بين بياريتز والضاحية... صراع بسرعات متعددة

TT

بين بياريتز والضاحية... صراع بسرعات متعددة

ما تشخيص الوضع الذي تمر به المنطقة بعد التصعيد العسكري الإسرائيلي في سوريا والعراق ولبنان، مقابل التحرك الدبلوماسي الذي أطلقته الدعوة الفرنسية لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لزيارة مقر اجتماعات قمة الدول الصناعية السبع في بياريتز؟
هبوط طائرة ظريف في جنوب فرنسا، ثم تصريحات الرئيس دونالد ترمب أن إيران «لم تعد الداعم الأكبر للإرهاب في العالم»، وعن إمكان اللقاء قريباً بنظيره الإيراني حسن روحاني، والتفاؤل الذي أبداه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمور رمت إلى إظهار قدرة الدبلوماسية على العمل، على الرغم من التهديدات المتبادلة والمواقف النارية. وفق المعلومات، لم يُسرّ الأميركيون بالظهور المفاجئ لظريف في بياريتز، حيث كرر الضيف في عدد من المقابلات مع وسائل الإعلام الفرنسية الحديث التقليدي عن استحالة إخضاع طهران بواسطة العقوبات. وهو ما ذهب إليه روحاني في اليوم التالي لزيارة ظريف بقوله إن بلاده لن تفاوض ما لم ترفع الولايات المتحدة العقوبات المفروضة على إيران. صحيح أن ظريف أعلن أن السادس من الشهر المقبل هو موعد الخطوة الإيرانية الثالثة من سياق تخفيض الالتزام بموجبات الاتفاق النووي الذي انسحبت منه الولايات المتحدة، إلا أن هذا التصريح لا يخرج عن أطر التفاوض المعتادة بين إيران والدول الغربية حيث يلوح الطرفان بالأوراق القوية لجذب انتباه الطرف الآخر وحضّه على إبداء المرونة.
على المستوى الداخلي الإيراني، قد توحي اتهامات بعض قادة «الحرس الثوري» لظريف باليأس، وبأن «رائحة الخيانة» تفوح من زيارته إلى فرنسا، بأن المؤسسة الحاكمة التي يتزعمها المرشد علي خامنئي غير موافقة على مساعي رئيس الدبلوماسية الإيرانية. لكن التصريحات المذكورة تصب في خانة الانقسام التقليدي القائم بين مؤسسات «الدولة» في إيران، وتلك التي تمثل «النظام»، وعلى رأسها المرشد وذراعه «الحرس»، وهو انقسام يأخذ شكل رقابة الثانية على الأولى، من دون أن يهمل «النظام» الفرص التي تتيحها «الدولة» للخروج من المآزق التي توقع سياسات النظام البلاد فيها.
في الوقت ذاته، ظهر أن إسرائيل تريد تحقيق الفائدة القصوى من «نافذة زمنية» قد تنتهي فور الإعلان عن قرب استئناف المفاوضات الأميركية الإيرانية، وتسبق الانتخابات التشريعية الإسرائيلية في 17 سبتمبر (أيلول) المقبل حيث يسعى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى تجنب أي نتيجة ملتبسة، على غرار تلك التي أسفرت عنها انتخابات أبريل (نيسان) الماضي، ولا تؤهله للعودة إلى منصب رئاسة الوزراء بصلاحيات كاملة وهامش مناورة واسع.
الغارات على مخازن أسلحة «الحشد الشعبي» العراقي، والحديث عن إحباط عملية إيرانية كانت على وشك الانطلاق لقصف أهداف إسرائيلية بواسطة طائرات مسيرة من دون طيار (درونز)، وسقوط طائرتين مشابهتين في الضاحية الجنوبية لبيروت قرب ما يعتقد أنه مواقع لـ«حزب الله» اللبناني، وضع الأحداث في أجواء مناقضة لتلك التي حملتها دعوة ظريف إلى فرنسا ومحادثاته فيها، ثم انتقاله السريع إلى بكين فطوكيو.
الحكومة اللبنانية قدمت على لسان رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس الوزراء سعد الحريري، والمجلس الأعلى للدفاع، الغطاء السياسي لأي رد قد يقوم به «حزب الله» على مقتل عنصرين من عناصره في القصف الإسرائيلي على مركز للحزب في بلدة عقربا السورية، وعلى سقوط الطائرتين المسيرتين في الضاحية الجنوبية لبيروت. تَمَثّلَ هذا الغطاء بالتأكيد على الحق في الرد، وعلى ضرورة منع إسرائيل من «تغيير قواعد الاشتباك» التي أرساها وقف إطلاق النار في نهاية حرب يوليو (تموز) 2006. وتدرك الحكومة اللبنانية أنها بتوفيرها هذا الغطاء تضفي مزيداً من التبريرات على العقوبات الاقتصادية الأميركية على أفراد ومؤسسات في لبنان، الذي بدأ يلمس مواطنوه آثار هذه العقوبات لمس اليد، فيما يتراجع إلى الصفوف الخلفية، بموافقة السلطات، الإجماع الوطني حول سياسات «حزب الله» التي لا يملك أي من المسؤولين اللبنانيين وسيلة لفرض الرقابة عليها.
وبين إحياء فرنسا للعملية الدبلوماسية على المسار الإيراني الغربي، وتفاقم التوتر في المنطقة بين إسرائيل وحلفاء إيران، تبرز صورة المنطقة كنموذج للتعقيدات وتعدد السرعات التي تسير عليها الأحداث في الشرق الأوسط. يترك تعدد مستويات المواجهات السياسية والأمنية بالترافق مع العمل الدبلوماسي، ثغرات لاحتمالات شتى متعارضة، ومتناقضة بدورها، من الضربات العسكرية المحدودة إلى الحروب المفتوحة، وصولاً إلى تفاهمات تعيد ضبط الساحة وفق قواعد جديدة للصراع المستمر وطويل المدى.


