(2) التحمت المدرعات الأردنية بالإسرائيلية فغاب سلاح الطيران عن معركة الكرامة

مذكرات الأمير زيد بن شاكر كما ترويها أرملته - قوات سعودية واجهت الإسرائيليين جنوب البحر الميت وقدّمت شهداء

الملك حسين والأمير زيد بن شاكر (إلى اليمين) وسط مجموعة من العسكريين
الملك حسين والأمير زيد بن شاكر (إلى اليمين) وسط مجموعة من العسكريين
TT

(2) التحمت المدرعات الأردنية بالإسرائيلية فغاب سلاح الطيران عن معركة الكرامة

الملك حسين والأمير زيد بن شاكر (إلى اليمين) وسط مجموعة من العسكريين
الملك حسين والأمير زيد بن شاكر (إلى اليمين) وسط مجموعة من العسكريين

بعد عقود هيمنت فيها رواية محددة عن مجريات معركة الكرامة ضد الإسرائيليين عام 1968، يكشف الأمير زيد بن شاكر، في مذكراته التي ترويها أرملته السيدة نوزاد الساطي والتي تصدر الشهر المقبل عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت - عمان، أن التحام المدرعات الأردنية بالمدرعات الإسرائيلية في المعركة حال دون مشاركة سلاح الطيران الإسرائيلي في القصف، وساعد في تحقيق الانتصار بعد سنة واحدة من نكسة حرب عام 1967. وتكشف المذكرات التي تصدر تحت عنوان «زيد بن شاكر... من السلاح إلى الانفتاح»، عن أن قوات سعودية (جزء من قوات عربية كانت في الأردن آنذاك) واجهت الإسرائيليين جنوب البحر الميت وقدّمت شهداء؛ الأمر الذي أتاح للأردنيين خوض المواجهة ضد القوات الاسرائيلية في قرية «الكرامة» التي كانت فصائل فدائية فلسطينية تتحصن فيها.
وفيما يأتي نص الحلقة الثانية من مذكرات زيد بن شاكر الذي كان واحداً من أشد المقربين من العاهل الأردني الراحل الملك حسين:

