المباني سابقة التجهيز تعيد رسم مستقبل العقارات في الهند

في ظل المزايا التي تفوق العيوب إضافة إلى اختصارها الكبير للوقت

البناء التقليدي باستخدام الطوب والقرميد لم يعد مجدياً حسب الخبراء وأصبح من الضروري إفساح المجال أمام المباني والمواد الجاهزة (الشرق الأوسط)
البناء التقليدي باستخدام الطوب والقرميد لم يعد مجدياً حسب الخبراء وأصبح من الضروري إفساح المجال أمام المباني والمواد الجاهزة (الشرق الأوسط)
TT

المباني سابقة التجهيز تعيد رسم مستقبل العقارات في الهند

البناء التقليدي باستخدام الطوب والقرميد لم يعد مجدياً حسب الخبراء وأصبح من الضروري إفساح المجال أمام المباني والمواد الجاهزة (الشرق الأوسط)
البناء التقليدي باستخدام الطوب والقرميد لم يعد مجدياً حسب الخبراء وأصبح من الضروري إفساح المجال أمام المباني والمواد الجاهزة (الشرق الأوسط)

يستخدم العاملون في مجال العقارات في الهند الآن هياكل ومواد مسبقة الصنع في البناء بعد أن هجروا طريقة البناء التقليدية باستخدام «الطوب والقرميد». ووفقاً للإحصاءات، يُتوقع أن يكون قطاع البناء الهندي ثالث أكبر صناعة إنشاءات في العالم بحلول عام 2025، وأن يصل حجم رأسمال ذلك القطاع إلى تريليون دولار ويسهم بأكثر من 15% من إجمالي الناتج المحلي.
تحتاج الهند إلى 50 مليون منزل بحلول عام 2022 في إطار برنامج الإسكان الحكومي للجميع، وهناك أكثر من 90 مدينة ذكية يجري التخطيط لها. ولتحقيق هذا الإنجاز الضخم في زمن قصير، يشير خبراء الصناعة إلى ضرورة البناء خارج الموقع وإلى استخدام الوحدات المعيارية الجاهزة. على الصعيد العالمي، يعد برج خليفة ودار أوبرا سيدني أمثلة رائدة على هذه التكنولوجيا.

ماذا يعني التجهيز المسبق؟
التجهيز المسبق هو تقنية يجري فيها بناء المباني من خلال جمع المكونات التي تُجلب من خارج الموقع سواء من مصنع أو من موقع تصنيع ثم يجري نقلها إلى موقع البناء للتجميع، حيث يجري تثبيت الأجزاء معاً بسهولة وبسرعة في الموقع. يشتمل بعض المواد الجاهزة المستخدمة على إطارات فولاذية للهياكل وألواح مصنوعة من الخشب والإسمنت والجص ومواد أخرى للأرضيات والجدران والسقوف والأبواب والنوافذ وأجهزة التهوية المنتجة في المصانع.
أصبحت بيئات المصنع المدمجة التي يجري التحكم فيها بدرجة كبيرة شائعة للغاية نظراً إلى إمكانية تصنيع المكونات المهمة للمبنى في مكان آخر ثم إحضارها مباشرة إلى الموقع لتثبيتها. في حالة المباني الجاهزة بالكامل، يجري إنشاء الأساس فقط في الموقع ثم يجري نقل جميع الأجزاء الأخرى كالجدران والنوافذ إلى الموقع لتثبيتها معاً.