مقالات ذات صلة

دراسة: كبار السن أكثر قدرة على تحمل حرارة الطقس مقارنة بالشباب

صحتك رجل يسكب الماء على رأسه أثناء موجة حر في هيوستن بولاية تكساس بالولايات المتحدة 25 أغسطس 2023 (رويترز)

دراسة: كبار السن أكثر قدرة على تحمل حرارة الطقس مقارنة بالشباب

كشفت دراسة مكسيكية أنه على عكس الاعتقاد السائد، فإن كبار السن أكثر قدرة على تحمل موجات الحرارة مقارنة بالشباب.

«الشرق الأوسط» (سان فرانسيسكو)
خاص تم تحسين هذه النماذج لمحاكاة سيناريوهات المناخ مثل توقع مسارات الأعاصير مما يسهم في تعزيز الاستعداد للكوارث (شاترستوك)

خاص «آي بي إم» و«ناسا» تسخّران نماذج الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات المناخية

«الشرق الأوسط» تزور مختبرات أبحاث «IBM» في زيوريخ وتطلع على أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي لفهم ديناميكيات المناخ والتنبؤ به.

نسيم رمضان (زيوريخ)
بيئة أظهرت الدراسة التي أجراها معهد «كلايمت سنترال» الأميركي للأبحاث أنّ الأعاصير الـ11 التي حدثت هذا العام اشتدت بمعدل 14 إلى 45 كيلومتراً في الساعة (رويترز)

الاحترار القياسي للمحيطات زاد حدة الأعاصير الأطلسية في 2024

أكدت دراسة جديدة، نُشرت الأربعاء، أن ظاهرة الاحترار المناخي تفاقم القوة التدميرية للعواصف، مسببة زيادة السرعة القصوى لرياح مختلف الأعاصير الأطلسية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
بيئة متوسط درجات الحرارة كان مرتفعاً للغاية منذ يناير حتى أكتوبر (أ.ب)

علماء: عام 2024 سيكون الأكثر حرارة على الإطلاق

كشفت خدمة «كوبرنيكوس» لتغير المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي اليوم (الخميس) عن أن عام 2024 سيتخطى 2023 ليصبح العام الأعلى حرارة منذ بدء التسجيلات.