كان على زيد ورفاق السلاح، عقب هزيمة 1967، مهمة متعددة الأبعاد، تتصل بدرجة أولى بإعادة بناء الروح المعنوية وصناعة الإرادة والإيمان بالذات، بعد الشعور بمرارة الهزيمة، والفجوة الكبيرة مع العدو في أرض المعركة. في حين تولى الحسين بدرجة كبيرة مهمة البحث، مرة أخرى، عن إعادة تسليح القوات المسلحة، في ظل تنامي الفجوة بين الأردن والولايات المتحدة، بسبب موقف الحسين في الحرب. أما الجانب الثالث، فتمثل بعملية إعادة توزيع القوات المسلحة للقيام بواجباتها بحماية الحدود والأمن الداخلي. وهي مهمات ثقيلة على الجميع.
‪‪في تلك المرحلة، وغداة الهزيمة مباشرة، برز مفهوم «حرب الاستنزاف» عربياً. وقد ألقى الحسين خطاباً مهماً في تلك الأيام، قال فيه إن أي عربي، وفلسطيني بشكل خاص، يريد أن يقاوم الاحتلال، فأبواب الأردن مفتوحة له ليكون قاعدة للعمل ضد الاحتلال. يقول زيد عن تلك المرحلة: «فتحنا أبواب البلد، فجاءتنا أعداد كبيرة. الفكرة كانت، في نظرنا، أن تبدأ عملية مقاومة للاحتلال داخل الأرض المحتلة. وكنا نأمل أن يستخدموا (الفصائل وقادتها) الأردن مكاناً لعبور المقاومين من حركة المقاومة الفلسطينية، إلى داخل الأرض المحتلة، لإقلاق الإسرائيليين وهزهم، على أساس أنه ليس بعد احتلال الأرض ينتهي كل شيء». وجاءت فعلاً أعداد كبيرة من الناس، كانوا في معظمهم فعلاً أناساً وطنيين يريدون محاربة الإسرائيليين وتحرير بلدهم. وكانت هناك أحزاب سياسية ممنوعة في الأردن، عندما فتحت الأبواب دخل قسم من هؤلاء الناس (من أعضاء تلك الأحزاب) واستغلوا القرار الذي اتخذه الأردن بالسماح لكل فلسطيني بشكل خاص بأن يتقدم ويشارك في مقاومة الاحتلال. تمكّن الفدائيون في البداية، بالتنسيق مع الجيش العربي، من إزعاج إسرائيل، كما يروي زيد: «فصارت قرية الكرامة قاعدة رئيسية من القواعد المنتشرة في كل المملكة لإخواننا الفلسطينيين الذين يريدون مقاومة الاحتلال. فكان لهم نشاط، وكنا في القوات المسلحة ندعمهم بمدفعية أو رشاشات إلى أن يعبروا النهر، وذلك على الرغم من دفع الأردن ثمن هذا الدعم والمساندة نتيجة الغارات الإسرائيلية المتواصلة على عمّان
ويضيف عن علاقة الجيش بالفدائيين، في المراحل الأولى بعد الهزيمة: «عندما كان الفدائيون ينهون مهمتهم ويعودون، كنا أيضاً نساعدهم عبر تغطيتهم بالنار حتى يستطيعوا العبور. فاتخذ الإسرائيليون قراراً بأن يقوموا بعملية كبيرة لتدمير هذه القاعدة الكبيرة».
بين يونيو (حزيران) 1967 ومارس (آذار) 1968، وقعت اشتباكات كثيرة، كان أعنفها في 15 فبراير (شباط) 1968؛ حين زادت وتيرة المواجهات بين الفدائيين والجيش العربي من جهة، والإسرائيليين من جهة أخرى. فقصفت إسرائيل قرابة 15 قرية في إربد والغور الشمالي، واستشهد جنود أردنيون - منهم الرائد منصور كريشان، قائد كتيبة الحسين الثانية الآلية - وهم يمنعون الجيش الإسرائيلي من التقدم، في مواجهة دامت ساعات عدة.
في مساء يوم الثلاثاء 19 مارس 1968، قدّم مدير الاستخبارات العسكرية غازي عربيات، تقريراً مهماً لقيادات الجيش، يقول فيه إن الهجوم الإسرائيلي سيكون صباح يوم الخميس 12 مارس، أي خلال 48 ساعة فقط. ومن ثم، أصبحت متواصلة الجهود المبذولة للاستعداد لهذه المعركة الحاسمة؛ لأن المدة قصيرة.
أدى زيد دوراً كبيراً خلال تلك الفترة في تجهيز الجيش للمعركة، وكان يجول على الجنود عشية «الكرامة»، ويقول: «نحن الآن أمام أنفسنا وأمام إرادتنا وإيماننا بالله عز وجل، فلن ننتظر طيراناً من سوريا ومصر، ولا مساعدة من أحد. وأعتقد أن الوقت حان لنبرهن نحن الجنود كيف ندافع عن وطننا».
يوم الأربعاء، زار زيد (بصفته قائد اللواء 60 المدرع) مع قائد الفرقة الوحيدة في الجيش العربي اللواء مشهور حديثة، خطوط التماس مع الإسرائيليين، فتأكد أن المعركة باتت وشيكة.
ويتذكر زيد لاحقاً لحظات الترقب في اليوم الذي سبق المعركة بالقول: «قمنا بجولة في الوادي (يقصد وادي الأردن) كلّه، ومررنا على الكرامة، حيث شاهدنا بعض إخواننا الفدائيين الفلسطينيين يحفرون الخنادق. وفي الوقت نفسه نظرنا إلى الغرب فوجدنا حركة للقوات الإسرائيلية غرب النهر؛ إذ كانوا يحشدون دبابات ومدافع وآليات كبيرة، وكان واضحاً لنا من هذه الرؤية والمشاهدات أن الإسرائيليين قد عزموا على إجراء عملية عسكرية ضد الأردن. وكانوا لا يحاولون أن يتخذوا أي تمويه لخداع عدوهم (نحن)، ولا أي نوع من التستر؛ لم ينتظروا غياب الشمس والتحرك في الظلام».
بماذا نفسّر تلك الاستعدادات العلنية للجيش الإسرائيلي وعدم إخفاء خططهم وتحركاتهم؟ يجيب زيد: «كان واضحاً أنهم يتعاملون بشيء من العنجهية، نتيجة الانتصار الساحق قبلها بأشهر في عام 1967، كنا نحن الضباط الذين نشاهدهم بالمناظير نقول إنهم إما مجانين أو إنهم لا يعرفون مقدرة الجيش الأردني».
يضيف زيد في ملاحظاته واستنتاجاته من زيارته مع اللواء مشهور حديثة لوادي الأردن: «نظرنا وقدّرنا أن الهجوم الإسرائيلي وشيك، وهي مسألة ساعات فقط تفصلنا عنه. فقابلت قيادات الكتائب التابعة لي، وأعددنا التنسيق الأخير، وعدت إلى قيادة اللواء».
بالفعل، كما أكد تقرير الاستخبارات واستنتاجات زيد واللواء مشهور حديثة من زيارتهما يوم الأربعاء لخطوط التماس، بدأ الجيش الإسرائيلي الهجوم في تمام الساعة الخامسة فجراً من يوم الخميس.
يومها، رن جرس الهاتف في منزلنا، وكان على الطرف الآخر عامر خماش، رئيس هيئة الأركان، يخبر زيداً ببدء المعركة.
غادر زيد بسيارته، برفقة عيد الروضان، إلى مقر القيادة في النبي يوشع، على جبال السلط، حيث كانت قيادة القوات الأردنية. ويتحدث الروضان عن ذلك: «رأينا على الطريق سيارات (لوري) تحمل الذخيرة وتتعرض لقصف جوي إسرائيلي، قادمة من الزرقاء. فطلب مني أبو شاكر أن أنزل من السيارة إلى السيارة الأخرى التي كانت ترافقنا، وأوجههم إلى الطريق الصحيحة للوصول إلى القوات المسلحة، في حين توجه هو إلى مقر القيادة حيث كان هو واللواء مشهور حديثة يديران المعركة».