اللاعبون الرئيسيون في الميدان
هناك عدد من اللاعبين من بينهم شركات مثل «لارسن وتوبرو»، و«بانتشيل ريالتي»، و«سوبها ديفلوبرز»، و«لودها غروب»، «تاتا هاوسنغ»، و«شابورجي بالونجي دفيلوبرز»، و«سوبتر تيك»، و«بريدج غروب» قامت ببناء مشاريع تضمنت البنية الفوقية سابقة التجهيز بالكامل، ودعت المنظمات الحكومية مثل «هيئة تطوير دلهي» إلى مناقصات لبناء المنازل باستخدام التكنولوجيا الجاهزة.
وفي هذا الصدد، قال، ساشين ساندهير مدير فرع شركة «آر آي سي إس» للعقارات بجنوب شرقي آسيا، وهي شركة تضم خبراء في العقارات، «نظراً لمتطلبات 26.5 مليون وحدة سكنية ميسورة التكلفة في الهند وتحديات تنفيذ المشروع ونقص الموارد البشرية، فإن البناء التقليدي باستخدام الطوب والقرميد لم يعد مجدياً، وأصبح من الضروري إفساح المجال أمام المباني والمواد الجاهزة. يمكن استخدام تقنيات المباني الجاهزة في بناء المنازل بسرعة وبتكلفة معقولة، خصوصاً مع استمرار ارتفاع تكاليف الإنشاءات التقليدية. ونظراً لأن تكلفة الاقتراض مرتفعة ولأن المطورين يواجهون أزمة سيولة، فإن الوقت يعني المال، والبناء المعياري أسرع ويعزز تدفق إيرادات البنائين».
أدى اهتمام الهند المتزايد بمثل هذا المشروع إلى دخول صناع عالميين إلى مجال التصنيع المسبق إلى البلاد. علاوة على ذلك، فإن قرار الحكومة في أواخر عام 2014 تخفيف الشروط السابقة المتعلقة بالاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 100% في العقارات أتاح تبنياً أسرع للتقنيات الجاهزة الحديثة.
تقوم شركة «كي إي إف إنفرا» التي تتخذ من الإمارات مقراً لها، وهي الشركة المصنعة للمباني الجاهزة بمصنعها بمنطقة «كريشناجيري» بإقليم «تاميل نادو»، بإنشاء مصانع شاملة في حيدر آباد ولكنو ومومباي باستثمارات تقدر بـ300 مليون دولار للاستفادة من الطلب المتزايد على المباني الجاهزة في مختلف القطاعات.
بعض المشاريع التي قدمتها شركة «كي إي إف» تشمل إقامة مستشفى «ميترا هوسبيتال» على مساحة 400 ألف قدم مربعة بسعة 500 سرير على مرحلتين في ولاية كيرالا، و175 مطعماً من مطاعم «إنديان كانتينز» بولاية «كارناتاكا»، ومشروع مبانٍ تجارية على مساحة 1.7 مليون قدم مربعة تتعهد به شركة «إمباسي غروب»، ومشروع تجاري آخر تتعهد به شركة «إنفوسيس» على مساحة 500 ألف قدم مربعة.
وتعليقاً على الاتجاه الحديث إلى المباني سابقة التجهيز، قال فيصل كوتيكولون، مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة «كي إي إف هولنغز» التي تتخذ من دبي مقراً لها: «يمكننا تقديم أي نوع من المشاريع في المرة القادمة غير الطريقة التقليدية حيث يجري تصنيع كل شيء مسبقاً في مصنعنا ثم يجري تجميعه في الحال. نحن نستخدم طريقة الكتالوج لمنح العملاء خيار اختيار تصميمهم الخاص، وبناءً على ذلك نقوم بتصنيع المباني في مصنعنا في (كريشناجيري). تشير التقديرات إلى أن الهدر في مبنى تقليدي عادي يبلغ نحو 12%، لكن معدل الهدر لدينا لا يتخطى 2%، مما يؤهلنا للعمل في مناخ تنافسي».