«الشرق الأوسط» (باريس)
بيئة تظهر صورة القمر الاصطناعي العاصفة الاستوائية «ميلتون» وهي تشتد وتتجه للتحول إلى إعصار قبل وصولها إلى فلوريدا في خليج المكسيك في 6 أكتوبر 2024 (رويترز)

لماذا يجعل الاحتباس الحراري الأعاصير أكثر قوة؟

يؤدي الاحتباس الحراري إلى ارتفاع درجات حرارة مياه المحيطات؛ مما يجعل الأعاصير أكثر قوة. ومع ذلك، هذا لا يعني بالضرورة أنه سيكون هناك المزيد من الأعاصير.

«الشرق الأوسط» (باريس)

إسرائيل ترى تهديداً متزايداً من سوريا رغم النبرة المعتدلة لحكامها

إسرائيل تقول إن التهديدات التي تواجهها من سوريا لا تزال قائمة (رويترز)
إسرائيل تقول إن التهديدات التي تواجهها من سوريا لا تزال قائمة (رويترز)
TT

إسرائيل ترى تهديداً متزايداً من سوريا رغم النبرة المعتدلة لحكامها

إسرائيل تقول إن التهديدات التي تواجهها من سوريا لا تزال قائمة (رويترز)
إسرائيل تقول إن التهديدات التي تواجهها من سوريا لا تزال قائمة (رويترز)

قال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، اليوم (الأحد)، إن التهديدات التي تواجهها إسرائيل من سوريا لا تزال قائمةً رغم النبرة المعتدلة لقادة قوات المعارضة الذين أطاحوا بالرئيس بشار الأسد قبل أسبوع، وذلك وسط إجراءات عسكرية إسرائيلية لمواجهة مثل هذه التهديدات.

ووفقاً لبيان، قال كاتس لمسؤولين يدققون في ميزانية إسرائيل الدفاعية: «المخاطر المباشرة التي تواجه البلاد لم تختفِ، والتطورات الحديثة في سوريا تزيد من قوة التهديد، على الرغم من الصورة المعتدلة التي يدّعيها زعماء المعارضة».

وأمس (السبت)، قال القائد العام لإدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، الذي يوصف بأنه الزعيم الفعلي لسوريا حالياً، إن إسرائيل تستخدم ذرائع كاذبة لتبرير هجماتها على سوريا، لكنه ليس مهتماً بالانخراط في صراعات جديدة في الوقت الذي تركز فيه البلاد على إعادة الإعمار.

ويقود الشرع، المعروف باسم أبو محمد الجولاني، «هيئة تحرير الشام» الإسلامية، التي قادت فصائل مسلحة أطاحت بالأسد من السلطة، يوم الأحد الماضي، منهيةً حكم العائلة الذي استمرّ 5 عقود من الزمن.

ومنذ ذلك الحين، توغّلت إسرائيل داخل منطقة منزوعة السلاح في سوريا أُقيمت بعد حرب عام 1973، بما في ذلك الجانب السوري من جبل الشيخ الاستراتيجي المطل على دمشق، حيث سيطرت قواتها على موقع عسكري سوري مهجور.

كما نفَّذت إسرائيل، التي قالت إنها لا تنوي البقاء هناك، وتصف التوغل في الأراضي السورية بأنه «إجراء محدود ومؤقت لضمان أمن الحدود»، مئات الضربات على مخزونات الأسلحة الاستراتيجية في سوريا.

وقالت إنها تدمر الأسلحة الاستراتيجية والبنية التحتية العسكرية لمنع استخدامها من قبل جماعات المعارضة المسلحة التي أطاحت بالأسد من السلطة، وبعضها نشأ من رحم جماعات متشددة مرتبطة بتنظيم «القاعدة» و«داعش».

وندَّدت دول عربية عدة، بينها مصر والسعودية والإمارات والأردن، بما وصفته باستيلاء إسرائيل على المنطقة العازلة في هضبة الجولان.

وقال الشرع في مقابلة نُشرت على موقع «تلفزيون سوريا»، وهي قناة مؤيدة للمعارضة، إن الوضع السوري المنهك بعد سنوات من الحرب والصراعات لا يسمح بالدخول في أي صراعات جديدة. وأضاف أن الأولوية في هذه المرحلة هي إعادة البناء والاستقرار، وليس الانجرار إلى صراعات قد تؤدي إلى مزيد من الدمار.

وذكر أن الحلول الدبلوماسية هي السبيل الوحيد لضمان الأمن والاستقرار «بعيداً عن أي مغامرات عسكرية غير محسوبة».