 (الحلقة الأولى)
زيد بن شاكر: معلومات مصرية وضغوط دفعت بالملك حسين إلى حرب 1967


كانت القوات الأردنية عبارة عن فرقة مشاة تسيطر على المعابر المؤدية إلى عمّان ومدينة السلط، مؤلفة من ثلاثة ألوية موزعة على هذه الخوانق المؤدية إلى الجبل، تسليحها هو تسليح مشاة عادي مع إسناد مدفعي وهندسي. وكان هناك أيضاً اللواء 60 المدرّع الذي يقوده زيد، وبعض التواجد للقوات الخاصة بأسلحة قنص الدروع. أما الفدائيون، فكانوا متواجدين في منطقة الكرامة نفسها، وقد نسّق معهم زيد وقادة الجيش العربي في الليلة السابقة؛ لأنه كان من الواضح أن العملية بالنسبة لنا دفاعية.
يتحدث زيد عن المسار العام للمعركة بالقول: «كانت كل القوة الإسرائيلية التي أتت عبارة عن فرقة من مدرعات وآليات مشاة، حاولوا العبور من ثلاثة محاور: طريق القدس - عمان الرئيسية، طريق القدس - عمان عن طريق الشونة الجنوبية، وطريق نابلس - عمان عن طريق داميا، وهي قرية صغيرة. ‪في المحور الأول فشلوا؛ إذ كانت هناك دبابات قاومتهم ولم يستطيعوا العبور. لكنهم نجحوا في العبور من منطقة جسر الملك حسين الذي يؤدي من أريحا إلى الشونة الجنوبية، ومعظم قواتهم عبرت من هناك. كما أن هناك قوة عبرت نهر الأردن على جسر الأمير محمد في قرية داميا، وهي طريق نابلس - عمان. في المقابل، كانت قواتنا المدرعة والمدفعية موزعة، ولدينا توقعات دقيقة حول خطتهم؛ فلم يكن هناك عنصر مفاجأة. أيضاً، قاموا بهجوم تمويه في منطقة غور الصافي جنوب البحر الميت، وكانت تتواجد هناك قوات من الجيش السعودي واجهت العدو في تلك المنطقة، وسمحت لنا بمواجهة العدو في المنطقة الرئيسية الكرامة. وقد قدم السعوديون شهداء في هذه المعركة».
الهجوم كان بداية بالدبابات بإسناد مدفعي. ثم دخلت قوات المشاة الآلية بآليات مدرعة. واستمرت المعركة من الخامسة والنصف فجراً عندما عبروا، حتى الساعة العاشرة والنصف أو الحادية عشرة ظهراً، حين طلبوا - من خلال الأمم المتحدة - وقف إطلاق النار للسماح لهم بالانسحاب. وقد رفض الملك ذلك، إلا أن ينسحبوا من أرض المعركة ويعودوا خلف النهر. فاستمرت المعركة وبدأوا الانسحاب نحو الساعة الثانية عشرة والنصف. وتابعناهم إلى أن عبروا النهر. في الثامنة مساءً، انتهى الاشتباك. وكان علينا التأكد من أنه لم يبق أحد في أرض المعركة أو كمائن. واستمر عملنا هذا حتى الساعة الحادية عشرة مساء (وهو ما يسمى «تطهير الأرض»)، ولم نجد أحداً. لكنها كانت عملية دقيقة وضرورية للتأكد من أنه لم يبق أحد من أفراد العدو أو مجموعة داخل الأراضي الأردنية.
يروي الروضان، وكان رفيقاً لزيد في هذه المعركة أيضاً، مشهد المعالم الأولى للنصر: «بعد ساعات من بدء القتال، بدأت معالم الانتصار واضحة. ولم يكن أبو شاكر يطيق الانتظار أكثر في مقر القيادة، فتوجهنا بالسيارة إلى وادي شعيب، حيث كان يقود القوات الزعيم كاسب صفوق قائد قوات محور وادي شعيب في الكرامة».
على الرغم من الدور المحدود الذي قامت به المنظمات الفلسطينية في معركة الكرامة، فإن زيد لم يكن متحاملاً عليهم في تقييم ذلك (حتى بعد 23 عاماً، أي خلال مقابلته مع عماد الدين أديب)؛ إذ يقول: «كي أكون منصفاً، لم يكن لهم - أي الفدائيين - مجال للحركة، إلا أنهم عبارة عن أفراد مشاة بأسلحة خفيفة ولم يكونوا متخندقين... فكان من الصعب على الفدائيين أن يقاوموا هذه القوة إلا بأسلحة الدروع مثل (آر بي جيه) التي لا بد أنهم كانوا يمتلكون شيئاً منها».
أما نتائج المعركة فكانت، كما يلخصها زيد: «خسائرهم (أي الإسرائيليين) كانت كبيرة. تركوا لأول مرة في تاريخهم آليات وجثثا لجنودهم في أرض المعركة (دبابات وآليات ثقيلة وسيارات جيب).
أما عن خسائر الجانب الأردني فهي 85 شهيداً من القوات المسلحة الأردنية. كان قتالاً شرساً جداً، والمعركة استمرت 15 ساعة».