التكلفة والوقت عنصران فعالان
يكتسب المفهوم زخماً كبيراً، حيث يعتقد البناؤون أن طريقة البناء الجاهزة تستهلك وقتاً أقل مما يؤدي إلى تسليم العقارات في الوقت المحدد. على الرغم من أن سعر المواد الجاهزة يفوق نظيرتها التقليدية بواقع يتراوح ما بين 15 و20%، فإن الكفاءة العالية وتقليل الهدر وتكاليف العمالة يمكن أن تخفض التكلفة الإجمالية للمباني الكبيرة بشكل كبير. كما أنها تلغي الحاجة إلى الأنشطة الإضافية مثل التجصيص والأسلاك الكهربائية والسباكة حيث تتم في مرحلة الصب نفسها.
وفي السياق ذاته، قال سانجاي دوت، المسؤول التنفيذي لعمليات الهند بشركة «أساندز سينغبريدج»، إن «المباني الجاهزة والهياكل المركّبة والصلب كلها مصممة لتقليل الوقت. بصفة عامة، فإن التكلفة أعلى قليلاً لكن الوقت المدّخر وفائدة القروض البنكية التي يجرى توفيرها كلها أمور مفيدة». قامت شركة «بنشيل رياليتي» ببناء أبراج «بانشيل تاورز» السكنية باستخدام تكنولوجيا البناء الجاف، حيث لم يجري فيها استخدام الطوب أو الجص، ناهيك بتوفير أكثر من مليون لتر من المياه.
إلى أي مدى كانت تلك التكنولوجيا تعد أسرع مقارنةً بمباني الطوب التقليدي والقرميد؟
أفاد أتول شوردا، رئيس شركة «بانشيل»، بأن التكنولوجيا الألمانية التي استخدمها كانت أكثر كلفة بواقع 12%، لكن الأمر استغرق منه ثلاث سنوات ونصف السنة فقط للانتهاء من 6 مبانٍ تضم 600 شقة. استطرد قائلاً: «إذا سلكنا الطريق المعتاد، فربما استغرق الأمر 10 سنوات».
استثمرت الشركة أيضاً 150 مليون روبية لإنشاء مصنع بضواحي منطقة «بون» لتصنيع وحدات الحمامات «باث بوتس» وهي عبارة عن حمامات ذاتية الدعم سابقة التجهيز مع أرضية أساسية وجدران وأسقف يجري إحضارها إلى الموقع.
لكن هذه السرعة لا بد أن تصاحبها زيادة في التكلفة، حيث إن استخدام هذه التكنولوجيا يزيد الكلفة بواقع 5 - 10%، حسب المختصين. وأفاد راميش سانكا، الرئيس التنفيذي لشركة «آر آي أو» معلقاً: «نعم، إنها أكثر كلفة من البناء العادي، لكنك ستوفر ما يقرب من 6 إلى 12 شهراً من وقت البناء الذي سيتحول في النهاية إلى مدخرات لنا وستُجنى الإيجارات مبكراً». ولإتمام هذا الغرض، أقامت شركة «آي آر آي أو» مصنعاً بالقرب من موقع البناء لتصنيع جدران مسبقة الصب.
وفي الإطار ذاته، قال بي مرالديهران، نائب رئيس وحدة تصنيع الخرسانة الجاهزة بشركة «سوبها دفيلوبرز»، إنهم يستخدمون تكنولوجيا مسبقة الصب في مشروع تبلغ مساحته سبعة ملايين قدم مربعة ويضم 66 برجاً. إن تطوير الجدران والهياكل الداعمة يجري صنعها بمصنع «سوبها» ويجري تقطيعها بالمصنع. استطرد موراليدهاران: «على سبيل المثال، إن بناء برج مؤلف من 15 طابقاً يستغرق 36 شهراً، لكننا انتهينا منه في 15 شهراً فقط».
وصرح رامكريشان بي، الرئيس التنفيذي للعمليات بمجموعة «لودها»، إنه يستكشف إمكانية القيام بعمل هيكل فولاذ مركب لبرج تجاري من 40 طابقاً يتوقع تسليمه في غضون 30 إلى 36 شهراً. يشمل بعض الأساليب التي اتبعتها شركة «لودها» إعداد سلالم مسبقة الصنع، وجدران من الجص، وأنظمة إغلاق من الألمنيوم. ويقول إن هذه الأنظمة ساعدت في ألا تستغرق دورة إعداد البلاط في المتوسط بين خمسة وثمانية أيام، وهذا يتوقف على ارتفاع المبنى.

مساحة تجارية

لا يقتصر استخدام هذه التقنية على الوحدات السكنية فقط بل التجارية أيضاً لإنهاء مبنى خلال 12 - 15 شهراً مقارنة ًبنحو 20 إلى 24 شهراً باستخدام الطرق التقليدية. وباستخدام هذه التقنية أيضاً يجري بناء أجزاء من المبنى مثل الجدران في مصنع قريب ثم يجري نقلها إلى الموقع وتجميعها للانتهاء من المبنى.
ويقوم صندوق الأسهم الخاصة بشركة «غراوغرام» وشركة «آي آر آي أو» ببناء مشروع على مساحة 12 مليون قدم مربعة تشغل 11 فداناً من الأرض لإقامة مركز للمعلومات باستخدام هذه التكنولوجيا ذاتها. يقول مايك هولاند، الرئيس التنفيذي لشركة «أمباسي أوفيس باركس»، إن مبنى «بيلدر إمباسي» مقام على مساحة 1.5 مليون قدم مربعة بمشروع «أمباسي تك فيليدج» على الطريق الدائري الخارجي في «بنغالورو»، وسيتم الانتهاء منه في 13.5 شهر. وتستكشف شركة «سالاربوريا ساتفا» إمكانية استخدام هذه التكنولوجيا لبناء ما تبقى من مجمع تجاري تبلغ مساحته 6.5 مليون قدم مربعة في حيدر آباد.
وقال بيجاي أغاروال، المدير الإداري لمجموعة «سالاربوريا ساتفا»: «نريد خفض وقت البناء الذي سيساعدنا في استغلال المساحة بسرعة. إن التحدي الأكبر للبناة يكمن في التوقيت، حيث يقول رام تشانداني، المدير الإداري للخدمات الاستشارية والمعاملات بشركة «سي بي آر إي» بجنوب آسيا: «من خلال المباني الجاهزة يمكنهم إنجاز المباني بشكل أسرع وتلبية الطلب». ويشير أغاروال إلى أنه في الأسواق الكبيرة، لا يوجد شيء جاهز أمام للعملاء، فأي شيء قيد الإنشاء قد جرى تأجيره بالفعل. ويقول شانداني إن بعض شركات البناء تستخدم التكنولوجيا المصممة لتناسب المباني التي يجري تصنيعها للشركات.
يمكن أن يؤدي استخدام تقنيات المباني الجاهزة أيضاً إلى إطالة العمر الافتراضي للمباني. يتراوح العمر الافتراضي للمباني المشيدة باستخدام تقنيات المباني الجاهزة ما بين 30 و50 سنة، وهو نفس عمر المباني التي تستخدم الطرق التقليدية. كما أن استخدام المواد الجاهزة في المباني يوفر مرونة من حيث قابلية التوسع وإضافة التعديلات، إذ إن غالبية هذه المباني عبارة عن وحدات ذات كتل مستقلة يمكن إضافتها أو إزالتها، مما يطيل من عمر المبنى.

