثلة.
هذا يفسر البرود الذي يتسلل إلى مفاصل الفيلم. كوريدا يخفق في إثارة الاهتمام طوال الوقت كما يخفق في توفير عناصر ساخرة مبطنة كاملة بل يكتفي بعرض الحكاية مع محطاتها وشخصياتها.
معظم التصوير داخلي والمشاهد مؤطرة بحركة كاميرا مقبولة لكن بقليل من دخولها للعب دور آخر غير ذلك.



«هوليوود» تقتل نجومها بمسلسلات ورسوم

بطولة جماعية وهجوم مشترك: «ذَ أڤنجرز» (مارڤل ستوديوز)
بطولة جماعية وهجوم مشترك: «ذَ أڤنجرز» (مارڤل ستوديوز)
TT

«هوليوود» تقتل نجومها بمسلسلات ورسوم

بطولة جماعية وهجوم مشترك: «ذَ أڤنجرز» (مارڤل ستوديوز)
بطولة جماعية وهجوم مشترك: «ذَ أڤنجرز» (مارڤل ستوديوز)

عندما يتساءل البعض أين هم النجوم الكبار؟ فهناك أكثر من جواب.

إذا كان السؤال عن عمالقة التمثيل في الفن السابع، أمثال مارلون براندو، وكلارك غيبل، وباربرا ستانويك، وجاك نيكلسن، وصوفيا لورِين، وجوليانو جيما، وهمفري بوغارت، وجيمس ستيوارت، وكاثرين دينوف، وأنتوني كوين، وعشرات سواهم، فإن الجواب هو أن معظمهم وافته المنية ورحل عن الدنيا. القلّة الباقية اعتزلت أو تجهدُ لأن تبقى حاضرة. المثال الأبرز هنا، كاثرين دينوف (81 سنة) التي شوهدت خلال عام 2024 في 3 أفلام متعاقبة.

أما إذا كان السؤال مناطاً بنجوم جيل الثمانينات والتسعينات ممن لا يزالون أحياء، أمثال سيلفستر ستالون، وأرنولد شوارتزنيغر، وسيغورني ويڤر، وسوزان ساراندون، وأنتوني هوبكنز، وميل غيبسن، وجيسيكا لانج، وكيم باسنجر، وغلين كلوز، وهاريسون فورد، وستيفن سيغال، وروبرت دي نيرو، وآل باتشينو وسواهم من الجيل نفسه، فحبّهم للبقاء على الشاشة مثالي يدفعهم للظهور إمّا في أدوار مساندة أو في أفلام صغيرة معظمها يتوفّر على منصات الاشتراكات.

أما بالنسبة للزمن الحالي، فإن الأمور مختلفة، فعلى الأقل تمتّع من ذُكروا أعلاه بأدوارٍ خالدة لا تُنسى في أنواع سينمائية متعدّدة (أكشن، دراما، كوميديا، ميوزيكال... إلخ).

الحال أنه لم يعد هناك من ممثلين كثيرين يستطيعون حمل أعباء فيلمٍ واحدٍ من نقطة الانطلاق إلى أعلى قائمة النجاح. أحد القلّة توم كروز، وذلك بسبب سلسلة «Mission‪:‬ Impossible» التي قاد بطولتها منفرداً، ولا تزال لديه ورقة واحدة من هذا المسلسل مفترضٌ بها أن تهبط على شاشات السينما في مايو (أيار) المقبل.

بطولات جماعية

بكلمة أخرى: لم يعد هناك نجوم كما كان الحال في زمن مضى. نعم هناك توم هانكس، وروبرت داوني جونيور، وجوني دَب، وسكارليت جوهانسون، ودانيال كريغ، ونيكول كيدمان، لكن على عكس الماضي البعيد، عندما كان اسم الممثل رهاناً على إقبالٍ هائل لجمهور لا يفوّت أي فيلم له، لا يستطيع أحد من هؤلاء، على الرغم من ذيوع اسمه، ضمان نجاح فيلمٍ واحدٍ.

ما يُثبت ذلك، هو استقراءُ حقيقة سقوط أفلامٍ أدّى المذكورة أسماؤهم أعلاه بطولاتها منفردين، لكنها أثمرت عن فتورِ إقبالٍ كما حال توم هانكس، وجنيفر لورنس، وجوني دَب، وروبرت داوني جونيور.

الحادث فعلياً أن «هوليوود» قضت على نجومها بنفسها.