ما هو أهم من الخسائر المادية والبشرية في الجيش الإسرائيلي، كانت النتائج المعنوية للنصر. فكما يقول زيد: أسطورة الجيش الذي لا يقهر تحطمت في الكرامة وفي رأس العش، وكذلك استعادت قواتنا المسلحة ثقتها بنفسها وأصبحت معنوياتها عالية بعد المعركة، ونزعت عن نفسها ثوب الهزيمة المذلة في عام 1967، وأصبحت لدينا قناعة بعد «الكرامة»، بل هي أشبه باليقين، بأن علينا الاعتماد على أنفسنا بدرجة رئيسية؛ فالحروب لا تقاس بالكلام والخطابات العاطفية، بل بالخطط والاستعداد والعزيمة الصادقة.
ومن القصص المؤثرة التي تعكس حجم الفرق بين معنويات جنودنا في حرب 1967 ومعركة الكرامة، تلك التي يرويها فاضل فهيد، وكان قائداً لسرية مدرعات في الكرامة، عن بعض الأفراد والضباط «ممن شعروا بأنهم في موقع الشبهات في حرب 1967، فوجدوا في معركة الكرامة فرصة لرد الاعتبار، وأنه قد جاء اليوم ليغسلوا العار. وكان نقل إلى سريتي 24 فرداً بعد تلك الحرب، بأمر من زيد. فدخلوا معي المعركة واستشهد منم 18 فرداً». ويضيف: «مما أثر فيّ كثيراً أن زيد كان قد اصطحبني في يوم الجمعة الذي سبق معركة الكرامة (15 مارس) لزيارة جنوده في الغور؛ إذ كان يحب قيادة السيارة كنوع من الاسترخاء والراحة بعد العمل المجهد. وهناك تناولنا معهم (شاي عسكر)، كما يسميه الجنود، ويمتاز بكثرة السكّر. كما تعرفت على راتب محمد السعد البطاينة ومرشح ضابط عارف محمود الشخشير من نابلس، واللذين استشهدا في المعركة. وتعرفي بهؤلاء الشباب جعل تأثري باستشهاد عدد منهم كبيراً. وفقدانهم هو ما عكر فرحة النصر أيضاً».
عاد زيد ومعه اللواء مشهور حديثة من أرض المعركة إلى منزلنا في الساعة الواحدة والنصف فجر الجمعة 22 مارس. وطلب مني تجهيز العشاء، فأخبرته بأن ليس هناك أي وجبة جاهزة، فقال لي: «إقلي لنا بيضاً». فصنعت لهما «مفرّكة بطاطا مع بيض»، وجلست معهما بينما كانا يتحدثان عن المعركة، ويستعيدان تفاصيل ما حدث فيها بروح منتشية، ويحللان أسباب انتصارنا. وكنت لا أتوقف عن مقاطعتهما بأسئلة من لا يصدق نفسه لفرح ما يسمع؛ هل فعلاً انتصرنا على إسرائيل؟ هل فعلاً طلبوا وقف إطلاق النار؟ وهما يؤكدان ذلك لي معيدين تفاصيل ما حدث. في تلك اللحظة بدأت أبكي من شدة الفرح. لم أصدق نفسي وأنا أسمع خبر الانتصار؛ من كان يصدق ذلك؟‪!‬‬‬
أخيراً صار هناك جيش عربي يستطيع أن ينتصر على الإسرائيليين. وقفزت على الفور أمامي صور الهزيمة المذلة في 1967، وتعامل الإعلام الغربي معنا، نحن العرب، بعدها. وخرجت أمامي المرارة التي كنا نذوقها دوماً في الأردن، عبر الاتهامات الإعلامية والسياسية بالعمالة، ثم بعد ذلك يصمد الجيش الأردني وهو لم يتعافَ بعد من آثار هزيمة 1967.
وعلى الرغم من فرحة النصر، فإن زيد ومشهور كانا حزينين - في الوقت نفسه - على سقوط شهداء وجرحى من الجيش العربي. وكانت أول مرة أرى فيها دمعة زيد بعد «الكرامة»، وهو يتذكر الشهداء من رفاق السلاح! ففي اليوم التالي للمعركة لعودته، وكان يوم سبت، نظر إليّ بينما كان يرتدي زيه العسكري وقال: اليوم تنتظرني مهمة أصعب من مهمة أمس، وهي كيف سأخبر، شخصياً، أهل الشهداء بخبر استشهادهم! ثم ذرفت الدموع من عينيه‪.‬‬‬
أحد أهم أسباب الانتصار العسكري في «الكرامة»، برأي زيد، هو عجز سلاح الجو الإسرائيلي عن دخول المعركة. لكن على عكس التفكير الشائع حينها بأن الجو الغائم هو ما منع الطائرات الإسرائيلية من المشاركة بكفاءة، فإن لزيد رأياً آخر؛ إذ يقول إن الغيوم لم تمنع استخدام سلاح الجو، بل السبب الجوهري برأيه هو الالتحام السريع بين الدروع الأردنية والإسرائيلية، ما كان يعني إصابة الدروع الإسرائيلية بنيران إسرائيلية في حال استخدام سلاح الجو. وقد ظن الإسرائيليون أنهم باستخدام الدروع سيصلون إلى قاعدة للفدائيين في مزرعة الملك عبد الله المؤسس في الشونة؛ إذ تبين - خلال فترة المعركة - أنها هي هدفهم الرئيس. ولم يتوقع الإسرائيليون أن تنجح المدرعات الأردنية في صدهم بعد الدمار الذي لحق بالعتاد الأردني في حرب 1967.