التحديات
ومع ذلك، فإن المباني الجاهزة تنطوي أيضاً على بعض العيوب. على سبيل المثال، يتطلب التصنيع المسبق عمالة ماهرة، حيث إن التجميع الدقيق للمنزل ضروري، وإلا فقد يؤدي التجميع غير المناسب إلى مشكلات منها حدوث تسريبات. ونظراً لأن معظم أعمال البناء تتطلب إجراء تعديلات في الموقع، فإن التصنيع المسبق يحدّ من خيار التعديلات في نطاق تصميم المبنى، ناهيك بارتفاع كلفة النقل.
إن توافر الأراضي يمثل تحدياً إضافياً، حيث يجري بناء العديد من المنازل الجاهزة في موقع المنازل المهدمة أو في أجزاء من أراضي المنازل القائمة، ويتطلب التصنيع المسبق قطعاً متقنة بحرفية عالية لضمان نجاحها. وفي ظل المزايا التي تفوق العيوب، فإن التصنيع المسبق من شأنه أنه يعيد رسم مستقبل العقارات في الهند.



جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
TT

جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه

غالباً ما ينظر النشطاء في مجال الإسكان بالولايات المتحدة الأميركية إلى بناء المباني السكنية الجديدة على أنه هو المشكلة، حيث يتم السماح للمطورين العقاريين ببناء مزيد من المساكن، لا سيما في الأحياء الفقيرة، مما يجعل المستأجرين والجيران في هذه المناطق يخشون من ارتفاع أسعار السوق وزيادة تكلفة الإيجارات عليهم، في حين يميل الاقتصاديون، من ناحية أخرى، إلى رؤية المباني الجديدة بوصفها الحل وليست المشكلة، حيث يقولون إن الطريقة الوحيدة لتخفيف النقص في عدد الشقق، الذي بدوره يؤدي إلى رفع الإيجارات، هي بناء مزيد من المساكن، فهم يؤكدون أن بناء ما يكفي من المساكن سيؤدي لانخفاض الإيجارات بشكل عام.
وتعدّ الإشكالية بين هذين الرأيين أساس حالة الجدل المثارة حول البناء الفردي والمعارك الأوسع حول كيفية تخفيف أزمة الإسكان في الولايات المتحدة. وحتى وقت قريب، لم تكن هناك أي بيانات تقريباً على نطاق الأحياء لحل هذه الأزمة، ويبدو أن كلا الرأيين صحيح في الوقت نفسه، فالمساكن الجديدة قد تساعد في خفض الإيجارات في مناطق المترو على سبيل المثال وذلك حتى في الوقت الذي قد يعني فيه ذلك زيادة الطلب على هذه المناطق مما يزيد من قيمة الإيجارات فيها.
وتقدم دراسات جديدة عدة أخيراً بعض الأدلة المشجعة، إن لم تكن كاملة، حيث نظر الباحثون في جامعة نيويورك و«معهد آب جون»، وجامعة مينيسوتا، إلى ما يحدث بشكل مباشر مع بناء المساكن الجديدة، واسعة النطاق، والتي تُباع بسعر السوق (دون قيود على قيمة الإيجار)، حيث تشير دراسات عدة بالفعل إلى أن المناطق التي تبني مزيداً من المساكن تكون أسعارها معقولة، وتتساءل هذه الدراسات الحديثة عما إذا كان هذا النمط يظل ثابتاً عند النظر إلى بناء المساكن الفردية وليس المجمعات السكنية الكبيرة.
وتشير النتائج، مجتمعة، إلى أن المساكن الجديدة يمكن أن تخفف من حدة ارتفاع الإيجارات في المباني الأخرى القريبة، لكن جاء رأي هذه النتائج مختلطاً حول ما إذا كان المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض يستفيدون بشكل مباشر من المباني الجديدة أيضاً.