كيف فعلت ذلك؟ وما المنهج الذي اتبعته ولماذا؟

الذي حصل، منذ 3 عقود وإلى اليوم، هو أن هوليوود أطلقت، منذ مطلع القرن الحالي، مئات الأفلام ذات الأجزاء المتسلسلة بحيث بات اهتمامُ الجمهور منصبّاً على الفيلم وليس على الممثل الذي لم يَعُد وحده في معظمها، بل يؤازره ممثلون آخرون من حجم النجومية نفسها.

كثير من هذه المسلسلات يضعُ ممثلين مشهورين في البطولة كما حال سلسلة «The Avengers»، التي ضمّت روبرت داوني جونيور، وسكارليت جوهانسن، وجوينيث بالترو، وصامويل ل. جاكسون، ومارك رافالو، وكريس إيڤانز تحت مظلّتها.

في مسلسل «كابتن أميركا»، وإلى جانب داوني جونيور، وسكارليت جوهانسون، وإيڤنز، أيضاً تناثر بول رود، وتوم هولاند، وإليزابيث أولسن. كلُ واحدٍ منهم قدّم في هذا المسلسل وسواه من أفلام الكوميكس والسوبر هيروز نمرته، وقبض أجره ومضى منتظراً الجزء التالي.

أيّ فيلم خارج هذه المنظومة مرجّح فشله. بذلك تكون «هوليوود» قد ساهمت في دفن نجومها عبر توجيه الجمهور لقبولهم الجميع معاً على طريقة «اشترِ اثنين واحصل على الثالث مجاناً».

ولا عجب أن أعلى الأفلام إيراداً حول العالم كسرت إمكانية تعزيز العودة إلى أيامٍ كان اسم ممثلٍ كبيرٍ واحدٍ، (لنقل كلينت إيستوود أو أنتوني هوبكنز)، كفيلاً بجرِّ أقدام المشاهدين إلى صالات السينما بسببه هو.

الأفلام العشرة التي تقود قائمة أعلى الأفلام رواجاً حول العالم، تتألف من 4 أفلام من «الأنيميشن» هي، «Inside Out 2»، و«Despicable Me 4»، و«Moana 2»، و«Kung Fu Panda 4».

بعض هذه الأفلام جاءت بممثلين مجهولين، وأُخرى جلبت بعض الأسماء المعروفة. في «إنسايد آوت 2»، اعتُمد على عددٍ من الممثلين غير المعروفين أمثال مايا هوك، وليزا لابيرا، وتوني هايل، ولويس بلاك.

في «مونا 2»، استُعين باسم معروف واحد هو، دواين جونسون الذي تقاضى 50 مليون دولار وأُحيط بممثلين مجهولين. نعم الإقبال على هذا الفيلم أثمر عن 441 مليونَ دولارٍ حتى الآن (ما زال معروضاً)، لكن ليس بسبب اسم بطله جونسون، بل بسبب تطبيع جمهور مستعدٍ لأن يرى الفيلم حلقةً مسلسلةً أكثر مما يهتم لو أن جونسون أو دنزل واشنطن قام بالأداء الصوتي.

سقوط وونكا

أحد الأفلام العشرة كان من بطولة وحشين كاسرين هما غودزيللا وكينغ كونغ. معهما من يحتاج لممثلين معروفين، أشهر المشتركين كانت ريبيكا هول، أما الباقون فهم مجموعة جديدة أخرى لم يعد باستطاعة كثيرين حفظ أسمائهم.

يتمتع الفيلم الخامس في القائمة «Dune 2»، بوجود ممثلين معروفين أمثال تيموثي شالامي، وزيندايا، وخافيير باردم. لكن الكل يعرف هنا أنه لو لم يكن شالامي أو زيندايا أو باردم لكان هناك آخرون لن يقدّموا أو يؤخّروا نجاح هذا الفيلم، لأن الإقبال كان، كما كل الأفلام الأخرى، من أجله وليس من أجل ممثليه.

لهذا نجد أنه عندما حاول شالامي تعزيز مكانته ببطولة منفردة في «Wonka»، سقط الفيلم وأنجز أقلَّ بكثيرٍ ممّا وعد به.

ما سبق يؤكد الحالة الحاضرة من أن نظام إطلاق أفلام الرُّسوم والمسلسلات الفانتازية أثمر عن إضعاف موقع الممثل جماهيرياً. غداً عندما ينتهي كروز من عرض آخر جزءٍ من «المهمّة: مستحيلة» سينضمُّ إلى من أفُلَت قوّتهم التجارية أو كادت. سينضم إلى جوني دَب، مثلاً، الذي من بعد انقضاء سلسلة «قراصنة الكاريبي» وجد نفسه في وحول أفلام لا ترتفع بإيرادها إلى مستوى جيد.