تقرير دولي يتهم مخابرات الحوثيين بالسيطرة على المساعدات الإنسانية

جهاز مخابرات الحوثيين اعتقل عشرات الموظفين الأمميين وعمال المنظمات الدولية والمحلية (إعلام حوثي)
جهاز مخابرات الحوثيين اعتقل عشرات الموظفين الأمميين وعمال المنظمات الدولية والمحلية (إعلام حوثي)
TT

تقرير دولي يتهم مخابرات الحوثيين بالسيطرة على المساعدات الإنسانية

جهاز مخابرات الحوثيين اعتقل عشرات الموظفين الأمميين وعمال المنظمات الدولية والمحلية (إعلام حوثي)
جهاز مخابرات الحوثيين اعتقل عشرات الموظفين الأمميين وعمال المنظمات الدولية والمحلية (إعلام حوثي)

اتهم تقرير دولي حديث مخابرات الحوثيين بالسيطرة، طوال السنوات الماضية، على المساعدات الإنسانية وتوجيهها لخدمة الجماعة الانقلابية، وذكر أن عدداً من كبار المسؤولين فيما يُسمَّى «جهاز الأمن والمخابرات»، شاركوا في استهداف العاملين في مجال حقوق الإنسان وتعطيل المشاريع الإنسانية في سبيل جني الأموال وتجنيد عملاء في مناطق سيطرة الحكومة، بهدف إشاعة الفوضى.