وتمثل أنواع المباني التي تصفها هذه الدراسات، والتي تخضع لسعر السوق وتتكون من 50 وحدة سكنية أو أكثر، غالبية المباني الجديدة الآن، كما تستهدف الغالبية العظمى من الشقق الجديدة اليوم المستأجرين من ذوي الدخل المرتفع، حيث يبلغ متوسط الإيجار لوحدة جديدة الآن 1620 دولاراً أميركياً في الشهر، أي أعلى بنسبة 78 في المائة من متوسط الإيجار على مستوى البلاد، وذلك وفقاً لـ«مركز هارفارد المشترك للدراسات الإسكانية»، (كما أن الهوة بين هذه الأرقام آخذة في الاتساع)، وتميل هذه المباني أيضاً إلى أن تكون الأكثر ظهوراً في المعارك المتعلقة بالإسكان في مختلف الأحياء الأميركية.
وتقول الزميلة في «مركز فورمان» بجامعة نيويورك، والتي درست تأثير المباني الجديدة في نيويورك، شياودي لي: «المستأجرون لا يحبون فكرة بناء المباني الشاهقة الجديدة، وذلك لأنهم يجدون هناك ارتفاعاً أيضاً في قيمة الإيجارات لديهم».
وقد يفترض الجيران أن المباني الجديدة تتسبب في ارتفاع الإيجارات، وهذا أمر مبرر إذا كانت المباني الجديدة تجذب كثيراً من السكان الأكثر ثراءً، والذين بدورهم يجذبون وسائل الراحة الراقية التي تجعل الحي مرغوباً فيه بشكل أكبر.
وتضيف لي: «السؤال الرئيسي هنا هو: ما التأثير الحقيقي لبناء هذه المباني؟». وقد وجدت لي أن المباني الجديدة في نيويورك تجذب مزيداً من المطاعم والمقاهي في المناطق المجاورة، لكنها خلصت إلى أن أي تأثير قد يؤدي لرفع الإيجارات في المناطق المجاورة لهذه المرافق، سيتم وقفه بسبب زيادة المعروض من المباني، وهو الأمر الذي يؤدي لخفض الإيجارات، كما وجدت أنه مقابل كل زيادة بنسبة 10 في المائة في المعروض من المساكن، فإن إيجارات العقارات التي تقع على مسافة 500 قدم تنخفض بنسبة واحد في المائة، وذلك مقارنة بالمناطق الأخرى التي يرتفع فيها الطلب.
ولكن يبدو أن هذه الفوائد ستذهب للمستأجرين في المباني الراقية والمتوسطة القريبة، حيث يفترض أن مالكي العقارات يرون منافسة جديدة في الجوار مما يدفعهم لتعديل قيمة إيجارات مساكنهم بما يتناسب مع هذه المنافسة، لكن «لي» وجدت أن المباني الجديدة ليس لها أي تأثير على إيجار العقارات التي تقع على بُعد أكثر من 500 قدم، وأنها لا تؤثر أيضاً على إيجارات الوحدات منخفضة التكلفة القريبة، وذلك لأنه ربما لا يرى ملاك هذه الوحدات الأبراج الفاخرة الجديدة على أنها منافسة لهم بشكل مباشر.
وفي دراسة منفصلة، وجد براين أسكويث وإيفان ماست من «معهد آب جون»، وديفين ريد في «بنك فيلادلفيا الفيدرالي»، مجموعة مماثلة من النتائج في 11 مدينة رئيسية، بما في ذلك أتلانتا وأوستن وشيكاغو ودنفر، وشملت الدراسة المباني الجديدة التي تضم 50 وحدة على الأقل والتي تم بناؤها في أحياء يقطنها ذوو الدخل المنخفض في وسط المدينة، ويقدر هؤلاء الباحثون أن هذه المباني الجديدة تؤدي لخفض الإيجارات بنسبة بين 5 و7 في المائة في المناطق المجاورة بشكل مباشر، وذلك مقارنة بقيمة الإيجارات المتوقعة في حال لم يكن قد تم بناء هذه المباني الجديدة.