التقرير الذي يستند إلى معلومات استخباراتية مفتوحة المصدر، وأعدَّه مركز مكافحة التطرف، ذكر أن كثيراً من كبار المسؤولين في المخابرات الحوثية شاركوا في استهداف العاملين بمجال حقوق الإنسان، ونشر التطرف بين جيل من اليمنيين (بمن في ذلك الأطفال)، وتعطيل المشاريع الإنسانية في البلاد من أجل جني مكاسب مالية شخصية، وإدارة شبكات مالية ومشتريات غامضة، وتجنيد العملاء لزرع الفوضى والدمار في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية.

عبد الحكيم الخيواني رئيس جهاز مخابرات الحوثيين مجتمعاً مع رئيس مجلس الحكم الانقلابي مهدي المشاط (إعلام حوثي)

ورأى التقرير أن المنظمات الدولية فشلت في صدّ مسؤولي المخابرات الحوثية الذين يمارسون السيطرة على مشاريعها أو ينسبون الفضل إليهم. وقال إنه، ومع أن الوضع الإنساني حساس للغاية؛ حيث يحتجز الحوثيون شعبهم رهينة ولا يعطون قيمة كبيرة للحياة البشرية، من الواجب اتخاذ تدابير إضافية للكشف عن مسؤولي المخابرات ومنعهم مِن استغلال أنشطة المنظمات الإنسانية.

واستعرض التقرير الدور الذي يلعبه جهاز مخابرات الحوثيين في التحكُّم بالمساعدات الإنسانية. وقال إن الحوثيين قاموا بحل الجهة المكلَّفة السيطرة على المساعدات، المعروفة باسم مجلس تنسيق الشؤون الإنسانية، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ونقلوا مسؤولياتها إلى وزارة الخارجية ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية في الحكومة الانقلابية غير المعترَف بها.

وأكد أن جهاز المخابرات الحوثي كان شريكاً رئيسياً لذلك المجلس في جمع المعلومات عن المنظمات الإنسانية وأنشطتها، وكذلك في فرض مطالبهم عليها. ومع ذلك، يؤكد التقرير أن حل المجلس لا يشير بالضرورة إلى نهاية مشاركة جهاز المخابرات في السيطرة على المساعدات وتحويلها.

استمرار السيطرة

نبَّه التقرير الدولي إلى أنه، وقبل أقل من شهرين من نقل مسؤوليات هذا المجلس إلى وزارة الخارجية في الحكومة الحوثية غير المعترف بها، تم تعيين عبد الواحد أبو راس نائباً لوزير الخارجية، وكان يشغل في السابق منصب وكيل المخابرات للعمليات الخارجية.

وبيّن التقرير سيطرة جهاز المخابرات على مجلس تنسيق الشؤون الإنسانية من خلال تسلُّل أفراده إلى مشاريع المساعدات، واحتجازه للعاملين في مجال المساعدات، وتعيين رئيس الجهاز عبد الحكيم الخيواني عضواً في مجلس إدارة المجلس.

عبد الواحد أبو راس انتقل إلى خارجية الحوثيين مع نقل صلاحيات تنسيق المساعدات الإنسانية معه (إعلام محلي)

ورجَّح مُعِدّ التقرير أن يكون نَقْل أبو راس إلى وزارة الخارجية مرتبطاً بنقل صلاحيات تنسيق المساعدات الإنسانية إلى هذه الوزارة، ورأى أن ذلك سيخلق رابطاً جديداً على مستوى عالٍ بين المخابرات والجهود المستمرة التي يبذلها الحوثيون لتحويل المساعدات الإنسانية، بعد انتهاء ولاية مجلس تنسيق الشؤون الإنسانية.

وأشار التقرير إلى أن حل المجلس الحوثي الأعلى لتنسيق الشؤون الإنسانية قد يكون نتيجة لضغوط دولية متزايدة على المنظمات الإنسانية لوقف التعاون مع هذه الهيئة الحوثية المعروفة بتعطيل وتحويل المساعدات.

ولاحَظَ التقرير أن مشكلة تحويل المساعدات من قبل الحوثيين كانت مستمرة لمدة تقارب عقداً من الزمن قبل إنهاء عمل هذا المجلس. وقال إنه ينبغي على الأقل استهداف هؤلاء الأفراد من خلال العقوبات وقطعهم عن الوصول إلى النظام المالي الدولي.

ومع مطالَبَة التقرير بانتظار كيف سيؤثر حل المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية على جهود تحويل المساعدات التي يبذلها الحوثيون، توقَّع أن يلعب أبو راس، المسؤول الكبير السابق في المخابرات العامة، دوراً رائداً في ضمان تخصيص أي موارد تدخل المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون لتعزيز مصالح سلطتهم.

استراتيجية أوسع

بشأن القيادي الحوثي، منتظر الرشيدي، الذي يشغل حالياً منصب مدير جهاز المخابرات في محافظة صنعاء، يذكر التقرير أنه يحضر الفعاليات الترويجية الحوثية الكبرى، مثل الافتتاح الكبير لمنشأتين طبيتين جديدتين في صنعاء (بتمويل من اليونيسيف) وافتتاح مشروع تنموي لبناء 20 وحدة سكنية جديدة.

طوال عقد وجَّه الحوثيون المساعدات الإنسانية لما يخدم مصالحهم (إعلام محلي)

وقال إنه من المرجح أن يكون هذا جزءاً من استراتيجية أوسع نطاقاً للحوثيين تهدف إلى الحصول على الفضل في أعمال البنية الأساسية، التي يتم تمويل كثير منها من قبل منظمات الإغاثة الإنسانية، بينما في الوقت نفسه يبتز جهاز المخابرات هذه الهيئات ذاتها ويضطهد موظفيها.

أما زيد المؤيد، فيشغل (بحسب التقرير) منصب مدير جهاز المخابرات الحوثية في محافظة إب؛ حيث يتخذ الحوثيون إجراءات وحشية بشكل خاص بسبب شكوك الجماعة تجاه سكان هذه المحافظة المختلفين مذهبياً.

ويورد التقرير أن الحوثيين وعدوا بالعفو عن أولئك الذين فرُّوا من حكمهم، فقط لكي يعتقل جهاز المخابرات ويعذب بعض العائدين. وقال إنه في حالة أخرى أصدروا مذكرة اعتقال بحق أطفال أحد المعارضين لهم في المحافظة.

وبحسب هذه البيانات، أظهر المؤيد مراراً وتكراراً أنه يدير إب وكأنها «دولة مافيا». وقال التقرير إنه في إحدى الحالات، كانت إحدى قريبات المؤيد تخطط للزواج من رجل من مكانة اجتماعية أدنى، وفقاً للتقسيم العرقي لدى الحوثيين، إلا أنه أمر جهاز المخابرات باختطاف المرأة لمنع الزواج.

الحوثيون متهمون بأنهم يديرون محافظة إب بطريقة عصابات المافيا (إعلام محلي)

وفي قضية منفصلة، يذكر التقرير أنه عندما أُدين أحد المنتمين للحوثيين بارتكاب جريمة قتل، اتصل المؤيد بالمحافظ للتأكد من عدم تنفيذ حكم الإعدام. وذكر أن المؤيد شغل سابقاً منصب مدير جهاز المخابرات في الحديدة؛ حيث ورد أنه أشرف على تهريب الأسلحة عبر مواني الحديدة الثلاثة (الحديدة، رأس عيسى، الصليف).

وفقاً لما جاء في التقرير، قام زيد المؤيد بتجنيد جواسيس للتسلل إلى الحكومة اليمنية، خصوصاً الجيش. وذكر التقرير أن الجواسيس الذين جنَّدهم كانوا مسؤولين عن بعض محاولات الاغتيال رفيعة المستوى ضد مسؤولين عسكريين يمنيين، بما في ذلك محاولة اغتيال رئيس أركان الجيش اليمني.

وسبق المؤيد في منصبه مديراً لجهاز المخابرات والأمن في إب العميد محمد (أبو هاشم) الضحياني، ويرجّح التقرير أنه خدم بسفارة الحوثيين في طهران قبل أن يتولى منصبه مديراً لجهاز المخابرات والأمن في إب.