ولكن لا تعني الدراسة أن الإيجارات تنخفض بالفعل، إلا إنها تشير، بدلاً من ذلك، إلى أن المباني الجديدة تبطئ وتيرة زيادة الإيجارات في أنواع الأحياء التي يصفها المطورون العقاريون بأنها مرتفعة بالفعل، حيث إنه بحلول الوقت الذي يصل فيه هؤلاء المطورون إلى حي ما، خصوصاً مع وجود خطط لمشاريع كبيرة الحجم، فإنه من المرجح أن ترتفع الإيجارات بشكل سريع.
وعن تفسيره النتائج التي توصل إليها في اجتماع عام بشأن الرؤية السابقة، يقول ماست: «الأثرياء يتطلعون بالفعل إلى الانتقال إلى حي ما، ولذلك فإنه يمكننا بناء ذلك المبنى الذي يمنحهم شكل الوحدة التي يريدون أن يعيشوا فيها، وفي حال لم نفعل ذلك، فإنهم سيقومون بشراء وحدة في مكان قريب ثم سيقومون بتجديدها».
وقد يكون هذا الرأي غير مريح بالنسبة للمقيمين في الأحياء منذ فترة طويلة، خصوصاً أولئك الذين يشعرون بالقلق من التغيرات التي تحدث في أحيائهم والتي تتجاوز فكرة قيمة الإيجارات فقط، لكنه يمثل رداً على نقطة واحدة على الأقل فيما يخص الجدل المثار حول بناء المباني السكنية الجديدة.
ويقول الأستاذ في جامعة نيويورك، إنغريد غولد إيلين: «هذه النتائج تشير ببساطة إلى أن بناء مزيد من المساكن في أحد الأحياء لن يؤدي إلى تفاقم أعباء الإيجار المرتفعة، ولكنه قد يساعد في التخفيف من حدتها».
ويأتي أحد التحذيرات في الأبحاث التي أجراها أنتوني داميانو وكريس فرينير، اللذان يدرسان للحصول على الدكتوراه في جامعة مينيسوتا، حيث قاما بدراسة المباني الجديدة واسعة النطاق التي بنيت في مينابولس، وقد وجدوا أن بناء المساكن الجديدة قد ساعد في تخفيف حدة ارتفاع قيمة الإيجارات للوحدات الراقية القريبة، لكنهم خلصوا إلى أنه في الثلث الأسفل من السوق يكون للمباني الجديدة تأثير معاكس، حيث ترتفع قيمة الإيجار بشكل سريع.
ومن الممكن في بعض السياقات أن يتسبب بناء الشقق الجديدة، التي تباع وفقاً لسعر السوق، في قيام ملاك العقارات في المناطق القريبة بكبح جماح قيمة إيجار شققهم، لكنه قد يتسبب أيضاً في رؤية مجموعة أخرى من الملاك أن قيمة إيجاراتهم تعد قليلة مقارنة بالأسعار الجديدة، ومن المحتمل أن يشعر المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض بالغضب من المساكن الجديدة في البداية، وذلك حتى لو كانوا سيستفيدون منها على المدى الطويل، وذلك لأنه مع تقدم عُمر هذه المباني الجديدة، فإن أسعارها تصبح في المتناول.
وبشكل عام، فإن هناك أدلة في هذه الدراسات كافة على أن العرض والطلب يعملان على النحو الذي يتوقعه الاقتصاديون، وذلك حتى على نطاق الحي الواحد، ولكن هناك أيضاً أدلة على تحقيق مخاوف المستأجرين الأكثر فقراً.
ويقول داميانو: «هؤلاء هم الأشخاص الذين مروا بعدد كبير من التجديدات الحضرية، وإنشاء الطرق السريعة، والاستثمار العام في الإسكان، وإخفاقات التخطيط الأوسع والمؤسسات الحكومية على مرّ الأجيال، وأعتقد أن الخوف من مجرد جملة (مبنى جديد) هو خوف حقيقي ومبرر، والأمر متروك للمخططين وصانعي السياسات للنظر إلى تلك المخاوف بشكل جيد».

* خدمة «نيويورك تايمز»